د.علي محمد فخرو
ما أشبه اليوم بالبارحة. فعندما قتل الرعاع الخليفة الراشدي الثالث عثمان بن عفان رفع كل من هب ودب من الطامعين والفاسدين والانتهازيين قميصه الملطخ بالدم في وجه خصومهم أو منافسيهم. لقد كانت صرخة حق أريد بها باطل.
في أيامنا التي نعيس الآن، في الأقطار العربية التي شملتها ثورات وحراكات الربيع العربي، أصبحت أخطاء وخطايا أنظمة الحكم الانتقالية لما بعد الثورات التي نجحت في اسقاط الأنظمة الانتقالية لما بعد الثورات التي نجحت في اسقاط الأنظمة الاستبدادية الفاسدة السابقة وأخطاء وخطايا القوى السياسية التي لاتزال تناضل ضد الاستبداد والفساد، أصبحت تلك الأخطاء والخطايا قميص عثمان جديداً يرفعه كل من هب ودب من قادة وأعوان الثورات المضادة في وجه مسيرة وأهداف الربيع العربي.
في الصحف نقرأ وعلى شاشات التلفزيونات نشاهد ونسمع نفس صرخات وأقوال الحق الذي يراد بها الباطل، باطل الرجوع الى الوراء، الى النكوص نحو الفساد والاستبداد والظلم، الى اللاديموقراطية. على قميص عثمان الجديد يعلن هؤلاء بأن الاستقرار وقبضة الأمن الحديدية أهم وأولى من الحرية والعدالة والكرامة الانسانية والنهوض من ركام التخلف التاريخي.
على قميص عثمان الجديد يكتب هؤلاء، من اللاطمين المأجورين وذارفي دموع التماسيح ورافعي ألوية الزبونية في كل عهد، بأن الاصلاحات الكبرى يجب أن لا تصاحبها أخطاء أو آلام او تضحيات، وأن العرب، من دون خلق الله جميعا وبعكس كل قوانين التاريخ والاجتماع، يجب أن يظلوا الى الأبد ممدودي اليد لمن يتصدق عليهم بهذا الفتات أو تلك المكرمات ان سمح له كرمة بذلك.
لا توجد مبالغة في رسم الصورة، فالأحداث في رسم تلك الصورة، فالأحداث اليومية تؤكدها. وما يهمنا هو ألا يتأثر شباب الثورات ببؤسها، ففي أعماق تلك الصورة يكمن الاتي:
أولا: منذ أكثر من ستين سنة كتب الكاتب الجزائري مالك بن نبي بأنه «لكيلا نكون مستعمرين يجب أن نتخلص من القابلية للاستعمار» وقد أوضح الكاتب في كتابه الشهير (شروط النهضة) الكثير من علل ونواقص المجتمعات العربية، التاريخية والاجتماعية والنفسية والروحية منها، التي أدت الى تلك القابلية في بلاد العرب.
واذا قرأ شباب الثورات ذلك الكتاب والكتب المماثلة التشخيصية فسيجدون أن نفس العلل كانت ولاتزال هي السبب للقابلية لقبول الاستبداد والقهر والظلم الداخلي. ولذلك فان الخروج من تلك القابلية سيكون عملية عسيرة ومؤلمة وطويلة الأمد، وستكون الخروج من القابلية للاستعمارين الخارجي والداخلي على السواء.
ثانيا: بسبب تلك القابلية للاستعمار والاستبداد، والتي كانت حصيلة تاريخ طويل من التخلف الحضاري، بعد التراجع المعروف للحضارة العربية الاسلامية المبهرة، فانه من الضروري الادراك بأنه حتى لو نجحت ثورات وحراكات الربيع العربي في تحقيق الأهداف السياسية وانتقلت المجتمعات الى نظام ديموقراطي معقول فان ذلك لن يكفي. فالربيع العربي، اذا أريد له أن يكون نهوضا حضاريا، لن يكتمل ولن يستمر في أفق المستقبل البعيد الا اذا ترافق مع الثورة السياسية قيام ثورات فكرية وثقافية وروحية وأخلاقية.
ان ذلك يتطلب من شباب الثورات أن يعملوا على تواجد المثقفين والمفكرين وعلماء الدين المستنيرين في مقدمة الصفوف ليحموا ثوراتهم من هرطقات بعض الاعلاميين وعلماء الدين المتزمتين وكتاب السلاطين. ذلك أن أحد أهم أسباب الفشل في أنظمة الحكم الانتقالية لما بعد ثورات وحراكات الربيع العربي كان غياب الفكر والثقافة والروح السامية والقيم الضابطة للسياسة وجموحاتها.
ثالثا: للمرة الألف نقولها مع القائلين بأنه ما لم ينتقل شباب الثورات من صنع الثورات الى ممارسة العمل السياسي المنظم، على مستوى أقطارهم وعلى مستوى وطنهم العربي الكبير فانهم سيقضون عمرهم في اصلاح مايفعله الآخرون بهذه الثورات، أحيانا باسمهم وأحيانا بادعائهم بأنهم صانعوا ومفجروا الثورات.
ان ظهورهم على شاشات التلفزيون أو كتابة الكتب باللغة العربية أو اللغات الأجنبية أو تلبية دعوات مؤسسات العلاقات العامة في الداخل والخارج لم ينجح ثورة، ومن المؤكد لن يجعلها مستمرة بعد نجاحها. ان ذلك لم يحل محل اقدامهم على تكوين الكتلة التاريخية المنظمة الحاملة لواء الثورة السياسية الاقتصادية الثقافية المطلوبة، الكتلة القادرة على تحقيق الانتصارات اليومية التراكمية المفجرة للأمل والطموح والجهد في صفوف الجماهير.
بدون ذلك ستكون الثورات ثورات عاقرة غير قادرة على ولادة أي حضارة.
948 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع