ا.د. ابراهيم خليل العلاف
استاذ التاريخ الحديث المتمرس - جامعة الموصل
مذكرات العراقي اليهودي الاستاذ داؤد سمره نائب رئيس محكمة تمييز العراق واستاذ المرافعات المدنية في كلية الحقوق ببغداد
منذ سنة 2012 ، صدر عن ( دار ميزوبوتاميا للطباعة والنشر والتوزيع ) بشارع المتنبي ببغداد كتاب يحمل عنوان (مذكرات داؤد سمره يهودي حياته فقه الشرائع ، ومماته تربة العراق) .ولدي نسخة من الكتاب في مكتبتي مهداة من الاخ مدير الدار الاستاذ مازن لطيف اعاده الله الينا بعافية وخير وبركة .
وداؤد سمره ، كان يعمل بوظيفة نائب رئيس محكمة تمييز العراق سابقا واستاذا للمرافعات المدنية والصلح والاجراء في كلية الحقوق سابقا . والمذكرات اهداها صاحبها الى اولاده واحفاده ما تعاقبوا وتناسلوا " ليعتبروا " . وما اجمله من اهداء .
والمذكرات تقع في (103) صفحة من القطع المتوسط .، وهي مؤلفة من خمسة فصول هي على التتابع : طفولتي - السفر الى استانبول - الدراسة في استانبول - العودة - ما بعد الاحتلال البريطاني وحتى يومنا هذا ويومنا هذا الذي يقصده تاريخ انتهاءه من كتابة المذكرات اواخر حزيران سنة 1953 .
في الدليل الرسمي العراقي للسنة 1936 واعده الياهو دنكور ومحمود درويش 1936 ترجمة موجزة لسيرة الاستاذ داؤد سمرة جاء فيها :" داؤد سمرة نائب رئيس محكمة تمييز العراق متضلع باللغات العربية والعبرية والتركية والانكليزية والفرنسية .اشغل في العهد العثماني عضوية اسئناف الموصل وعضوية استئناف بغداد وعين في الاول من كانون الثاني سنة 1918 حاكما في محكمة بداية بغداد ثم حاكما في محكمة استئناف العراق في الاول من تشرين الثاني سنة 1919 فنائبا لرئيسها منذ الاول من نيسان سنة 1923وكان مستمرا في هذا المنصب حتى 1937 وهو الى ذلك استاذ في كلية الحقوق العراقية منذ تأسيسها في ايلول سنة 1908 كان يدرس فيها مادة ( شرح قانون اصول المحاكمات الحقوقية ) ومادة ( قانون الاجراء) ومادة (شرح قانون حكام الصلح) وهو حُجة في الحقوق القضائية لما له من خبرة . ولد في بغداد 1878 والتحق بكلية حقوق استانبول ونال شهادتها سنة 1904 .
له من الكتب كتاب (شرح قانون اصول المحاكمات الحقوقية ) ، وكتاب ( شرح قانون الاجراء ) ، وكتاب ( شرح قانون حكام الصلح) .
وقد أنعم عليه جلالة المغفور له الملك فيصل الاول 1921-1933) بوسام الرافدين من الدرجة الرابعة ومن النوع المدني " . هذه النبذة كانت سنة 1936 .
اعود الى المذكرات لأقرأ ما كتبه عنها . يقول انه كان يقص على اولاده واحفاده في اوقات فراغه ما حدث له في حياته من حوادث مفرحة أو مزعجة . " وكانوا يصغون اليها بإعجاب ورغبوا في ان ادونها كي لا تبقى منسية بل تكون عبرة لأولادهم واستجابة لرغبتهم عمدت الى تدوين مذكراتي هذه المتضمنة اهم الحوادث التي صادفتني في حياتي ...وانتهيت منها ولله الحمد في اواخر حزيران سنة 1953 " .
من الطريف انه يؤرخ لولادته في بغداد بالسنة العبرية وهي في 2 طبيث سنة 5638 عبرية الموافق لأوائل كانون الثاني سنة 1878 ميلاديين من ابوين عثمانيين هما (حسقيل) و(كحيلة ) واما جده لابيه فهو شوعة بن الياهو بن شوعة بن حسقيل سمره وامه كحيلة بنت يعقوب عوبديا . وكان لهم دار ببغداد ويسميهم الناس بيت شوعه سمره وهي ملك لهم وقد تلقى علومه في مدرسة الاليانس ودرس فيها العلوم واللغات وكانت معه في المدرسة اخته الكبيرة مسعودة وكان والده بزازا وكان من الاوائل في المدرسة احبه اساتذته ومدير المدرسة فرنسي اسمه المسيو جي .دانون وكان يدرس ايضا مادة الجغرافية ويمضي في سرد دراسته في الاعدادية الحكومية ذات الصفوف السبعة وتخرج بدرجة جيد جدا وكان المدير هو سليم سامي بك .
وسافر الى استانبول ضمن قافلة مؤلفة من مائة بغل تقريبا تحمل بعض المسافرين وبعض مواد التجارة التي يراد نقلها الى حلب ودخل كلية الحقوق في استانبول ويروي كل هذا بأسلوب جميل يتحدث عن المراسلات مع والده من خلال البريد وعلم بوفاة ابيه واعانه والد صديقه نعيم زلخة وترون صورته الى جانب هذه السطور وتاريخ الصورة في سنة 1928 فداؤد سمره من اليمين ونعيم زلخة من اليسار .ويروي كيف عاد وكيف دخل عالم القضاء وتعيينه حاكا - قاضيا في الموصل التي وصلها على البغال بعد ثمانية ايام قادما من بغداد .
تحدث عن مزاولته المحاماة وقال ان السر بونهام كارتر وهو من كبار الحقوقيين الانكليز تسلم مهام العدلية في بغداد بعد الاحتلال البريطاني 1914-1918 واستعان بداؤد سمره لتأسيس المحاكم في العراق وعرض عليه منصب الحاكمية في بغداد وجعل راتبه تسعمائة روبية اي خمسين باونا انكليزيا حسب عملة ذلك الوقت وهو اضخم راتب تقاضاه موظف عراقي في تلك الايام . وحاكمية بغداد لم تكن سوى محكمة البداءة وكان التعيين في الاول من كانون الثاني سنة 1918 وكان الى جانبه المستر فوربس والاستاذ عبد الجبار جميل .ثم تأسست محكمة الاستئناف في بغداد وكان عضوا فيها والى جانبه المرحوم الحاج سليمان فيضي وكان رئيسها المستر فوربس نفسه وزاد راتبه الى الف روبية وكان هذا في شهر تشرين الاول سنة 1920 .
طبعا في المذكرات قصص وحكايات عن حوادث كثيرة جرت ببغداد منها حادثة زيارة السر الفريد موند لبغداد في 8 شباط 1928 وما احدثته من هياج ضد الحركة الصهيونية . ويتحدث عن شموله بإمتياز خاص في قانون الخدمة وتمديد خدماته بقانون بعد بلوغه سن التقاعدسنة 1941ويشير الى سفرته الى اوربا مع ولده احسان في صيف 1937 ودعوة الامير زيد له الشخصية في برلين وكان يشغل منصب وزير العراق المفوض ويذكر اسماء القضاة الذين عمل معهم ومنهم الاستاذ سليمان فيضي والاستاذ صالح الباجه جي والاستاذ عبد الله سلام والاستاذ عبد القادر السنوي والاستاذ علي محمود الشيخ علي والاستاذ حسن سامي تاتار والاستاذ عبد الجبار التكرلي وآخرين كما تحدث عن عمله استاذا في كلية الحقوق ومنحه وسام الرافدين وذكره في القاموس الامريكي الموسوم :
Encyclopedia of the world Biographical وفي موسوعة من هو ؟ الامريكية والموسومة : Biographical Encylopedia of the world Who s who وفي اوائل كانون الثاني سنة 1953 اكما الخامسة والسبعين من عمره وقرر دعوة افراد العائلة الموجودين في بغداد لحضور احتفال عيد ميلاده وهو اليوبيل الماسي واهدته حفيدته دنيز ابنة ابنته نادرة تسعة وتسعين شمعة من الشموع الملونة الصغار والسبب انه كان يلاطفها عندما تسأله عن عمره فيقول لها انها (99) سنة ولم تكن تصدق ذلك مع ان عمره آنذاك (75) سنة وقد اوصى بقطعة كيك واحضر مصورا ووزع الهدايا على احفاده واستمرت الحفلة حتى وقت متأخر من الليل وطلب من المصور ان يكبر احدى صور الحفلة وعلقها في غرفة نومه وكتب عن الاحتفال لابنته خيرية التي كانت تعيش في نيويورك مع زوجها روبين شماش وولديها جاك وجويس وارسل اليها قسما من الصور الجميلة .
توفي الاستاذ داؤد سمره رحمة الله عليه في بغداد يوم 24 تموز سنة 1960
ويمكن ان تكتب عنه رسالة ماجستير فهو يستحق ذلك
2935 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع