الأستاذ الدكتور
صلاح رشيد الصالحي
تخصص: تاريخ قديم
ختم من العهد البابلي الحديث (١٠٠٠-٥٣٩) ق.م رموز الآلهة (الهلال) و(الكلب)
وصف الختم: طبعة ختم أسطواني قديم: رجل في حالة صلاة أمام مذبحين مزينين بالرموز الإلهية في بلاد الرافدين، يعود للعصر البابلي الحديث حوالي (1000-539) ق.م، صنع من حجر اللازورد الأزرق، الأبعاد: (3.9X 1.8) سم، عثر عليه في جنوب العراق في وقت ما بين عامي (1885) و (1908) ميلادي، (من مقتنيات The Morgan Library and Museum)
يقف رجل أمام مذبحين، ويداه مرفوعتان في بادرة عبادة، فالذراعين مرفوعين في إيماءة صلاة وهي معروفة جيدا في فن بلاد الرافدين كما نفعل نحن الان عند الدعاء أو قراءة (سورة الفاتحة) حيث نرفع اليدين إلى الأعلى (حيث السماء)، وفي حالة الغضب يؤشر على الأرض بمعنى (الموت)، وقد تم تزيين الختم:
1- المذبح الأول: يظهر الهلال أحد أشكال القمر، وهو رمز إله القمر (سين) (Sin)، وكتب اسم هذا الإله في الكتابات السومرية بصيغة (dEN.ZU)، وعبد في جميع حضارات الشرق الأدنى القديم بما فيها مناطق البادية والصحراء حيث يوفر الضوء والطمأنينة للنفس، وعبده الآراميون باسم الإله مرلح (Mrlh) أو مرلاحي (Marilahe)، لذا وصف بـ(الرب الإله) وكان سين الإله الحامي لمدينة حران (حاليا في جنوب تركيا)، وفي الحالة الاعتيادية فأن إله القمر عند الآراميين يدعى شهر (Šahar)، وعبد في شبه جزيرة سيناء ولذا فان اسمها مشتق من (سين) كما يعتقد، وعبد المعينيون في اليمن القمر باسم (ود) ويعني (الاب) و(الودود)، أو (الحنون)، وفي القرآن الآية :( فمن شهد منكم الشهر فليصمه)، والشهر هنا هو الهلال، وباللغات السامية الشهر يعني إله القمر في حالة هلال، وهناك اوصاف كثيرة للإله (سين) في النصوص العراقية القديمة فهو(السيد ومسؤول الآلهة والملك)، و (السيد ذي الكلمة الثابتة)، و(إله جميع الالهة)، و(إله السماء العالي)، و(سيد العرش)، وايضا (الشفوق)، و (العطوف الرحيم)، و(سين الرحمة)، و(الاب المليء بالطيبة)، و(الاب الرحيم العطوف الذي يمسك بيده حياة البلاد كلها)...الخ، وعدت مدينة اور السومرية في جنوب العراق مركزا لعابدة الإله (سين) (ننار) الذي كان الإله الحامي للمدينة، ولذلك شيد له معبدا في هذه المدنية باسم (E-kisugal) كما شيد له معابد في مدينة حران (في تركيا)، وبابل، ونفر... وغيرها، كما اقيمت له زقورة في مدينة مدينة أور (Ur) لازالت اثارها باقية، فعندما يهبط الإله سين من السماء يستريح في اعلى الزقورة ثم يباشر عمله في رعاية الملك والناس، وكان لكل إله في حضارة العراق القديم رقم خاص به، ولهذا خصص له رقم (30).
2- المذبح الثاني: يظهر في الختم صورة كلب (بالأكدية kalbu كلبُ كما هو باللغة العربية)، وهو الحيوان المقدس والمفضل ورمز الإلهة كولا (Gula)، ومعنى اسمها (العظيمة)، وكانت معروفة باسم (الأم العظيمة)، و (الأم كولا)، و (سيدة الحياة)، و (ميمي) (Meme)، و (التي تفهم المرض)، فهي ابنة الإله آنو (An / Anu) (إله السماء)، وفي بعض الاحيان يوصف الكلب بانه (كلب كولا)، وإن لم يكـن دائما، ويكتب (كالبوم شا كولا) dka-al-bu-um ša dgu-la))، وهناك إشارة نصية من العهد البابلي الحديث حول (لمس( (كلب كولا) من قبل شخص ما لغرض التنقية والتطهير: (إذا لمس شخص ما كلب كولا، فهو نظيف مرة أخرى)، عموما اعتبرت كولا إلهة الشفاء وراعية الأطباء، وكانت مفضلة ومبجلة في مدينة إيسن البابلية (Isin) (شمال شرق مدينة البطحاء أحد اقضية محافظة القادسية)، والملاحظ ان من السمات الشائعة لهذه المعتقدات القديمة هي إسناد قوة الشفاء إلى الكلب الذي يلعق، يؤكد الباحث (Fuhr) أن رائحة تقيح الجروح تجذب الكلاب، لأن هذا الحيوان هو المنظف بطبيعته فمن عادة الكلب دفن الطعام ربما لتناوله لاحقا، عندما يكون فاسدا، وهذا أمر معروف جيدا، ويشير النص من العهد البابلي الحديث إلى حقيقة أن الكلاب تأكل الجثث كما في النص الآتي: (ما تبقى من الجثث التي لم تأكلها الكلاب والخنازير أنا اخرجتها من بابل، وكوثه، وسـﭘار).
ان الكلاب لها القدرة على هضم اللحوم الفاسدة لأن لديها أحماض في المعدة قوية بما يكفي لقتل البكتيريا، والأمر الأكثر إثارة للاهتمام هو أنه قد ثبت أن بعض المكونات الموجودة في فم الكلب مثل (α-globuline) و (lysozyme) و (leukozythen)، فعالة ضد الجراثيم فتؤدي إلى شفاء الجروح، لذلك فمن المحتمل أن يكون القدماء على علم بهذا التأثير من عمل الكلب عندما يلعق جراحهم، على الرغم من أن الأدلة من بلاد الرافدين لا تشير صراحة إلى سبب إبقاء الكلاب في المعبد وعلاقتها بإلهة الشفاء، فقد اعتبر بأنهم (رسل) للإلهة كولا، ونن-يسينا (Ninisina) وهما يجسدان قدرة الشفاء الإلهي، يمكن أن يكون ارتباط الكلب بهذه القوة مستمدا من عادة الحيوان في لعقه، والذي ربما يكون أحيانا قد شفى جروح المريض عن طريق التخلص من مصدر العدوى، ومن المثير للاهتمام أن الكلاب لها القدرة على اكتشاف بعض الأورام السرطانية، كما ورد في المجلة الطبية البريطانية.
على اية حال بقي سطح الختم خالي من التفاصيل أو الزخرفة، تاركا فراغا لذا ينصب انتباه المرء على المصلي وتقواه وصلاته وإخلاصه للآلهة (سين و كولا)، لقد عثر على الختم في جنوب العراق لكن لا نعرف الافق الثقافي له، ومكان العثور علية، وإلى أي طبقة اثرية يعود الختم حتى يستدل على تاريخه تحديدا، ومع هذا من المحتمل أصل الختم من مدينة اور وما جاورها، ولم ينقش اسم صاحب الختم، أو اسم الملك، أوعملة كما تعودنا في الأختام الاخرى، لذا اعتقد ان الختم تميمة يعلق بخيط جلدي حول الرقبة أو يعلق على الملابس بمشبك ليحفظ حامله من الأمراض ويكون تحت رعاية الإلهين هما (سين و كولا).
1361 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع