حديث الامس

 

نادرة الحسامي

حديث الامس

يبدو اني احب الموسيقى ولو كان القدر ساعدني لربما كان لي باع بها , لا اعرف , عندما كنت طفلة لا تتعدى الأربع سنوات في روضة اسمها السعادة , كانت المشرفة تسمعنا موسيقى على الدربكة ونسر ونرقص قليلا , ما كنت لا اغني ولا ارقص , في بيت ابي ما سمعت امي تغني , ولكن لربما سمعت ابي يعزف على العود عندما كانت امي حامل بي , ولكن من المؤكد اني سمعت امي بمراحل عديدة بصوت جميل وحنون تغني الميجنا والعتابى وحنين الجبال وبلد المحبوب ورمانك يا حبيبي, وانا ما كدت انطق واتكلم القليل حتى غنيت حموي يا مشمش , في المدرسة أحببت صوت الة الاكسيل فون وتعرفت على والمول ديكا والأكورديون .

ومن يتولد عنده حس الاستماع فهو ذواق للصوت،كما هو ذواق للنغم , فانا اسر جدا بالصوت ونبرته ويجذبني سماعه ومن خلالها اتفهم شخصية محدثي , فصوتنا هو أيضا هويتنا , يعبر عن دواخلنا وعن مراحل الحياة التي مررنا بها , فهناك الصوت الطفولي والصوت الحاد , والصوت الاجش , والصوت المخملي والصوت الصادر من الشفه والأخر من القلب .وفي كثير من الأحيان لا استطيع متابعة شخص اذا كان صوته يصعب علي تذوقه , ولا ينسجم مع حديثه وشخصيته فهو يخرش الإحساس بداخلي , وكثيرا ما اهرب من هكذا أصوات , لأنه يعكس الما وتاريخا وشخصية .

في طفولتي سمعت أصواتا جميلة تغني وصداها تردده الجبال وغناها صادق من القلب , فها هو عازف العود يردد " بردى بردالي بردى " وصوته يرتجف إحساسا بما يغني لمحبوبته , لا اذكر ان أحدا طلب من الاخر ان يسمعه لحنا او صوتا , ولكن الموقف كان يتطلب الجواب بأغنية تناسب الموقف والمشاعر , ولا ننسى ان للطبيعة دور في جلاء الأصوات , وللصدق والعفوية دور في انطلاق النفس في التعبير دون كبت او وجل .

والدي كان يحسن سماع الموسيقى وتزوقها جدا , ولا غرابة فقد نشا في بيت والدته تعزف وتغني بأجمل الالحان كعادة بنات الزمن الماضي , حاول ابي تعلم العزف على العود وما زالت دفاتره بارق الالحان واعزبها ماثلة امام عيني, وكان عضوا في دوحة الميماس, ولكني لم اسمعه يوما يغني , فالغناء انطلاق الروح ودلالها وأين هذا الانطلاق في تربية مكبوته تخشى الغناء , وبقي حبيس نفسه ومشاعره, وكان يقول عن تجربته من لا يغني لا ينجح بالعزف, في بيتنا كان المذياع لا يتوقف ,استمتاعا وهربا من الصمت وتباعاته , ونشات وتربيت على سماع الموسيقى والغناء , وقد وجدت عديد الكتيبات الصغيرة التي فيها كلمات الأغاني منها لام كلثوم عبد الحليم وعبد الوهاب وصباح وكثيرا ما كنت اتابع كلمات الاغنية وهي تغنى , وكم أحببت نجاة في فتوتي انا بستناك , وكنت اطلبها وسواها عندما نكون بمقصف عبارة , واغاني ام كلثوم شمس الأصيل وسواها واغانيها الشهرية وحتى الان لا انسى اغنية هذه ليلتي ..

كنت اغني عندما أكون لوحدي , او اغني مترافقا مع غناء المطربة , وقد اغني في الحمام , وذلك لأننا تربينا ان لا نظهر عواطفنا ومشاعرنا التي تشعل البريق في العيون وتسارع في دقات القلب , ولا ان نردد كلمات قد يفهمها الاخر انها تعبر عن ذاتنا والحالة التي نحن عليها , فعلينا ان نخفي كل هذا , واظهاره يعني حرية وانفتاح متقدم في ذلك الزمان , له تبعات حديث وسؤال , وبقيت على هذا الإحساس الى زمن متقدم لا ادري الى متى, لا اغني امام والدي منفردة ولكني اغني جماعة , ولكن هل تختفي المعاني بالغناء الجماعي ابدا , كنت أفاجئ الجميع بأداء واحساس خاص .

29. 12. 2022 جنيف

نادرة الحسامي

أطفال الگاردينيا

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

1038 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع