نزار جاف
قاسم سليماني.. رمز وتعريف
يضعنا الکاتب الياباني"هاروکي موراکامي"، في روايته الرائعة"کافکا على الشاطئ"، أمام مراجعة وتمحيص ملح لتقييم علاقاتنا مع الآخرين عندما يقول في مقطع مشحون بدراما نوعية وکأنه يضعك أمام ملاحظة غير عادية لاتنتبه إليها کما يجب: " عليك أن تتقبل أن بعض البشر سيحتلون مكانا في قلبك إلى اﻷبد دون أن يكون لهم مكان في حياتك"، ولاريب إن موراکامي هنا يتحدث عن نماذج تجذبك إليها وشائج من مشاعر لايمکن أن تمنحها لأي کان!
هذا المقطع الذي أعتبره قمة وذروة ماجاء في هذه الرواية، أوحت إلي أيضا بأن هناك أيضا البعض ممن يحفرون في ذاکرتك مکانا لکم رغم إنك ليس لاتنجذب إليهم فقط بل وحتى ترفضهم وتکرههم، وهٶلاء بطبيعة الحال في الذاکرة وليس في القلب، والذاکرة تحمل في ثناياها کل الامور ولکن بعضها لايمکن نسيانه أو تجاهله بسهولة وهنا لا أتحدث عن طغاة التأريخ لأننا لم نعاصرهم بل إن حديثي عن الذين عاصرناهم، نظير قاسم سليماني، القائد السابق لفيلق القدس، ذراع الارهاب الخارجي لجهاز الحرس الثوري الايراني أو بالاحرى جهاز ومدرسة الارهاب للنظام الايراني.
في ذکرى قتل قاسم سليماني من قبل الولايات المتحدة الامريکية، حيث تمت تصفيته في ال3 من يناير 2020، وفي خضم الاهتمام غير العادي للنظام الايراني بذکرى مقتله، يتبادر للذهن سٶالا مفاده سبب وسر هذا الاهتمام الاستثنائي ولماذا خطط هذا النظام لسلسلة من الاحتفالات المدروسة والمتقنة بذکرى مقتله لمدة عشرة أيام إعتبارا من 29 ديسمبر2022، ولغاية 8 يناير 2023؟ بطبيعة الحال، أقصر إجابة وافية لهذا السٶال هو: لأن قاسم سليماني کان تجسيدا للنظام الايراني في کل مافعله وقام به، بل وحتى إنه قد أصبح بمثابة رمز وتعريف للنظام!
في کل بلد، هناك نماذج تغدو کذلك البعض الذي إستوقفنا عندهم الکاتب الياباني موراکامي، في المقطع الذي ذکرناه آنفا، وهذا البعض يقدمون مايمکن وصفه بخدمات إنسانية نبيلة لايمکن نسيانها وخصوص في أوقات صعبة، ومع إنه لايجري أي إحتفال کإحياء وتخليدا لذکراهم، لکنهم مع ذلك يبقون کرموز حية شاخصة في القلوب والعقول والذاکرة، لکن اليوم، عندما يقوم النظام الايراني بإحياء ذکرى مقتله في إيران وتبادر أذرعه في العراق وسوريا ولبنان واليمن للإحتفاء بتلك الذکرى، فإن السٶال الذي يطرح نفسه هو؛ مالذي قدمه سليماني لشعوب إيران والعراق وسوريا ولبنان واليمن حتى يجري الاحتفاء بذکرى مقتله؟! خصوصا وإن النظام الايراني قد حشد للإحتفال بهذه الذکرى في خضم أکثر إنتفاضة شعبية مندلعة ضده منذ 16 سبتمبر2022، ولحد الان، هذه الانتفاضة التي قتل خلالها أکثر من 70 طفلا وبسبب من ذلك فإن الشعب الايراني أطلق على هذا النظام مصطلح"نظام قاتل الاطفال"، ومن المثير للسخرية في هذه الاحتفالات"المفتعلة من ألفها الى يائها"، دفع مجاميع من طلاب المدارس للمشارکة في مسرحيات وعروض يبدو من الواضح جدا إن هدفها التغطية على جرائم قتل الاطفال، ونفس الشئ بالنسبة لجلبه النساء للإحتفاء بهذه الذکرى والمثير للتهکم إنه قد تم تخصيص اليوم الاخير من هذه الاحتفالات الصورية في 8 يناير، الذي يصادف الذکرى الثالثة لإسقاط الطائرة المدنية الاوکرانية من قبل الحرس الثوري والقتل المتعمد ل176 من رکابها، وذلك من أجل منع عقد الاحتجاجات المحتملة بهذا الصدد.
شعوب البلدان الخاضعة لنفوذ النظام الايراني، أي العراق"يجري في العراق التخطيط لترکيب صورة کبيرة لسليماني في ملعب البصرة عشية دورة کأس الخليج من أجل إجبار الفرق الرياضية تقديم عروض الاحترام لهذا الرجل" ولبنان وسوريا واليمن، بشکل خاص وبلدان المنطقة بشکل عام، لاتحمل أي ذکرى حميدة عن سليماني، بل إنه رمز لعمليات القتل والتصفية والاغتيالات وعمليات التغيير الديموغرافية القسرية وجرف البساتين وتهديم الاحياء والبيوت، بل وحتى إن هذه الذکرى لاتحمل أي قيمة إعتبارية لدى الشعب الايراني نفسه، والدليل هو إنه وعشية العديد من الاحتجاجات الشعبية والانتفاضات وبشکل خاص خلال الانتفاضة الحالية، يتم حرق صور ولافتات لقاسم سليماني، وهو مايدل على إن الشعب الايراني لايشعر بأية عاطفة أو رابطة إيجابية مع هذا الرجل وذکراه بل إنه قد کان ولايزال مصدر شٶم يبعث على أسوء المشاعر السلبية.
2962 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع