محمد واني
إقليم كردستان في مواجهة مصير مجهول
المهم أن ينشغل الإقليم بمشاكل أبنائه وينسى ما يدبر له، فكل المحاولات التي بذلها رئيس الإقليم لتقريب وجهات نظر الحزبين لم يكتب لها النجاح وظل التوتر والانقسام سيدا الموقف.
خسر الكرد الكثير جراء الصراع الطويل الدائر بين الحزبين الكرديين الديمقراطي الكردستاني برئاسة مسعود بارزاني، والاتحاد الوطني برئاسة جلال طالباني وابنه من بعده بافل طالباني. وترك هذا العداء المزمن آثارا مدمرة على المنجزات والمكاسب الإستراتيجية التي تحققت خلال السنوات الثلاثين الماضية، ومن أهم هذه المنجزات إقليم كردستان، الكيان الكردي الشبه المستقل الذي تشكل عقب غزو العراق للكويت بضغط من التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة.
هذا الكيان الآن واقع تحت مرمى الأحزاب الشيعية الحاكمة وميليشياتها في بغداد. فسرعان ما تفكك التحالف الإستراتيجي الذي ضم تلك الأحزاب بالكرد، وتحول إلى خصام وعداء مستحكم، مارس فيه الطرف الشيعي كل وسائل القمع ضد سلطة الإقليم التي يديرها الديمقراطي الكردستاني، مستغلا هيمنته المطلقة على مفاصل الدولة الرئيسية من برلمان ومحاكم وقوات أمن وفصائل ميليشياوية إضافة إلى موارد العراق المالية الهائلة التي وجهها ضد سكان الإقليم، وعمل كل ما في وسعه لإسقاط حزب الديمقراطي الكردستاني.
ولكن، جاءت نتائج الانتخابات التشريعية في الإقليم والعراق على حد السواء، مخيبة لآمال الأحزاب الشيعية والمحور الذي تدور حوله، فقد فاز الحزب الديمقراطي في الانتخابات المحلية فوزا ساحقا، حاصلا على أعلى الأصوات، الأمر الذي مكنه من الهيمنة على البرلمان الكردي، وحصل على نتائج مهمة في البرلمان العراقي، وهنا جن جنون الأحزاب والميليشيات في بغداد ومن يعوم في بحرها من الأحزاب الكردية لتبدأ جولة أخرى من النزاع ضد الإقليم.
◙ مهما كانت قوة وصلابة سلطة الإقليم وبراعة قادته في إدارة الشؤون السياسية، فإن الخلافات الداخلية إذا استمرت بهذا الشكل المخزي، ستهوي بالإقليم وشعبه إلى مهاوي سحيقة
وبعد أن جربوا الطائرات المسيرة والصواريخ لتدمير البنية التحتية وبث الرعب في العاصمة أربيل من أجل إخضاعها لأجنداتهم الطائفية، وفشلوا في تحقيق أهدافهم، جاء دور المحاكم المسيسة لتصدر قرارات متتالية جائرة استهدفت الثروة النفطية، المصدر الرئيسي لتمويل رواتب الموظفين والمشاريع التنموية، ولم يكتفوا بقطع حصة الإقليم من الميزانية وخفضها بما لا يتناسب مع عدد سكانه، بل راحوا يطالبون بحل الإقليم من خلال إجراء تعديل دستوري تمهيدا لإعادته صاغرا إلى قبضة السلطة المركزية الحديدية.
وبدأوا يتحركون فعلا في هذا الاتجاه، ويوعزون إلى أتباعهم من الطابور الخامس الكردي ببث الإشاعات المحبطة بعدم جدوى بقاء الإقليم مستقلا عن بغداد، وأن من مصلحة الشعب الكردي أن يندمج في العراق ويتخلى عن خصوصياته القومية والدستورية، ومن ثم العودة إلى السلطة القمعية المركزية، كما كان في عهد نظام البعث السابق.
وهذا ما يحاولون الوصول إليه الآن، ولكن خطوة خطوة على ضوء الإستراتيجية الكيسنجرية.
مهما كان نوع الصراع الدائر بين الحزبين الكرديين، فإن الأحزاب الشيعية تستغله أيما استغلال لصالح مشروعها الطائفي في العراق، ولن تسمح بحدوث أي تطبيع بين الطرفين. وإذا ما حدث العكس، فإنها سرعان ما تفسده ليعود الصراع إلى مربعه الأول، وما أن تنتهي مواجهة حتى تأتي مواجهة أخرى، وهكذا دواليك.
المهم أن ينشغل الإقليم بمشاكل أبنائه وينسى ما يدبر له من وراء ظهره. فكل المحاولات المضنية التي بذلها رئيس إقليم كردستان نيجيرفان بارزاني لتقريب وجهات نظر الحزبين لم يكتب لها النجاح، وظل التوتر والانقسام سيدا الموقف.
وقد لا نأتي بجديد إذا ما قلنا إن حزب بارزاني بتوجهاته القومية الصارمة ومشروعه الاستقلالي هو المستهدف الأساسي من قبل الأطراف الشيعية والإقليمية، فهو العدو رقم واحد الذي لا يهادن ولا يجامل على حساب الحقوق القومية، يدير الإقليم بكفاءة سياسية وإدارية عالية، ويتخذ قرارات قد تتعارض مع مصالح هذه الأطراف.
ولكن، مهما كانت قوة وصلابة سلطة الإقليم وبراعة قادته في إدارة الشؤون السياسية، فإن الخلافات الداخلية إذا استمرت بهذا الشكل المخزي، ستهوي بالإقليم وشعبه إلى مهاوي سحيقة لا قرار لها!
1506 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع