اسماعيل مصطفى
هل الفقر نعمة أم نقمة؟
قد يبدو للوهلة الأولى أن هذا التساؤل ساذجاً ولا يحتاج إلى إجابة لأنه من المعلوم لدى الجميع أن الفقر نقمة على صاحبه، وقد وردت أحاديث كثيرة تؤكد ذلك منها قول الإمام علي علي السلام (لو كان الفقر رجلاً لقتلته) وقول الرسول ص (أينما ذهب الفقر ذهب معه الكفر) ولكن لو نظرنا من جانب آخر لرأينا أن الفقر يعد نعمة خصوصً إذا منع صاحبه من التورط في الموبقات والمنكرات والفضائح التي يجلبها الغنى والمال والثروة عادة، وذلك حينما يتخلى الإنسان عن التقوى ويبتعد عن التحلي بالعقل السليم.. وهنا نود الاشارة إلى ما ورد في الحديث النبوي الشريف الذي يقول فيه الرسول "ص" (إنّ الفقر فخري) ويقصد هنا بالفقر إلى الله وليس إلى الخلق لأن الفقر إلى الخلق فيه منقصة وذلة لصاحبه بين العباد في حين أن الفقر إلى الله فيه عزّة وكرامة للإنسان لأن الله هو الخالق الغني المطلق، ولهذا يكون الإرتباط به والحاجة إليه مصدراً للخير إذ إنه يجعل الإنسان دائم الذكر والتمسك بخالقه وفي ذلك إشارة لطيفة إلى أن الفقر ليس نقمة بشكل مطلق لكنه يكون كذلك إذا كان سبباً للحاجة وطلب العون من المخلوقين بينما طلب العون من الخالق فيه قوة وزيادة في المعنويات لأنه يمثل ارتباطاً بالغني المطلق الذي بيده ملكوت السموات والأرض والذي له خزائن كل شيء وهو القادر على كل شيء. نصل إلى نتيجة مفادها أن الفقر يكون نقمة على الإنسان إذا كان سبباً لحاجته لأمثاله من المخلوقين ويكون نعمة إذا كان سبباً لتوجهه إلى خالق الخلائق القادر المقتدر والمهمين على مقدرات الأمور في كل الميادين.
ولا ننسى أن نشير هنا أيضاً إلى أن الفقر عادة ما يكون سبباً لتقوية العلاقات الاجتماعية وشد الأواصر بين الناس لأن الفقير يكون مجبراً للقيام بأعمال لا يتمكن الغني من القيام بها مقابل أجر يقدمه الغني للفقير، وبذلك يكون الفقر نعمة، ولولاه لما وجدنا من يقوم بالأعمال التي ينظر لها المجتمع على أنها لا شأن ولا قيمة لها في حين يرى الفقير نفسه مضطراً للقيام بها كي يحصل على عيشه بهذه الطريقة، وفي ذلك قوام المجتمع وديمومته التي لا يمكن أن تستمر إلّا بوجود الفقير إلى جانب الغني بشرط أن يعرف الأخير واجبه تجاه الغني ولا يبخسه حقّه الذي قررته الشرائع وأقره الوجدان الإنساني بالفطرة السليمة التي فطر الله الناس عليها من أول الخليقة إلى نهايتها.
808 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع