علي الكاش
النظرة الفارسية الدونية للعرب المسلمين أصولها، أسبابها ونتائجها/5
أ. مسألة الثلج والماء البارد
من جملة ما تضمنه كتاب الشاهنامة في الإساءة إلى العرب" من شرب لبن الإبل وأكل الضب بلغ الأمر بالعرب مبلغا. أن يطمحوا في تاج الملك فتبا لك أيها الزمان وسحقا". وأيضا" الكلب في أصفهان يشرب ماء الثلج، والعربي يأكل الجراد في الصحراء". كما قال ناصر خسرو" هذِه الصَّحرَاء من مصر إِلَى الْحَبَشَة وَذَلِكَ من الشمَال إِلَى الْجنُوب وعرضها من بِلَاد النّوبَة حَتَّى بَحر القلزم وَذَلِكَ من الغرب إِلَى الشرق وَيُقِيم بهَا البجة وهم لَيْسُوا أشرار فهم لَا يسرقون وَلَا يغيرون بل يشتغلون بتربية ماشيتهم وَيسْرق الْمُسلمُونَ وَغَيرهم أَبْنَاءَهُم ويحملونهم إِلَى المدن الإسلامية ليبيعوهم فِيهَا". (الرزنامة/118).
ويضيف ناصر خسرو" في الحسا (الاحساء) تبَاع لُحُوم الْحَيَوَانَات كلهَا من قطط وكلاب وحمير وبقر وخراف وَغَيرهَا وتوضع رَأس الْحَيَوَان وَجلده بِقرب لَحْمه ليعرف المُشْتَرِي مَاذَا يَشْتَرِي وهم يسمنون الْكلاب هُنَاكَ كَمَا تعلف الخراف حَتَّى لَا تَسْتَطِيع الْحَرَكَة من سمنها ثمَّ يذبحونها ويبيعون لَحمهَا". (السفرنامة/144). وبهذا المعنى أنشد الموبذ:
أنا ابن المكارم من آل جـم وطالب إرث ملوك العجــم
لنا علم الكابيان الــــــــذي به نرتجي أن نسود الأمـــم
فقل لبني هاشـــم أجمعيـن هلمّوا إلى الخلع قبل النّــدم
وعودوا إلى أرضكم بالحجاز وأكل الضّباع ورعي الغنم
فإنّي لأعلو سرير الملوك بحدّ الحسام ورأس القلـــــم (محاضرات الأدباء1/424).
لنقرأ أولا ما يقوله ناصر خسرو في رحلته عن مصر وموضوع الثلج والماء المثلج الذي يتفاخرون بشربه، ذكر خسرو" مطبخ السُّلْطَان خَارج الْقصر وَيعْمل فِيهِ دَائِما خَمْسُونَ غُلَاما ويصل الْقصر بالمطبخ طَرِيق تَحت الأَرْض وَجَرت الْعَادة فِي مصر أَن يحمل إِلَى دَار الشَّرَاب السُّلْطَانِيَّة (شرابخانة) كل يَوْم أَرْبَعَة عشر حملا من الثَّلج وَكَانَ لمعظم الْأُمَرَاء والخواص راتب من هَذَا الثَّلج وَيصرف مِنْهُ لمن يَطْلُبهُ من مرضى الْمَدِينَة وَكَذَلِكَ كل من يطْلب من أَهلهَا مشروبا أَو دَوَاء من الْحرم السلطاني فَإِنَّهُ يعطاه". (الفرامة/108). وقال الحصري" كان خالد يستبرد، فبعث بعض الظرفاء غلامه يشترى له خمسة أرطال ثلج، فأتاه بخالد وقال: يا مولاي، طلبت خمسة أرطال، وهذا حمل! وتغنّى بحضرة محموم، فقال: ويحك! دعنا نعرق". ( زهر الآداب2/487).
ذكر الغزولي" كان أبو جعفر مسلم وأبو الفضل جعفر بن الفضل الوزير عند كافور عشية صيف ولم يكن عنده غيرهما فقال لهما قد اشتد الحر وللثلج أيام ما جاءنا من الشام وما كان كافور يذوق الثلج وغنما كانت الكيزان توضع عليه فيشرب منها وبهذا سلم من ضرر الثلج فبينما هم كذلك إذا خبر بمجيء الثلج فقال هاتوا ثلاث كيزان فجاءوا بها فأخذ كافور كوزاً فشربه واخذ أبو الفضل كوزاً وشربه وأخذ أبو جعفر كوزاً وقام فخرج من المجلس وشربه ثم عاد وأكب على يد كافور ثم قعد أبو جعفر ساعة وانصرف وأراد أبو الفضل أن ينصرف فشاغله كافور ثم قال هاتوا أبا اليمن فجاء فقال زد في جزاءة الشريف أبي جعفر ألف دينار في كل عام وإنما اجلس أبا الفضل ليريه مكافأته لأبي جعفر عن حسن أدبه معه في شرب الماء".(مطالع البدور ومنازل السرور/177).
كما قال الصولي" اشتدت علة إبراهيم بن المهدي في شهر رمضان من سنة أربع وعشرين ومائتين، وجعل يشرب الماء فلا يروى، ووجه إلى المعتصم يطلب ثلجاً، وكان قد عز وجوده في ذلك الوقت، فأمر أن تصرف وظائف الثلج كلها إليه، فلما مات ركب المعتصم وصلى عليه، وكبر خمسا، وانصرف قبل أن يدلى في قبره، وتقدم إلى هارون الواثق أن يتولى ذلك، ويقف إلى أن يجن، ففعل كارها وانصرف.". (أشعار اولاد الخلفاء/49). وذكر التنوخي" حدّثنا أبو أحمد الفضل بن عبد الرحمن بن جعفر الشيرازيّ الكاتب، قال: حدّثني ابن سليمان الثلّاج قال: قال لي أبي:كان أصل نعمتي من ثمن خمسة أرطال ثلجا، وذلك أنّه عزّ الثلج في بعض السنين ببغداد، وقلّ، وكان عندي منه شيء بعته، وبقي منه خمسة أرطال. فاعتلّت شاجي جارية عبيد الله بن عبد الله بن طاهر، وهو إذ ذاك أمير بغداد، فطلبت منه ثلجا، فلم يوجد إلّا عندي. فجاؤوني، فقلت: ما عندي إلّا رطل واحد، ولا أبيعه إلّا بخمسة آلاف درهم، وكنت قد عرفت الصورة. فلم يجسر الوكيل على شراء ذلك، ورجع يستأذن عبيد الله، وكانت شاجي بمنزلة روحه، وهي تتضوّر على الثلج، وتلحّ في طلبه. فشتمه عبيد الله، وقال: امض واشتره بأيّ ثمن كان ولا تراجعني. فجاءني، فقال: خذ خمسة آلاف درهم، وهات الرطل. فقلت: لا أبيعك إيّاه إلّا بعشرة آلاف درهم، فلم يجسر على الرجوع للاستئذان، فأعطاني عشرة آلاف درهم، وأخذ الرطل". (نشوار المحاضرة 1/125). وذكر الخطيب البغدادي " أخبرني الحسين بن علي الصيمري حدثنا محمد بن عمران المرزباني أخبرني محمد بن يحيى حدثنا أبو العيناء قال سمعت أحمد بن أبي داود يقول يعجبني قول المأمون إذا رفع الطعام من بين يديه الحمد لله الذي جعل أرزاقنا أكثر من أقواتنا، وقوله عند شرب الماء البارد شرب الماء بالثلج إلى اخلاص الحمد". (تأريخ بغداد10/188). كما قال ابن الجوزي" حدّثني التنوخي، قال: قال لنا ابن الثلّاج: ما باع أحمد من سلفنا ثلجا قط، وإنما كانوا بحلوان، وكان جدي مترفا، فكان يجمع له في كل سنة ثلج كثير لنفسه. فاجتاز الموفّق، أو غيره من الخلفاء، فطلب ثلجا، فلم يوجد إلّا عند جدي، وأهدى إليه منه، فوقع منه موقعا لطيفا، وطلبه منه أياما كثيرة، طول مقامه، وكان يحمله إليه. فقال: اطلبوا عبد الله الثلاج، واطلبوا ثلجا من عند عبد الله الثلّاج، فعرف بالثلاج، وغلب عليه". (المنتظم 7/192).
الأطرف منه توجد في بلاد العرب أسواق للثلج، فقد لقِي الْمبرد برد الْخِيَار فِي سوق الثَّلج، فِي كانون الثَّانِي فَسَأَلَهُ عَن قَوْلهم: ثلج صَدره، أَو ثلج". (نثر الدر في المحاضرات7/105). قال الآبي" اجتاز بِابْن خلف الهمذاني رجل يَبِيع الثَّلج فَقَالَ: أرنا مَا مَعَك؟ فَكسر لَهُ قِطْعَة ثلج وناوله. فَقَالَ أُرِيد أبرد من هَذَا. فَكسر لَهُ من الْجَانِب الآخر. فَقَالَ: نعم، هَذَا أبرد، فَكيف سعر هَذَا وسعر ذَاك؟ فَقَالَ: هَذَا رَطْل بدرهم، وَمن الأول رَطْل وَنصف بدرهم. فَقَالَ: أحسن حَتَّى نَأْخُذ من هَذَا لنا، وَمن ذَاك للحاشية". (نثر الدر في المحاضرات7/196). وذكر الزمخشري" قال المأمون: في الماء البارد ثلاث: يلذ، ويهضم، ويخلص الحمد. وكان يقول: شرب الماء بالثلج أدعى إلى إخلاص الحمد. وكان الصاحب يقول عند شرب الماء الجمد:
قعقعة الثلج بماء عذب تستخرج الحمد من أقصى القلب ( ربيع الأبرار1/187).
ـ قال أبُو طَالب عبد السَّلَام بن الْحُسَيْن المأموني في الحمام ومحتوياته فِي مَاء مثلج:
ورائق مثل الْهَوَاء صافي بَات بِثَوْب القر ذِي التحاف
حَتَّى نفى عَنهُ القذاة نافي فرق حَتَّى صَار كالسلاف
أسْرع فِي الْجِسْم من العوافي فِيهِ الجليد راسب وطافي
كَأَنَّهُ ودائع الأصداف
وَله فِي كأس جلاب:
وكأس جلاب بهَا يطفئ اللهب يقْضِي بهَا عِنْد الْخمار مَا وَجب
كَأَنَّهَا الْفضة شيبت بِالذَّهَب تشابه الجليد فِيهَا والحبب
حسبته درا من الْمسك انسرب فبعضه طَاف وَبَعض قد رسب
كَأَنَّمَا المخوض فِيهَا يضطرب حوت يغوص تَارَة ثمَّ يشب
وفيهَا ايضا:
وكأس من الْجلاب أطفأ بردهَا سعير خمار الكأس عِنْد التهابه
وَكَانَت كبرد الْعدْل عِنْد طلابه وعود وصال الْحبّ بعد ذَهَابه (يتيمة الدهر4/200).
هل هناك شعر فارسي بهذه الروعة عن الثلج؟ إن مسألة الثلج ذات علاقة بالطبيعة، فكلاب العرب في الشتاء أيضا تشرب الماء البارد، وما تجود به الطبيعة لا فخر للإنسان فيه ولا عار على غيره. اليوم مثلا في دول أوربا الشمالية يستمر نزول الثلج عدة أشهر في السنة، في حين تعاني الدول الحارة من صيف لاهب، فهل يتفاخر الأوربيون على سكان الدول الحارة بأنهم يشربون الماء البارد؟ قال القاضي نكري هو فارسي" الثَّلج: بِالْفَارِسِيَّةِ (برف) . وَسبب حُدُوثه أَن الْبرد الْقوي إِذا يصل إِلَى أَجزَاء قبل اجتماعها ينزل السَّحَاب حَال كَونه ثلجا وَإِن وصل بعد اجتماعها ينزل السَّحَاب حَال كَونه بردا بِفَتْح الرَّاء الْمُهْملَة. وَسبب وُصُول الْبُرُودَة بالسحاب أَن السَّحَاب هُوَ البخار الصاعد إِذا يصل إِلَى الطَّبَقَة الثَّالِثَة من الْهَوَاء الَّتِي يُسمى طبقَة زمهريريه يتكاثف بكسب الْبُرُودَة من تِلْكَ الطَّبَقَة فَإِن لم يكن الْبرد قَوِيا اجْتمع ذَلِك البخار وتقاطر للثقل الْحَاصِل من التكاثف والانجماد. وَإِنَّمَا قُلْنَا للثقل لِأَنَّهُ إِذا صَار ثقيلا يكون متحركا وَفِي الْحَرَكَة حرارة فبسبب الْحَرَارَة يكون متقاطرا وَإِن كَانَ الْبرد قَوِيا فقد علمت تَفْصِيله الْآن. وَإِذا لم يصل البخار إِلَى الطَّبَقَة الزمهريرية لقلَّة حرارته الْمُوجبَة للصعود فَإِن كَانَ البخار كثيرا فقد ينْعَقد سحابا ماطرا أَيْضا إِذا أَصَابَهُ برد". (دستور العلماء1/257). وذكر ابو الفداء" وفيه في العشر الأوسط من آذار746 هـ جرية وقع بحلب وبلادها ثلج عظيم، وتكرر، أغاث الله به البلاد، واطمأنت به قلوب العباد، وجاء عقيب غلاء أسعار، وقلة أمطار. قلت:
ثلج بآذار أم الكافور في مزاجه ولونه والمطعم
لولاه سالت بالغلاء دماؤنا من عادة الكافور إمساك الدم (المختصر في أخبار البشر4/151)
الأروع منه ما ذكره الثعالبي" يضربون الْمثل في زَمَاننَا هَذَا بعام جميلَة وهى الموصلية بنت نَاصِر الدولة أَبى مُحَمَّد بن حمدَان أُخْت أَبى تغلب فَإِنَّهَا حجت سنة سِتّ وَسِتِّينَ وثلاثمائة وأبانت من الْمُرُوءَة وَفرقت من الْأَمْوَال وأظهرت من المحاسن ونشرت من المكارم مَالا يُوصف بعضه عَن زبيدة وَعَن غَيرهَا مِمَّن حجت من بَنَات الْخُلَفَاء والملوك. وأخبرني الثِّقَات أَنَّهَا سقت جَمِيع أهل الْمَوْسِم السويق بالسكر الطبرزد والثلج وَكَانَت استصحبت الْبُقُول المزروعة في مراكن الخزف على الْجمال وأعدت خَمْسمِائَة رَاحِلَة للمنقطعين من رجالة الْحَج وَنَثَرت على الْكَعْبَة عشرَة آلَاف دِينَار وَلم تستصبح فِيهَا إِلَّا بشموع العنبر وأعتقت ثلاثمائة عبد ومائتي جَارِيَة وأغنت الْفُقَرَاء والمجاورين بالصلات الجزيلة فَصَارَت حجتها تَارِيخا مَذْكُورا وَصَارَت مثلا مَشْهُورا". (ثمار القلوب/205). ذكر ابن تغري عن حوادث سنة 361هـ " فيها وزر ببغداد أبو طاهر بن بقيّة ولقّب بالناصح، وكان سمحا كريما، له راتب كلّ يوم من الثلج ألف رطل، وراتبه من الشّمع في كلّ شهر ألف منّ؛ وكان أبو طاهر من صغار الكتّاب يكتب على المطبخ لمعزّ الدولة؛ فآل الأمر إلى الوزارة. فقال الناس: من الغضارة إلى الوزارة! وكان كريما فغطّى كرمه عيوبه". (النجوم الزاهرة4/66). وتحدث عن حوادث سنة 366هـ " فيها حجّ بالناس أبو عبد الله أحمد بن أبى الحسين العلوىّ. وحجّت في السنة جميلة بنت ناصر الدولة بن حمدان، ومعها أخواها إبراهيم وهبة الله حجّة ضرب بها المثل، وفرّقت أموالا عظيمة؛ منها أنّها لمّا رأت الكعبة نثرت عليها عشرة آلاف دينار، وسقت جميع أهل الموسم السّويق بالسكر والثّلج". (النجوم الزاهرة4/126). كما ذكر الطبري" حمل محمد بن سليمان الثلج للمهدي، حتى وافى مكة، فكان المهدي أول من حمل له الثلج من الخلفاء إلى مكة". (تأريخ الطبري8/124). (المنتظم8/239).
ذكر ابن الجوزي" عن أبي سليمان بن الثلاج، قال: قال أبي: كان أصل نعمتي من ثمن خمسة أرطال ثلج، و ذلك أنه عز الثلج في بعض السنين ببغداد، وكان عندي منه شيء فبعته وبقي عندي منه خمسة أرطال، فاعتلت جارية لعبيد اللَّه بن عبد اللَّه بن طاهر كانت روحه من الدنيا، وهو إذ ذاك أمير بغداد فطلبت ثلجا، فنفذ إلي فقلت: ما عندي إلا رطل واحد فلا أبيعه إلا بخمسة آلاف درهم، وكنت قد عرفت الحال فلم يجسر الوكيل على شراء ذلك ورجع يستأذن عبيد اللَّه، فشتمه عبيد اللَّه وقال: اشتره بأي ثمن كان ولا تراجعني، فجاءني وقال: خذ خمسة آلاف درهم وهات الرطل، فقلت: لا أبيعك إلا بعشرة آلاف درهم! فلم يتجاسر على المراجعة وأعطاني عشرة آلاف درهم وأخذ الرطل فسقيت به المريضة و قويت نفسها، وقالت: أريد رطلا آخر، فجاءني الوكيل بعشرة آلاف درهم، وقال: هات رطلا آخر، فبعته، فلما شربته العليلة تماثلت وطلبت الزيادة، فجاءوا يلتمسون ذلك، فقلت: ما بقي عندي إلا رطل، ولا أبيعه إلا بزيادة فداراني وأعطاني عشرة آلاف درهم، ثم أحببت لأشرب أنا منه لأقول اني شربت ثلجا يساوي الرطل منه عشرة آلاف درهم، فشربت منه رطلا وجاءني الوكيل قرب السحر، فقال: اللَّه اللَّه قد واللَّه صلحت الجارية فإن كان عندك منه شيء فاحتكم في بيعه، فقلت: واللَّه ما عندي إلا رطل واحد ولا أبيعه إلا بثلاثين ألفا، فقال: خذ، فاستحييت من اللَّه أن أبيع رطل ثلج بثلاثين ألفا فقلت: هات عشرين، وأعلم أنك إن جئتني بعدها بملء الأرض ذهبا لا تجد عندي شيئا فأعطاني، فلما شربته أفاقت فأكلت الطعام، و تصدق عبيد اللَّه بمال عظيم، قال ودعاني من الغد، وقال: أنت بعد اللَّه عز وجل رددت حياتي بحياة جاريتي فاحتكم، فقلت: أنا خادم الأمير وعبده فاستخدمني في شرابه و ثلجه و كثير من أمر داره، فكانت تلك الدراهم أصل نعمتي، وتوفي عبيد اللَّه في شوال هذه السنة". (المنتظم13/138).
ب. مسألة أكل الجراد والضب
اولا : أكل الجراد
ذكر ابن منظور وَفِي الْحَدِيثِ:أَن النَّبِيَّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: إِنَّ مَرْيم ابْنَةَ عِمْرانَ سأَلت رَبَّهَا أَنْ يُطْعِمَها لَحْمًا لَا دَمَ فِيهِ فأَطْعَمها الْجَرَادَ". (لسان العرب6/190).
قال ابو حيان:
يا سائلي عن أصفهان وأهلها حكم الزمان بنحسهم وخرابها
شبانها ككهولها، وكهولهـــا كشيوخها، وشيوخها ككلابها
هي بلدتي ولكني فارقتها طفلا، فلن أعبق بلؤم ترابها (الرسالة البغدادية/90).
السؤال: لماذا يهزأ الفرس من قول النبي (ص)؟
ـ ذكر الدميري" قوله صلى الله عليه وسلم: أحلت لنا ميتتان ودمان: السمك والجراد والكبد والطحال ". (حياة الحيوان الكبرى1/304). وقال الخطيب البغدادي" حدثنا عبيدة حدثنا واقد بن عبد الله عن سعيد بن جبير عن بن عباس قال أهدى للنبي صلى الله عليه وسلم سمن وأقط وضب فاكل من السمن والاقط ثم قال للضب ان هذا الشئ ما اكلته قط فمن شاء ان يأكله فليأكل فاكل على خوانه ". (تأريخ بغداد5/149). كما ذكر الدميري" في التمهيد لابن عبد البر، عن جماعة من أهل الأخبار أن مدنيا سأل أعرابيا فقال: أتأكلون الضب؟ قال:نعم. قال: فاليربوع؟ قال: نعم. قال: فالقنفذ؟ قال: نعم. قال: فالورل؟ قال: نعم. قال: أفتأكلون أم حبين؟ قال: لا. قال: فليهنئ أم حبين العافية انتهى. والجواب أن هذا راجع لما اعتادوا أكله وترك أكله، خاصة لا أنها حرام على أنه لم يثبت ذلك". (حياة الحيوان الكبرى1/405).
الطريف في الأمر انه الجراد كان طعاما للفرس أيضا يأكلونه مملحا، قال الحميري" السوس وهي بالفارسية شوش أي جيد. وعلى أهلها الجفاء وغلظ الطبع، وهم أخلاط من البرابر والمصامدة، وزيهم لباس أكسية الصوف التفافاً، ولهم بشعورهم اهتمام يغسلونها بالحناء في كل جمعة مرتين برقيق البيض والطين الأندلسي، ولا يمشي الرجل منهم أبداً إلا وفي يده رمحان قصار العصي طوال الأسنان رقاقها، ويأكلون الجراد أكلاً لما مقلواً ومملوحا". (الروض المعطار/330). وعن العرب انحصر اكل الجراد على البدو، قال دوسر المديني: لنا الهرائس والقلايا، ولأهل البدو اللبأ والسّلاء والجراد والكمأة والخبزة في الرائب والتمر بالزبد". (البخلاء/235).
ثانيا: أكل الضب
قال الجاحظ" انّ النبي- صلّى الله عليه وسلم- أتوا خوانه بضبّ فقال: ليس من طعام قومي، لأنّهم لم يكونوا يحرشون الضّباب". (الرسائل السياسية/104). قال ابو بكر الأزرق" قال ابن عباس ان خالد بن الوليد دخل على ميمونة، فقدمت للنبي (ص) لحم ضب، فتركه. فقال خالد، سألت رسول الله (ص): أحرام؟ قال: لا! ولكنه لم يكن في أرض قومي، فأجدني أعافه، وهذا الحديث متفق عليه". (تسهيل المنافع/44). كما قال الجاحظ" من خصال قريش أنهم لم يشاركوا العرب والأعراب في شيء من جفائهم، وغلظ شهواتهم؛ وكانوا لا يأكلون الضباب، ولا شيئاً من الحشرات؛ ألا ترى أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أتوا خوانه بضب فقال: ليس من طعام قومي". (رسائل الجاحظ4/117). أما عن موضوع أكل العرب للضب، الحقيقة انه ليس كل العرب يأكلون الضب، كما يدعي الفرس، قال الجاحظ" في القول فيمن استطاب لحم الضب ومن عافه، روى أنّه أتي به على خوان النبي صلّى الله عليه وسلّم فلم يأكله، وقال: ليس من طعام قومي". (صحيح البخاري/ حديث 5076). وقال الجاحظ" حرّم الضب قوم، ورووا أنّ أمّتين مسختا، أخذت إحداهما في البر، فهي الضّباب، وأخذت الأخرى في طريق البحر، فهي الجرّيّ. ورووا عن بعض الفقهاء أنه رأى رجلا أكل لحم ضبّ، فقال: اعلم أنّك قد أكلت شيخا من مشيخة بني إسرائيل. وقال بعض من يعافه: الذي يدلّ على أنّه مسخ شبه كفّه بكفّ الإنسان". (كتاب الحيوان6/256)
قال العدار قوله:
له كفّ إنسان وخلق عظاية وكالقرد والخنزير في المسخ والغضب
وأضاف الجاحظ" ذهب جران العود، حين أطعم ضيفه ضبّا، فهجاه ابن عمّ له كان يغمز في نسبه، فلما قال في كلمة له:
وتطعم ضيفك الجوعان ضبّا وتأكل دونه تمرا بزبد
وقال في كلمة له أخرى:
وتطعم ضيفك الجوعان ضبّا كأنّ الضّبّ عندهم عيب
قال جران العود:
فلولا أنّ أصلـــــــــــك فارسيّ لما عبت الضّباب ومن قراها
قريت الضيف من حبّي كشاها وأيّ لويّة إلّا كشاها (كتاب الحيوان6/362). الكشية هي شحمة في ظهر الضب. لذا يمكن القول بأنه انحصر أكل الضب على بني تميم وقلة من الأعراب. قال الأصبهاني" كان بنو تميم يعيّرون بأكل الضب". قال الشاعر:
فكل الضب وأقرض الحنظل اليا بس وأشرب ما شئت بول الظليم
وقال أبو نواس:
إذا ما تميميّ أتاك مفاخرا فقل عدّ عن ذا كيف أكلك للضّب (محاضرات الأدباء1/723)
قال الجاحظ" قد يتقزّز الرّجل من أكل الضّبّ والورل والأرنب، فما هو إلّا أن يأكله مرّة لبعض التّجربة، أو لبعض الحاجة، حتى صار ذلك سببا إلى أكلها، حتى يصير بهم الحال إلى أن يصيروا أرغب فيها من أهلها". (كتاب الحيوان4/281).
وقال التميمي:
لكسرى كان أعقل من تميم ليالي فرّ من أرض الضّباب
فأنزل أهلــــه ببلاد ريف وأشجار وأنهار عذاب
وصار بنو بنيه بها ملوكا وصرنا نحن أمثال الكلاب
فلا رحم الإله صدى تميم فقد أزرى بنا في كلّ باب (كتاب الحيوان6/368)
قال أعرابيّ من بني تميم:
تسخر منّي أن رأتني أحترش ولو حرشت لكشفت عن حرش
الاحتراش: صيد الضباب هي لغة بني تميم" . (كتاب الحيوان6/372)
لكن من أين استمد بنو تميم هذه العادة وعلى أي دين كانوا عندما أكلوا الضب؟
هذا ما سيجيب عنه واحد من أهم رواة الشيعة؟ جاء في كتاب المثالب لهيثم بن عدي الكوفي " كانت المجوسية في بني تميم، وكان هلال التميمي مجوسيا، وكان الأقرع بن حابس مجوسيا، وكان سنجيت بن عبد الله مجوسيا، وكان ابو سَود جد وكيع بن أبي أسود مجوسيا، وكان زرارة بن عدس ابو حاجب مجوسيا". (المثالب/54). أي مارسوا أكلها كمجوس قبل الإسلام. لابد من توضيح نقطة مهمة جدا وهي ان حالات أكل بعض الحيوانات والحشرات هي حالات قد تكون فردية او مقصورة على جماعات معينة، لذا لا يجوز إعمامها على مصر ما بكل أقوامه.
قال الجاحظ" أخبرني ابن أبي نجيح وكان حجّ مع المسيّب بن شريك عام حجّ المهديّ مع سلسبيل، قال: زاملت المسيّب في حجّته تلك، فبينا نحن نسير إذ نظرنا إلى يربوع يتخلل الإبل، فصاح بغلمانه: دونكم اليربوع! فأحضروا في إثره فأخذوه. فلمّا حططنا قال: اذبحوه. ثمّ قال: اسلخوه واشووه وائتوني به في غدائي. قال: فأتي به في آخر الغداء، على رغيف قد رعّبوه فهو أشدّ حمرة من الزّهوة،- يريد البسرة- فعطف عليه فثنى الرّغيف ثم غمزه بين راحتيه ثم فرج الرغيف، فإذا هو قد أخذ من دسمه، فوضعه بين يديه، ثمّ تناول اليربوع فنزع فخذا منه، فتناولها ثم قال: كل يا أبا محمد! فقلت: ما لي به حاجة! فضحك ثم جعل يأتي عليه عضوا عضوا". (كتاب الحيوان6/521). وأضاف" زعم أبو زيد النحويّ سعيد بن أوس الأنصاريّ، قال: دخلت على رؤبة وإذا قدّامه كانون، وهو يملّ على جمره جرذا من جرذان البيت، يخرج الواحد بعد الواحد فيأكله، ويقول: هذا أطيب من اليربوع! يأكل التّمر والجبن، ويحسو الزّيت والسّمن.
أكل الحيات
قالَ الصاحب فِي رجل يتعصب للعجم على الْعَرَب ويعيب الْعَرَب بِأَكْل الْحَيَّات:
يَا عائب الْأَعْرَاب من جَهله لأكلها الْحَيَّات فِي الطّعْم
فالعجم طول اللَّيْل حياتهم تنساب فِي الْأُخْت وَفِي الْأُم (يتيمة الدهر3/316).
939 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع