أحمد العبداللّه
الجواهري..يركع عند وثن خميني ويقبّل قدمي خامنئي!!
في عام 1972, انشطرت عائلتي(مؤقتا)إلى قسمين؛قسم بقي في بيتنا الطيني البسيط الذي تحيطه أشجار الصفصاف الباسقة, والمطلّ من ربوة ليست عالية على نهر دجلة, وقسم انتقل إلى بغداد لأغراض الدراسة, وبعدها بعامين التحقتُ مع القسم الثاني. ولكني لم أستسغ الإقامة في العاصمة بضجيجها وزحامها وعلاقاتها الإجتماعية المختلفة, فكان يأخذني الشوق لمرتع الطفولة والصبا, وأعُدُّ الأيام عدًّا للعودة إليه خلال أيام العطل. وفي هذه الأثناء أتت قصيدة الجواهري(يا دجلة الخير), والتي كانت مقرّرة علينا في مادة اللغة العربية في مرحلة الثاني متوسط, بلسمًا على الجرح, فحفظت القصيدة وأعجبتُ بها لأنها تتماهى مع ما يعتمل في صدري, إضافة لجمالها الشعري في الوصف والحنين للمكان, وكانت بمثابة بعض السُلوان بالنسبة لي, وهذا قادني للإعجاب بشاعرها. ولكن في السنوات اللاحقة صدمتني مواقف الجواهري الانتهازية المتذبذبة, وخصوصا موقفه من العدوان الإيراني على العراق, فبحثت في هذا الموضوع, وكانت خلاصة ما توصلت إليه, هو هذا المقال؛
*****
محمد مهدي عبد الحسين الجواهري؛ شاعر نفخوا فيه طويلًا, وأخذ أكبر من حجمه بكثير. فمن هو مقارنة بمعروف الرصافي وأحمد شوقي وحافظ إبراهيم, وغيرهم؟!. وهو إيراني الأصل ويحمل الجنسية الإيرانية, حتى تخلّى عنها على غير رغبة منه, لمّا تمَّ تعيينه معلّمًا في عام 1927, إذ يشترط قانون الجنسية العراقي أن يكون الموظف من حمَلة الجنسية العراقية.
ومن يطّلع على مسيرته يجده شخصًا انتهازيًا إلى أبعد الحدود, ومتقلّب المواقف ويميل حيث الريح مالت. وليس لديه أي مبدأ, وكلّ شيء عنده بمقدار ما يصبّ في منفعته الشخصية, فهي الثابت الوحيد لديه. وديدنه منافقة الحكام والتملّق لهم, وعندما تنتفي مصلحته لدى هذا الحاكم أو ذاك, ينقلب عليه. فهو يعمل وفق مقولة؛(امدح واقبض)!!. ولكنه لا يرى القذى الذي يملأ عينيه, عندما يقول شعرًا؛(إنَّ النفاقَ حفير لا تلوحُ بهِ... خُطى المنافقِ إلَّا يومَ يَرتَطِمُ)!!.
والجواهري في قصائده لم يترك ملكًا ولا حاكمًا, إلا مدحه, طمعًا بنيل حظوته وما يتبع ذلك من مكاسب شتى, حتى قالوا؛(إن شعر المديح يؤلّف نصف ديوان الجواهري)!!. وقائمة(الممدوحين)طويلة ومتناقضة أيضا*, ومنهم؛ ملوك العراق فيصل الأول وغازي وفيصل الثاني, والأمير عبد الإله و(الباشا)نوري السعيد, وعبد الكريم قاسم, والرئيس أحمد حسن البكر, وملوك عرب مثل؛حسين والحسن الثاني وفيصل بن عبد العزيز. ومعهم حسني مبارك وحافظ أسد, وربطته بهذا الأخير وبعائلته علاقة متينة امتدت إلى مدح نجله القتيل الذي هيّأه لوراثته(باسل). وحتى الدجال خميني وستالين ومونتغمري, كان لهم من شعره نصيب.
والمستهجن وصف البعض له بـ(شاعر العرب الأكبر)!!, رغم إن كثيرًا من أشعاره كانت في مدح إيران وإظهار عشقه لبلاد فارس, إذ يقول في إحدى قصائده؛(هي فارسٌ وهواؤها روحُ الصَّبا... وسماؤها الأغصانُ والأوراقُ). وأسفر عن شعوبيته في القصيدة التي أحد أبياتها؛(لي في العراق عصابة لولاهم... ما كـان محبوبًا إليَّ عــراق)!!. وعندما عرض ساطع الحصري هذه القصيدة على الشاعر معروف الرصافي, قال:(إنها شعوبية), وفُصل على أثرها من وظيفته. وأثيرت ضجة كبيرة, حينها, من قبل(أدعياء المظلومية)بسبب ذلك. حتى تدخّل الملك فيصل الأول فعيّنه موظفًا في قسم التشريفات بالبلاط الملكي!!.
وفي كتابه عن الجواهري يُورد الكاتب الصحفي والمترجم والمؤرخ؛سليم طه التكريتي معلومات مفصلة عنه, هي حصيلة رفقته له في الصحافة لأكثر من ربع قرن. وهو وثيقة مهمة ولا يمكن الطعن بها, فالتكريتي معروف بدقته وموضوعيته, كما إن الجواهري في مذكراته أشاد به واعتبره من ألمع الصحفيّين الذين عملوا معه في جريدته(الرأي العام). ويشير التكريتي إلى إن عبء العمل في الجريدة كان يقع عليه وحده مقابل مرتّب بائس لا يتجاوز الأربعة دنانير شهريا, وإن؛(الجواهري لا يسلّمني راتبي،على ضآلته، مرة واحدة, بل يسدّده لي دينارًا دينارا, ثم لا يلبث ان يقترضه مني بعد دقائق)!!.
وفي ثنايا الكتاب الذي صدر في منتصف الثمانينات, يذكر التكريتي إن الجواهري, ومن خلال معايشته الطويلة له, وجده يحمل في نفسه صفات قبيحة عديدة, ومنها؛ طائفي, انتهازي, متذبذب, شتّام, ناكر للجميل, جشع, بخيل, نصّاب, حقود, حسود, ناقم, فوضوي, عديم العفّة والوفاء,...الخ. وهو لا يسوق هذه(التهم)جزافًا, بل يعزّز كل واحدة منها بوقائع وشواهد. وأقول: حقًا إن المرء ليستغرب؛ كيف لشخص يختزن قلبه كل هذه الردايا, ثم يُطلقون عليه لقب؛(نهر العراق الثالث)؟!.
ويقول التكريتي؛ إنه عند زيارته للجواهري في شقّته التي كان يسكنها في براغ, وجدها في منتهى الوساخة والإهمال, وكانت قناني الخمر الفارغة تملأ المطبخ, ولما سأله عنها قال؛(إنها قرشي الأبيض ليومي الأسود)!!. فقد كان عندما يُفلس, يحملها في سلة ويذهب بها إلى دكان قريب ليستبدل كل(أربعة فوارغ بواحد مليان)!!, إذ كان يعبُّ الخمر عبًّا في ليله ونهاره!!.
ويذكر الكاتب(خالد قادر)في كتابه(الطريق إلى أم الطبول)؛إنه في عام 1959, قبض الجواهري رشوة قدرها عشرة آلاف دينار, وهو مبلغ ضخم جدًا حينذاك, من شيخ الإقطاعيين بلاسم الياسين, عندما كان منفيًّا في(بنجوين)مقابل إعادته لبغداد في غضون يومين, وقد نشرت بعض الصحف, حينذاك, هذه الفضيحة وبأرقام وتواريخ الصكوك!!. حيث ذهب الجواهري إلى عبد الكريم قاسم, بحكم علاقته الوطيدة به, وقال له؛(إن بلاسم الياسين صديقي وأنا أعرفه جيدا.. ارجعه إلى بغداد بكفالتي). في الوقت الذي كان فيه يهاجم الإقطاع والانتهازية في جريدته(الرأي العام)!!.
والتحق الجواهري بجوقة الهمج الرعاع, وهو يحثُّ(الزعيم الأوحد)!!, على المزيد من إزهاق الأرواح, بقصيدته التي أحد أبياتها؛(فضيّق الحبل واشدد من خناقهم *** فربما كان في إرخائه ضررُ)!!!. وكان يقف في محكمة المهداوي ويلقي بصوته المرتعش وبلكنته الفارسية التي يشتهر بها, قصائده التي تمجّد بالقتلة, ومن حوله أوباشه التي تهتف لقاسم وتلوّح بالحبال أمام عدسات التلفزيون الذي كان ينقل جلسات المحاكمات. ولكن كل تلك(الخدمات)لم تشفع له عند(الأوحد), فساقه مخفورًا لثكنة وزارة الدفاع وتعرّض للإهانة, ثم أخرجه بكفالة. وللإمعان في إذلاله, فقد أمر قاسم أن يكون مبلغ الكفالة خمسون فلسًا!!.
وقد كان موقفه من العدوان الإيراني على العراق في الثمانينات مشينًا ولا يخلو من نَفَس عنصري - طائفي مزدوج, وصمت صمت القبور, ولم ينتصر للبلد الذي يحمل جنسيته والذي غَرف من بحر خيره حتى الثمالة, ولو بشِقِّ كلمة!!. وكان قد غادر بغداد إلى غير رجعة في عام 1980, وقضى سنواته الـ 17 الأخيرة قبل موته, متنقّلًا بين دمشق وبراغ, يتغزّل بـ(الغيد الحسان)!!, وهو في أرذل العُمر, في الوقت الذي كان فيه العراق يواجه أعتى عدوان فارسي همجي استهدف كيانه ووجوده.
وفي شهر أيار عام 1992, دعاه خامنئي لزيارة إيران, وهناك نزع عن جلده أسمال(التقيّة)التي تدثّر بها زمنًا, وبان على حقيقته, فعندما أطلّ على طهران من نافذة الفندق الذي نزل فيه, هامت روحه ولهًا بها, وناجاها قائلا؛(طهران.. يا روحي)!!وكرّرها ثلاثًا. ثم زار قبر الدجال خميني, الذي برقبته دماء مئات الألوف من العراقيين والعرب, وخرّ راكعًا على وثنه!!.
وتبلغ الدونيّة والانحطاط والخنوع لديه منتهاها وهو يقابل المرشد(الأدنى), إذ يروي المدعو(جابر الجابري)المكُلّف من قبل مكتب خامنئي بمرافقته خلال الزيارة المذكورة؛ إن الجواهري وعند استقبال خامنئي له, لم يتمالك نفسه، فهوى على يدي الدجال الأعضب يقبّلهما، ولم يكتفِ بتقبيل اليدين, بل جثا على ركبتيه, وهو يردّد؛ دعني أقبّل قدميك!!!. ومدحه بأبيات من شعره, منها؛(سيدي أيها الاعزّ الاجل..يعجز الحرف أن يوفّي عظيما.. أيها الشامخ الذي شاءه الله.. يد مَنْ مَسّها بسوء تُشلّ)!!.
وصدق شاعر العراق الكبير وليد الأعظمي عندما وصفه بما يستحق, في قصيدة بليغة له في سنة ١٩٥٩, أيام المدّ الشيوعي الأحمر في زمن عبد الكريم قاسم, يوم كان الجواهري من مشايعيه, إذ قال:
أكوام شعر لهم في السوق جاهزة ... للبيع حسب قوافيهنّ أسعار
قالوا(فلان)له في الشعر منزلة ... ما نالها قط(حسان)و(بشار)
فقلت؛خلّوا سبيل الشعر دونكم ... ما ذلكم شاعر بل ذاك(شعّار)
هذي قصائده في مدح من ظلموا ... دلّت عليها بها للكذب آثار
في كل يوم له شعر يردّده ... في محفل الغدر جلّاس وسمّار
وفق التعاقد يروي شعره سفهًا ... عن كل بيت له يلقيه دينار
وبعد وصول حزب البعث للحكم في عام 1968, تمّت دعوة الجواهري للعودة إلى العراق, فوصل بغداد في شهر الـ11 من ذلك العام, وأقامت الحكومة حفلا تكريميًّا كبيرًا له, وخصصت له راتبا تقاعديا قدره(150)دينارا, وبشكل استثنائي, وكان مبلغًا معتبرًا حينها. ومنحته قطعة أرض بمساحة(600م2)في حي القادسية وهو من أرقى أحياء بغداد وساعدته في تشييد بيت عليها, وأقطعته مزرعة مساحتها(10)دونم تقع على نهر دجلة مباشرة في منطقة الكاظمية. وطبعت وزارة الإعلام ديوانه بسبعة أجزاء, وقبض ألف دينار عن كل جزء. وأُرسل إلى لندن للعلاج على نفقة الدولة, واستأجرت بيتًا له في العاصمة اليونانية أثينا يطلّ على البحر ليقضي أشهر الصيف فيه. واستلم دفتر صكوك يصرف منه ما يشاء!!!.
ولكن كل ذلك(الدلال)لم(يغزّر)في عين الجواهري الفارغة, فالنكران والجحود صفات متأصّلة في نفسه, وتجري في عروقه مجرى الدم. ولله في خلقه شؤون.
....................................
* (محمد مهدي الجواهري)؛الموصوف باليساري النزعة, ولكن معظم من مدحهم ينتمون لأقصى اليمين!!, ممّا يؤكد انتهازيته وتكسّبه وارتزاقه. والطريف إنه خلال قيام وزارة الإعلام العراقية في السبعينات بطبع ديوانه الشعري بأجزائه السبعة, والتي صدر آخرها عام 1980, التمس من اللجنة المشرفة على الطبع حذف العديد من قصائد المدح تلك, وتبرّأ من كثير منها, وكان يثور ويغضب إذا ذكّره أحد بها!!. كما لم تظهر في الديوان قصائده التي مدح فيها بلاد فارس. ولا أدري إن كان ذلك بطلب منه, أم بقرار من الوزارة.
2149 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع