أحمد العبدالله
الحظ العاثر في حكم العراق الثائر
لا توجد فتنة على وجه الأرض, أشدّ من فتنة الجلوس على كرسي الحكم, حتى أطلقوا عليه(العرش)!!, تشبّهًا بعرش الرحمن والعياذ بالله. لأن الحاكم بيده أن(يحيي ويميت)!!, كما قال النمرود, ملك بابل الجبار العنيد في حواره القصير مع النبيّ إبراهيم(عليه السلام), والذي أورده القرآن الكريم في سورة البقرة. ويبدو إن(جينات النمرود), قد توارثها معظم من حكموا العراق منذ أربعة آلاف سنة. فالبطش والقوة والاستبداد هي الطابع الغالب لحكامه. بل إنه حتى أكثر العراقيين صاروا لا يستسيغون حاكمًا بدون تلك المواصفات!!.
وأهل العراق مجبولون على التمرّد والثورة والعصيان وبُغض الحاكم ومعارضته, حتى لو كان بجلالة قدر الصحابي سعد بن أبي قاص(رضي الله عنه), أحد العشرة الذين بشّرهم النبي الكريم(صلى الله عليه وسلم) بالجَنّة, وهو من السابقين الأوّلين في الإسلام. فقد شكاه أهل الكوفة التي كان واليًا عليها, عند أمير المؤمنين عمر بن الخطاب(رضي الله عنه), بزعم؛(إنه لا يُحسن الصلاة)!!. وفي الاتجاه ذاته تأتي وصيّة معاوية بن أبي سفيان(رضي الله عنه) لولده يزيد؛ إن سألك أهل العراق في كل يوم أن تعزل عنهم عاملا وتولّي عليهم آخر, فافعل.
ولكن في النتيجة النهائية, يتبدّى لي, إن من كان حظه عاثر, ابتُلي بأن يكون حاكمًا على العراق, لأن(خارطة طريقه), ستكون وفق النقاط العشر التالية؛
(1). ستحيط به بطانة السوء احاطة السوار بالمعصم, وتحجب عنه الحقائق, وتسمعه ما تشتهيه نفسه من ثناء ويجعلون منه نصف إله, وتبرِّر الحاشية له كل أفعاله وأخطائه وخطاياه, ولسان حالهم يقول؛(موافقون.. منافقون). ولكنهم سيتوارون فور انتهاء سلطانه, وسيتحوّل أكثرهم إلى ضحايا ومتضررين من حكمه وادعاء(المظلومية), وآخرون منهم الى وشاة ضده!!.
(2). ستخرج الجماهير عن بكرة أبيها تهتف وترقص وتغني وتهزج, وتعلن البيعة الأبدية له بـ(الإجماع). ولكن بمجرد زواله, ستنقلب تلك الجماهير نفسها للضدِّ تماما, وتقول فيه(ما لم يقله مالك في الخمر)!!.
(3). سيسمّي نصف الشعب مواليده الجدد باسم الزعيم وأفراد أسرته, ويقلّدون لبسه ومشيته وطريقة كلامه ومفردات حديثه, ولكن بمجرد سقوطه, سيسارع الكثيرون لأقرب دائرة أحوال مدنية لتبديل أسمائهم وألقابهم, بأسماء وألقاب أخرى تنسجم مع الوضع الجديد!!.
(4). سيتسابق الكتّاب والشعراء والمغنّون لخلع الألقاب عليه بلا حساب, والتغنّي بأمجاده, والإشادة بعهده الزاهر وإنجازاته التي لم يسبقه بها أحد. ولكن بمجرد تدحرجه عن كرسي الحكم, سيطلقون على فترة حكمه صفة(العهد البائد), وسيعتذرون عمّا قدّموه, ويبرّرون ذلك كذبًا؛ بـأنهم أٌجبروا عليها!!.
(5). وللنحاتين والرسامين سهم في هذا المزاد, فسيملؤون شوارع وساحات المدن والقرى بأصنام الزعيم وصوره وهو بمختلف الأوضاع والأزياء, ولكن ما أن ينقضي عهده, ستسارع الجماهير الثائرة لتحطيمها وحرقها, تمهيدًا لتشييد أخرى مكانها للحاكم الجديد, ومن الوجوه نفسها التي نفّذتها سابقًا في الغالب.
(6). إذا فكّر الزعيم بالتنحّي ومغادرة سدة الحكم بإرادته, وهو احتمال ضعيف جدًا ويقرب من العدم, فستخرج الملايين إلى الشوارع تطلب منه البقاء إلى الأبد. فالحاكم في العراق, لا بديل أمامه سوى سبيلان لا ثالث لهما؛ القصر أو القبر!!.
(7). في الغالب ستكون نهايته مأساوية؛ قتلًا وسحلًا وتمثيلًا بجثته على شاكلة عبد الإله ونوري السعيد, أو الإعدام رميًا بالرصاص, بعد محاكمة سريعة وصورية, كحال عبد الكريم قاسم, أو شنقًا(حتى الموت)!!, بعد محاكمة هزلية, مثل صدّام حسين. أما النفي خارج العراق, فذلك حُلم بعيد المنال. فتلك حالة حصلت مرّة واحدة مع عبد الرحمن عارف, ولن تتكرر!!.
(8). إذا وقع انقلاب عليه وتمكن من إفشاله وقبض على المنفذين, فستخرج الجماهير بقضّها وقضيضها, تطالبه بـ(قطع رؤوس الخونة المتآمرين العفنة وبلا رحمة, ورمي جثثهم للكلاب)!!. ولكن الويل له فيما لو نجح الانقلاب, لأنه سيتم سحله في الشوارع, وتقطيع جسده إربًا إربا, ومن قِبل تلك الجماهيرالهائجة نفسها. وستضيق أرض الوطن أمام قبر يضم أشلاءه, أو ما تبقّى منها. فالسحل وقطع الرؤوس ونبش القبور, هي عادات متأصّلة في نفوس أهل هذه البلاد!!.
(9). إذا دخل معركة مع عدو خارجي وانهزم فيها شرّ هزيمة, وخرج منها مدحورًا مخذولا, فما عليه إلا أن يخرج على الشعب بخطاب منمّق يعلن فيه النصر, وإن العدو قد هُزم لأنه فشل في اسقاط النظام. وهو لن يحتاج لهذه المسرحية, سوى لكاتب منافق مثل؛ عبد الجبار محسن, و(فنانة)متلوّنة مثل؛ عواطف السلمان, وشيخ دجال من شاكلة؛ لطيف هميّم. فتلك هي أدوات النصر وأسلحته الفتاكة والكفيلة بتخدير الجماهير, والتي ستملأ الشوارع والساحات وهي تحتفي بـ(الانتصار الكبير)!!.
(10). ويبقى العزاء الوحيد في الدنيا للحاكم العراقي(المخلوع), إن الجماهير ستبكيه وتلطم عليه حسرة على أيام حكمه التي ولّت وانقضت, وتطلق عليها(الزمن الجميل)!!, وتندب حظها العاثر يوم فرّطوا به. ولكن(مكافأة نهاية الخدمة)هذه, لن تحصل إلّا بعد زمن طويل, وبعد(خراب البصرة). ومردُّ ذلك ليس يقظة ضمير متأخرة أو اعادة الاعتبار له, بل لأن الحاكم الذي أعقبه, قد سامهم سوء العذاب!!.
وبعد كل هذا الذي ذكرت بعضًا منه, هل يفكّر عاقل بأن يحلم أن يكون حاكمًا على العراق؟.. الجواب؛ نعم بكل تأكيد, لأن معظم العراقيين لا يتعّظون بمصيبة ومصير من سبقهم. وهذا الذي قلته آنفًا, والذي أبدو فيه كالذي(يؤذّن في مالطا), لن يروق لهم. فمنتهى طموح أحدهم أن يصبح شرطيًّا يقف على باب الزعيم. فلكرسي الحكم لذة وجاذبية لا يدركها إلّا من ذاقها, وهو مثل(العسل المسموم) !!. ونسأل الله العفو والعافية.
3006 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع