هيفاء زنگنه
من هو اليتيم العراقي؟
سيجد من يزور صفحة وزارة الدفاع العراقية رسالة من وزير الدفاع ثابت محمد سعيد العباسي يستذكر فيها «اليوم الأول من شهر نيسان المبارك اليوم العالمي لليتيم» مؤكدا بهذه المناسبة حرصه الكبير «على الوقوف مع أبناء الشهداء الأبطال حتى يتم منحهم جميع مستحقاتهم، إكراماً لما قدمه آباؤهم الأبطال من تضحيات جسام في سبيل الوطن» مجددا العهد « بالوقوف مع هذه الشريحة وحرصنا على إسعادهم».
وأنا أقرأ رسالة وزير الدفاع، علي أن أعترف أولا إنني لم أعرف لم تم تصنيف شهر أبريل/ نيسان كشهر مبارك؟ وثانيا من هو المعني بـ «هذه الشريحة»؟ من هو اليتيم في معجم تعريف «الشهداء الأبطال» وذويهم؟ هل اليتيم من فقد والده أثناء ادائه الخدمة العسكرية، عموما، أو أنه تصنيف خاص بفئة معينة دون غيرها، كما هو والده « الشهيد»؟
المعروف أن الخدمة العسكرية (خدمة العلم) كانت إلزامية حتى غزو واحتلال العراق عام 2003 حين أصدر الحاكم العسكري بول بريمر 100 قانون، تتنافى مع القوانين الدولية كونه قوة احتلال، كان على رأسها إلغاء وزارة الدفاع وحل الجيش العراقي.
وأدخلت حكومات الاحتلال المتعاقبة نكهة محلية لشرعنة القانون وتطبيقه، حيث تم إلغاء يوم الشهيد العراقي الذي أسس عام 1982 ويصادف الأول من ديسمبر/ كانون الأول إحياءً لذكرى الشهداء الذين قُتِلوا أثناء الحرب العراقية الايرانية (1980 – 1988) وشهداء العراق المدافعين عنه منذ قيام الدولة العراقية.
مع بدء «العملية السياسية» ومحاولة الحكام الجدد تثبيت أقدامهم على أرض لم تستقبلهم بالزهور والحلويات، صار محور الخطاب السياسي الطائفي – العرقي، هو تفكيك مؤسسات الدولة ومحو كل ما تم إنجازه عراقيا على مدى عقود، في مختلف المستويات، حتى المواقع والنصب التذكارية باعتبارها تعود إلى نظام صدام حسين، بدلا من التعامل معها كنتاج حقبة تاريخية، من الضروري الاحتفاظ بها من باب تجنب ما ترمز إليه مستقبلا وتفادي تكراره، وهو ما تحرص على القيام به حكومات دول مرت بحروب ونزاعات مٌدمرة. وأبسط مثال على ذلك «نصب الشهداء» ببغداد، الذي يضم جدارا نُقشت عليه يدويا أسماء 150 ألفا من قتلى الحرب العراقية الإيرانية. أما شهداء الحرب أنفسهم، فقد تم تجريدهم من شرف الشهادة وانعكس ذلك على عوائلهم من كل النواحي القانونية والمجتمعية، وحرمانهم من مستحقات هي من حقهم، حتى مع معرفة مسؤولي نظام الاحتلال أن الخدمة العسكرية لم تكن طوعية، وأن الاستشهاد، غالبا، ليس فعلا اختياريا.
اختار ساسة «العراق الجديد» عام 2006، إصدار قانون «مؤسسة الشهداء». لمعالجة الوضع العام لذوي الشهداء وتعويضهم مادياً ومعنويا بما يتناسب مع حجم التضحيات التي قدمها الشهداء والمعاناة التي لقيها ذووهم بعد استشهادهم» الذي ينص في مادته الخامسة على تعريف إنتقائي للشهيد، هو «كل مواطن عراقي فقد حياته بسبب معارضته للنظام البائد في الرأي أو المعتقد أو الانتماء السياسي أو تعاطفه مع معارضيه أو مساعدته لهم، بفعل من أفعال النظام بشكل مباشر أو بسبب السجن أو التعذيب أو تنجيتهما أو بسبب عمليات الإبادة الجماعية وضحايا الأسلحة الكيمياوية والجرائم ضد الإنسانية والتصفيات الجسدية والتهجير القسري». ويوفر القانون الرعاية والمخصصات المالية وقطعة أرض وأولوية التعيين الوظيفي لذوي الشهيد.
وفي مايو 2021، أعلن عن نية مؤسسة الشهداء إعداد استمارة لمعرفة أعداد الضحايا العراقيين «الذين سقطوا نتيجة العمليات الحربية والإرهابية أو الأخطاء العسكرية خلال السنوات السابقة لتعويضهم» ليتم تعريفهم بأنهم « المواطنون الذين تعرضوا الى الإصابة أو استشهدوا نتيجة المعارك في مناطق سكنية كانت داعش تتواجد فيها». وبينما إكتسب القتلى من منتسبي الحشد الشعبي لقب « الشهيد» أٌغفلت حقوق ضحايا قصف التحالف الدولي وعائلاتهم.
تضيء هذه التعديلات إنتقائية عمل مؤسسة الشهداء وتسييسها في مجال حقوقي يجب أن يكون أبعد ما يكون عن الصراعات السياسية والطائفية، وأن يعمل على تحقيق العدالة لكل الضحايا وذويهم عبر السنين. غير أن قانون المؤسسة عمل على حرمان الجنود الذين قتلوا أثناء الحرب العراقية الإيرانية وعوائلهم من مخصصاتهم كشهداء، بالإضافة إلى عدم الاعتراف بقضايا ضحايا الحصار الجائر (1990 ـ 2003) والغزو والاحتلال الأنكلو أمريكي عام 2003، الذي بلغت تكلفته البشرية المباشرة وغير المباشرة حوالي المليون، والرقم الخيالي الذي خلفه من أرامل وأيتام بلا حقوق. خاصة وأن بول بريمر كان قد أصدر قانوناً برقم 17 لسنة 2003، يعطي الجنود الأمريكيين وكل الجنود الأجانب والمتعاقدين معهم حق الحصانة. واستمر تطبيق القانون حتى نهاية عام 2008 ويكفي لتوضيح مدى تسييس عمل المؤسسة قراءة جواب ناجحة الشمري، مديرة عام مؤسسة الشهداء، بدرجة وزير، في تموز/ يوليو 2019، على سؤال إعلامي حول استحقاقات الشهداء وعن إمكانية شمول ضحايا «ملجأ العامرية» بالاستحقاقات، حالهم حال بقية الضحايا الذين تتبناهم المؤسسة، وبعد أن بين لها الإعلامي أن الضحايا البالغ عددهم 408، ومعظمهم من النساء والأطفال، قتلوا جراء القصف الأمريكي المباشر، وهي حقيقة يعرفها الجميع.. قالت الشمري: لا يمكن اعتبارهم شهداء لأنهم ماتوا اختناقاً. وكان الملجأ قد استهدف بإحدى الغارات الأمريكية على بغداد، يوم 13 شباط/ فبراير 1991، بواسطة طائرتين من نوع أف ـ 117 تحمل قنابل ذكية. بتصريحها هذا تفوقت «الحقوقية الانسانية العراقية» على وزيرة الخارجية الامريكية مادلين أولبرايت التي لايزال تصريحها «أن موت نصف مليون طفل عراقي يستحق الدفع لتغيير نظام صدام حسين» يلاحقها بهمجيته حتى بعد وفاتها.
إزاء هذا كله، يبقى السؤال الأساسي هو: من هم الشهداء الأبطال الذين يستحقون التكريم؟ وبالتالي من هو اليتيم الذي يجب رعايته حسب وزير الدفاع؟ وما لم يتم تحديد ذلك بشكل حقوقي قانوني إنساني عادل، لكل المواطنين، ليس تفضلا من قبل هذا النظام أو ذاك، ولكن كحق من حقوق المواطنة، ستبقى إشارة وزارة الدفاع إلى «يوم اليتيم» المصادف الأول من نيسان (المبارك) مجرد كذبة غير بيضاء.
1512 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع