المحامي المستشار
محي الدين محمد يونس
الظلم إذا دام دمر
كان (ج.ع) شابا كرديا سخر نفسه للتنسيق والتعاون مع الأجهزة الأمنية في محافظة أربيل من خلال ابداء العون لهم وتزويدهم بالمعلومات عن الأطراف والأشخاص المحسوبين على الجهات المعادية للسلطة في العراق وكان كثير التردد على دوائر الامن وخاصةً دائرة امن قضاء جومان والمسؤول عنها النقيب(مرعي) والذي كان يقدم له الدعم المالي والمعنوي لقاء خدماته، قرر ترك وانهاء العلاقة مع هذه الدوائر والارتباط مع مفارز البيشمرگه والتي كانت في بدايات تشكيلها ويطلق عليها من جانب السلطة مفارز المخربين وكان ذلك في عام (1977) ولتنفيذ ما يجول في خاطره عقد العزم وبعد بحث لم يستغرق طويلا اهتدى الى مفرزة من هذه المفارز وفور مشاهدتهم له هجموا عليه وهو المعروف عندهم بعلاقته مع الأجهزة الأمنية والمؤشرات السلبية ضده وبعد ان توصل الى اقناع افراد المفرزة بأنه قد قدم اليهم طواعية وبمفرده عازماً على ترك العمل مع السلطات الحكومية والكف عن خيانة شعبه والتكفير عن ذنوبه أجابه مسؤول مفرزة البيشمرگه وكيف نثق بك وانت معروف بماضيك الأسود وخصالك غير الحميدة والتي هي مثار شك وريبة لدينا، وعندما اجابهم ما العمل والوسيلة التي تخلق لديكم القناعة بصدق نيتي في العمل معكم بكل اخلاص وجدية اجابه هذا المسؤول نريد منك ان تقوم بنشاط معادي للسلطة ومن ثم تلتحق بنا وحينذاك نكون مقتنعين بصدقك ونواياك وبأنك سوف لن تعود الى جانب السلطة مرة اخرىٰ ومعادات أبناء شعبك، وعندما استفسر منهم عن نوعية العمل والنشاط المطلوب منه تأديته ضد السلطة والأجهزة الأمنية في المنطقة خيروه بأي عمل يسبب الاضرار
لمصالح السلطة و مؤسساتها و مسؤوليها المعتبرين اذ ذاك تفطن ذهنه الى فكرة جهنمية وبادر الى طرحها على الجماعة... شنو رأيكم اذا اقنعت ضابط امن جومان(مرعي) بالقدوم الى جانبكم بعد إقناعه من جانبي وهو على ثقة تامة بي وخيانته من جانبي ليست في اعتباره لعمق العلاقة بيننا والمواقف الشخصية لي تجاهه، استفسر منه مسؤول المفرزة وكيف تستطيع إقناعه بالمجيء الينا وبأي مبرر اجابهم... سوف التقي به على انفراد واخبره بانني قد تمكنت من اقناع مفرزة كاملة للمخربين قوامها (33) ثلاثة وثلاثون شخصاً لترك نشاطهم المناوئ للدولة من خلال أجهزتها الأمنية ومحاربة المفارز الأخرى للبيشمرگه في المنطقة عن طريق الاستفادة من خبراتهم ومعلوماتهم في هذا المجال بالإضافة الى قدراتهم القتالية بعد ان تشملهم السلطة برعايتها وتساعدهم في تعزيز قدراتهم المالية والتسليحية واضاف بأنه وفي سبيل اقناع ضابط الأمن في الحضور واللقاء بكم سوف ابرر له رفضكم تسليم انفسكم للسلطة الا بعد اللقاء به والتداول في الشروط التي تطرحونها على السلطة من خلاله في الحصول على الأمان المؤكد على ارواحكم وارواح عوائلكم ورعايتكم ودعمكم في كافة الوجوه وأضاف وعندما يحضر عندكم تستطيعون التصرف معه على ضوء ما تقررونه، استحسن الجماعة الفكرة وطلبوا منه تنفيذها على الفور بعد اعداد السيناريو والتدقيق لهذه المؤامرة على السلطة من خلال القاء القبض على ضابط امن القضاء وتداعيات ذلك على سمعة وهيبة الدولة والمكاسب المعنوية للأحزاب الكردية المناوئة للسلطة في نتائج هذه العملية النوعية لهم، فعلاً عاد للقضاء وراجع ضابط الأمن لغرض تنفيذ ما يجول بخاطره حسب الاتفاق مع جماعة البيشمرگه واستقبل بترحاب من قبل الضابط وبادر الى طرح الفكرة عليه قائلاً: سيدي هناك مفرزة للمخربين قوامها (33) مخرباً في التلال القريبة من الهضبة المطلة على القضاء وقد فاتحوني بنيتهم على تسليم انفسهم للسلطة الا انهم اشترطوا اللقاء بك والتحدث معك لتأمين صيغة من الاتفاق تجنبهم التعرض لأية مخاطر على حياتهم وعوائلهم ولن يسلموا انفسهم الا بعد ان تمنحهم الاطمئنان الموثق. استساغ النقيب (مرعي) الفكرة لأول وهلة ورأىٰ فيها مكسباً كبيرا في سبيل تحقيق طموحه الشخصي الوظيفي من نتائج هذه العملية التي ستحسب له في تمكنه من اقناع هذا العدد الكبير من المخربين (سابقا والمناضلين لاحقا) في ترك صفوف المعادين للسلطة والاستفادة من امكانياتهم وخبراتهم وعلاقاتهم الشخصية في المنطقة وتسخيرهم لتعقيب ومحاربة المفارز الأخرى المنتشرة في المنطقة من خلال رفد دوائر الأمن بالمعلومات عن تحركاتهم ونشاطهم بالإضافة الى تعاونهم مع قوات الامن في تعقب والقضاء على هذه الزمر. اتفقت الأطراف الثلاثة على موعد لهذا اللقاء وفي الموعد المحدد توجه النقيب (مرعي) وبصحبته (ج.ع) وسائقه باتجاه التلال التي لا تبعد كثيراً وتشرف على القضاء وفي منتصف المسافة اخذت الهواجس تقلق وتعصف بتفكير ضابط الأمن وجعلته غير مرتاحاً مما هو عازم على تنفيذه وعده خطوة غير حكيمة عندما بدأ بتنفيذها دون حصوله على موافقة دائرته في أربيل (مديرية أمن محافظة أربيل) وسوء العواقب في حالة فشله وتعرض حياته للخطر، الشك والريبة من العميل(ج.ع) جعلته يقرر العدول عن الاستمرار في تنفيذ العملية وهو يردد مع نفسه (هو اللي يخون شعبه قابل ما يخوني وما يخون الدولة) كان جالساً في المقعد الخلفي في السيارة فبادر الى اخراج مسدسه الشخصي من حزامه ووضعه في يده وهو بحالة الجاهزية للإطلاق وامر سائقه بالاستدارة على الفور والعودة الى الدائرة بسرعة ونظراته لا تفارق وجه عميله (ج.ع) والتغيرات التي حصلت على ملامحه من جراء قراره المفاجئ هذا مما زاد من نسبة الشك في قلبه وتخوفه من نواياه والذي اخذ يخاطبه مرتبكا (سيدي ليش رجعت ماباقي شيء نوصل يم الجماعة) والنقيب يرد عليه ( ابويا (ج) مايصير التقي معاهم وآني ما مخبر دائرتي وما مأخذ موافقتهم هسه اخبرهم ونرجع) وفور عودته ودخوله الدائرة امر اعوانه إيداع(ج) في غرفة التوقيف والذي انهار واخذ يتوسل به ويحلف بأغلظ الايمان بانه مخلص للسلطة ولا يمكن ان يقوم باي عمل ضدها وعقب ذلك اتصل ضابط الأمن (مرعي) بدائرته فاخبرهم بتفاصيل ما جرىٰ معه من قبل (ج.ع) وانه في شك من امره ويعتقد انغماسه في مؤامرة ضد شخصه بالتعاون مع مفارز المخربين ويرغب في ارساله اليهم للتحقيق معه وكشف ملابسات القضية وبعد موافقة مديرية أمن محافظة أربيل ارسل المذكور على عجل اليها وتحت الاكراه والتعذيب المكثف لعدة أيام اعترف لهم بنيته على تسليم النقيب(مرعي) للمخربين من اجل كسب ثقتهم بنية الانضمام الى مفارزهم وبعد انهاء التحقيق معه تم ارساله الى الهيئة التحقيقية الخاصة في محافظة كركوك لاستكمال إجراءات التحقيق معه لأهمية القضية وكانت تشكيلة هذه الهيئة تضم مجموعة من ضباط الامن والاستخبارات يعاونهم عدد من الافراد والذين كانوا يتصفون بفقدان الضمير وانعدام الرحمة والأخلاق والقيم الإنسانية لديهم حيث كانوا يتعاملون مع من يحال اليهم بتهم سياسية بقساوة بالغة لا حدود لها وبمختلف الأساليب و الصيغ الهمجية الشيطانية في التعذيب الجسدي والنفسي وبكل الوسائل المعدة لهذا الغرض بالإضافة الى الإهانة والتحقير والشتم والسب باستعمال الكلمات السوقية وكان الغالبية من العاملين في هذه الهيئات والمحاكم الخاصة من الذين يعانون من العقد النفسية والتخلف التربوي وذوي الميول السادية والغرائز المنحرفة ولا تتحقق لديهم الراحة النفسية الا من خلال اشباع نواقص شخصيتهم الوضيعة عندما يقومون بتعذيب الأشخاص المتهمين وسماع آلامهم وأهاتهم وانينهم ورجائهم وتوسلهم وتوسطهم لدىٰ الخالق الكريم والانبياء والاولياء دون استجابة اللهم الا في مضاعفة الاذىٰ والتعذيب عند كل رجاء او توسل او دعاء يطلقه هذا الشخص المعذب، نعود لحكاية (ج.ع) وما ان وصل الى الهيئة التحقيقية الخاصة بدأت معه حفلات التعذيب القاسي من اجل استكمال التحقيق والضغط عليه من اجل كشف الشبكة التي يعمل معها والأشخاص المنضوين فيها والتصريح بأسمائهم والذي كان يصر في نفي اية علاقة له بأشخاص آخرين في محافظة أربيل ومع اشتداد الضغط النفسي والبدني عليه وعدم قناعتهم في الاكتفاء بما اعترف به على نفسه وللخلاص مما هو فيه من جحيم العذاب تفتق ذهنه الى وسيلة على امل ان يخفف عن نفسه العذاب والضغط الهائل من خلال الاعتراف على مجموعة اشخاص من اهل هذه المحافظة تم اختيارهم من قبله دون ان تكون لهم اية علاقة معرفة معه فقد اختار الأشخاص من الذين تتوفر فيهم الوجاهة والغنىٰ ومن أعيان هذه المدينة ومن خلفيات سياسية مع الحزب الديمقراطي الكردستاني على أمل أن يورطهم معه في هذه القضية وتداعيات ذلك على مجمل القضية في سبيل تخليص نفسه من هذا المأزق الذي وقع فيه عندما يقوم ذوي ومعارف الأشخاص الذين سيذكرهم وتقوم الجهات المعنية بتوقيفهم الى اللجوء والتحرك للتوسط كل حسب طاقته وعلاقاته ومكانته للدفاع عنهم ومن خلال هذه الفكرة الشيطانية سيشمل هو ايضاً من اية نتائج إيجابية تتخذ في القضية بعد الضغط على الهيئة والمحكمة الخاصة في اطلاق سراح المذكورين الأبرياء والمتقدمين في السن، هذا ما كان يخطط له بطل هذه القصة في ذهنه عندما ذكر لمحققي الهيئة أسماء الأشخاص على أساس كونهم ضمن التنظيم الحزبي المرتبط بقيادة الحزب الديمقراطي الكردستاني المتواجد في حينها في ايران ومن انهم في تواصل مستمر فيما بينهم ومع القيادة المذكورة ومواظبين على عقد الاجتماعات المستمرة والعمل بين الجماهير وجمع التبرعات وارسالها الى مرجعهم مع مجمل التقارير السياسية عن طريق اشخاص مؤتمنين ومكلفين بإيصال وايراد البريد بين الطرفين باستخدام الطرق السرية في الأراضي الجبلية الوعرة بين البلدين وعلى ضوء هذه الاعترافات ابرقت الهيئة التحقيقية الخاصة في كركوك الى مديرية أمن محافظة أربيل طالبة القاء القبض على الأشخاص الذين ذكرهم (ج.ع) في افادته وهم على ما اذكر: -
تكلفت مديرية أمن محافظة أربيل بهذه المهمة وهنا لابد ان اشير الى الطريقة غير الأخلاقية والتصرف البعيد عن شيم الرجال عندما اتصل بي نقيب الأمن عبدالرضا هاتفياً ويرجوني ارسال خالي شيخ محمد رسول الى دائرتهم لطرح بعض الاستفسارات عليه والامر لا يتوجب الا دقائق معدودات وسوف يعود الى حال سبيله، ان هذا التصرف غير المسؤول من هذا الانسان الذي يعتبر نفسه رجلاً دون ان يشعر بعواقب فعلته وتداعياتها السيئة على سمعتي الشخصية امام اهلي واقاربي وتأنيب ضميري عندما قمت بتبليغه بمراجعة هذا النقيب في دائرة الأمن وستر الله سبحانه وتعالى ما كان اعظم حينما عاد خالي من رحلة الموت علما من ان هذا الضابط من أهالي محافظة العمارة وشيعياً ومتزوج من كردية من محافظة أربيل وبعد سقوط النظام وبدون أي حرج او خجل يتردد على هذه المحافظة باستمرار وهنا لابد لي ان اشير الى ان عدداً كبيراً من الضباط والافراد الشیعة كانوا ضمن ملاكات مديرية أمن محافظة أربيل مع المكون الرئيسي الأخر ونقصد بهم السنة من محافظة الموصل واطرافها وقضاء مخمور الذي كان تابعاً في حينه لمحافظة أربيل في حين ان المكون الكردي يكاد يكون معدوماً ضمن ملاكات هذه المديرية في محافظة معظم اهاليها من هذا المكون المهمش والحديث عن الهيئة التحقيقية الخاصة في محافظة كركوك يجرنا للحديث عن الهيئات التحقيقية والمحاكم الخاصة في العراق حيث لم تكتفي السلطة بالمؤسسات القضائية المنتشرة على عرض وطول البلاد للتحقيق في كافة أنواع الجرائم العادية والسياسية بل لجأت الى انشاء أنواع عديدة من الهيئات التحقيقية والمحاكم الخاصة في الأمور والقضايا التي لها علاقة بالموضوع السياسي ومصالح السلطة ورئيسها (صدام حسين) وكانت الهيئة التحقيقية الخاصة والمحكمة الخاصة في كركوك احدىٰ النماذج حيث يحال اليها من يتهم بنشاط معادي للسلطة من محافظات الحكم الذاتي (أربيل، السليمانية، دهوك) بالإضافة الى محافظات الموصل وكركوك وديالىٰ وهي والمحكمة الخاصة في الموصل معنيتان في التحقيق ومحاكمة معارضي النظام السابق من الشعب الكردي وهناك أنواع أخرىٰ من الهيئات والمحاكم الخاصة والمشكلة في قيادات فروع حزب البعث العربي الاشتراكي والتي يرأسها امين سر الفرع واثنين من أعضاء الفرع للتحقيق مع الهاربين من الخدمة العسكرية في زمن الحرب العراقية الإيرانية وكانت قراراتها نهائية ولا تقبل الطعن وتنفذ فور صدورها وفي محافظة أربيل كانت القرارات الصادرة من المحكمة الخاصة فيها تنفذ في مركز تدريب الفيلق الخامس (ميدان الرمي) وفي بعض الأحيان تقوم قيادة الفرع عن طريق التنظيمات المرتبطة بها بحشد مناصريها وقسم من موظفي الدوائر لمشاهدة حفل تنفيذ حكم الإعدام بمجموعة من الشباب بعد قراءة قرارات التجريم والحكم الصادرة بحقهم بتهمة الخيانة والهروب من معركة الشرف والكرامة معركة قادسية صدام، بطبيعة الحال كانت هناك هيئات ومحاكم خاصة اخرىٰ في مديرية الأمن العامة والاستخبارات العامة، وبهذه المناسبة يجب ان لا ننسى لجان الموت المشكلة في الوحدات العسكرية في جبهات القتال مع ايران وهي على شاكلة المحاكم الخاصة وكانت مهمتها انهاء حياة الضباط والمنتسبين الهاربين والمنسحبين من جبهات القتال دون محاكمة والغريب في بعض حالاتها وعندما يكون عدد الهاربين والمنسحبين كثيراً حيث يتم اختيار عدد منهم عن طريق القرعة عندما يتم تنظيمهم بصف مستقيم واللجنة تقوم بفرزهم علىٰ اليسار واليمين ويتم ترشيح احد المجموعتين للإعدام الفوري والمجموعة الاخرىٰ يكتب لها عمر جديد هذه المرة، وما دمنا نتحدث عن الهيئات والمحاكم الخاصة فلابد ان نعرج للحديث على اهم محكمة ذاع صيتها في الظلم وفقدان العدالة وعدم المصداقية في قراراتها وكان اسمها يكفي في زرع الخوف والفزع في نفس من يرحل اليها حيث لا أمل في النجاة من قراراتها المعدة سلفاً في اغلب الأحيان والمحكمة التي نقصدها هي محكمة الثورة وهنا في حكاية مؤلمة عالقة بذاكرتي ولها علاقة بما نتحدث فيه حيث تم ارسال سبعة اشخاص من محافظة أربيل الى هذه المحكمة لمحاكمتهم ستة منهم في قضية احتجاز رهائن ومبادلتهم بمبالغ من المال تدفع من قبل ذويهم الأغنياء المتمكنين والمشخصين من قبل هذه العصابة قبل تنفيذ جرائمهم والآخر شاب في مقتبل العمر وكان متهماً بجريمة السلب ليلاً وكان ينتسب الى احد أفواج الدفاع الوطني ومولعاً بلعب القمار والتردد على المحلات والأماكن التي تمارس فيها، وفي احدىٰ الليالي ذهب الى احدىٰ المنازل المعدة لهذا الغرض في محلة باداوه ومارس هذه اللعبة مع مجموعة من الأشخاص ولغاية الساعة الثانية عشر ليلاً وكانت النتيجة خسارته في القمار خمسمائة دينار وكان هذا المبلغ كبيراً في حسابات ذلك الوقت وخرج من المنزل وهو يضمر الشر في نفسه والقرار الحتمي في استرجاع ما خسره في هذه اللعبة اللعينة حيث كمن في احد منعطفات الزقاق المشرف على الدار التي كان يمارس فيها اللعب وبعد فترة قصيرة خرج من كان في المسكن وخرج صاحبنا من مكمنه وواجه المذكورين وهو يحمل سلاحه بندقية كلاشنكوف وكان الوقت ليلاً حيث فاجئهم وهو شاهر سلاحه بوجوههم وطالبا منهم إعادة المبلغ الذي خسره في القمار وبعكسه سيكون له معهم موقف آخر واصبحوا في موقف محرج لا مناص لهم في التخلص منه الا ان يجمعوا له المبلغ و یستلمە منهم وينصرف الى حال سبيله ويقوم المذكورين بمراجعة مركز شرطة المنطقة وتسجيل شكوىٰ ضده مفادها سلبهم من قبل هذا الشخص وكان مسلحاً وفي الليل نعود الى قاعة محكمة الثورة حيث اصدر رئيسها حكم الإعدام اولاً بحق المتهمين الستة بعد قراءة أسمائهم واستغرب مـن وجـود متهم سابع متسائلاً من كاتـب ضبط المــحكمة (ها هذا شمسوي) اجابه سيدي هذا متهم بجريمة السلب ليلاً وهو يحمل سلاح ناري فما كان من رئيس المحكمة الا ان يجمع ما موجود من الأوراق والمستلزمات التي امامه وهو ينهض ويقول (هذا هم اعدام)، نعود الى اصل حكايتنا وما حل بالرجال الخمسة ومعهم (ج.ع) الذي ورطهم في هذا الموقف الصعب والمهلك حيث حدثني خالي (شيخ محمد رسول ) عند اطلاق سراحه وبراءته وعودته الى داره في أربيل عن ما قاساه و زملائه من قسوة واذلال تفوق الوصف وكان حذراً عند الحديث عن الفترة التي قضوها والبالغة خمسون يوماً من شهري تموز وآب عام (1977) وتأكيده بانهم بلغوا عند اطلاق سراحهم بعدم التحدث للآخرين ولأقرب الناس اليهم عن مجريات التحقيق وتفاصيل الحياة اليومية وكيفية التعامل معهم من قبل إدارة الهيئة والمحكمة و محقيقها وفي حالة تسرب اية معلومات سيعرضون انفسهم لأشد العقاب والمسائلة القاسية وقد اعذر من أنذر ولزيادة الفائدة انقل لكم ما حدثني به المرحوم خالي (شيخ محمد رسول خليفاني) عن أوضاعهم وما جرى معهم لا يمكن ان انسىٰ ذلك حيث يقول – منذ لحظة وصولنا الى الهيئة التحقيقية في كركوك استقبلنا استقبالاً حاراً من قبل مجموعة من العاملين فيه بالاعتداء علينا بالأيدي والأرجل والعصي والأنابيب المطاطية السميكة والضرب في مختلف أجزاء اجسامنا دون استثناء لقد كانت هجمة شرسة وعنيفة مع استعمال الألفاظ الواطئة التي لا تليق بمن تربي في عائلة شريفة و محترمة وقد اوصلنا هذا الاستقبال المفاجئ غير المتوقع الى قمة الشعور بالمهانة والأذلال في حين أوصل هؤلاء الوحوش الى قمة التلذذ بتعذيبنا والاستمتاع بصراخنا وتوسلاتنا وزادوا في شدة العنف عند مرور أحد الضباط بالقرب منا وهو يضحك على ما نحن فيه ويردد حيل بهذوله الخونة المجرمين ولوما مريض جان جيت عاونتكم وكأنه يشعر بالأسف لعدم استطاعته مشاركة هذه الحفنة من المجرمين عديمي الضمير بسبب مرضه لكان عاونهم على الاثم والعدوان يضيف خالي وبعد الانتهاء من مراسم الاستقبال تم ايداعنا في احدىٰ غرف المعتقل التي كانت مكتظة بالمعتقلين وكنا فرحين لتخلصنا من الضربات الموجعة والكلام البذيء الا اننا تفاجئنا بجو الغرفة الذي لا يطاق حيث الهواء الحار الرطب (البوخه) لكون الغرفة كانت بدون شبابيك ومظلمة وحجمها ( (4x5)واصبح عدد المودعين فيها اكثر من خمسين شخصاً على كل حال استقبلنا من قبل المعتقلين وتعاونوا معنا لإيجاد مكان لجلوسنا بين الاشباح يا له من موقف ومنظر يجعلك نادماً على قدومك لهذه الدنيا البائسة المليئة بالوحوش البشرية، الا ان قدومك لست مخيراً فيه كما يقول الشاعر عمر الخيام:-
لبستُ ثوب العيش لـم أُسْتَشَـرْ... وحـرت فـيه بـيـن شتّـى الفكـر
وسوف أنضو الثوب عني ولـم... أدركْ لمـاذا جئـتُ أيـن المفـر
لم نكن نرىٰ بعضنا البعض بشكل واضح وكانت حرارة جو الغرفة شديدة انستنا آلام التعذيب وجميعنا يتصبب عرقاً ونصحونا بترك ملابسنا والبقاء بالملابس الداخلية فقط وكانت أرضية الغرفة رطبة من كثرة العرق المنساب من أجساد المعتقلين، لا ادري كيف امضيت تلك الليلة بعد ان حشرت نفسي بين زملائي وانشغالنا بالتعارف الحذر وأوضاع الهيئة وأسباب جلبنا الى هذا المكان وفي صباح اليوم التالي فتحت باب الغرفة واطل علينا احد الجنود وهو يضرب الباب بعصا غليظة يحملها معه ويصيح يلا ... وهو يسب ويشتم طلعوا للمرافق الصحية وخرجنا ونحن نتدافع ونسرع مع من سبقونا في هذا المكان وعصي الجلاوزة والاشرار تنهال علينا من كل صوب، قضينا هذه الفترة القصيرة من اعمارنا في هذا المعتقل وكانه دهر من الزمان وهنا لابد ان اشير الى حالات يشعر فيها احد المعتقلين بصعوبة التنفس ويستنجد بمن حوله لإيصاله قرب باب الغرفة ليستنشق قليلا من الهواء المتسرب من تحت بابها وبعد أيام من مكوثنا في هـذا المعتـقل شـعرنا بسوء الحالة الصحية لزميلنا (ملا إبراهيم) حيث كان يشكو من وضعه الصحي المتدهور ويتنبأ بقرب نهايته ويردد الآيات القرآنية وكان مستلقياً على ظهره وهو متقدم في العمر وذو بنية ضعيفة استمر في لفظ الادعية ويطلب منا نقل وصيته الى اهله اذا كتبت النجاة لنا او لاحدنا، كنا نحثه على رفع معنوياته وعدم الاستسلام لهذه الهواجس واستمرت حالته في السوء وتوقف عن النطق وبعدها عن التنفس واسلم الروح الى باريها بكينا عليه وشاركنا بقية من في الغرفة ونهض احدهم واخذ يطرق الباب من الداخل بكل قوة ولعدة مرات لحين حضور الحرس وفتح احدهم الشباك الصغير في اعلى الباب وهو يصيح ( ها شبيكم تخبلتم ) واخبر بأن احد المعتقلين قد فارق الحياة فرد قائلاً (جوزوا من هاي السوالف والله اذا ما ميت شوفوا شراح اسوي بيكم) فتحـت البـاب ودخـل ثلاثـة جـنود وهـم يحملـون العصي واستفسـروا (ها وين الميت؟) أشـرنا اليه فانهالوا عليـه بكـل قـوة بالضرب بالعصي وهـم يـرددون ( ها كاكا تريد تقشمرنا حتى انطلعك بره) ونحن نحلف لهم بأغلظ الايمان بأنه ميت، على كل حال تم اخراج جثة زميلنا من الغرفة ونحن نترحم عليه وندعو من الباري عزوجل أن يغفر له ويسكنه فسيح جناته وينتقم من هؤلاء الاوباش الرعاع الانذال الذين تسببوا في ازهاق روح هذا الشيخ البريء الطاعن في السن بتهمة باطلة لا علاقة له بها لا من قريب ولا من بعيد وهنا لابد أن نشير الى القول المنسوب لرئيس النظام السابق(صدام حسين) حيث يقول (اللي يموت بالتحقيق ماله قيمة)، كانت اعترافات المتهم (ج.ع) على نفسه والمذكورين مفادها كونهم في مفرزة وخلية حزبية ضمن تنظيمات الحزب الديمقراطي الكردستاني والذي كان مقره الرئيسي في ايران وانهم يعملون سوية في مجال الكسب الحزبي ونشر تعليمات الحزب بين الجماهير وجمع الاشتراكات منهم وارسالها بيد احد الأشخاص الى المقر الرئيسي والعجيب في امر هذا الرجل تأكيده على هذه المعلومات بالرغم من رفضنا القاطع لكل ماورد فيها بالإضافة الى تأكيدنا عدم معرفتنا به وليست لنا اية علاقة معه ومن اي نوع، بقينا على موقفنا ولم نعترف ومصرينا على الانكار والذي كان يتخلله بعض حالات اليأس وعدم تحمل العذاب وتفضيل الاعتراف والموت على هذا الجحيم والعذاب القاسي، تمت إحالتنا الى المحكمة الخاصة التي كانت تقع في نفس البناية بدون اية ادلة سوىٰ الاعترافات التي ادلىٰ بها (ج.ع) ضدنا وبطبيعة الحال علىٰ نفسه وفي يوم المحاكمة حاولت هيئة المحكمة الضغط علينا من اجل الاعتراف بما نسب الينا من تهم باطلة يضيف خالي ...بأن رئيس المحكمة الخاصة كان يطلب منا عدم إطالة جلسة المحكمة بدون مبرر لأن الاعترافات التي ادلىٰ بها (ج.ع) واضحة في بيان دور كل واحد منا في هذه القضية والانكار لا يفيد مع تأكيد (ج.ع) على صدق ما أفاد به وكان إصراره هذا محل دهشتنا وخوفنا على مصيرنا في هذه المحكمة الصورية التي لا ترحم، وجاءتني فكرة كانت سببا في خلاصنا من هذه المحنة من خلال توجيه بعض الأسئلة للمتهم عن طريق رئيس المحكمة وعدم استطاعته الإجابة عليها بشكل صحيح لكون افادته بالأصل ملفقة ولا أساس لها من الصحة وكان السؤال الأول –
سيادة رئيس المحكمة (ج.ع) يدعي بأنه وجماعتي كنا نتنقل بسيارتي الخاصة فهل بإمكانه أن يعطي للمحكمة مواصفات هذه السيارة ونوعها؟
وعندما طلب رئيس المحكمة من المتهم الإجابة على سؤالي كانت اجابته وهو يسخر من سؤالي ويجيب: السيد رئيس المحكمة سيارته من نوع فولگا.وعندها انشرح صدري من هذه الإجابة الخاطئة وقلت لرئيس المحكمة – انني لا املك سيارة فولگا بل سيارة من نوع بيجو وقد بعت سيارة الفولگا قبل عامين هذه الإجابة التي كانت في صالحي شجعتني على توجيه سؤال آخر لرئيس المحكمة عندما طلبت منه أن يستفسر من المذكور عن عنوان و مكان داري التي كان يدعي في افادته بأننا كنا نعقد فيها اجتماعاتنا الحزبية ولما طلب رئيس المحكمة منه الإجابة، أجاب ساخراً أيضا وهل هذا سؤال من لا يعرف دارك اين تقع، دارك في ناحية خليفان ، شكرت الله عزوجل على هذه الإجابة ايضاً وقلت لرئيس المحكمة ان داري في مركز محافظة أربيل وقد تركت السكن في ناحية خليفان منذ عام (1975) ونحن الآن في عام (1977)، هذه الاستفسارات والاجوبة شجعت زميلي (حسن ناصر) ليوجه سؤالاً للمتهم معنا(ج.ع) بواسطة رئيس المحكمة ويستفسر عن محل سكنه الذي كانت تعقد فيه الاجتماعات السياسية في بعض المرات، وكانت إجابة المذكور هذه المرة سهلة لكون مسكن زميلي يقع في قضاء شقلاوه أصلاً ولم يتغير، فأجاب على الفور... مسكنه في شقلاوة وهنا انتبه رئيس المحكمة من هذا السؤال ومن هذه الإجابة فطلب من المتهم وصف دار المذكور من الخارج ومن الداخل والعلامات الدالة عليه ولم يستطيع ذلك واقتنعت المحكمة بعدم صحة الاعترافات التي ادلىٰ بها المذكور ضدنا واعلن رئيسها قرار الحكم الذي تضمن الافراج عنا جميعاً والحكم بإعدام (ج.ع) والذي كـان واقفا بجانبي فـي قفص الاتهام فهمست في اذنه قائلاً ( هاي الردتها شـوف اشسـويت بينـا وبنفسك) وأجـاب سـاخراً ايضـاً (ولا يهمك هذا القرار وهذا... أشار الى احد أعضاء جسمه بيديه المكبلتين) ، وتم اطلاق سراح الجميع وعادوا الى أهلهم وذويهم بعد خلاصهم من الموت المحقق الذي كان من نصيب(ج.ع) حيث نفذ حكم الإعدام بحقه بذلك طوت فصول هذه الحكاية الحزينة المؤلمة واخيراً قد يتبادر الى ذهن القارئ الكريم الذي التمس منه العذر في اطالتي عن كيفية اختيار (ج.ع) لهؤلاء الرجال الخمسة و توريطهم معه فهو لا علاقة له بهم والمذكورين كانت تربطهم بوالده (ع) علاقة صداقة قديمة من خلال هذه العلاقة كانت لديه معلومات كافية عن وضعهم الاجتماعي والمالي وعلاقاتهم المتميزة والتي كانت سبباً في وقوع اختياره عليهم، وهكذا ونحن نشرف على نهاية رواية هذه الواقعة المأساوية ونتساءل يا ترىٰ كم هي الوقائع المماثلة والتي راح ضحيتها الألاف من أبناء الشعب العراقي والكردي بشكل خاص على يد نخبة مختارة من أبناء الشوارع والساقطين والمهوسين بالعنف والدموية والأجرام والمخولين من اعلى سلطة في التجاوز على حرمة وكرامة وهيبة الناس من خلال التفنن في تعذيبهم والتلذذ بمعاناتهم لعقدة النقص التي يشعرون بها في شخصياتهم واصولهم المتدنية، منذ انشاء هذه الدولة (العراق) في عام (1921) وعلى أسس خاطئة وبرامج ظاهرها الانفتاح والمساواة والعدالة والحرية وباطنها الصراع والعنف والظلم والاستغلال، هذا الوطن الجريح الذي لا يلتئم جرحه رغم مرور السنين وتبدل القائمين في ادارته وقيادته وتناوب دوري الظالم والمظلوم يا للعجب فقد يكون الكثير من الذين مارسوا التعذيب والاضطهاد في ظل ذلك النظام ولازالوا مستمرين يمارسونه وحسب خبرتهم في ظل النظام اللاحق وموقعهم فيه بعد تغير ولائهم وفي بعض الحالات يتم تبادل الأدوار حيث يصبح المعذِب مُعذباً، وفي الختام التمس الدعاء من الله جلت قدرته ان يضع نهاية سعيدة للشعب العراقي الذي ذاق ذرعاً بما هو فيه من وضع سيء غاية السوء من تفشي الفساد والاستغلال وان يهدي فرقاء العملية السياسية الى طريق الحق والوئام والتفاهم والتخلي عن حالات التناحر والعناد بعد ان قرروا ان لا يتفقوا حتى ضمن المكون الواحد رغم المخاطر التي تهدد مستقبل العراق وشعبه.
929 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع