ابن خالة الخياطة اللي خيطت بدلة العروس

                                             

                                نزار هنودة

 سألني صديقي .. لنفترض جدلا وبعد كل السنوات الطويلة التي عشتها  في العراق وهنا في أستراليا ، والممتدة من بداية الخمسينات من القرن الماضي ، واذا بعقارب الساعة تعيد بك شابا في مقتبل العمر وأنت في العراق ، فماذا تتمنى أن تصبح .. فأجبته  ماذا تقصد .. رد عليّ أي مجال مهني كنت ترغب أن تسلكه؟

وبعد تفكير عميق سرحت خلاله بكل السنوات الطوال المثقلة بالمصاعب والمشقات التي عشتها في بيئة صعبة وقاسية أجبته قائلا..

معترك السياسة ، بقدر ما هو مرغوب وجذاب وعلى التصاق بالناس وهمومهم ، ويقدم لك كل التسهيلات المطلوبة التي تتمكن من خلاله الوصول الى مبتغاك وأكثر . حيث خلال سنوات قليلة تتمكن اذا كنت شاطر في استغلال وتحيّن الفرص ، خاصة اذا كانت لك  امكانية ركوب الموج ومسايرته ومجاراته ، أن تصل الى موقع القيادة . علاوة على ذلك اذا كنت ذكي ونبيه وعديم الضمير وظالم ومفتري ولا تؤمن بالقيم والمبادئ ستصل الى مرتبة الرئيس. فأجبته لا..لا.. لا أرغب أن أكون الرئيس. لأنني أولا ليست لديّ هذه المؤهلات ولا أملكها، ثانيا أخاف ان يكون مصيري قطع الرأس أو القتل أو السجن الانفرادي  كما سبقوني غالبية رؤساء وملوك العراق .

لذلك سأكتفي بالذهاب للمدرسة في مراحلها الأولى وأتعلم القراءة والكتابة فقط لأصارع معترك الحياة بجهدي وعرق جبيني لكن لا ... سأعيش أنا وعائلتي حياة البؤس والمشقة وعليه لا .. لا أرغب هكذا حياة.

أما اذا إتهجت طريق العلم والمعرفة وأكملت الدراسة الإعدادية أو الجامعية أو الماجستير وحتى الدكتوراه ، وتخصصت في أي مجال علمي أو معرفي لأكون أستاذا او عميدا  لاحدى الجامعات العراقية ، لا.. لن أضيّع من خلال ذلك حياتي ومستقبل أطفالي وأعيش الفقر والعوز والمحن .

وبالرغم من حبي وتعلقي بالفن والثقافة. فلن أحترفهما أو أزاولهما لأنهما أولا وأخيرا ، قاصران على إكمال مشواري في الحياة ، وعاجزان على دفعي وإعانتي على  ركوب القطار لإيصالي الى بر الأمان . وسأكون منبوذا ومذموما ومكروها ، لأنني حسب أعتقادهم سأمارس الممنوعات والمحرمات . لأن مفهوم عالم الفن في العراق هو السقوط والانحدار نحو الهاوية . والفن هو من المحرمات أي ( حرامس ) . وهذه الحرامسات التي بأتت تنتشر وتعشعش هذه الأيام في أدمغة وعقول الطبقات المتحكّمة والمتنفّذة في عراق اليوم ( عراق الديمقراطية ) فتجلب لك الذل الهوان . أذن سأبتعد وأقطع أي نوع من العلاقة مع الثقافة والفن والفنانين .

فسألني مرة أخرى اذا كنت لا ترغب في معترك السياسة ، ولا العلم ، ولا العمل ، ولا الثقافة والفن ، إذن ما ذا تريد أن تكون ؟ أجبته أن أكون رجل دين . ماذا..؟ أظن سمعت ما قلته . فأجابني نعم سمعت ، ولكن ما تقوله أدهشني ، وهو بعيد كل البعد عنك . لأنني أعرفك حق المعرفة بأنك لست بالرجل المتدين الذي يذهب ليصلي في الجامع أوالكنيسه .

فأجبته : ولكنني لا أريد أن أعيش حياتي في السجون والمعتقلات ، أو أن تكون نهايتها المقصلة . ولا أأكل الفقر  وأعيش العوز والحرمان. ولا أكون  مكروها ومنبوذا. أريد أن أعيش وأتمتع بالحياة .

لذلك من خلال الدين ،  سأعيش حياتي محترما ، معزّزا ومكرّما ، ولا أفكر بضم القرش الأبيض لليوم الأسود ، لأن أيامي كلها ستكون بيضاء ، مشرقة وبهيّة ، وحتى بعد موتي سيتكفلون بعائلتي ، وسيعيش أفرادها معززين مكرّمين .    

همست باذنه ..أقول لك شيئا.. أسمعت يوما في العراق ، رجل دين  كان مسلما أو مسيحيا ، صابئيا أو يزيديا ، أو من أي دين آخر لم يهدد أمن السلطة ، سجن او عذّب أو شرّد . أتعرّفت على رجل دين عاش الفاقة والعدم  .. أسمعت برجل دين أهين أو ذلّ .

فرجال الدين قاطبة يعيشون حياة كلها بذخ وترف ، يأكلون ما لذ ّ وطاب . ومقدرّين ومحترمين من كل فئات وطبقات الشعب . وحقوقهم مدامة ومعززة ومصانة .

ولهم من المال ما يكفيهم وعائلاتهم وأحبائهم وأصدقائهم بل (وابن خالة الخياطة اللي خيطت بدلة العروس) .

فقط المطلوب منهم الصلاة والصيام ، وتكفير كل من لا يسير على خطاهم .

أطفال الگاردينيا

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

968 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع