ولاء سعيد السامرائي
في سجن أبو غريب وفي غزة
اعادت صور اعتقالات الفلسطينيين من كل الاعمار الأخيرة في غزة التي شاهدها العالم وهم عراة في البرد يقف امامهم صف من جنود الاحتلال يتمتعون ويتضاحكون بإذلالهم ويستأسدون عليهم او صور الشاب السجين الذي وضع في السجن الانفرادي وأطلقت عليه الكلاب ليخرج مريضا مصدوما من هول ما قاساه، اعادت بقوة وقسوة صور لن ينساها لا شعبنا العربي ولا العالم لعمليات التعذيب الممنهج الأمريكي الصهيوني في سجن أبو غريب والتي هزت العالم عام 2004 بعد نشر مئات الصور من داخل السجن تظهر وتشهد على طرق تعذيب تفتقت العقول الصهيونية المريضة والسادية على الاتفاق عليها وكتابتها وتوقيعها قبل الغزو. فقد أكدت الجنرال جانيس كاربنسكي في مقابلة لها في قناة الجزيرة ان تقنيات التعذيب التي استخدمت في أبو غريب قد تمت مناقشتها في أعلى مستويات الإدارة الأميركية بشخص دونالد رامسفيلد وزير الدفاع الذي وقع مذكرة تبيح طرق تعذيب محددة علقت في خارج المكتب الإداري للسجن.
تقول الجنرال جانيس كاربنسكي التي كانت مسؤولة عن سجن أبو غريب في المقابلة انها لا تعرف اين تم تطوير تقنيات التعذيب ولكنني اعرف انه لم يتم تلقين هذه التقنيات في المدارس العسكرية الأميركية فالجنود لا يتلقون دروسا في الثقافة العربية لمعرفة ما يهين العرب، لا يعرفون مثلا ان الكلب يسبب إهانة كبيرة، إنهم تعلموا تلك التقنيات "في مكان ما " ! وتقول كاربنسكي في مقابلة مع "البي بي سي" انها التقت ضابطا إسرائيليا في أبو غريب حينما بدأت حملة اعتقالات العراقيين العشوائية بشكل واسع بعد العمليات المكثفة للمقاومة العراقية، اذ وصل الجنرال ميللر وفريقه من غوانتانامو للعمل مع المحققين العسكريين ومع قائد القوات في العراق الجنرال سانشيز الذي تلقى تعليمات ميللر باستخدام طرق تعذيب معسكر غوانتانامو واصدر مذكرة وقائمة طويلة بتقنيات الاستجواب او بالأحرى التعذيب ليصل بعد أسبوعين من هذه الزيارة أفواج من المحققين المدنيين يتكلمون العربية بطلاقة ليلتحقوا بالضابط الإسرائيلي في سابقة للجيش الأميركي لاستخدام محققين مدنيين. وقد أكد بعض الفلسطينيين الذين جربوا السجون الإسرائيلية بان ما لاحظوه من الصور والاهانات الجنسية هي ما جربوه في المعتقلات الإسرائيلية. ومن ضمن توصيات الجنرال ميللر كما تقول كاربينسكي هو استخدام الكلاب لفعالية تأثيرها على المعتقلين بعد تجربتها في غوانتانامو وعدم ادخال أسماء السجناء في سجلات المعتقلات وكذلك حرق الجثث وتصويرها لاستخدامها في الاستجواب.
ولولا نشر صور التعذيب التي فضحت جرائم الإدارة الأمريكية لما عرف العالم بما يقوم به الجيش الأمريكي في أبو غريب، اما اليوم فأن هذه الجرائم والابشع منها يقوم بها جيش الاحتلال الصهيوني بشكل واسع وعلني على مدار اليوم دون ان تكون فضيحة مدوية كما حصل في أبو غريب وادى الى استقالة دونالد رامسفيلد ، جرائم لا تثير "غضب العالم الحر" الذي يبيع ويشتري بالقيم والأخلاق بل بتأييد الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا وإيطاليا. لقد تم توثيق عدد من هذه الجرائم عبر شاشات التلفزة والهواتف ومواقع التواصل الاجتماعي ومركز الاعلام الفلسطيني والمركز الاورومتوسطي لكن ذلك لم يمنع الاعلام الغربي الداعم لكيان الاحتلال وبعد اكثر من شهرين على الحرب وتدمير وتهجير اهل غزة، من الاستمرار بترديد أكاذيب حكومة نتاياهو الإرهابية الفاشية وتجاهل جرائم حرب الاحتلال وجرائمه ضد الإنسانية التي يمتنع عن بثها والكلام عنها ولو قليلا. بعد ثمانين عاما على الحرب العالمية الثانية ، والاعلام الغربي وصهاينة اوربا وامريكا يجترون الهولوكوست وما تعرض له اليهود من إهانة وتجويع وقتل متعمد واستهزاء من قبل الجيش الألماني ويقبضون عنها في هذه الدول اثمانا وتنازلات وصمت اعلامي وانحياز وتشويه وتظليل متعمد حول الشعب الفلسطيني ، لكن جرائم الاحتلال الوحشية والبشعة مثل تصفية مئات الفلسطينيين المدنيين او تجريفهم وقتلهم بالجرافات ومشهد تعرية الفلسطينيين للإذلال الذي هو جريمة ضد الإنسانية وسبق لليهود ان عاشوها على ايدي النازيين لا تشكل عملا اجراميا بشعا يكون في مانشيتات صحفهم ومواقعهم وفي مقدمة نشراتهم الإخبارية لإعلامهم المتبجح بالقيم ، لم نسمع تأثر بايدن ولا ماكرون ولا فندر لاين ، صمتت وزارات الخارجية الغربية ومؤسساتها الثقافية وهم يتابعون ذلك بدقة. في حين ومنذ سنوات تحتل اكاذيبهم المخابراتية المسماة "بالإرهاب الإسلامي" لدعم دولة الاحتلال في نزع شرعية العدالة للقضية الفلسطينية في فرنسا، الصدارة في التغطية والنشر وتسويق قصص طويلة عريضة مختلقة تلصق بشكل عادي بالعرب والمسلمين في إجراءات تسمى في هذه الدول قانونيا بالدعوة الى العنف والتحريض والعنصرية ضد مكون من مكونات الشعب الفرنسي. بالنسبة للحكومة الفرنسية فأن مرور عربي امام معبد يهودي هو جريمة خطيرة ومعاداة للسامية تستحق ان تستنفر الدولة كلها واعلامها من اجلها لكن بقر بطون الحوامل الفلسطينيات وقتلهن وهن يتجهن للولادة في المستشفى لا أهمية لها كما لا أهمية لسجن اكثر من 12 الف فلسطيني دون تهمة لعقود وسنوات ولا تهجير وتجويع ومنع الماء والحياة لأكثر من مليون فلسطيني ولا تدمير مدينة بأكملها ولا استخدام وسائل تعذيب شنيعة ممنوعة في التحقيق والاستجواب التي هي في القانون جرائم ضد الإنسانية.
ان الدول الغربية الداعمة والعربية الغارقة في التطبيع لا تصمت على الجرائم بل انها تشارك وبفعالية في الحرب ضد الشعب الفلسطيني. لقد أظهرت الحرب على غزة موقفا غربيا كاملا مع الاحتلال وجرائمه ضد الشعب الفلسطيني لا بل وقفة استعمارية متعجرفة ضد العرب والمسلمين رأيناها في موقف بايدن الذي اشارت له الصحافة الامريكية وهو عدم ابداء أي مشاعر ازاء الفلسطينيين الذين يتعرضون للقصف الكثيف والمستمر بل حتى انه لم يأتي على ذكرهم ابدا و قلده في الموقف الرئيس الفرنسي الذي ورغم ضغط عدد من الشخصيات الدبلوماسية المهمة في الخارجية لم ينبس بكلمة تعاطف مع الشعب الفلسطيني بل اضطر الى كبح حماسه في الدفاع عن الاحتلال ونطق جملة وقف اطلاق النار بعد سبعين يوما. ان موقف الولايات المتحدة الامريكية وأوربا العجوز يعبر عن موقفها كما يقول المؤرخ اليهودي "إيان بابيه" الذي اتخذته منذ عام 1948 وهو عدم انشاء دولة فلسطينية والسماح للكيان الصهيوني بتهجير كامل الشعب الفلسطيني وبالقيام بمجازر منها مجزرة دير ياسين وتهجير الشعب الفلسطيني.
ان جرائم القتل والتعذيب التي يمارسها الاحتلال الصهيوني في غزة وكل فلسطين سواء ضد السجناء او المدنيين تعد في القانون الدولي من الجرائم ضد الإنسانية وهي جرائم لا تسقط بالتقادم ولن يترك الشعب الفلسطيني ولا فصائل المقاومة الفلسطينية التي تقود المعركة بجدارة وابداع عال هذه الجرائم الوحشية التي يقترفها جيش الاحتلال الصهيوني السادي ولا قطعان المستوطنين دون عقاب او ملاحقة من امر بها ولا من اقترفها خاصة ان ما قيل سواء من العسكريين او المستعمرين العنصريين في غلاف غزة وثق من قبلهم بفيديوات يفتخرون فيها بآن دينهم يحثهم على ذلك.
يقول المحامي الفرنسي "جيل دوفير" الذي رفع دعوى لدى المحكمة الجنائية الدولية عن جرائم جيش الاحتلال ان جرائم دولة الاحتلال موثقة وأصبحت ملفات ادانتها امام المحكمة الجنائية الدولية سهلة جدا ولا تتطلب الا تقديم الطلب فهي تبث امام اعين العالم وشاشات التلفونات الذكية والقنوات التلفزيونية. ليس ذلك فحسب بل انه يتوجب رفع شكوى امام محكمة العدل الدولية ضد نتانياهو كما فعلت جمهورية جنوب افريقيا للاقتصاص من المجرمين الذين يفلتون في كل مرة من المحاسبة والعقاب.
لم تكسر جرائم المحتلين الهائلة وتقنيات التعذيب البشعة للنازيون الجدد لا مقاومة العراقيين ولا الأفغان ولا الفلسطينيين، فقد أخرجت المقاومة الأفغانية جيوش الولايات المتحدة والاطلسي من ارضها صاغرين واخرجت المقاومة العراقية فلول الجيش الأمريكي من المدينة الصغيرة الفلوجة ومن بغداد وهو يبكي وفاجأت كتائب القسام العالم بعملياتها الاستثنائية الدقيقة والمتقنة، فاجأت الغرب الاستعماري والعالم بنجاحاتها وصمودها وشجاعتها امام جيش مدجج ومحصن بالتكنولوجيا اذ اسقطت سمعة قبته الحديدية ومزقت جيشه وصورته وهيبته اما انظار العالم في عملية ستكون في التاريخ من اكبر الدروس التي لقنها شعب عظيم لاحتلال في التاريخ .
26/12/2023
768 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع