هذا ما قلته أمسِ للكلمة ..!

                                     

                         بقلم/ يوسف ناصر

    

"الإهداء إلى الذين لا تخرج من أفواههم إلا كلمة حقّ ومحبّة وشرف أهدي كلمة يراعي هذه"

.. أمسِ ناديت بأعلى الصّوت ، فاجتمعت كلمات الدّنيا التي نطقها أبناء البشريّة منذ نشأتها، وتلاقت في زحام كبير غطّى الأرض والسّماء، بعد أن خرجتْ من كلّ لسانٍ نطقَ ، وكلّ قلم ٍكتبَ ، وقد شاهدتُّ جموعًا منها تصعد من تحت الأرض ، وقد خرجتْ تزحف من قبور اصحابها..! وأخرى تتساقط على الأرض طيورًا من أعالي الفضاء ما أوشكت أن تنطلق من أفواه البشر حتّى وقعتْ..! أمرتُ ، فخلعتْ كلّ كلمة ثيابها حتّى بدت عارية خجلى أمام ناظري ، وقد سارعتْ تفتّش عن ورقة تين لتستر عوراتها عن أنظار النّاس الذين حضروا معي هذا المشهد العجيب ، ساعةَ وجدتُّ أكثر الكلمات حياءً كلمة تقنّعتْ بقناع الزّور والكذب، وأخرى تلفّعت بثوب مزخرف بالرياء ، وتلك التي لبست شبكة صيّاد لتوقع بصيدها الناسَ الأبرياء عند الشّاطئ ، وكلمة بطّالة نتنة الثّياب أَبَتْ على نفسها أن تتعرّى ، وأخرى تتقيّأ ما في جوفها، وتلك التي كانت تدجّجتْ في الباطل لنصرة الظّلم ، وغيرها من العاريات الكثيرات المختبئات وراء الصّخور وخلف الشجر ..! وإذا بواحدة منهنّ رفعت رأسها، ترتعد من شدة الخوف وتقول : نتوسّل إليك بأغلى ما لديك ألاّ تعيدنا إلى قماقمنا ، فنحن لا ذنب لنا فيما حملناه للنّاس يومًا ..! إنّي بريئة لم أرتكب إثمًا ..! أنا ابنة قائلي، وخادم سيّدي، ورسول قلبه إلى النّاس ..! وماذا عسى أن أفعل وقد بعثني الجبناء من أفواههم طائرًا أحمل أقذارهم من حسد ،وضغينة، وجبن ، وكذب، ورياء..!

.. وكم كان فرحي عظيمًا، إذ رأيتُ كلمات قليلات اعتزلتْ هذا الحشد العظيم، وبقيتْ على حالها كأنّها ما نَضَتْ ثوبًا عن جسد، وصاحت بأعلى صوتها فوق المنبر : أنا لم أرضَ يومًا أن ألبس ثوبًا واحدًا كلّ حياتي غير ثوبي الّذي تراه !! أنا كلمة حقّ ..! وهذه كلمة محبّة ..! وتلك كلمة شرف..!! نحن قلّة صغيرة في هذا العالم كما ترى ، إنّ الطّمع يطردنا أينما كنّا، والعنصريّة تضطهدنا ، والباطل يكرهنا ، والكذب يسخر منّا ، ولا نشكو بلوانا في هذا العالم إلاّ إلى ربّنا..! فقلت لها : لا تجزعي يا أُخيّةُ..! أنت هنا كلمة الله الخالدة التي لا تموت في الأرض..! وأمّا الجموع الغفيرة التي ترين حولك من غير بنات جنسك، فما هي إلاّ أوراق يابسة تطحنها العواصف بعد حين، وتأخذها طعامًا للنّار الجائعة فوق السفوح والأودية ، لكنّها تبقى شهادة على أوساخ النفوس، وأقذار القلوب في هذا العالم ..! أنتنّ الجيش الصّاعد من أعماق الصّدور، ويحمل بيديه مشاعل النّور ليحمي السلام والعدل في الأرض ، ولا يغشى أنوارَكنَّ ليلٌ ولا تطفئكنّ ريح..! ، فتعالَ يا قلمي عبِّئْ لسانك من هذا الكوثر..! وعطّرْ ثيابك من هذا العبير، لكي يطلبك الناس العطاش من بعيد، ويمتّع قلبَه من عبير شفتيك كلُّ الذين عافوا رائحة الأقلام والألسنة التي أنتنت في هذا العالم..!

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

1100 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع