من غرائب مدمني التدخين

الدكتور محمود الحاج قاسم محمد

من غرائب مدمني التدخين

 بعد إنتهاء ندوة تثقيفية حول أضرار التدخين الصحية جلس الدكتور المحاضر في جلسة إستراحة لتناول الشاي مع بعض المدعوين ، اللذين كانوا من مستويات ثقافية مختلفة . . . دار الحديث حول مسألة الإدمان على التدخين وكيف أن بعضهم مع مرور السنين يصبح أسيراً لهذه العادة . وعلى الرغم من معرفة الجميع بأضرارها يقوم البعض بأعمال غريبة ومضحكة في سبيل تحقيق مبتغاه .
قال أحدهم : كان والدي من المدمنين على التدخين منذ باكورة حياته ، فقد كان جدي رحمه الله يعتبر التدخين من مكملات الرجولة ، فكان يشجعه على التدخين ويتباهى أمام أصدقائه أن ولده اعتاد التدخين وهو في سن خمس سنوات . وبمرور السنين أصبحت السيجارة جزاً لا تتجزأ من حياته طيلة نهاره وبعضاً من ليله ، حيث كان يستيقظ قلقاً ولا يهدأ له بال حتى يدخن سيجارة أو اثنتين يعود بعدها للنوم .
بقي الوالد على تلك الحال أكثر من خمسين سنة دون أن يشتكي من مرض . لم يدخل غرفة طبيب طيلة هذه السنين ، وعندما كان أحدهم يذكر أضرار التدخين على الصحة يضحك بملء شدقيه ، قائلاً كيف أصدقك يا هذا وأنا أمامك دليل واقعي وشاهد على خلاف ما تقول .
وتمادى الوالد في هوايته دون هوادة ، حتى شعر يوماً على حين غفلة بألم شديد في صدره ، جعله يركض إلى أقرب طبيب قلب ، أعطاه ما خفف ألمه وأخبره بأنه مصاب بذبحة صدرية ، وأن ذلك إنذار بوجوب ترك التدخين ، وأنه أصبح مرشحاً للجلطة القلبية وأن الجرة سوف لن تسلم في كل مرة .
عاد إلى البيت محبطاً وفي نفسه قرار بعدم تطبيق نصيحة الطبيب والاستمرار على التدخين ، ولكن بعد توسلات أمه وإخوته انصاع الوالد وعزم على ترك التدخين .
وبعد حين من الدهر زالت أعراض الذبحة ولم تتكرر وتحسنت صحته ، وأطمأن الجميع على صحة الوالد وظنوا أن عادة التدخين قد ولت من والدهم وإلى الأبد . . . ولكن هيهات فإن حنينه للسيجارة كان عارماً لم يتغير ، ففي يوم من الأيام بينما كان هو في غرفته إذا به يلاحظ والده يتسلل خفية إلى شرفة المنزل ، وبعد أن يتلفت يمنة ويسرى ينحني ويلتقط من زاوية في الشرفة عقب سيجارة ويشعلها بتستر ويخفي رأسه وراء العمود ويمصها بنشوة مصاً شديداً . أخذ يراقب والده كلما ذهب إلى الشرفة دون أن يشعره ، وإذا بالوالد يكرر ذلك كل يوم ولعدة مرات ، تأثر الولد من ذلك المنظر وقرر مع نفسه أن يقدم العون له دون علم والدته أو إخوته الكبار ، وحتى دون علم الوالد نفسه . فكان كل يوم يأخذ من علبة أخيه الكبير سيجارة يقسمها ويرميها دون علم أحد في الركن الذي اعتاد الوالد فيه التدخين على غفلة من الجميع ، وعندما يعثر على قصاصات السجاير يتناولها بفرح غامر ويدخنها فتنفتح أساريره ويستأنس بها ، ويفرح هو بفرح والده ، ولم يكن لعقله وهو ابن العاشرة أن يسمح له التمييز بين النافع والضار ليعلم أنه يقدم لوالده مع كل ابتسامة جرعة قليلة من السم القاتل .
ومضت الأيام سراعاً ، نفد صبر الوالد من التدخين سراً ، وتحدى الجميع وأخذ يجهر بالتدخين وعادت حليمة لعادتها القديمة وبشكل أشد وأعنف ، تكررت عليه نوبات الذبحة . . بعدها أصيب بجلطة في القلب كانت القاضية رحمه الله .
. . .
وما أن إنتهى المتحدث حتى بدأ الأستاذ يحيى يحكي حكاية صديقه الأستاذ نذير مدير المدرسة التي يدرس فيها ، فقال : كان الأستاذ نذير من المدخنين المفرطين ،حتى أنه عندما أصيب بنوبة قلبية وأدخل شعبة العناية المركزة ، كان يتوسل بالزائرين أن يعطوه ولو سيجارة واحدة ، وعندما كان يحصل عليها كان يدخنها على حين غفلة من الأطباء والممرضين وبطريقة مضحكة ، حيث كان يرفع قناع الأوكسجين من فيه ليدخن ثم يعيد القناع .
وكلما مضت الأيام والشهور كنا نلاحظ تدهور صحته ، وكانت زياراته للأطباء في زيادة ، وكلما نصحة طبيب بضرورة ترك التدخين ، كان يزداد إصراراً ويتمادى في غيه ويزيد من عدد السكاير التي يدخنها يومياً وكأنه يعاقب نفسه الأمارة بالسوء ، أصيب على أثرها بعدد من الأمراض ، تصلب الشرايين ، ارتفاع ضغط جلطات متكررة وأخيراً لم يمهله الأجل قضى وهو في ريعان الشباب من جلطة دماغية رحمه الله .
. . .
وتذكر ثالث قصة جاره الطيب فقال: جارنا أبوعبد الذي كان قد تناول سيكارته الأولى في عمر سبع سنوات و أدمن علي التدخين بمرور السنين. . عند بلوغه الخمسين من العمر بدأت اعراض هذا الوباء في الظهور نوبات سعال مزعج . . صعوبة وضيق في التنفس . راجع العديد من الأطباء الذين أجمعوا على أن التدخين هو الجاني وعليه اليوم قبل الغد الإقلاع عن هذه العادة المضرة .
بقي ابوعبد يخادع نفسه بأن التدخين ليس سبب مرضه ويشعر بسعادة عندما يقوم بذلك .
وبعد أن يئس من العلاجات التي لم تجد نفعاً رضخ لكلام الأطباء وترك التدخين على مضض .
مضت الأيام . . تحسنت صحته . . زال السعال وأعتدل تنفسه . . وصار ينام نوماً هنيئاً . .
ولكن أنى لصاحب العادة ترك عادته . . فكان دائماً في شوق وحنين للتدخين .
قام صاحبنا يستجدي من الأصدقاء والأقربين كل يوم سيكارة . . ولما كان الجميع يعرفون أن الأطباء قد منعوه من التدخين كانوا يرفضون . . وعندما كانت توسلاته لاتجدي ويصرون على عدم تلبية طلبه ، كان يحاول الجلوس قرب من يدخن ويرجوه أن يقوم بوضعها في فمه ويمص مصة قوية وينفخ الدخان في اتجاهه ليقوم هو بشم الدخان .
صعب عليه أمر الاستجداء والتوسل للحصول على نفخة دخان . . أعلن العصيان وعاد إلى ما كان عليه . . عادت أعراض مرضه وبشكل أشد . . أخذ له صورة شعاعية للصدر . . تبين إصابته بسرطان الرئة الذي يمهله كثيراً .
. . .
بعد ذلك بدأ الرابع برواية ما في جعبته من غرائب مدمني التدخين. . فقال ما سأرويه لكم أغرب من كل ما ذكرتم إلا أن ما سأذكره لا يمت بإنسان وإنما بحيوان .
قال حماد الأعرابي المثقف : قد لا تصدقون أنه من المكن أن يكون بين الحيوانات مدمناً على التدخين ، إلا أنني أجزم على إمكانية حدوث ذلك وإليكم ما يؤكد ذلك .
في أحد مواسم ربيع الموصل الجميلة كنت قد دعوت عدداً من الأصدقاء ، وكان الجميع من المدخنين المفرطين وبعد أن وزعت السكاير على الضيوف وتصاعد الدخان إذا بنا بحوار صغير ترك الحضيرة التي كان فيها مع أمه وأقرانه وجاء وتربع على مقربة منا ، وكان بين الفينة والأخرى يمد رأسه بيننا دقائق ثم يجره ، وعندما فض الجمع وقام بعضهم مودعين وفي أيديهم بقايا سكاير تدخن ، قام الحوار بمتابعتهم ممداً أنفه تجاه الدخان الصاعد من سكايرهم ، وكلما حاولوا الإبتعاد زاد قرباً منهم ، ولم يكف عن ملاحقتهم حتى اقتربت وأخذت أدخن وأنفخ في أنفه الدخان . . وبعد أن أستنشق ما يكفيه إنتعش وترك الضيوف وراح يعدو نحو أمه ورفاقه . .
وكنت وقد لاحظت ذلك مراراً عندما كنت أدخن أجده دائماً بقربي يمد رأسه جهة الدخان ، وبعد أن أنتهي من التدخين يتركني منتشياً ويذهب قرب أمه . ويبدو أنني كنت سبب إدمانه على التدخين ، حيث أنني بعد ولادته في الشتاء ولمدة أشهر كنت دائماً أبقيه قربي حفظاً له من البرد وحرصاً عليه . . وبمرور الأيام إعتاد شم دخان السكاير التي كنت أدخنها فأصبح مدمناً على ذلك .

  

إذاعة وتلفزيون‏



أفلام من الذاكرة

الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

754 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع