ذاكرة البصرة - على ضفة نهرالعشار جنوبا طريق الساحل .. ما الذي تبقى من معالمه ؟

محمد سهيل احمد

ذاكرة البصرة -على ضفة نهرالعشار جنوبا طريق الساحل .. ما الذي تبقى من معالمه ؟الحلقة الأولى.

مستلات * / لم يكن طريق الساحل سوى ضفة جنوبية لنهر العشار مغطاة باغبرة الطريق واشجار النخيل وتقاطعات انسيابية المسار حيث تتجاور تخوم المناطق والمحلات الشعبية.

** / سوف يتميز الطريق بعلامات فارقة اخرى ستمتد اليها ايدي البرامج الادارية لتقتلعها وتحل محلها عمائر ومصالح اخرى.

زمان .. وحين شق طريق الساحل على الضفة الجنوبية القادمة من البصرة القديمة ، لم يكن شارعا متخصصا بمتع النسيان كشارع الوطني ، وماكان مخصصا للنزهات النهرية مثل شارع الكورنيش ، بل كان على اكثر من موعد ونقطة التقاء مع عدد من الجسور المعلقة على نهر العشار القادم من الدوكيارد والضارب في رحلته الى منطقة البصرة القديمة حيث منطقة السيمر وبدايات البصرة القديمة .

الاحتلال البريطاني 1914
تاريخيا وخلال سنوات احتضار الحكم العثماني بدءا من سنة 1900 ، لم يكن طريق الساحل سوى ضفة جنوبية لنهر العشار مغطاة بأغبرة الطريق واشجار النخيل وتقاطعات انسيابية المسار حيث تتجاور تخوم المناطق والمحلات الشعبية . اما الضفة الشمالية ــ التي تسمى حاليا طريق عشارــ بصرة فبقيت ولغاية بداية الاربعينات من القرن الماضي غاصة ببساتين النخيل المطلة على النهر حتى ان الكثيرين من اهالي البصرة اعتادوا التنزه فيها . ونعود الى الطريق القادم من البصرة القديمة باتجاه العشار،ففي سنة 1914 دخل الانكليز مدينة البصرة بعد معارك طاحنة كانت ستستمر لسنة قادمة اخرى قبل اكتمال الاحتلال .اذ ذاك قام الانكليز بتأمين المداخل الى مركز المدينة مستخدمين طريق الساحل الذي كان يفتقد لابسط مقومات الانسيابية حيث لم يكن معبدا وقتذاك .
وما ان استقرت قوات الاحتلال داخل العشار حتى اخذت تعزز قدراتها اللوجستية باستخدام ما خلفه العثمانيون من مخازن منشئين بالإضافة لذلك مخازن إضافية للمؤن والبريد والبرق ناهيك عن مباني القيادة العامة headquarters ومهاجع الجنرالات والهنود السيخ والبانيان دون نسيان الحكمة القائلة بأن لكال محارب استراحة فقد اهتموا بالجوانب الترفيهية مؤسسين عددا من النوادي الترفيهية وذات الصلة بالمتع توزعت هنا وهناك بين البصرة القديمة والعشار كبيوت البغاء والحانات ومسرح الملكة ماري والنوادي الترفيهية .

العلامات الفارقة
ان طريق الساحل سينطلق في السنوات التي اعقبت الاحتلال البريطاني باتجاه تأسيس الحكم الملكي منطلقا من النقطة التي شيد فيها تمثال السياب على الكورنيش مرورا بالمخازن والمستودعات والمنشآت العسكرية التي خلفها العثمانيون ليحل الانكليز محلها . ولكي نحدد المحطة الأولى في ذلك الطريق الذي عده الانكليز مسلكا استراتيجيا لقواتهم القادمة من بعد انتصارهم المدوّي في الشعيبة وفي معيتهم الاسرى الاتراك والعراقيون .ومع الاستقرار النسبي الذي صاحب تشكيل الحكم الملكي ، ومع الزمن ، صار لطريق الساحل علاماته الفارقة ، فبناية مصلحة التمور التي ستشاد بعد عدد من السنين ستصبح من الطرز العمرانية التي ستميز ذلك الطريق . لكن في عام 1938 تم تشييد اسد بابل ليتوسط الفلكة الشهيرة المجاورة لجسر المقام والمرسى الذي تنطلق منه يوميا عشرات الابلام التي كانت تستخدم في نهر العشار بصفته النهر الذي اقترن تدفق ماؤه مع ازدهار الحركة التجارية في قلب العشار .كان هنالك مرسى صغير انشأه الاحتلال من اجل ان يستقبل عشرات المهيلات والمراكب الشراعية . وفي قادم الايام ستجاور تلك الفلكة الشهيرة ما سوف يسمى بشارع الوطني الذي سيصبح شارعا للملاهي . وقد جرى فيما بعد ترصين ضفة النهر بدكة اسمنتية مترافقة مع امتداد نهر العشار غربا باتجاه البصرة القديمة . كما سيعرف ذلك الجزء من طريق الساحل بمبنى مصرف الرافدين العراقي محاطا بفنادق كانت مخصصا لزوار العتبات المقدسة ومبنى خاص خصص لأبناء طائفة البهرة الهندية المهرة في الشؤون التجارية ، وبعد ذلك وعلى انقاض بيت الشيخ خزعل سيشاد سوق ( حنا الشيخ ) وكذلك عمارة حامد النقيب ذات الطراز المعماري المميز . وصولا الى اطلالته الثانية من بعد جسر المقام الا وهي جسر وايتيلي او جسر الهنود فيما بعد .
نخيل اقلّ

حين غادر العثمانيون المدينة ، لم يخلفوا عمائر او معالم مميزة عدا منشأتهم العسكرية مثل ( القلعة البحرية ـ القشلة ) في قلب سوق الخضارة وبعض المباني والمساجد مثل مسجد ( سنان باشا ) في قلب محلة المناوي باشا وبعض السرايات والأبنية الحكومية . ولو تتبعنا رحلة طريق الساحل من بعد مروره بجسر الهنود سنجد ان ضفته ستدعم بشريط اسمنتي ومجموعة من المسنايات او المراسي النهرية الصغيرة .كانت الفسحة المطلة على النهرــ التي كانت تشكل الجزء الشمالي من منطقة المناوي باشا ــ قد شقت في اوقات مبكرة لتشكل ما يسمى بطريق الساحل , وسوف تتميز تلك البقعة المحصورة بين جسر المغايز وجسر المتصرفية ، وفيما بعد بعمارة النقيب تليها وكالة حافظ القاضي وسينما ( شط العرب ) فيما بعد والبناية الأكثر اهمية الا وهي بناية البريد القديم . وسوف يتميز الطريق بعلامات فارقة اخرى ستمتد اليها ايدي البرامج الادارية لتقتلعها وتحل محلها عمائر ومصالح اخرى وهي السمة الشائعة التي تميزت بها المدينة بكل محلاتها وشوارعها .
نعم البصرة ، عبر مراحل تطورها وامتدادها افقيا وعموديا تعكس ظاهرة يمكن أن تطلق عليها بحضارة الغبار . اجل حضارة الغبار هي سمة مدننا الضاربة في أعماق تاريخنا المضطرب .

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

910 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع