ضحى عبد الرحمن
مباحث في اللغة والأدب/٦٩
الغوغاء في التراث
جاء عند الطبري" ذكر ان المنتصر لما توفى، وذلك يوم السبت عند العصر لأربع خلون من شهر ربيع الآخر من سنه ثمان واربعين و مائتين، اجتمع الموالي الى الهاروني يوم الأحد، وفيهم بغا الصغير وبغا الكبير اوتامش ومن معهم، فاستحلفوا قواد الاتراك والمغاربة والاشروسنيه، وكان الذى يستحلفهم على بن الحسين ابن عبد الأعلى الاسكافى كاتب بغا الكبير، على ان يرضوا بمن يرضى به بغا الصغير وبغا الكبير اوتامش، وذلك بتدبير احمد بن الخصيب، فحلف القوم و تشاوروا بينهم، و كرهوا ان يتولى الخلافة احد من ولد المتوكل، لقتلهم أباه، وخوفهم ان يغتالهم من يتولى الخلافة منهم، فاجمع احمد بن الخصيب ومن حضر من الموالي على احمد بن محمد بن المعتصم، فقالوا: لا نخرج الخلافة من ولد مولانا المعتصم، وقد كانوا قبله ذكروا جماعه من بنى هاشم، فبايعوه وقت العشاء الآخرة من ليله الاثنين، لست خلون من شهر ربيع الآخر من السنه، وهو ابن ثمان و عشرين سنه، و يكنى أبا العباس. فاستكتب احمد بن الخصيب، واستوزر اوتامش فلما كان يوم الاثنين لست خلون من شهر ربيع الآخر صار الى دار العامة من طريق العمرى بين البساتين، وقد البسوه الطويلة وزي الخلافة، وحمل ابراهيم بن إسحاق بين يديه الحربة قبل طلوع الشمس، ووافى واجن الاشروسنى باب العامة من طريق الشارع على بيت المال، فصف اصحابه صفين، وقام في الصف هو وعده من وجوه اصحابه، وحضر الدار اصحاب المراتب من ولد المتوكل والعباسيين و الطالبيين وغيرهم ممن لهم مرتبه، فبينا هم كذلك، وقد مضى من النهار ساعه ونصف، جاءت صيحه من ناحيه الشارع والسوق، فإذا نحو من خمسين فارسا من الشاكريه، ذكروا انهم من اصحاب ابى العباس محمد بن عبد الله، ومعهم قوم من فرسان طبرية واخلاط من الناس ومعهم من الغوغاء والسوقة نحو من الف رجل، فشهروا السلاح، وصاحوا: يا معتز يا منصور، وشدوا على صفى الأشروسنيه اللذين صفهما واجن، فتضعضعوا، وانضم بعضهم الى بعض، ونفر من على باب العامة من المبيضة مع الشاكريه، فكثروا، فشد عليهم المغاربة والاشروسنيه، فهزموهم حتى أدخلوهم الدرب الكبير المعروف بزرافه وعزون وحمل قوم منهم على المعتزية، فكشفوهم، حتى جاوزوا بهم دار أخي عزون بن اسماعيل وهم في مضيق الطريق، فوقف المعتزية هنالك، ورمى الاشروسنيه عده منهم بالنشاب، وضربوهم بالسيوف، ونشبت الحرب بينهم، واقبلت المعتزية و الغوغاء يكبرون، فوقعت بينهم قتلى كثيره، الى ان مضى من النهار ثلاث ساعات ثم انصرف الاتراك و قد بايعوا احمد بن محمد بن المعتصم، وانصرفوا مما يلى العمرى والبساتين، وأخذ الموالي قبل انصرافهم البيعة على من حضر الدار من الهاشميين وغيرهم واصحاب المراتب وخرج المستعين من باب العامة منصرفا الى الهاروني، فبات هنالك ومضى الاشروسنيه الى الهاروني، وقد قتل من الفريقين عدد كثير، ودخل قوم من الاشروسنيه دورا، فظفرت بهم الغوغاء، فأخذوا دروعهم وسلاحهم و جواشنهم ودوابهم، و دخل الغوغاء والمنتهب دار العامة منصرفين الى الهاروني، فانتهبوا الخزانه التي فيها السلاح و الدروع و الجواشن واللجم المغربية وأكثروا منها، وربما مر احدهم بالجواشن و الحراب فاكثر، وانتهبوا في دار ارمش ابن ابى أيوب بحضره اصحاب الفقاع تراس خيزران وقنا بلا اسنه، فكثرت الرماح والتراس في أيدي الغوغاء واصحاب الحمامات وغلمان الباقلي، ثم جاءتهم جماعه من الاتراك منهم بغا الصغير من درب زرافه، فاحلوهم من الخزانه، و قتلوا منهم عده، و أمسكوا قليلا ثم انصرف الفريقان، و قد كثرت القتلى بينهم، واقبل الغوغاء لا يمر احد من الاتراك من اسافل سامرا يريد باب العامة الا انتهبوا سلاحه، وقتلوا جماعه منهم عند دار مبارك المغربي، وعند دار حبش أخي يعقوب قوصره في شوارع سامرا، وعامه من انتهب". (تأريخ الرسل والملوك9/257).
ما ورد عن الغوغاء في الأمثال والحكم
أغْوَى مِنْ غَوْغَاءِ الْجَرَادِ
الغَوْغَاء: اسم الجَرَاد إذا ماج بعضُه في بعض قبل أن يَطِيرَ. قال الميداني" الغوغاء يجوز أن يكون فَعْلاَلاً مثل قَمْقَام عند مَنْ يَصْرِفُه، وفَعْلاَء عند من لم يَصْرِفْه. قَال أبو عبيدة: الغَوْغَاء شَيء شبيه بالبَعُوض إلا أنه لا يعضُّ ولا يؤذي، وهو ضعيف، وقَال غيره: الْغَوْغَاء الجراد بعد الدَّبَى، وبه سمى الغوغاء من الناس، وهم الكثير المختلطون". (مجمع الأمثال2/65). (جمهرة الامثال2/85).
أكثَرُ مِنَ الغوْغَاءِ
ورد في (مجمع الأمثال2/171).
قال شهاب الدين العمري" جاء الوالي لصلاة الجمعة فرجمته الغوغاء فدخل داره واستمر الرجم وجمعوا قشا وأحرقوا باب السلطان ويعرف بباب اليهود، فأخرجوا المحبوسين ونهبوا دارين ثلاث لأتباع الوالي فبطّق الوالي إلى السلطان وغوّث فتنمّر السلطان وانزعج وظن الحبس الذي فتح هو الذي فيه الأمراء، فأمر ببذل السيف في البلد وبهدمه، ثم جهز جيشا عليهم الوزير الجمالي". (مسالك الأبصار في ممالك الأمصار27/538).
لا صلاح للخاصَّة مع فساد العامة، ولا نظام للدَّهماء مع دولة الغوغاء
ذكره ابن عبد ربه من الامثال" ". (بهجة المجالس/76).
اقوال في الغوغاء
ـ قال الزمخشري" قال علي في الغوغاء: إذا اجتمعوا ضروا، وإن تفرقوا نفعوا. قيل: قد علمنا مضرة إجتماعهم، فما منفعة افتراقهم؟ يرجع أصحاب المهن إلى مهنهم فينتفع الناس بهم. كرجوع البناء إلى بنائه، والنساج إلى منسجه، والخباز إلى مخبزه".( ربيع الأبرار5/312).
ـ ذكر جَعْفَر بن مُحَمَّد (رض) فَقَالَ: إِنَّهُم (الغوغاء) ليطفون الْحَرِيق، ويستنقذون الغريق، ويسدون البثوق" (تحسين القبيح/32).
ـ قال المهلب: لأن يطيعني سفهاء قومي أحبُّ إليَّ من أن يطيعني حلماؤهم ". (المجالسة وجواهر العلم/504). قال نجم الدين الغزي" السفهاء هم العوام بأعيانهم، والغوغاء بأنفسهم". (حسن التنبيه11/225).
ـ روى الخطابي عن عطاء" أنه كان يستخف بالغوغاء، ويبلي الناس بهم". (العزلة/79).
ـ روى الطبراني عن أبي أمامة رضي الله تعالى عنه، عن النبي (ص) أنه قال: "لَسْتُ أَخَافُ عَلَىْ أُمَّتيْ غَوْغَاءَ تَقْتُلُهُمْ، وَلا عَدُوًّا يَجْتَاحُهُمْ، وَلَكِنْ أَخَافُ عَلَىْ أُمَّتي أَئِمَّةً مُضِلِّيْنَ؛ إِنْ أَطَاعُوْهُمْ فَتَنُوْهُمْ، وَإِنْ عَصَوْهُمْ قَتَلُوْهُمْ". (المعجم الكبير/7653). ".( ربيع الأبرار2/346).
ـ قال الثعالبي" ان المأمون يقول: كل شر وضر في الدنيا إنما هو صادر عن السفهاء والغاغة، فإنهم قتلة الأنبياء والأولياء". ( اللطائف والظرائف/280)
ـ قال النابلسي" تدل الضفادع على العامة أصحاب الغوغاء والانتقال من مكان إلى مكان". (تعطير الانام في تعبير المنام2/225).
ـ قال الثعالبي" في ذم الغوغاء والسفهاء، ذكرهم واصل بن عطاء فقال: ما اجتمعوا قط إلا ضروا، وما تفرقوا إلا نفعوا. فقيل له: قد عرفنا مضرة الاجتماع، فما منفعة الافتراق" ( اللطائف والظرائف/279)
ـ ذكر ابن منظور" فِي حَدِيثِ جُرَيْجٍ: فأَسْرَعَت القَوْلِيَّةُ إِلى صَوْمَعَتِه؛ همُ الغَوْغاءُ وقَتَلَةُ الأَنبياء واليهودُ، وتُسمَّى الغَوْغاءُ قَوْلِيَّةً". ( لسان العرب11/577).
قال الطرطوشي" لئن تكون أميراً على الفضلاء والرؤساء خير من أن تكون أميراً على الأخساء والدمادية والغوغاء والدناة". ( سراج الملوك/118).
ـ قال الأفطسي" قيل: ما بعد الصواب إلا الخطأ، وما بعد منعهنّ من الأكفاء إلا بذلهنّ السّفلة والغوغاء". (المجموع اللفيف/396).
قال الابشيهي" قال بعض السلف: لا تسبّوا الغوغاء، فإنهم يطفئون الحريق ويخرجون الغريق". (المستطرف/162).
قال ابن المبارك: سألت الثوري، من الناس؟ قال العلماء، قلت: فمن الأشراف؟ قال: المتقون، قلت:
فمن الملوك؟ قال: الزهاد، قلت: فمن الغوغاء؟ قال: القصّاص الذين يستأصلون أموال الناس بالكلام، قلت: فمن السفهاء؟ قال: الظلمة". (المستطرف/111) .(الطبقات الكبرى1/50). (محاضرات الأدباء1/170)ورويت من قبل الزمخشري" قال ابن المبارك: سألت الثوري من خير الناس؟ قال: العلماء، قلت: من الأشراف، قال: المتقون، قلت: من الملوك، قال: الزهاد. قلت: من الغوغاء، قال: القصاص الذين يستأكلون أموال الناس بالكلام قلت: من السفلة، قال: الظلمة".( ربيع الأبرار4/300).
ـ قال ابن خلدون" إنّ كثيرا من المنتحلين للعبادة وسلوك طرق الدّين يذهبون إلى القيام على أهل الجور من الأمراء داعين إلى تغيير المنكر والنّهي عنه والأمر بالمعروف رجاء في الثّواب عليه من الله فيكثر أتباعهم والمتلثلثون بهم من الغوغاء والدّهماء ويعرّضون أنفسهم في ذلك للمهالك وأكثرهم يهلكون في هذا السّبيل مأزورين غير مأجورين".(تأريخ ابن خلدون/200).
ـ قال التوحيدي" سمعت أبا حامد العلوي يقول، قيل على مائدة بخيل: ما أحسن كثرة الأيدي على المائدة، فقال: نعم إذا كانت مقطعة. وقال بعض الغوغاء في كلامه: فلان يأخذ من الحافي نعله. وسمعت آخر يقول: لعن الله فلاناً يطر والله من العريان كمه". (البصائر والذخائر6/122)
ـ قال بعض السلف: لا تسبوا الغوغاء فإنهم يطفئون الحريق، ويخرجون الغريق، ويسدون البثوق". (البصائر والذخائر5/214)
ـ قال الزمخشري" كان الحسن إذا ذكر أهل السوق والغوغاء، قال: هم قتلة الأنبياء".(ربيع الأبرار5/311).
قال بعض السلف: لا تسبوا الغوغاء، فإنهم يطفئون الحريق، ويخرجون الغريق، ويسدون البثوق".( ربيع الأبرار5/312).
قال الزمخشري" يقال في المدح هو كبش من الكباش، وفي الذم هو تيس من التيوس".( ربيع الأبرار5/370).
قال الثعالبي في تحْسِين أَمر الغوغاء والسفل" َكَانَ الْأَحْنَف يَقُول: أكْرمُوا الغوغاء والسفهاء، فأنهم يكفونكم الْعَار وَالنَّار" (تحسين القبيح/32).
وَكَانَ سعيد بن سلم يَقُول: يَنْبَغِي للرئيس أَن يَأْخُذ فِي ارتباط السُّفَهَاء والغوغاء بقول الشَّاعِر:
وَإِنِّي لأستبقي امرء السوء عدة لعدوة عريض من الْقَوْم جَانب
أَخَاف كلاب الأبعدين وهرشها إِذا لم تجاوبها كلاب الْأَقَارِب (تحسين القبيح/32).
قال الجاحظ" الغاغة والباعة والأغبياء والسفهاء كأنهم أغرار عام واحد وهم في بواطنهم أشد تشابها من التوأمين في ظواهرهما، وكذلك هم في مقادير العقول وفي الاعتزام والتسرع وفي الأسنان والبلدان. وقد ذكر الله تعالى ذكره، رد قريش ومشركي العرب على النبي صلى الله عليه وسلم فذكر ألفاظهم ومعايبهم ومقادير هممهم التي كانت في وزان ما كان من جميع الأمم مع أنبيائهم فقال عز وجل في سورة البقرة/118 ((تَشابَهَتْ قُلُوبُهُمْ)).
ضحى عبد الرحمن
كانون الثاني 2024
المصادر
ـ الفخري في الآداب السلطانية والدول الإسلامية. محمد بن علي بن طباطبا المعروف بإبن الطقطقي (المتوفي:709هـ). تحقيق: عبد القادر محمد مايو القسطلي. دار القلم العربي. بيروت 1997
ـ العقد الفريد. شهاب الدين أحمد بن محمد بن عبد ربه الاتدلسي (المتوفي:329 هـ). تحقيق: د. مفيد محمد قبيحة. دار الكتب العلمية. بيروت. 1403 هـ.
ـ قلائد العقيان. الفتح بن خاقان بن أحمد بن غرطونج (المتوفي: 247هـ). طبعة مصر. 1866.
ـ التذكرة الحمدونية. ابن حمدون محمد بن الحسن بن محمد بن علي (المتوفي:562هـ). تحقيق: إحسان عباس. دار صادر. بيروت. 1417هـ (10) أجزاء
ـ النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة. يوسف بن تغري بردي جمال الدين ابو المحاسن. وزارة الثقافة. مصر 1963 (16) مجلد.
ـ تاريخ بغداد أو مدينة السلام. الامام الحافظ أبي بكر أحمد بن علي الخطيب البغدادي ( المتوفى: 463). تحقيق مصطفى عبد القادر عطا. دار الكتب العلمية. بيروت 1997 (14 جزءا).
ـ السحر الحلال في الحكم والأمثال. أحمد بن إبراهيم بن مصطفى الهاشمي (المتوفى: 1362هـ).
دار الكتب العلمية. بيروت
ـ المحاضرات والمحاورات. عبد الرحمن بن أبي بكر، جلال الدين السيوطي (المتوفى: 911هـ). دار الغرب الإسلامي، بيروت الطبعة: الأولى. 1424 هـ .
ـ مجاني الأدب في حدائق العرب. رزق الله بن يوسف بن عبد المسيح بن يعقوب شيخو (المتوفى: 1346هـ). مطبعة الآباء اليسوعيين، بيروت عام النشر: 1913 م ( 6) اجزاء
ـ الدر الفريد وبيت القصيد. محمد بن أيدمر المستعصمي (639 هـ - 710 هـ). تحقيق: الدكتور كامل سلمان الجبوري. دار الكتب العلمية، بيروت. الطبعة الأولى، 2015 عدد الأجزاء (13).
ـ اصلاح المنطق. أبو يوسف يعقوب بن إسحق المعروف بإبن السكيت. تحقيق: محمد مرعب. دار احياء التراث العربي. بيروت 2002.
ـ شمس العلوم ودواء كلام العرب من الكلوم. نشوان بن سعيد الحميري. تحقيق: حسين بن عبدالله العمري. دار الفكر ـ دمشق. 1999(12) جزء.
ـ الجراثيم. منسوب لأبي محمد عبد الله بن مسلم بن قتيبة الدينوري (المتوفى: 276هـ). حققه: محمد جاسم الحميدي قدم له: الدكتور مسعود بوبو. وزارة الثقافة، دمشق. عدد الأجزاء: 2
ـ العين. أبو عبد الرحمن الخليل بن أحمد بن عمرو بن تميم الفراهيدي البصري (المتوفى: 170هـ).تحقيق: د مهدي المخزومي، د إبراهيم السامرائي. دار ومكتبة الهلال عدد الأجزاء: 8
ـ جمهرة اللغة. أبو بكر محمد بن الحسن بن دريد الأزدي (المتوفى: 321هـ). تحقيق: رمزي منير بعلبكي. دار العلم للملايين. بيروت الطبعة: الأولى، 1987م . عدد الأجزاء: 3
ـ تاج العروس من جواهر القاموس. محمد مرتضى الواسطي الزبيدي (المتوفي عام1205هـ).
تحقيق: علي شيري. دار الفكر. بيروت 1994 (20) جزء.
ـ اللطائف والظرائف. أبو منصور الثعالبي. دار المناهل بيروت. بلا.
1412 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع