محمد واني
لماذا لا توجد للكرد دولة يا أبي؟
ثمة سؤال ملح ومهم مازال محشورا في زور كل كردي في العالم قديما وحديثا، يبحث عن جواب شاف ومقنع له، ولكنه لن يجده مهما حاول.
التلميذ يطرحه على أستاذه، والابن يسأل أباه بشكل يومي ومتكرر: لماذا لا توجد لدينا دولة مثل باقي دول العالم يا أبي؟ أو ليست لدينا أرض ولغة مثل باقي الأمم؟ الأب يحتار ولا يجد جوابا مقنعا يشفي غليله وغليل ابنه، وهو بدوره لا يعرف السبب!
والأستاذ يبحث في كتب التاريخ والجغرافيا عله يكشف السر. ولكنه يعود القهقرى إلى أول السطر الذي بدأه: نعم.. صحيح لماذا ليست لدى الكرد دولة مثل تركيا وإيران والعراق إلى حد الآن، مع أنهم يمتلكون كل المقومات التي تمتلكها تلك الدول لتشكيل دولتهم المستقلة.. من السبب؟
◙ المجتمع الكردي في الإقليم يعيش في حالة انقسام حاد: السلطة من جانب، والشعب من جانب آخر، والمسافة بينهما تتسع يوما بعد يوم
هل هو الاستعمار الغربي البريطاني والفرنسي الذي قسم منطقة الشرق الأوسط (تركة الخلافة العثمانية مترامية الأطراف) وفق اتفاقية سايكس بيكو إلى دول ومحميات متناحرة، في ضوئها وزعوا الكرد على هذه الدول دون أن يحسبوا أي حساب لهم كبشر وأمة لها كيان قائم بذاته في المنطقة، بالضبط مثل ما فعلوا مع الأفارقة عندما كانوا يقتلعونهم من أراضيهم ويرسلونهم إلى العالم الجديد (أميركا) للعمل الشاق والعبودية، مع فارق أنهم لم يحولوا الكرد إلى عبيد لتلك الدول المصطنعة فحسب، بل قدموا وطنهم وأرضهم وسماءهم قربانا لأطماعها ومصالحها في المنطقة.
ولم يكتفوا بذلك، بل غيروا ملامحهم الشخصية وشوهوا تاريخهم ونهبوا تراثهم وإرثهم الفني والثقافي، وطعنوا إنسانيتهم وكرامتهم، وحولوهم إلى كائنات آخرى غير الإنسان: تابعين ضعفاء لا ينفعون لأي شيء.
في تركيا تحول الكرد إلى أتراك الجبال، وطمسوا هويتهم الوطنية، وحولوهم إلى إيرانيين في إيران، وعراقيين في العراق، ومسحوا خارطتهم “بأستيكة” وحولوها إلى شمال العراق وشرق إيران وغرب سوريا.
لولا تمسكهم العجيب بأرضهم وبخصوصياتهم القومية لما بقي لهم اليوم أي أثر يدل عليهم مثل شعب الأنكا والمايا.
وعندما سقط النظام البعثي وكُتب الدستور الذي أقر الكيان الكردي لأول مرة (إقليم كردستان) فرح الكردي بهذا المكسب التاريخي أكثر من كل المكاسب التي وفرها له الدستور، لأنه يمثل وجوده الذي يبحث عنه منذ عقود.
وإذا كان القرار الخارجي الاستعماري ألجم الكرد وكبلهم في سجن الأنظمة الإقليمية، ومنعهم حتى من مجرد التفكير بالاستقلال وتشكيل دولتهم القومية، فإن التمزق الداخلي والصراع المحموم على السلطة ظلا العائق الأكبر أمام أي تقدم ولو طفيف باتجاه تأسيس الدولة المستقلة.
◙ في تركيا تحول الكرد إلى أتراك الجبال، وطمسوا هويتهم الوطنية، وحولوهم إلى إيرانيين في إيران، وعراقيين في العراق، ومسحوا خارطتهم "بأستيكة"
وقد رأينا كيف أن الصف الوطني الكردي قد تصدع في السادس عشر من أكتوبر من عام 2017 عقب إجراء عملية الاستفتاء على الاستقلال، وانسحاب قوات حزب الاتحاد الوطني بزعامة بافل طالباني من المواجهة العسكرية ضد قوات الجيش العراقي والحشد الشعبي في آخر لحظة، وترك قوات الديمقراطي الكردستاني بزعامة مسعود بارزاني ومعه أهل كركوك يواجهون لوحدهم القوات الغازية، وكانت النتيجة أن إقليم كردستان وصل إلى أضعف حالاته السياسية وفقد الكثير من نقاط قوته ومكانته الإقليمية، وهو ما استغلته بغداد شر استغلال ضده.
الصراع الداخلي لم يعد تحركا سياسيا طارئا، أو حدثا عابرا يحدث من حين إلى آخر، بل بات تقليدا سياسيا واجتماعيا متوارثا يمارسه الكرد كنوع من الطقوس الدينية المقدسة لا يمكن الاستغناء عنها تحت أي ظرف من الظروف.
وبعد بحث مضن ودراسة معمقة يجريها الأستاذ في سياق بحثه عن أسباب عدم إمكانية تشكيل الدولة الكردية، يتوصل إلى حقيقة مفادها أن المجتمع الكردي في الإقليم يعيش في حالة انقسام حاد: السلطة من جانب، والشعب من جانب آخر، والمسافة بينهما تتسع يوما بعد يوم. ومن المستحيل تحقيق حلم الدولة الموعودة ما لم يتم ترتيب الوضع الداخلي أولا، وما لم تتقلص الهوة المهولة بين الجانبين ليشكلا معا وحدة واحدة كالبنيان المرصوص ثانيا!
1414 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع