د.سعد العبيدي
آفة الدراسات العليا
فتحت البلاد جميع المنافذ الي تؤدي الى الدراسات العليا بأقل الضوابط، ومن جانبهم شرع المشرعون قوانين تحفيز لإكمال الدراسات العليا دون ضوابط، واعترفت وزارة التعليم العالي لدوافع أغلبها سياسية بالشهادات التي تمنحها جامعات غير رصينة الى الطلبة العراقيين الدارسين في الدراسات العليا، وغضت الطرف عن أخرى تمنح شهاداتها بالمراسلة. كان هذا التوجه، مع طبيعة الانسان العراقي الجديد الحالم بالوجاهة وزيادة الدخل قد كوّن هوساً اجتماعياً بالشهادة العليا، دفع آلاف الشباب الى التوجه للحصول على درجاتها لمستوى الماجستير والدكتوراه خاصة من موظفي الدولة.
لكن الشهادات العليا الممنوحة، دون المرور من بوابة التخطيط ودراسات الحاجة، ستدفع البلاد، وعلى المديات القريبة والبعيدة الى مواجهة العديد من المشاكل بينها ما يتعلق بالأعباء المالية على خزينة الدولة، نفقات وتخصيصات، وتضخم، وبينها اختلال السلم الوظيفي، واضطراب معايير العمل، وبينها أيضاً مصاعب الحصول على وظائف مناسبة لأصحاب الشهادات العليا الكثر، بالإضافة الى الوهن العلمي، الذي يفضي الى قلة الإنتاج، ورداءة المنتج، والأهم منها جميعاً ان كثر الشهادات العليا الممنوحة في مجتمع يعاني أصلاً من الضعف في كم التحصيل المعرفي سيزيد من مستوى الجهل الموجود أصلاً، ويضاعف مشاكل الادارة واضطرابها، مما يقتضي التنبه الى هذا الواقع، وإعادة الحسابات من قبل مؤسسات الدولة المعنية، وذلك بالعودة الى التخطيط الصحيح في موضوع الدراسات العليا، والتشدد في تطبيق الضوابط العلمية كما يقتضي، وحصر موضوع الدراسات العليا في الداخل بالجامعات الحكومية الرصينة، وتغيير سياسة الاعتراف بالشهادات السهلة من الخارج، واقتصار منح الموافقات لإكمال الدراسات العليا للموظفين الحكوميين حسب الحاجة والتوصيف الوظيفي، وبعكسه سيستمر التدفق سيلاً من الشهادات العليا المنقوصة ما يجعل العراق مجتمعاً فيه العلاقة غريبة بين الكم الهائل لحاملي الشهادات العليا، وبين الحجم الهائل للجهل والتجهيل المحكم.
1602 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع