مباحث في اللغة والأدب/ ٤٦

ضحى عبد الرحمن
كاتبة عراقية

مباحث في اللغة والأدب/ ٤٦

زرقاء اليمامة المرأة الخارقة

المقدمة

يعتقد البعض ان زرقاء اليمامة اسطورة سبق ان قرأناها في كتاب القراءة خلال الدراسة الابتدائية، في القرن الماضي، سيما ان الكتاب آنف الذكر يتضمن ما هو مشوق للقارئ المبتدأ الصغير من قصص واناشيد، دون أن يشير الى حقيقة الشخصية، وهذا أمر طبيعي في الصفوف الأولى من الدراسة الابتدائية، وغادرنا زرقاء اليمامة منذ ذلك الحين، حيث لم تتناولها كتب الدراسة المتوسطة والإعدادية، مع إنها عاشت في زمن مهم وأحداث تأريخية خطيرة. وهي فترة حكم العماليق، بل العماليق أنفسهم قلما يعلم القارئ العربي الكثير عنهم، البعض يتصور أنهم من قوم عاد أو ثمود وهم من العمالقة، من انه لا علاقة للاسم بالجسم. فالعماليق يرجع أصلهم الى زعيمهم ويدعى (عملوق)، وأحيانا يطلق عليه (عمليق)، وهو من جبابرة مدينة اليمامة، وقد فرض على قومه والمناطق التي تحت نفوذه بأن لا تزف أي عروس الى زوجها إلا بعد أن يفترعها بنفسه، وبقي ذلك الحال المزرى الى أن أدت به هذه الطريقة السمجة في الزواج المقزز الى لقاء حتفه بعد ان بلغ به الذل والعار بين القبائل مبلغا كبيرا، وهكذا حال الجبابرة يُقتلوا على أيدي أضعف خلق الله.

زرقاء اليمامة في المصادر التأريخية
قالَ الْجَوْهَرِيُّ: اليَمَامَةُ اسمُ جَارِيَةٍ زَرْقاء كَانَتْ تُبْصِرُ الرَّاكِبَ مِنْ مسيرةِ ثَلَاثَةِ أَيام، يُقَالُ: أَبْصَرُ مِنْ زَرْقاء اليَمَامَةِ. واليَمَامَةُ: القَرْيَةُ الَّتِي قصَبتُها حَجْرٌ كَانَ اسمُها فِيمَا خَلَا جَوّاً، وَفِي الصِّحَاحِ: كَانَ اسمُها الجَوَّ فسُمِّيت بِاسْمِ هَذِهِ الْجَارِيَةِ لِكَثْرَةِ مَا أُضيفَ إِليها، وَقِيلَ: جوُّ اليَمَامَة، والنِّسْبةُ إِلى اليمامةِ يَمَامِيٌّ. وَفِي الْحَدِيثِ ذَكَرُ اليَمَامَةِ، وَهِيَ الصُّقْعُ الْمَعْرُوفُ شرْقيَّ الحِجاز، ومدينتُها العُظْمى حَجْرُ اليَمَامَة، قَالَ: وإِنما سُمِّي اليَمَامَةَ بِاسْمِ امرأَة كَانَتْ فِيهِ تسْكُنه اسْمُهَا يَمَامَة صُلِبَت عَلَى بَابِهِ. وقولُ الْعَرَبِ: اجتَمعت اليَمَامَةُ، أَصله اجتمعَ أَهلُ اليمامةِ". (لسان العرب12/648).
وذكر ابن منظور عن ابْنُ بَرِّيٍّ أنه قَالَ " كَانَ المُمَلَّكُ عَلَى طَسْمٍ رَجُلًا يُقَالُ لَهُ عُمْلُوقٌ أَو عِمْلِيقٌ، وَذَكَرَ أَن عِنْدَهُمُ امرأَة يُقَالُ لَهَا عَنْز، مَا رأَى النَّاظِرُونَ لَهَا شِبْهاً، وَكَانَتْ طَسْم وجَدِيسُ بجَوِّ الْيَمَامَةِ، فأَطاعه حسانُ وَخَرَجَ هُوَ وَمَنْ عِنْدِهِ حَتَّى أَتوا جَوًّا، وَكَانَ بِهَا زرقاءُ الْيَمَامَةِ، وَكَانَتْ أَعلمتهم بِجَيْشِ حَسَّانَ مِنْ قَبْلِ أَن يأْتي بِثَلَاثَةِ أَيام، فأَوقع بِجَدِيسَ وَقَتَلَهُمْ وَسَبَى أَولادهم ونساءَهم وَقَلَعَ عَيْنَيْ زَرْقَاءَ وَقَتَلَهَا، وأُتِيَ إِليه بعَنْز رَاكِبَةً جَمَلًا، فَلَمَّا رأَى ذَلِكَ بَعْضُ شُعَرَاءِ جَدِيسَ قَالَ:
أَخْلَقَ الدَّهْرُ بِجَوٍّ طَلَلا مثلَ مَا أَخْلَقَ سَيْفٌ خِلَلا
وتَداعَتْ أَرْبَعٌ دفاقة تَرَكَتْه هامِداً مُنْتَخِلا
مِنْ جَنُوبٍ ودَبُورٍ حِقْبَةً وصَباً تُعْقبُ رِيحاً شَمْأَلا
وَيْلَ عَنْزٍ واسْتَوَتْ راكِبَةً فوقَ صَعْب، لَمْ يُقَتَّلْ ذُلُلا
شَرَّ يَوْمَيْها وأَغْواهُ لَهَا رَكِبَتْ عَنْزٌ بِحِدْجٍ جَمَلا
لَا تُرَى مِنْ بَيْتِهَا خارِجَةً وتَراهُنَّ إِليها رَسَلا
مُنِعَتْ جَوّاً، ورامَتْ سَفَراً تَرَكَ الخَدَّيْنِ مِنْهَا سَبَلا
يَعْلَمُ الحازِمُ ذُو اللُّبِّ بِذا أَنما يُضْرَبُ هَذَا مَثَلا (لسان العرب5/384).
قال مرتضى الزبيدي" اليَمامَةُ : اسْمُ‌ جارِيَةٍ زَرْقاءَ كانت تُبْصِرُ الرَّاكبَ من مَسيرةِ ثلاثَةِ أَيام، زَعَمُوا. يقالُ: أَبْصَرُ مِن زَرْقاءِ اليَمامةِ ، كما في الصِّحاحِ، وهي ابْنةُ سَهْم. ووَقَعَ في قصَّةِ مَسِير تُبَّعِ إلى بِلادِها ما نَصّه: قالَ رياحُ الطسميّ: توقف أَيُّها المَلِك فإنَّ لنا أُخْتاً مُتَزوِّجَة في جديس يقالُ لها يَمامةُ وهي أَبْصَرُ خَلْقِ اللَّهِ تعالَى على بُعْد، فإنَّها لترى الشَّخْص مِن مَسِيرَةِ يومٍ ولَيْلةٍ، وإِنِّي أَخافُ أَنْ تَرانا وتُنْذرَ بنا القَوْم، وقصَّتها طَوِيلَة. وبلادُ الجوِّ مَنْسوبةٌ إليها وسُمِّيَتْ باسْمِ. قالَ أَهْلُ السِّيَرِ: كانَتْ مَنازِلُ طَسْمٍ و جديسِ اليَمامَة، وكانتْ تُدْعَى جوا، وكانتْ أَحْسَن بِلادِ اللَّهِ أَرْضاً وأَكْثَرُ ها خَيْراً وشَجَرَاً و نَخِيلاً مِن سائِرِ الحِجازِ. ولمَّا فَتَحَ تُبَّعٌ حُصونَ الجوّ امْتَنَعَ عليه الحصْنُ الذي كان فيه زَرْقاءُ اليَمامَةِ فصابَرَهُ تُبَّعٌ حتى افْتَتَحه وقَبَضَ على زَرْقاء اليَمامَةِ أَمَرَ بقَلْعِ عَيْنَيْها، فوَجَدَ عُروقَها كلَّها مَحْشوَّة بالإِثمدِ، وأَمَرَ بصَلْبِها على بابِ جوِّ وأن تُسَمَّى باسْمِها، وفيه يقولُ تُبّع:
سمّيْتُ جَوًّا باليمامةِ بَعْدَمَا تركتُ عيوناً باليمامة هُمَّلا
فلا تُدْعَ جَوٌّ ما بقيتُ بِاسْمِها ولكنها تُدْعَى اليمامة مقبلا (تاج العروس17/777).
ـ قال ابو زكريا النووي" اليمامة: بفتح الياء مدينة من اليمن على مرحلتين من الطائف وأربع من مكة، سميت باسم جارية زرقاء كانت تبصر الراكب من مسيرة ثلاثة أيام، يقال أبصر من زرقاء اليمامة فسميت اليمامة لكثرة ما أضيفت إليها، والنسبة إليها يمامي". (تهذيب الأسماء واللغات4/201). وقال حسين ديار البكري" فى الفوائد بلد مسيلمة الكذاب مدينة الآن اسمها اليمامة ويقال لها حجر اليمامة، ويقال لها جوّ اليمامة وهى بلد معروف فى اليمن، اليمامة في الاصل اسم امرأة زرقاء يقال لها زرقاء اليمامة يضرب بها الامثال في حدّة البصر، فيقال أبصر من زرقاء اليمامة وهى اليمامة بنت مرّة من ذرّية ارم بن سام بن نوح فسميت تلك المدينة باسم تلك المرأة. في القاموس وبلاد الجوّ تنسب إليها سميت باسمها وهى أكثر نخيلا من سائر الحجاز وبها تنبأ مسيلمة الكذاب وهى دون المدينة في وسط الشرق عن مكة، على ست عشرة مرحلة من البصرة وعن الكوفة نحوها. وفى الفوائد وقد روى ان تبع بن بنان بن تبع لما جيش الجيوش لحصر هذه المدينة التي هى اليمامة. فسار حتى بقى بينه وبين هذه المدينة مسيرة ثلاثة أيام.
فقال رباح بن مرّة أخو اليمامة بنت مرّة: أيها الملك تبع انّ لي أختا متزوجة، ليس على وجه الارض أبصر منها فأنها تبصر الراكب من مسيرة ثلاثة ايام وأخاف أن تنذر قومها.
فقال تبع: وما الرأي في ذلك؟
فقال له رباح بن مرّة: الرأي في ذلك ان تأمر أهل العسكر أن يقلعوا أشجارا ويحملوها أمامهم. فأمرهم تبع بذلك ففعلوا فنظرت اليمامة فرأتهم.
فقالت: يا قوم رأيت عجبا!
قالوا: وما هو؟
قالت: لهم انى رأيت الاشجار تمشى على وجه الارض يحملها الرجال وانى لارى رجلا خلف شجرة ينهش كتفا، أو يخصف نعلا، فكذبوها فأنشدت أبياتا تحرّضهم فيها على القتال‌
انى أرى شجرا من خلفها بشــر فكيف تجتمع الاشجار والبشر
ثوروا بأجمعكم في صدر أوّلهم‌ فان ذلك منكم فاعلموا ظفر
فلم يعبأ القوم بما قالت، حتى صبح العدوّ عليهم فقتلوهم وسبوا ذراريهم فلما فرغوا دعا الملك باليمامة بنت مرّة فنزعت عيناها ووجدوا في عينيها عروقا سودا فسألها الملك عن ذلك فقالت انى كنت اكتحل بحجر أسود يقال له الاثمد فبقى في عيني وهى أوّل من اكتحل بالإثمد فاتخذه الناس كحلا من ذلك الوقت الى الآن. وروى انّ هذه المرأة كانت ذات يوم قاعدة في قصرها فنظرت في الجوّ فرأت حماما يطير فتمنت أن يكون لها مثل ذلك الحمام ومثل نصفه الى حمامة كانت عندها فيكون عدد الحمام مائة فقالت هذا البيت:‌
ليت الحمام ليه‌ الى حمامتيه‌
أو نصفه قديه‌ تم الحمام ميه‌
وكان عدة الحمام التي رأتها هذه المرأة ستة وستين ونصفه ثلاثة وثلاثون مجموع ذلك تسعة وتسعون فاذا انضم الى حمامتها يكون جملته مئة حمامة كاملة والى هذه المرأة وقولها أشار النابغة بقوله حيث قال:‌
واحكم كحكم فتاة الحىّ اذ نظرت‌ الى حمام سراع وارد الثمد
قالت ألا ليتما هذا الحمام لنا الى حمامتنا أو نصفه فقد
فحسبوه فلا قوه كما حسبت‌ تسعا وتسعين لم تنقص ولم تزد
فكملت مائة فيها حمامتها وأسرعت حسبة فى ذلك العدد
(تأريخ الخميس في أحوال أنفس النفيس2/220).
قال ابو نصر الجوهري" اليَمَامَةُ: اسم جاريةٍ زرقاءَ كانت تُبصر الراكبَ من مسيرةِ ثلاثةِ أيام. يقال: أبصَرُ من زرقاء اليَمَامَةِ. واليَمَامَةُ: بلاد كان اسمها الجَوَّ، فسمِّيت باسم هذه الجاريةِ لكثرة ما أُضِيفَ إليها". (الصحاح تاج اللغة5/2065).
قال ياقوت الحموي" قال رياح الطسمي: توقف أيها الملك فإن لي أختا متزوجة في جديس يقال لها يمامة وهي أبصر خلق الله على بعد فإنها ترى الشخص من مسيرة يوم وليلة وإني أخاف أن ترانا وتنذر بنا القوم، فأقام تبع في ذلك الجبل وأمر رجلا أن يصعد الجبل فينظر ماذا يرى، فلما صعد الجبل دخل في رجله شوكة فأكب على رجله يستخرجها فأبصرته اليمامة وكانت زرقاء العين فقالت: يا قوم إني أرى على الجبل الفلاني رجلا وما أظنه إلا عينا فاحذروه ! فقالوا لها: ما يصنع ؟ فقالت: إما يخصف نعلا أو ينهش كتفا، فكذبوها، ثم إن رياحا قال للملك: مر أصحابك ليقطعوا من الشجر أغصانا ويستتروا بها ليشبهوا على اليمامة وليسيروا كذلك ليلا، فقال تبع: أوفي الليل تبصر مثل النهار؟ قال: نعم أيها الملك بصرها بالليل أنفذ، فأمر تبع أصحابه بذلك فقطعوا الشجر وأخذ كل رجل بيده غصنا حتى إذا دنوا من اليمامة ليلا نظرت اليمامة فقالت: يا آل جديس سارت إليكم الشجراء أو جاءتكم أوائل خيل حمير، فكذبوها فصبحتهم حمير فهرب الاسود بن غفار في نفر من قومه ومعه أخته فلحق بجبلي طئ فنزل هناك، فيقال إن له هناك بقية، وفي شرح هذه القصة يقول الاعشى:
إذا أبصرت نظرة ليست بفاحشة إذ رفع الآل رأس الكلب فارتفعا
قالت: أرى رجلا في كفه كتف أو يخصف النعل، لهفا أية صنعا
فكذبوها بما قالت فصبحهم ذو آل حسان يزجي السمر والسلعا
فاستنزلوا آل جو من منازلهم، وهدموا شاخص البنيان فاتضعا
ولما نزل بجديس ما نزل قالت لهم زرقاء اليمامة: كيف رأيتم قولي؟
وأنشأت تقول:
خذوا خذوا حذركم يا قوم ينفعكم فليس ما قد أرى م الامر يحتقر
إني أرى شجرا من خلفها بشر لأمر اجتمع الاقوام والشجر
وهي من أبيات ركيكة، وفتح تبع حصون اليمامة وامتنع عليه الحصن الذي كانت فيه زرقاء اليمامة فصابره تبع حتى افتتحه وقبض على زرقاء اليمامة وعلى صاحب الحصن وكان اسمه لا يكلم ثم قال لليمامة: ماذا رأيت وكيف أنذرت قومك بنا ؟ فقالت: رأيت رجلا عليه مسح أسود وهو ينكب على شيء فأخبرتهم أنه ينهش كتفا أو يخصف نعلا، فقال تبع للرجل: ماذا صنعت حين صعدت الجبل ؟ فقال: انقطع شراك نعلي ودخلت شوكة في رجلي فعالجت إصلاحها بفمي وعالجت نعلي بيدي، قال: فأمر تبع بقلع عينيها وقال: أحب أن أرى الذي أرى لها هذا النظر، فلما قلع عينيها وجد عروقهما كلها محشوة بالإثمد، قالوا: وكان قال لها أنى لك حدة البصر هذه ؟ قالت: إني كنت آخذ حجرا أسود فأدقه وأكتحل به. فكان يقوي بصري، فيقال إنها أول من اكتحل بالإثمد من العرب، قالوا: ولما قلع عينيها أمر بصلبها على باب جو وأن تسمى باسمها فسميت باسمها إلى الآن، وقال تبع يذكر ذلك:
وسميت جوا باليمامة بعدما تركت عيونا باليمامة هملا
نزعت بها عيني فتاة بصيرة رغاما ولم أحفل بذلك محفلا
تركت جديسا كالحصيد مطرحا وسقت نساء القوم سوقا معجلا
أدنت جديسا دين طسم بفعلها ولم أك لولا فعلها ذاك أفعلا
وقلت: خذيها يا جديس بأختها وأنت لعمري كنت للظلم أولا
فلا تدع جو ما بقيت باسمها ولكنها تدعى اليمامة مقبلا
قالوا: وخربت اليمامة من يومئذ لان تبعا قتل أهلها وسار عنها ولم يخلف بها أحد". (معجم البلدان5/446).
ذكر عبد القادر البغدادي" قَالَ أَبُو حَاتِم: وَالْفرق بَين الْحمام الَّذِي عندنَا واليمام: أَن أَسْفَل ذَنْب الْحمام مِمَّا يَلِي ظهرهَا إِلَى الْبيَاض وَكَذَا حمام الْأَمْصَار وأسفل ذَنْب الْيَمَامَة لَا بَيَاض فِيهِ. وَلَيْسَ فِي بَيت النَّابِغَة من الدَّلِيل على أَنه أَرَادَ بالحمام القطا مثل مَا فِي بَيت حميد بن ثَوْر من الدَّلِيل على أَنه أَرَادَ بالحمامة القمرية. وَإِنَّمَا علم ذَلِك بالْخبر الْمَرْوِيّ عَن زرقاء الْيَمَامَة أَنَّهَا نظرت إِلَى قطاً فَقَالَت:
يَا لَيْت ذَا القطا لنا ... وَمثل نصفه مَعَه
وَقد رُوِيَ أَنَّهَا قَالَت:
لَيْت الْحمام ليه إِلَى حمامتيه
وَنصفه قديه تمّ الْحمام ميه (خزانة الأدب ولب لباب لسان العرب10/257).
ـ ذكر نشوان الحميري" يعني الزَّرْقاء ، وقيل : يعني ابنة الخُسِّ.وذلك أنها رأت حماماً في الجو فقالت : ليت لنا هذا الحمامَ ومثلَ نصفه إِلى حمامتنا. ثُمَّ الحمامُ مئةً. فعُدَّتِ الحمامُ لمَّا وقعت فإِذا هي ستّ وستون ، ومثلُ نصفها ثلاث وثلاثون ، وحمامتُها تمامُ المئة
قال النابغة الذبياني:
قَالَتْ أَلَا لَيْتَما هَذَا الحَمَامُ لَنا إِلى حَمَامَتِنا أَوْ نِصْفُه فَقَدِ
فَحَسَّبُوهُ فأَلْفَوْهُ كَمَا حَسَبَتْ تِسْعاً وتِسْعِين لم تَنْقُصْ ولَمْ تَزِدِ
(ديوان النابغة الذبياني/54). (شمس العلوم2/185)
ـ ذكر السيوطي" ان زرقاء اليمامة، وهي امرأة من بقية طسم وجديس، كانت توصف بحدّة النظر قبل، كانت ترى من مسافة ثلاثة أيام، وكان لها قطاة، فمرّ بها سرب من قطا بين جبلين فقالت:
ليت الحمام ليه … إلى حمامتي
هو نصفه قديه … نمّ الحمام ميه
فنظروا فإذا هي ست وستون (شرح شواهد المغني 1/77).
ـ قال ابن السِّيد البَطَلْيَوسي" الخبر المروي عن زرقاء اليمامة، أنها نظرت إلى قطا فقالت:
يا ليت ذا القطا لنا ومثل نصفه ليه
إلى قطاة أهلنا إذا لنا قطاميه
وقد روى أنها قالت:
ليت الحمام ليه إلى حمامتيه ونصفه قديه تم الحمام مية
(الاقتضاب في شرح أدب الكتاب3/221).
ـ قال ابو الاصبع العدواني " من أمثلة الإيجاز قول النابغة الذبياني في اقتصاصه قصة الزرقاء.
فاحكم كحكم فتاة الحي إذ نظرت ... إلى حمام شراع واردي الثمد
يحفه جانبا نيقٍ وتتبعه ... مثل الزجاجة لم تكحل من الرمد
قالت ألا ليتما هذا الحمام لنا ... إلى حمامتنا ونصفه فقد
فحسبوه فألفوه كما حسبت ... تسعا وتسعين لم ينقص ولم يزد
وكملت مائة منها حمامتها ... وأسرعت حسبة في ذلك العدد
فإن النابغة سرد هذه القصة بألفاظ الحقيقة عرية عن الحشو الخشن والمعيب، ولم يغادر منها شيئاً، ويروى البيت الأول سراع بسين مهملة، وهو أبلغ في وصف نظر الزرقاء، ويدل على صحة هذه الرواية أن قوله: واردى الثمد يغني عن قوله: شراع بشين معجمة فلم يبق الإسراع بسين مهملة لما يدل عليه من المبالغة في حدة نظر الزرقاء بدليل قوله بعد هذا البيت: وأسرعت حسبة". (تحرير التحبير3/464)
ـ قال بشير يموت " زرقاء اليمامة: يقال إن اسمها عنز, وهي من بني جديس, من أهل اليمامة، كانت حادة البصر وذكروا من أخبارها أن حسان بن تبع الحميري غزا جديس فحذرت قومها وأنذرتهم بوصول جيشه فلم يصدقوها, فاجتاحهم عدوهم.قالت تحذر قومها من عدوهم وأنه آتٍ مختبئاً وراء الشجر:
خذوا حذركم يا قوم ينفعكم ... فليس ما قد أرى بالأمر يحتقر
إني أرى شجراً من خلفها بشر ... وكيف تجتمع الأشجار والبشر؟
ثوروا بأجمعكم في وجه أولهم ... فإن ذلك منكم فاعملوا ظفر
ضموا طوائفكم من قبل داهيةٍ ... من الأمور التي تخشى وتنتظر
فقد زجرت سنيح القوم باكرة ... لو كان يعلم ذاك القوم إذ بكروا
إني أرى رجلاً في كفه كتف ... أو يخصف النعل خصفاً ليس يعتسر
فغوروا كل ماء قبل ثالثةٍ ... فليس من بعده ورد ولا صدر
وعاجلوا القوم عند الليل إذ رقدوا ... ولا تخافوا لهم حرباً وأن كثروا
وغوروا كل ماء دون منزلهم ... فليس من دونه نحس ولا ضرر
(شاعرات العرب في الجاهلية والإسلام/74).
ـ قال ابن الجوزي" كانت الزرقاء من جديس، واسمها: اليمامة، وبها سمّي بلدها: اليمامة، و هي من بنات لقمان بن عاد، و قيل: هي من جديس و طسم. فلما قصدهم جيش حسان بن تبّع بقي بينه وبينهم مسيرة ثلاثة أيام، فأبصرتهم وقد حمل كل رجل منهم شجرة يسير بها، فقالت: تاللَّه لقد دب الشجر- أو حمير قد أخذت شيئا تجر. فلم يصدقوها، فقالت: أقسم باللَّه لقد رأى رجلا منهم ينهش كتفا أو يخصف نعلا، فلم يستعدوا. فصبّحهم حسان فاجتاحهم، فأخذها فشقّ عينيها وإذا فيها عروق من الأثمد. وبنظر هذه المرأة يضرب المثل. وكانت زرقاء اليمامة قد نظرت إلى سرب من حمام طائر، فإذا فيه‌ ست وستون حمامة، وعندها حمامة واحدة، فقالت:
ليت الحمام ليّه‌ ... إلى حمامتيه ونصفه قديه‌
ثم الحمام مية (المنتظم2/51)

ـ قال ابن سعيد الأندلسي" هرب رياح بن مرة الطسمي إلى تبع حسان بن أسعد ملك اليمن، واستنصر به، وقال: إنما كان ملوك طسم عمالكم، وقد فتكت فيهم جديس، والانتصار واجب على همتك. فانتصر لهم، وخرج في جيش. فلما كان من اليمامة على ثلاث مراحل، قال له رياح: إن لي أختا متزوجة في جديس، يقال لها: اليمامة، فليقطع كل رجل منهم شجرة فيجعلها أمامه؛ ففعلوا لك. وأبصرتهم وقالت لجديس: الله أكبر! لقد سارت حمير! فكذبوها، قالت: إني أرى رجلا في شجرة، ومعه كتف تعرقها أو نعل يخصفها. فقالوا: خرفت! ولم يلتفتوا إليها. فصحبهم حسن فأبادهم، وفقأ عين زرقاء اليمامة المذكورة، فوجد فيها الاثمد، وهو الذي كان يعينها على حدة النظر مع ما ركب الله فيها من قوة البصر. وصار الملك إلى طسم، ثم غلبت عليها بنو حنيفة من العرب المستعربة، ولم يبق منهم باقية. وقد ذكر ابن فارس في أمثاله أن زرقاء اليمامة من جديس، وأنها ملكت اليمامة. وقال البيهقي: ذكر في بعض الروايات أنها ملكت اليمامة بعد طسم، وهي أول من ملك من جديس، اختاروها لحكمتها وفضلها، وفيها يقول النابغة الذبياني:
احكم كحكم فتاة الحي إذ نظرت إلى حمام شراع وارد الثمد
قال: وجرى المثل فيما أشار إليه: فقالوا "أحكم من اليمامة". (نشوة الطرب/ 52).
قال ابن عبد ربه " زرقاء بني نمير: امرأة كانت باليمامة تبصر الشّعرة البيضاء في اللبن، وتنظر الراكب على مسيرة ثلاثة أيام، وكانت تنذر قومها الجيوش إذا غزتهم، فلا يأتيهم جيش إلا وقد استعدوا له، حتى احتال لها بعض من غزاهم، فأمر أصحابه فقطعوا شجرا أمسكوه أمامهم بأيديهم، ونظرت الزرقاء فقالت: إني أرى الشجر قد أقبل إليكم. قالوا لها: قد خرفت ورق عقلك وذهب بصرك. فكذبوها، وصبّحتهم الخيل وأغارت عليهم وقتلت الزرقاء. قال: فقوّروا عينيها فوجدوا عروق عينيها قد غرقت في الإثمد من كثرة ما كانت تكتحل به". (العقد الفريد3/10).

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

786 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع