لمناسبة يوم المرأة العالمي - المرأة التي هزمت طاغية !

غريب دوحي الناصر

لمناسبة يوم المرأة العالمي - المرأة التي هزمت طاغية !

التاريخ سجل الأمة ومرآتها حافل بالحكايات والقصص المثيرة والأحداث المهمة الخطيرة والغريبة . والقارئ الشغوف المهتم بالتراث والارث الحضاري المتنقل بين صفحاته وايامه يقلب السنين كمن يركب

آلة الزمن يسافر بين الأزمنة والعصور والأماكن بكل سهولة ويسر يقرأ ويرى ما قد جرى بعيون فاحصة يربط بين الوقائع والحوادث ليتمكن من رسم صورة لما سيجري او يضع قراءة مقاربة على الأقل
لمجريات الأمور واتجاهاتها وبداية لابد ان نضع أمامنا السؤال التالي : كيف يمكن ان نستفيد من هذه الرؤى وتلك الأحداث حتى نستطيع فهم حاضرنا ونرسم طريقا لمستقبلنا يكون أكثر اشراقا ووضوحا ؟ لكن يبدو أننا نقرأ التاريخ وقصصه من باب المتعة وحب الاطلاع على أحداثه لتكون أيامه واخباره مادة دسمة في أحاديث الجلسات والندوات و سمر السمار.

ومن القصص والأحداث التي لابد ان نتوقف عندها نستعرضها ونحللها لنفهمها لانها تركت اثرا واضحا في النفوس قصة نقف أمامها مشدوهين
مستغربين لانها تمثل نمطا من أنماط السلوك المميز وربما الخطر في فكر وعقيدة بعض الناس الذين يعيشون في ظل افكار ومعتقدات مؤمنين بها
اشد الايمان حتى لو كانت هذه الأفكار بعيدة عن جادة الحق والصواب. هي من قصص الوقوف بوجه الطغاة العتاة الذين ملأوا الدنيا ظلما وجورا واتخذوا القتل أسلوبا ومنهجا في توليهم أمور الناس غير أنهم وفي لحظة ضعف تظهر حقيقتهم ليصطفوا مع الأذلاء .امام ارادة صعبة صلبة وايمان راسخ بفكر متشدد . قصتنا تتحدث عن امرأة اسمها (غزالة).
وجها لوجه امام طغيان الحجاج
كانت غزالة من شهيرات نساء العرب شجاعة وفروسية كما امتازت بالفصاحة والبلاغة أصلها من الموصل خرجت مع زوجها شبيب بن يزيد الشيباني والذي تضرب به الأمثال بالفروسية والشجاعة والمروءة. خرجا على الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان. ووقفا بشجاعة متناهية أمام طاغية العصر الحجاج بن يوسف الثقفي في موقف تمرد وتحد. وكان شبيب هذا اميرا للخوارج ايام أمارة الحجاج بالعراق الذي اقل ما يوصف به أنه كان مخادعا شديد الوطأة على كل من يواجهه ويحاربه لا يحسب حسابا لأي شخص جريء عنيف بحكمه، حتى انه قسى بحكمه على انس بن مالك خادم الرسول (ص) لولا تدخل الخليفة الذي خلصه من تعنيفه. وقد
قيل ان شبيب قتل خمسة من قوات الحجاج وهزم له عشرين جيشا في المواجهات الشرسة والمستمرة بين جيش الدولة الأموية من جهة والخوارج من جهة اخرى.والخوارج اسم يطلق على كل من خرج على الإمام (علي ) وتمرد عليه ثم احدثوا فتنة في المجتمع الاسلامي دون ان يعتنقوا مذهبا معينا ، وقد امتازوا بالتطرف والشجاعة . وقد كانت (غزالة) تحارب وتقاتل الى جانب زوجها في الميادين غير آبهة بخطر او تخشى الوغى او منازلة الفرسان فتتهاوى أمامهم الصفوف وتتفرق الكتائب ويفر من يفر بمن فيهم الحجاج نفسه حيث وقفت امامه في إحدى المعارك وطلبت مبارزته
في تحد غريب امرأة في مواجهة طاغية فخاف الحجاج من مواجهتها وانسحب وكان انسحابه هربا تحت ضغط الانكسار فقال فيه عمران بن حطان الابيات التالية :

اسد علي وفي الحروب نعامة ربداء تنفر من صفير الصافـر
هلا برزت الى غزالة في الوغى بل كان قلبك في جناحي طائر
قالت غزالة لزوجها شبيب يوما : ياشبيب لقد نذرت الله نذرا سألتك ان تعينني على الوفاء به . قال زوجها : وماذاك ياغزالة يرحمك الله ؟ ! اجابته : ان اصلي في مسجد الكوفة الجامع ركعتين اقرأ في الأولى سورة البقرة وفي الثانية سورة آل عمران ! لقد كانت الكوفة آنذاك حاضرة الجبار العنيد الحجاج بن يوسف الثقفي له فيها ستة الآف مقاتل جمعهم لحرب شبيب وزوجته غزالة اما سورة البقرة وآل عمران فأنهما
اطول سور القرآن الكريم . اذن كيف بصلاة تتلى فيها هاتان السورتان وسط عدو ذي غلظة لغته التهديد والوعيد واسلوبه التنكيل بأعدائه ؟ قطعا انها ليست صلاة الخائف العجلان بل انها حتما من أفعال الشجعان
المستهينين بأعدائهم ذوي الجبروت والعزة والفتوة ثم آنها ضمنت نذرها وطلبها قسما حلفت ان تحققه . وهو أن دخلت الكوفة ستبول على منبر الحجاج ! والعجيب ان شبيب عمل على تحقيق رغبة زوجته غزالة
فزحف بجيشه نحو الكوفة ليلا ومعه ألف من الخوارج ترافقه زوجته وامه (وجيزة) وكانتا على رأس مائتين من نساء الخوارج وقد اعتقلن الرماح وتقلدن السيوف فقتلن بطريقهن كل من اعترضهن وهرب من هرب حتى الحجاج نفسه لاذ بالفرار فسار الخوارج في شوارع المدينة حتى دخلوا المسجد الجامع بعد أن قتلوا حراسه والمصلين فيه ونصب غزالة على المنبر فخطبت خطبة طويلة بليغة أشارت اليها كتب التاريخ غير إنها لم تذكر نصها الكامل ثم نزلت من المنبر وصلت ركعتين كما نذرت ووقف شبيب ورجاله عند الأبواب لحراستها الى ان أتمت صلاتها ثم قامت وبالت على منبر الحجاج كما نذرت وحلفت ! عاد بعدها جيش الخوارج من حيث قدم فقال فيها احدهم وكان يبغض غزالة بغضا شديدا :
وَفت غزالة بنذرها يارب لاتغفر لها !
كانت مغادرة غزالة وزوجها الكوفة بسرعة كبيرة اذهلت الحجاج
وفاجأته واسف كثيرا كيف أفلتت منه هذه الغزالة ولم يتمكن من صيدها وهي في الكوفة فأرسل خلفهم جيشا يتعقبهم الا انهم كانوا قد سلكوا طريقا غير مألوف ثم التف شبيب حول جيش الحجاج وشن عليه هجوما كاسحا قتل فيه قائد الجيش وكان خبرا احزن الحجاج حزنا شديدا فقرر الانتقام والأخذ بثار هذا القائد فأعد جيشا كبير العدد وأعطى قيادته الى (فروة الكلبي) وكان هذا القائد ماكرا شديدا متحرقا لقتل غزالة وقد استطاع هذا القائد ان يتسلل إلى معسكر شبيب و قتل غزالة وقطع رأسها فحمله وتوجه به قاصدا الحجاج الا ان شبيبا رأه والرأس بين يديه فأمر فرسانه اللحاق به فتمكن عمران بن حطان من اللحاق به وقتله وهو يصيح يالثارات (غزالة) ! فأعاد الرأس الى زوجها الذي امر بغسله ودفنها والحزن الشديد يعتصر قلبه توجه بعدها شبيب نحو الاحواز وجيوش الحجاج تتبعه فوصل جسرا يريد عبوره فنزا جواده على فرس كانت أمامه فسقط من جواده في النهر وقد احتواه الماء وغرق في لجته .
وهكذا انتهت غزالة وانتهى شبيب . فلقد كانا بطلين بحق شاغلا الدولة الاموية بحروبهما البطولية وسطرا صفحة متطرفة من صفحات الصراع القبلي والفكري الذي لم يكن يخلو من شجاعة وجبن ومراوغة وتمرد !

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

1550 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع