عبد الرضا حمد جاسم
علي الوردي و الفتوحات الإسلامية/٢
يتبع ما قبله لطفاً
نعود الى موضوع لقاء ابن خلدون وتيمورلنك فهو يثير الشكوك فالروايات حوله ضعيفة ركيكة...واليكم احداها كنموذج (ابن خلدون وتيمورلنك / مالك ناصر درار/ الجزيرة السعودية/28/01/2008/ الرابط
http://www.al-jazirah.com/2008/20080128/rj5.htm
حيث ينقل الكاتب عن أبن خلدون التالي:[...وبلغني الخبر من جوف الليل، فخشيت الباردة على نفسي و بكرت سحراً الى جماعة القضاة عند الباب و طلبتُ الخروج أو التدلي من السور، فأبوا عليَّ أولاً، ثم أصخوا لي، و دلوني من السور ، فوجدت بطانة تيمورلنك عند الباب...فحييتهم و حيوني ، و قدموا لي مركوباً، أوصلني إليه، فلما وقفت بالباب خرج بالإذن فاستدعاني، و دخلت اليه بخيمة جلوسه متكئاً على مرفقه ، فلما دخلت عليه فاتحته بالسلام و أوميت إيماءة الخضوع، فرفع رأسه و مد يده إليّ فِقَّبَلْتُها، و أشار بالجلوس فجلست حيث انتهيت، ثم استدعى من بطانته الفقيه عبد الجبار بن النعمان، من فقهاء الحنفية بخوارزم ،فأقعده يترجم بيننا] انتهى.
مما ورد في هذا المقطع يمكن ان نتلمس الركاكة فيه، فهل يُعْقَلْ ما ورد او يُقْبَلْ؟؟
كيف عرفت بطانة تيمورلنك ان هذا شخص مهم؟
وكيف تواجدوا عند باب السور ولم يعلم بهم من كانوا داخل السور؟
وكيف تفاهم معهم ابن خلدون وبأي لغة؟ هل كان يتقن لغتهم وهو الذي احتاج الى مترجم عندما تكلم مع تيمورلنك كما ورد؟
ماذا عن القضاة الاخرين من اهل دمشق لماذا لم يتدلوا من السور معه و"يتشرفوا" بمقابلة تيمورلنك؟ وهل كان أبن خلدون بموقع يسمح له بالتفاوض مع تيمورلنك أو بإصدار الأوامر بالاستمرار في المعركة او التوقف وتوقيع الهدنة؟
ثم هل عاد ابن خلدون الى داخل السور ليبلغ القضاة او قادة المعركة او المقاتلين بما دار بينه وبين تيمورلنك؟ أين ذهب بعدها؟ هل عاد الى مصر؟ وكيف استقبل في مصر وهو بهذه الحالة أي بعد موقفه مع تيمورلنك؟
ثم أكمل صاحب المقالة بالتالي: [ويصف بن خلدون ما فعله تيمورلنك في المدينة وأهلها فيقول: ثم أطلق أيدي النهابة على بيوت المدينة، فاستوعبوا أناسيها وأمتعتها وأضرموا النار فيما بقي من سقط الاقمشة، فاتصلت النار بحيطان الدور المدعمة بالخشب، فلم تزل تتوقد إلى ان اتصلت بالجامع الأعظم، وارتفعت الى سقفه، فسال رصاصه وتهدمت سقفه وحوائطه، وكان أمراً بالغاً مبالغة في الشناعة والقبح] انتهى
هذا المقطع يظهر ان ابن خلدون قد وصف "التيمورلنكيين" بأقبح الاوصاف وأشنعها وليس كما يقول الوردي...ان صدقنا المقطع الأول علينا قبول هذا المقطع.
كما يبدوا أن بن خلدون ثَّبَتَ رأيه بالعرب بالشكل الذي يتماشى مع الرأي السائد في بلاد المغرب وبما يتماشى مع رغبة او رأي السلاطين حيث ان كُتُبْ ابن خلدون ليست بعيدة عن بلاط السلاطين كما يبدو... وأهدى نسخة منه الى السلطان أبو العباس سلطان تونس.
أن حشر اسم أبن خلدون في موضوع تيمورلنك واحتلاله للشام الغرض منه كما أتصور هو الطعن بأبن خلدون من قبل بعض القوم واتهامه بتسليم دمشق للغازي تيمورلنك. وليُبْعِدوا دور من تعاون مع تيمورلنك من رجال الدين العرب في الشام وقتها.
ثم يأتي الوردي في نفس الصفحة ليناقض نفسه حيث كتب التالي: [(*) الواقع ان العرب في جميع فتوحاتهم لم يقترفوا مثل هذه الفظائع والتخريب وقد شهدت لهم بعض الامم المفتوحة بأنهم كانوا ذوي شهامة ومرؤة غير قليلة. يبدوان الذي دفع ابن خلدون الى اعتبار العرب أكثر بداوة وتخريبا ووحشية من غيرهم سببان: اولهما: محاولة ابن خلدون للتقرب من تيمورلنك ونيل الحظوة عنده ولا ننسى ان ابن خلدون كان في سيرته انتهازيا فظيعا يود التقرب من الملوك وقد يقلب في سبيلهم الحق باطل. ثانيهما هوان ابن خلدون نشأ في بلاد المغرب وأدرك مدى التخريب الذي أحدثه فيها اجتياح القبائل العربية لها منذ عهد غير بعيد. وهذا هوما اشتهر في الاساطير الشعبية ب "تغريبة بني هلال "والظاهر أن المحيط الاجتماعي الذي عاش فيه أبن خلدون في المغرب كان مشحوناً مثالب تلك القبائل المخربة فتأثر أبن خلدون به على وجه من الوجوه. (*) ألواقع أن القبائل العربية قد خربت بلدان المغرب تخريباً فظيعاً ولكننا مع ذلك لا نستطيع ان نعد تخريبهم بمستوى تخريب المغول والتتر فقد كان هؤلاء وحوشاً سفاكين علاوة على كونهم مخربين فكانوا لا يكتفون بتخريب المدينة التي يفتحونها بل يعمدون الى قتل جميع سكانها...الخ] انتهى.
مناقشة هذا المقطع:
*أولاً: أتمنى الانتباه الى الجزء الأول والجزء الأخير من هذا المقطع ...تتصدر المقطعين كلمة "الواقع" والتي وضعتُ امامها علامة (*). أعتقد ان في المقطعين بعض تناقض. وارجو مقارنة المقطع كاملاً مع ما أوردناه في المقدمة أعلاه.
*ثانياً: هذا المقطع مهم جداً عليه أُجزئه لتسهل مناقشته، الى الأجزاء التالية:
1ـ ورد في المقطع: [الواقع ان العرب في جميع فتوحاتهم لم يقترفوا مثل هذه الفظائع والتخريب وقد شهدت لهم بعض الامم المفتوحة بأنهم كانوا ذوي شهامة ومرؤة غير قليلة...الخ] انتهى.
أناقش في هذا الجزء فقط عبارة:(شهدت لهم بعض الأمم المفتوحة بأنهم كانوا ذوي شهامة ومروءة غير قليلة).
بدأً لا أعرف معنى أو ما تعنيه هنا "شهامة ومروءة غير قليلة"...هل الشهامة والمروءة نسبية ايضاً؟ وهل هناك إمكانية لقياس او معرفة القليلة او الكثيرة منها؟ هذه "الشهامة والمروءة" كما شقيقاتها الذي كتبها الوردي أعلاه واقصد "الرقة والدماثة". ولمعرفة مقدارها أن كانت كثيرة أو قليلة ارجو العودة الى ما ورد.
ويعود الراحل الوردي هنا ليطلق الاحكام القاطعة والجازمة من خلال عبارة "في جميع فتوحاتهم...الخ". كيف له ان يجزم ويقطع بذلك والروايات متعددة حد التطرف فكلٌ ينقل من الزاوية التي يرى منها الحدث؟ وقد أشار الراحل الوردي الى ذلك كما ورد اعلاه حيث كتب التالي: (كلٌ ينظر في الأمور بمنظار مصلحته وينسى مصلحة الأخرين ولو نظرنا في الامر نظرة الإنسانية العامة لوجدنا الفتوح كلها ظالمة في نظر من تقع عليه) انتهى.
وهنا اطرح التالي: ان اكتمال فتح/احتلال بلاد فارس استغرق أكثر من (11) عام وفتح/احتلال بلاد الاندلس استغرق (15) عام...كيف قضاها الفاتحون...هل كانوا ينتجون ليأكلون...او كانوا يتزوجون على حب الله ليسدوا حاجاتهم...أم سكنوا الخيام في الصحار والطرقات...وكيف كانوا يطعمون أباعرهم وبغالهم وجيادهم...وما حجم غنائمهم التي ابكت عمر ابن الخطاب عندما وصلت اليه من بلاد فارس حسب ما نقل لنا الراحل الوردي؟ هل كل ممارساتهم كانت تتم وفق الدين أم البداوة؟
ومع ذلك نستأنس بإجابة الدكتور الوردي عن تلك الأمم التي شهدت للعرب. وكان جواباً غريباً حيث كتب في ص65 من دراسة في طبيعة المجتمع العراقي: [أشار المستشرق أدوارد براون، حين قارن بين الفتح المغولي لإيران وفتح العرب لها. يقول براون: لقد كان فتح العرب لإيران سبباً في كثير مما وقع فيها من دمار وخراب وعناء ولكن العرب كانوا على حد تعبير أعدائهم الاسبانيين "فرساناُ وأبطالاً يمتازون بكثير من الرقة والدماثة"] انتهى.
((ملاحظة: اكرر الرجاء بالتفضل للاطلاع على ما ورد في المقدمة أعلاه / ثانياً 1و2و3و4 ...للتعرف على "الدماثة والرقة" وعلى "الشهامة والمروءة")).
مثل هذه الاقوال تدفع للاستفسار عن العلاقة بين الاسبانيين وإيران؟
ولماذا يحشر الوردي هذا الرأي هنا؟
وكيف تتفق الدماثة والرقة مع "الدمار والخراب والعناء"؟
ربما لم يجد المستشرق أدوارد براون من يشهد لفاتحي بلاد فارس واكتفى بشهود اسبانيين اكيد عن فتح بلاد الاندلس الذي قدمنا له نماذج من تلك التي كتبها الراحل الوردي أم إن من فتحوا بلاد فارس يختلفون عمن فتح بلاد الاندلس؟
بلاد فارس "فُتحت" عام 644م وبلاد الاندلس "فُتحت" عام 726 أي الفرق بين "الفتحين" بحدود ثمانية عقود والمستشرق براون يتكلم بعد أكثر من 12 قرن على "فتح الاندلس" ولا نعرف أي الاسبانيين أولئك الذين قالوا هذا القول؟
ومع هذا فأن المستشرق أدوارد براون يقر بالتخريب والدمار الذي حصل في إيران على ايدي العرب ولكن الوردي يحاول ان يبرر ذلك بشكل غريب حين كتب يُفَسِرْ قول المستشرق بالتالي: [وقد خربوا كثيراً من إيران لكنهم جلبوا معهم كثيراً من الخير والنفع. وذلك على العكس مما فعله المغول في إيران وغيرها من الامصار] انتهى.
اسأل مرة أخرى وبتعجب وخارج ما نقلته عن الراحل الوردي في المقدمة اعلاه: أي "رقة" وأي "دماثة" وأي "شهامة" وأي "مروءة قليلة كانت او كثيرة" تلك التي تُنْتِجْ دمار وتخريب وعناء ونهب وسلب وسبي؟
وأي " كثيراً من الخير والنفع" ذلك الذي يأتي به "التخريب الفظيع" و "الدمار الكثير"؟
أعتقد ان الدكتور الوردي له الذكر الطيب كان يريد ان يُزَّين استنتاجه ويظهرهُ على الناس بأنه الادق والأصح والمُسند بشهادات وهو بذلك كما أعْتَقِدْ إما لم يُدركْ هذا نتيجة الاسترسال او يتعمده، وأنا اُرجح التَعَمُدْ وهذا موجود وملموس في الكثير مما ترك الراحل الوردي.
الراحل الوردي يحاول تفسير تلك ال (رقة، دماثة، شهامة، مروءة) فيما كتبه بهذا الخصوص في ص67 /دراسة في طبيعة المجتمع العراقي التالي: [يبدوا لي أن هناك عاملين تعاونا على جعل العرب أكثر رحمة في الفتوح من المغول: أحدهما هو العامل الديني الذي ذكرناه والأخر هو استفحال خصال المروءة في البداوة العربية منذ أيام الجاهلية. يمكن القول إن المروءة الشديدة التي كانت سائدة في الجيوش العربية أورثت فيهم استعداداً نفسيا للتأثر بما كان دعاة التعاليم الدينية يوصونهم به. لوكان هؤلاء الدعاة في الجيوش المغولية لما أنتجوا مثل هذا التأثير في أرجح الظن] انتهى
وأكمل في/ ص 67: [وهذا كان من العوامل التي جعلت الفتوحات العربية بانية للحضارة أكثر مما هي مخربة لها] انتهى.
مناقشة: انقل لكم مقطع واحد من المقدمة أعلاه لأرد على الراحل الوردي هنا: [في ص209 من كتاب وعاظ السلاطين /1954 كتب الراحل الوردي التالي: [يقول المؤرخون أن الجيش الاموي الفاتح عندما دخل المدينة بعد واقعة الحرة أباحها ثلاثة أيام "فأستعرض أهل المدينة بالسيف جزراً كما يجزر القصاب الغنم حتى ساخت الاقدام في الدم وقتل أبناء المهاجرين والأنصار] انتهى.
وفي ص 207 من نفس الكتاب كتبَ الراحل الوردي التالي: [[ومن أعجب المفارقات اننا نستبشع غزو تيمورلنك لبلادنا ونعده العن خلق الله. هذا ولكننا نمجد تلك الغزوات التي غزا بنو امية بها العالم واستعبدوا الشعوب وانتهكوا الحرمات]] انتهى.
لا يسعني إلا أن أقول: هذه هي "الرحمة" التي تكلم عنها الراحل الوردي ومعها "استفحال خصال المروءة منذ الجاهلية"! و"المروءة الشديدة التي كانت سائدة"! و"التأثر بما كان دعاة التعاليم الدينية يوصونهم به"!!هذا ما فعلوه باهليهم وذويهم فكيف كان فعلهم مع الغير البعيد المخالف أيها الوردي الكريم؟؟؟؟.
اليس من بين هؤلاء الدعاة الذين رافقوا جيوش الفتح الاسلامي بعض وعاظ السلاطين؟
1512 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع