ولاء سعيد السامرائي
الشارع العراقي ينتفض من جديد
منذ الصباح الباكر ليوم الأربعاء، هبط الآلاف العراقيين الغاضبين بشدة من سكنة بغداد ومن كل المحافظات وبالأخص من مدينة الناصرية والسماوة وغيرها الى الشارع وهم يرفعون صور شهداء ثورة تشرين مطالبين رئيس الوزراء محمد شياع السوداني بخفض الدولار الأمريكي الذي وصل سعره الى 165 الف دينار عراقي بينما كان سعره بحدود 140 الف دينار قبل تشكيل الحكومة الحالية و 125 الف دينار قبل حكومة الكاظمي، مما أدى الى اضطراب الأسواق المحلية التي رفعت الأسعار بشكل قاسي أثر على المواطن العراقي ومائدته الغذائية بمختلف شرائحه المتوسطة والفقيرة التي تسحق اكثر واكثر في هذا التلاعب المستمر منذ سنوات، بينما ساد الكساد وانحسار كبير للبيع والشراء بين التجار الذين التحقوا هم أيضا بهذه التظاهرات. وهتف المتظاهرون من امام مبنى البنك المركزي بشعارات مثل " نزّل الدولار، هاي ثورة الجياع " و " كل الشعب مفجوع والناس اخذها الجوع " وعبر شباب وعمال وموظفين عن ألمهم وسخطهم وغضبهم عن عدم قدرة الحكومات المتعاقبة منذ عشرين عاما على إدارة الدولة وتقديم الخدمات الأساسية لشعب بلد هو من اغنى بلدان المنطقة وترك ملايين العراقيين دون عمل ولا دخول في معاناة لا تنتهي بسبب انعدام الحلول للمشاكل المتراكمة. قبل نهاية فترة المائة يوم على وزارة حكومة السوداني، فهم العراقيون خارطة طريقه التي رسمت من قبل قادة الإطار التنسيقي الولائي وتوجهاتها لخدمة المصالح الإيرانية أولا وقبل كل شيء ، فقد سبقت هذه التظاهرات هتافات ضج بها ملعب النخلة في البصرة اثناء مباراة كأس خليجي 25 في البصرة بهتاف "نزّل الدولار" رافقت دخول السوداني الى الملعب واستمرت تتردد بقوة من المشجعين وتحولت الى تقييم شعبي صارخ لبداية عمل حكومته بينما صدحت الحناجر بهتاف للمدرب واللاعب ووزير الشباب السابق عدنان درجال الجالس بقربه لنجاحة بتنظيم المباراة الخليجية! ليس ذلك فحسب. بل ان اقالة السوداني لمدير البنك المركزي العراقي بعد اجتماع عقد في "بيت" هادي العامري بحضور قادة الاطار الولائي دون الالتزام بالدستور الذي ينص على تصويت البرلمان لتعيين مدير البنك المركزي، تم تعيين علي العلاق المقرب من المالكي بديلا له ، مما استفز العراقيين بقوة خاصة ان هذا الشخص سبق له ان شغل هذا المنصب وهو مجرّب سابقا، اذ لا ينسى تندر العراقيون على تبريره اختفاء سبعة مليارات دينار من البنك المركزي بسبب الامطار عام 2018. ينتظر الذين سرقت دخولهم وتردت احوالهم المعيشية وتوقفت اشغالهم واعمالهم وتجارتهم حلولا من حكومة السوداني ويريدون اجراءات فعلية وحقيقية ضد قوائم الفساد المعروفة بالأشخاص والميليشيات التابعة للأحزاب التي تسرق المال العام وخزينة الدولة وتتقاسمها مع إيران، بل تقوم بأكثر من ذلك وبمعرفة الحكومة، اذ تزّور وتستنسخ العملة العراقية لتشتري بها الدولار وتهربها بنفس الاتجاه، يطرح البنك المركزي يوميا 250 مليون دولار للبيع يشتري معظمها هؤلاء لتهريبها لوجهتهم المفضلة، اما حصصهم فيقومون بتحويلها الى دول أخرى مثل الامارات او تركيا او غيرها من الدول. ان إجراءات الفدرالي الأمريكي بإيقاف التعامل مع ستة عشر بنكا عراقيا ولائيا وتقليل مبالغ الدولار التي يسلمها شهريا للعراق وتطبيق نظام سويفت الالكتروني التابع للبنك الفدرالي الذي يكشف وجهة التحويلات ويرفضها في حال حدوث شك فيها هي مناسبة وفرصة للسوداني لمعالجة ازمة صعود الدولار وإيجاد حلول تخدم المواطنين وتستجيب لمعاناتهم الا ان ما قام به من إقالة مدير البنك المركزي ومدير بنك التجارة ما هو الا أوامر إيرانية واضحة للعيان للاستمرار بحلب العراق وسرقة أمواله وليس اجراء من قبل السوداني ولا من حكومته لمعالجة ازمة صعود سعر صرف الدولار لخدمة المواطن العراقي، انه قرار بتدوير نفس الأشخاص الذين يخدمون المصالح الإيرانية في العراق ويسهلون حصولها على العملة الصعبة واختراق جديد للعقوبات وإجراءات الخزانة الامريكية التي استهدفت بنوك ومنافذ تهريب الدولار وقللت وصول نسبة كبيرة من الدولار المهرب الى طهران وفقا للعقوبات الامريكية.
لا يعالج رئيس الوزراء محمد شياع السوداني بمثل هذه التعينات لا الفساد الذي وعد بمحاربته ولا تهريب الأموال عبر المافيات ولا السيطرة على المنافذ الحدودية المفتوحة لكافة أنواع التهريب. كما انه لا يمس الشخصيات التي تملك سيولة نقدية بالمليارات لا تملكها حتى الدولة اليوم ولم يقرر استعادة المليارات التي سرقت عبر قروض وهمية مرتبطة بزعامات سياسية معروفة. بل ان جل ما قامت به حكومته هو القاء القبض على صغار الأشخاص الذين يهربون الدينار العراقي لذر الرماد في العيون مثل الفديو الذي بث من بعض القنوات بنفس يوم التظاهرات عن توقيف شخصين متهمين بتهريب 200 مليون دينار عراقي الى شمال العراق وهو مبلغ ضئيل مقارنة بسرقة وتهريب المليارات التي تقوم بها الميليشيات والساسة واتباعهم بدليل ما حدث في سرقة القرن التي وصلت سرقاتها الى مليارات الدولارات وكشفت عن شبكة أسماء واسعة من كبار الموظفين ومن ورائهم من ساسة الأحزاب الإسلامية كان المفروض اعتقالها مع صاحب السرقة، لكن المفاجأة ان الحكومة قد اطلقت سراح اللص وانه أعاد للدولة مبلغا قليلا من مجمل السرقة دون استعادة كامل ما سرقه هو وأصدقائه من المتنفذين وهذا ما دفع المتظاهرين برفع لافتات كتب عليها "السياسيون هم المغطون للفساد المصرفي وشركات التحويل". اما الحل اليتيم الذي اتى به علي العلاق مدير البنك المركزي المعين فهو فتح نافذة جديدة لبيع العملة الأجنبية لصغار التجار المتضررين عبر المصرف العراقي للتجارة كمبادرة للتخفيف عن "شريحة" محدودة من المتضررين!
ان حكومة لا يمكنها السيطرة الفعلية على تهريب الدولار ولا على منافذ البلد الكثيرة المفتوحة مع الدول المجاورة ولا على تحويلات بنكها المركزي ولا استعادة ملياراتها المنهوبة، هي حكومة لا تعالج الازمة بل تلف وتدور حولها ، انها تؤجل حل المشاكل بترقيعات مؤقتة كما فعلت مع السلة الغذائية التي اقترحها رئيس الوزراء مؤخرا والتي ستشمل كما قال خمسة ملايين عراقي يعيشون تحت خط الفقر وسيزيد العدد الى عشرة ملايين، ورغم أهمية هذه السلة للمواطنين الا انها فقيرة بعدد محتوياتها الغذائية المقدمة ولا تسد حاجة المواطن وتظهر بؤس التعامل مع العراقي ومدى الهوة بين سياسي المنطقة الخضراء والشعب. في حين قام السوداني بإنشاء هيئة للإعمار والبناء تابعة للحشد الولائي وخصص ميزانية ضخمة من بضعة مليارات لتقوم بالهيمنة الكاملة على مشاريع الاستثمار والبناء في العراق وتكون بابا جديدا لنهب أموال العراق وقطع الطريق على عمل أي مستثمر عراقي، معتبرا ذلك إنجازا كبيرا لحكومته!
لقد انكشفت حكومة السوداني وهي بعد لم تكمل المائة يوم من تشكيلها بانها حكومة لا تختلف عن حكومات الاحتلال السابقة وإنها تسير على نفس نهج سابقاتها ولن تخرج ابدا عن عباءة الولي الفقيه. كما في الامس اثناء ثورة تشرين، اليوم ،من جديد ، خرج العراقيون بالآلاف من بغداد الى البصرة يطالبون بوطن وبحكومة عراقية قوية تنهض بالعراق وتعيد بنائه في مجالات الصناعة والزراعة والتجارة وليس حكومة تهريب وتزوير وولاء كامل للأجنبي.
26/1/2023
1638 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع