أحمد العبداللّه
القصور الرئاسية؛(ثغرات)أم(ثغور)..(٢-٢)؟
إن قصة القصور الرئاسية والتي شُيّد معظمها خلال سنوات الحصار القاسية, موضوع ذو شجون من نواحٍ عدة, فبعد بدء العدوان الأطلسي في 20 آذار 2003, كان محور التقدم الرئيسي للعدو الذي احتل مطار صدّام الدولي يوم الثالث من نيسان, قد أتى من الجهتين الجنوبية والغربية للمطار, حيث موقع الرضوانية الرئاسي, أحد أكبر تلك المواقع, والذي يضم عشرات القصور الكبيرة والصغيرة, والبحيرات, والمزارع, والحقول, ويتولى الدفاع عنه وعن المطار؛فوجان متكاملان من أفواج الحرس الجمهوري الخاص, هما؛الثاني والثالث, بالإضافة لسريتين مستقلتين مرتبطتين بأمانة سر الحرس الجمهوري, وتعداد كل منهما يكاد يصل لفوج مشاة, ويبلغ مجموع تلك الوحدات مجتمعة حوالي الأربعة آلاف مقاتل تقريبا, أغلبيتهم الساحقة من المتطوعين المدربين جيدا.
ولكنهم لم يستطيعوا الصمود أمام جحافل العدو المتقدمة, وانهارت مقاومتهم خلال ساعات قليلة, واستشهد الكثير منهم*, وتسرّب من تبقى. لأن تلك القوة لم تُهيّأ لمواجهة جهد العدو الرئيسي المعزّز بالدبابات والمدرعات, ويمتلك سيادة جوية مطلقة. بينما تسليح الحرس الجمهوري الخاص يكاد يقتصر على الأسلحة الخفيفة والمتوسطة, وبلا دفاع جوي فعّال. كما إن آمري تلك الوحدات يفتقرون للخبرة القتالية والكفاءة القيادية, بعد غياب الجيل الذي شارك في صدِّ العدوان الإيراني في الثمانينات, وبمواجهة عدو متمرس ويمتلك الإصرار والعزيمة, ومسندا بترسانة من أحدث الأسلحة, وقوة نارية ساحقة.
إن أولئك الآمرين الذين تخرجوا في الكلية العسكرية أواخر الثمانينات أو مطلع التسعينات, وتتراوح رتبهم ما بين(رائد)و(مقدم),على أكثر تقدير, ولم يعيشوا أجواء الحروب أو ظروف القتال خلال خدمتهم العسكرية القصيرة نسبيا, لا نتوقع منهم الكثير, خاصة إذا عرفنا إن(بعضهم) كان العامل المرجّح لاختيارهم في مناصبهم هو(الثقة) وليست الخبرة والكفاءة. يضاف إلى ذلك الضعف القيادي لمقر الحرس الجمهوري الخاص, والذي كان آمره العميد الركن برزان عبد الغفور المجيد, وهو ضابط مكرّم؛(دمج؛بمصطلحات ما بعد 2003), وليس خريّج الكلية العسكرية, وشهادته لم تتجاوز المتوسطة أو دون ذلك, ومُنح الرتبة العسكرية بعد دخوله دورة قصيرة في كلية الضباط الاحتياط لمدة ستة أشهر, بعد أن كان جنديا في الحماية الخاصة, وأرسل إلى الأردن عام 1990, للحصول على شهادة الركن, وهي بمقارنتها بالأركان العراقية, لا تعد شيئا مذكورا, وخبرته القتالية وكفاءته العسكرية متدنية.
ووفقًا لرواية اللواء(علي خيون)؛ مدير التوجيه السياسي في الحرس الجمهوري, والتي حدّثني بها شخصيًّا, يوم الخامس من نيسان 2003, عندما تقابلنا صباح ذلك اليوم في مقرّ المديرية البديل في حي العامرية ببغداد؛ إن الرئيس صدّام حسين قد استدعى(برزان عبد الغفور)ليلة 3-4 نيسان, وأمره بقيادة الهجوم المقابل على المطار الذي احتلته القوات الأمريكية قبل ساعات, ولكن(برزان) لم يقد الهجوم بنفسه, بل دفع بمقدم اللواء العقيد الركن عبد الموجود عبد القادر, وفشل الهجوم. وهرب(برزان)** إلى سوريا عن طريق(ربيعة), في السابع من نيسان, تاركًا ساحة المعركة!!.
أما بعد الاحتلال, فقد تحوّلت تلك القصور الممتدة على مساحة العراق تقريبا, لمقرات محصنة للقوات الغازية, جاهزة ومجهزة بكل شيء, حتى بقطعان الغزلان التي كانوا يخلطون(الهيل)مع علفها ليطيب لحمها ويرضى عنهم الرئيس, ويغدق عليهم الأعطيات!!. فاتخذتها مقرات لقياداتها ومأوى لعلوجها ومراكز احتجاز للعراقيين المقاومين والرافضين للاحتلال, ومواخير لحفلات التهتك والمجون. وبعد طرد الغزاة في 2011, بفعل المقاومة العراقية(السُنيّة)التي أثخنت فيه, سلّمتها قوات الاحتلال لحثالاتها وكلابها العقورة, ولنفس الأغراض السابقة.
والخلاصة:إن تلك المواقع والقصور الرئاسية الكثيرة, والتي أطلق عليها الرئيس صدّام حسين تسمية(قصور الشعب)!!, كانت لعنة على الشعب, وألحقت ضررا جسيما به, فقد أفقرته قبل الاحتلال, وأذلّته بعده. وصارت(ثغرات)في خط الدفاع عن العراق, بدل أن تكون(ثغور)بمواجهة العدو. وشتاّن ما بين هذه وتلك.
الجزء الأول من المقال:
https://www.algardenia.com/maqalat/62817-2024-03-31-09-22-28.html
* كان آمر إحدى تلكما السريتين هو النقيب صدّام ممدوح صالح التكريتي, والذي ثبت في موضعه ولم يتزحزح حتى قضى نحبه شهيدا, ولم يُعثر على جثمانه أبدا. ويبدو إن القوات الغازية قد دفنت جثامين شهداء معركة المطار في قبور مجهولة كي لا تنكشف جريمتها باستخدام أسلحة محرمة دوليا في تلك المعركة. ومن الجدير بالإشارة إن قاعات تلك السرية قد صارت لاحقا مكانا لاحتجاز قائمة الـ(55)وآخرين غيرهم, ومن ضمنهم الرئيس صدّام حسين, وأطلق عليه الأمريكان تسمية؛(معتقل كروبر).
** بعد هروبه أعادته السلطات السورية لداخل العراق بضغط أمريكي, واعتقلته قوات الاحتلال في 23 تموز 2003, ومكث في معتقلات المحتلين وحثالاتهم 17 سنة بدون محاكمة, حيث لم يجدوا ما يدينه, حتى تم الإفراج عنه في منتصف 2020. وقد ورد عنه في الموسوعة الحرة(الويكيبيديا), والتي يعتمدها الكثيرون في معلوماتهم,على عواهنها؛(شارك برزان عبد الغفور المجيد في معركة المطار وتم أسره بعد إصابته ونفاذ ذخيرته)!!. وبالطبع هذا كلام مرسل, ولا يمتُّ للحقيقة بِصِلة.
2113 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع