بقلم أحمد فخري
قصة قصيرة /معجزات حقيقية -معجزة رقم 1 المعطف الاحمر
تبدأ قصتي اليوم في شتاء 1963 حين كنت في التاسعة من عمري ,اسكن في بغداد ببيتنا الواسع ذو الحديقة الكبيرة الواسعة بمنطقة الكرادة الشرقية. اما اخي الاكبر سمير رحمه الله فكان يسكن بمنطقة اليرموك البعيدة نسبياً ولديه ولدين الاكبر يدعى دريد رحمه الله والذي كان اصغر مني بثلاث سنوات.
في احدى ايام الشتاء البارد اتصل بي دريد هاتفياً وقال انه يريد ان يأتي لزيارتنا ويبيت عندنا يوماً كاملاً ليرجع بعدها الى بيته باليوم الموالي. فرحت بذلك الخبر كثيراً وكنت امل ان اقضي معه اوقاتاً ملؤها اللهو واللعب. باليوم التالي اوصله اخي الى عندنا وقت الظهيرة فتناولنا وجبة الغداء سويةً ثم قررنا اللعب بالحديقة بعدها الا ان ما حدث لم يكن في الحسبان. دخل علينا الطفل ابن الجيران محمد الذي كان بنفس مستوى اعمارنا وكان ينوي اللعب معنا. الا انني في ذلك اليوم كنت قد قطعت علاقتي الدبلماسية مع محمد لاسباب طفولية لا اذكرها (تزاعلنا). لذلك امتعضت وقررت ان لا اخرج للحديقة والعب معهما بل آثرت البقاء بداخل البيت واللهو وحدي بغرفتي الخاصة بالطابق العلوي. بقي دريد ومحمد يلعبان في الحديقة طوال ذلك اليوم حتى المغرب حين حل الظلام وبعدها نادته والدتي كي يدخل البيت خوفاً عليه من الاصابة بمرض ما. لكنها انتبهت الى انه دخل دون معطفه فسألته،
الوالدة : اين معطفك يا حبيبي؟
دريد : لا اعلم يا جدتي.
الوالدة : انا اذكر انك جئت بمعطف صباح هذا اليوم فاين تركته؟
دريد : لا اعلم.
هنا شعرت الوالدة ان هناك مشكلة تتشكل في الافق. لان حفيدها جاء بمعطف والآن معطفه مفقود وهذا سيسبب لها احراجاً كبيراً إن عاد الى بيته في الغد من دون المعطف. لذا طلبت الوالدة من الجميع الخروج بظلمة الليل للبحث عن المعطف. هرعت اثنان من اخواتي الكبار بصحبة امي الى الحديقة يبحثون عن المعطف، اما انا فقررت ان لا اشارك بعملية البحث لانني كما اسلفت كنت قد قاطعت ابن اخي بسبب صحبته مع ابن جارنا محمد لذلك بقيت بداخل المنزل الهو والعب بغرفتي. لكنهم وبعد بحث حثيث وطويل لم يجدوا المعطف. لذلك قررت والدتي ان يواصلوا عملية البحث باليوم التالي في وضح النهار وإن لم يجدوه فسوف تشتري له معطفاً جديداً بدلاً عن المفقود.
بتلك الليلة اويت انا الى فراشي تمام العاشرة. وفي نومي حلمت انني خرجت مع اخوتي للبحث عن المعطف وقد وجدته محشوراً بين غصني شجرة النارنج الوحيدة في الحديقة. استيقظت في الصباح الباكر حوالي الثامنة او التاسعة صباحاً فانطلقت مسرعاً الى اعلى السلم وناديت على والدتي إذ قلت،
انا : يا امي انا اعرف اين المعطف.
الوالدة : واين هو يا احمد؟
انا : لقد حلمت ليلة البارحة ان المعطف محشوراً بين غصني شجرة النارنج.
الوالدة : ساذهب الآن لاتحقق من الامر.
خرجت والدتي الى الحديقة تحاول ان ترى إن كنت اقول الصدق فالاطفال عادة ما يكذبون لاسباب تافهة. لكنها عادت بعد دقائق تحمل بيدها معطفاً احمر وقالت لي،
الوالدة : لقد عثرت عليه. تعال الى الاسفل اريد ان اتحدث معك.
من نبرة صوتها علمت انها غاضبة لكنني لم افهم لماذا لم يعجبها الامر مع انني حليت المشكلة التي كانت تقلقها بالامس. المهم، نزلت الى الطابق السفلي واذا بها تشكل محكمة عسكرية للعبد الفقير لله إذ قالت،
الوالدة : كنت اشك انك انت من اخفيت المعطف البارحة لانك كنت غاضباً بسبب لعب دريد مع جارنا محمد. فلماذا فعلت ذلك يا ولدي؟ الا تعلم ان ذلك كان سيسبب مشكلة مخجلة مع زوجة اخيك؟
بالرغم من انني اقسمت لها بالله وبكل الانبياء انني لم اغادر غرفتي بتلك الليلة الا انها لم تصدقني وبقيت تعتقد ان الغيرة دفعتني لاذهب خلسة واخفي المعطف فوق شجرة النارنج.
بقيت اسرد هذه القصة للكثير من الاصدقاء بعد مرور سنين طويلة على تلك الحادثة الا ان احداً لم يجد لها اي تفسير منطقي فطويت تحت بند الاحداث الغريبة. وها انا اليوم اطرحها عليكم كاحدى المعجزات التي لم اجد لها تبريراً معقولاً.
...تمت...
1070 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع