زينب حفني
هل كانت المرأة في الجاهلية تتمتع بامتيازات كبيرة، وعندما جاء الإسلام قيّد حريّة المرأة لصالح الرجل، كما يُروّج البعض لذلك؟! هل إشاعة هذا المعتقد الخاطئ، جاء كنتيجة حتميّة للمطالبات العجيبة التي أصبح يُنادي بها الدعاة المتطرفون فكريّاً، بحجة الحفاظ على كرامة المرأة؟!
لماذا تُحاول أغلبية الجماعات الإسلامية غرس فكرة أن المرأة منبع الخطيئة، إلى حد إعلان حرب شعواء على كل من تُفكّر رفع لواء المساواة مع الرجل لحماية حقوقها المشروعة؟! هل هذه الدعوات المتطرفة تسعى ضمناً لفصل مجتمعاتنا العربية إلى مجتمع ذكوري ومجتمع نسائي؟! إذا كانت المرأة منبع الشرور وتقضُّ مضاجع الإسلاميين، لماذا لا يضعون النساء في سجن كبير بأسوار عالية وأبواب مقفولة بمزاليج حديديّة حتّى يناموا مرتاحي البال؟!
بلا شك أن الدين الإسلامي بريء مما يجري حالياً! وللأسف لقد وصل الأمر إلى أن تُصبح المرأة في حال يُرثى لها بالبلاد التي يُسيطر عليها المتشددون الإسلاميون/ وقد قام هؤلاء خلال العقود الأخيرة بأفعال لا يقرّها العقل، من تضيق على حرية المرأة، وحصرها في زاوية ضيقة، وسلبها حقوقها بممارسة العنف عليها تارة، ومنعها بالقوة والتهديد من التمتّع بأبسط حقوقها تارة أخرى! ولو تكاتف الإعلام بقنواته المختلفة على تشويه مبادي الدين الإسلامي كما فعل المتطرفون، لما نجح في ترسيخ هذه النظرة المريبة التي يربطها الغرباء بالإسلام على أنه دين رجعي!
الأغلبية ترى بأن وصول التيارات الدينية لسدة الحكم في بلاد الثورات، ساهم أيضاً في تعميق هذه الفكرة الخاطئة! فعلى سبيل المثال ما زالت المرأة التونسية تُعتبر في مقدمة الصفوف من حيث تمتعها بحقوقها المدنية، والفضل في هذه الامتيازات يعود للرئيس بورقيبة الذي حرص إبّان حكمه على منح المرأة الكثير من المكاسب، ولكن ما أن وصل الإسلاميون إلى الحكم حتّى سعى عدد من قياداتهم لسحب البساط من تحت قدميها.
حزب "إئتلاف حرائر تونس" النسوي، خرج للتظاهر ضد حركة "النهضة" الإسلامية، متهماً إياها بالسعي إلى تغيير قانون الأحوال الشخصية التي وضعها الرئيس بورقيبة، ومحاولة تمرير بنود مغايرة للثقافة التونسيّة التي ألفوها على مدار أكثر من خمسة عقود، برفع الحظر عن تعدد الزوجات وإباحة الزواج العرفي وإجازة زواج القاصرات، وتحميل الحكومة مسؤولية فتح الباب أمام سفر شابات تونسيات إلى سوريا تحت مسمّى "جهاد النكاح"!
سواء كان المرء مع قانون بورقيبة أو ضد بعض بنوده، إلا أن المحاولات التي تجري في الخفاء يدل على أن الإسلاميين يريدون أن يلغوا كل الإنجازات التي حصدتها المرأة العربية بعد نضال طويل. وما يجري اليوم باسم الدين لا صلة له بعصور الإسلام الأولى، حيث كانت المرأة المسلمة تُشارك في كافة نشاطات الحياة، ولم تكن معزولة عن الحياة العامة كما يُصوّر البعض ذلك!
هناك من يُدافع عن مطالب الإسلاميين بحجة أن الزمن تغيّر، وأن المفاسد زادت، وأن خروج المرأة للعمل واختلاطها بالرجال أدّى إلا رواج الرذيلة! ولا أدري لماذا يضع الإسلاميون المرأة تحت المجهر طوال الوقت كأنها المسؤولة عن كم الانتكاسات التي تجري داخل مجتمعاتنا! متناسين بأن المرأة هي صانعة الرجال، وأنه لولا المرأة التي غرست المبادئ والقيم في أطفالها منذ الصغر لما خرجت أجيال سويّة.
صبيحة كل يوم، تقع عيناي في صحف بلادي، على أخبار لرجال دين متشددين يُطالبون بعزل المرأة ووضع عراقيل كثيرة أمامها، ويُنادون بفصل المجتمع لنصفين، حماية للرجل المسكين من إغواء هذا الكيان المتسلّط المسمّى بالمرأة! حقيقة لا أعرف إلى أين سينتهي المطاف بنا مع كم هذه الخزعبلات!
972 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع