اسماعيل مصطفى
ما الذي يحتاجه الإنسان؟
لا شكّ أن حاجيات الإنسان لا يمكن حصرها بعدد معين لكثرتها وتنوعها واختلافها حسب الظروف ووفق تبايناتها المكانية والزمانية خصوصاً إذا ما أخذنا بنظر الاعتبار سعة الآفاق التي تشملها هذه الظروف في مختلف المجالات، لكن ما نريد تسليط الضوء عليه في هذه المقالة المقتضبة هو ضرورة نشر العدالة لاعتقادنا بأهمية ذلك في كافّة الأوساط صغيرة كانت أم كبيرة وفردية كانت أم اجتماعية.
قبل الولوج في التفاصيل لابدّ من الاشارة إلى العدالة بمفهومها الواسع والتي تعني بالدرجة الأولى اعطاء كل ذي حقّ حقه وتوزيع الثروات بين أفراد المجتمع الواحد بهدف تحقيق الأمن والسكينة والطمأنينة والاستقرار في شتّى الميادين.
كما لابدّ من التذكير ببعض ما ورد من النصوص المعتبرة من خلال تصفح الآيات القرآنية والاحاديث والحكم الصادرة عن العظماء في مختلف أرجاء المعمورة؛ فعلى سبيل المثال نجد أن الله سبحانه يخاطب نبيه داود (عليه السلام) وكما ورد في القرآن الكريم بالقول “فاحكم بين الناس بالحق “ أيّ احكم بالعدل. أو كما ورد عن نبي الاسلام محمد (ص) “إن العدل أساس الملك”. أمّا في الأمم الأخرى فقد ورد عن الحكيم والفيلسوف الصيني "كونفوشيوس ”قوله في هذا الصدد "العدالة تصلح أن تكون أساساً جيداً وهدفاً صالحاً لتحقيق حياة طيبة في آن واحد”. وورد في المثل التركي أنّ "العدالة تمثل نصف الدين"،
وغير ذلك الكثير من الأقوال التي تدعم ما أشرنا اليه بأهيمة وضرورة تطبيق العدالة.
وأنا أعتقد أنه لا قيمة لأيّ دين أو عقيدة أو أيديولوجية أو مواد قانونية لا تنجح في تلبية شروط تحقيق العدالة، أيّ بمعنى آخر يمكن القول إن الدين هو العدالة بحد ذاتها وإذا امتنع تحقق الأخيرة يصبح الدين عندها مجرد طقوس وشعائر لا تنهض بأهم حاجة معنوية للإنسان المتمثلة برغبته الشديدة في الحصول على حقوقه كاملة غير منقوصة في إطار نظام قيمي عادل يقف على رأسه أناس يتمتعون بصفات أخلاقية عالية جداً تمكنهم من الوصول إلى هذا المبتغى الإنساني النبيل.
ونعتقد أيضاً أن جلّ المشاكل والمصائب والأزمات التي يعاني منها الفرد والجماعة على حدّ سواء ناجمة في معظمها من انعدام العدالة في إجراء القوانين وتوزيع الثروات وما يتصل بهما من نتائج غاية في الأهمية يمكن أن تتبلور في صور مختلفة من البهجة والسرور والطمأنية وراحة البال وهي صور لا يمكن أن تتحقق وتترجم على أرض الواقع ما لم تولى العدالة أهمية قصوى تليق بكرامة الإنسان وحقّه المشروع في العيش دون الاحساس بالظلم والحيف والغبن الذي ينجم غالباً عن غياب العدالة في المجتمع.
ما نريد أن نقوله على وجه التحديد ومن أجل وضع حدّ معقول للمآسي والكوارث التي نجمت عن تسلط الظالمين على مقدرات الكثير من الأمم والشعوب أن تحقق العدالة يكمن فقط في التحلّي بالضمير الواعي والوجدان الإنساني الرفيع الذي يدعو كل إنسان إلى أن يأخذ دوره الطبيعي في توسيع رقعة العدالة في المجتمع، إذ لا خلاص لأيّ أمة أو شعب أو مجتمع من الظلم والتعسف إلّا بتغليب لغة المنطق والحقّ لتعلو على أيّ لغة أخرى حتى وإن تلبست باسم القانون، فالحقّ أحقّ أن يتبع.
ونختم مقالنا بمقولة للامام علي (عليه السلام) يقول فيها “إنّ الحقّ لا يبطله شيء ولا يبطله تقادم الزمان” وفي هذا إشارة مهمة إلى أن العدالة لا يمكن أن تتحقق إلّا باعطاء الحقوق إلى أهلها وعدم التحجج بأيّ ذريعة من قبيل أن الوقت قد مضى، ولهذ يصرّ ذوو التخصص في مجال الحقوق على ضرورة إضافة بند "الأثر الرجعي” لاستيفاء جميع الحقوق حتى وإن مضى عليها قرن من الزمان أو أكثر في أيّ ميدان من ميادين الحياة.
811 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع