جابر الخيرالله
مؤشرات تقدم المجتمعات .. وأين نحن من الأمم ؟
بكل بساطة هناك مؤشرات ثلاث لقياس تقدم المجتمعات.
أولها : العلاقة بين رجل القانون والمجتمع، حينما يحترمه المجتمع ويبادلهم هذا الاحترام، فهذا يعني أن القانون يعمل بجد وان الناس على درجة من الوعي أنه يمثل مصالحهم بوظيفة حفظ النظام.
وبمقارنة بسيطة بين هذا الاحترام المتبادل لرجل الشرطة في عهود سبقت حكومات الانقلابيين في العراق وبين ما هو عليه الحال الآن ، سنعرف حالنا وإلى أين تتجه الأمور .
شرطي واحد برتبة عريف خيّال، مركبه حصان يجول فيه القرى والأرياف يفرض إرادة القانون، يخشاه الشيخ والفلاح على حد سواء، وحتى حصانه ينعم بالرفاه والاحترام لأن من يمتطيه رجل قانون ......
اليوم اضحى كل شئ بالمقلوب، فالناس تحتمي بعشائرها ولاتثق بالدولة والقانون، في دولة شعارها القانون، لا قانون ولاهيبة لرجل القانون ولا كرامة لرجال لايحميهم القانون فتنازلوا عن تطبيقه.
ثانيها: لا أحد فوق المسائلة ......
الناس سواسية كأسنان المشط، قول قديم سمعناه كثيراً وهو أحد أبرز معايير التقييم، يغيب هذا المبدأ في دولة الاستبداد ويحضر بقوة في الدولة المدنيّة الديمقراطية، الدولة التي لا يكون فيها الحاكم ممثلاً عن الله أو الرسول أو الأئمة الأطهار ولايساء للدين بسوء سلوكهم.
في الدول المتقدمة يقف الناس أمام العدالة بلا حصانة ملكية أو أميرية أو دينية أو عشائرية، غنيهم كفقيرهم وقويهم كضعيفهم، لافرق بين مالك وأجير، ولن يناديك القاضي ياذمي إذا كنت مسيحياً او صابئياً أو أيزيدياً، ولن يسألك دفعت الجزية أم لا، ولو وجدوا سبيلاً لذلك سيسمُعونها صريحة لإخوتكم من المسيحين والصابئة، وبالفم الملآن من أدعياء النهج في دولة الخلافة في حلمهم المزعوم، في الدولة المدنية ستقفون أمام العدالة بأقدام متساوية.
ثالثها : النقد ......
لا شئ فوق النقد والمراجعة، لا قيود ولاحدود على الفكر والتفكر، كل هالة القداسة التي يحيطون بها أنفسهم أوهاماً تصدقها الشعوب البريئة تحت المسميّات الدينية، وان قدّموا شيئاً فلا يعدو كونه عملاً انسانياً يخضع لمقايس عصره، ليس فوق النقد مطلقاً، قداسة النص الآلهي يجب أن لاتنسحب على فهمهم للنص، النص شئ وفهمهم شئ آخر، وَهَم القداسة والسماحة والسيادة والمعالي ترفع في نفوس طالبيها شحنة الغرور فيتصورون أنفسهم فوق حد النقد .
في الدول المتقدمة يتخاطبون فيما بينهم بأسمائهم المجردة، لا القاب علمية ولادينية ولاسياسية تسبق أسمائهم ولن يقدموا ايديهم سبيلاً للقُبل والتبرك ولم اسمع ان أحدهم وصف بصاقه دواءً للمغفلين او دعاهم للتبرك بتراب مقدمه الشريف حينما يعود من رحلة سياحة زار بها عرضاً قبراً لقدّيس لايعرف عنه أدنى شئ سوى أنه كان من الصالحين!!!
للمتأمل والمتطلع لحياة تحياها الأمم والشعوب التي ترفل بالكرامة والأمن والأمان والتي ضمنت مستقبلاً مشرقاً لاجيالها القادمة، لامناص ولا خيار إلا بالأخذ بشروط النهضة التي جوهرها العقل والفكر والتفكر والابتعاد عن الغيبيات والروزخونيات واحاديث الملايات والتراث الذي لم ينفع أصحابه ولا تابعيهم ...... وعلينا أن نتجاوز روح العصبية التي تنحدر للقبلية على حساب المواطنة التي تجمع ولا تفرق.
علينا جميعاً ان نتطلع دائماً لنظم معرفية جديدة وعلاقات اجتماعية واقتصادية ثبتت فاعليتها في السير بالمجتمع نحو مجتمعات الرفاهية، لا يمكننا ان نتخلى عن تاريخنا، هذا صحيح، ولكن يجب ان لا يكون هو معيارنا المعرفي، نحن بحاجة لقطيعة معرفية مع التراث وبما فيه التراث العشائري والديني على حد سواء والنظر للمستقبل وفق رؤى معرفيّة جديدة و لايمكن أعادة التجارب المجتمعية او العشائرية او الدينية التي ثبت فشلها.
تطورت المفاهيم وانتقلت البشرية عبر تاريخها من الاسرة الى العشيرة الى القبيلة الى الشعب.
إسألوا وتسائلوا أين مصلحتكم؟
الشعب الواحد تجمعه روح المواطنة لا العشيرة ولا القبيلة ولا النسب..... العصبية القبيلة كالعصبية الدينية تورث شقاقاً ونزاعاً في المجتمعات.
الشعب مجموعة من الذوات المتعددة المتميز بعضها عن بعض، تجمعها علاقات واعية، وتربطها المصالح المشتركة التي يعبر عنها بالمنظومة التشريعية والقانونية، على أرض هي المجال الحيوي تسمى الوطن، وينظم العلاقات بينها سلطة تسمى الدولة، سيطرتها تشمل حدود الوطن.
يحفظكم اللّه ويرعاكم .
1672 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع