بقلم/الأستاذ الدكتور
صلاح رشيد الصالحي
تخصص: تاريخ قديم
بغداد 2022
ختم اسطواني للمسؤول الخصي كيدين- مردوخ وجد في طيبة باليونان
ختم اسطواني يعود إلى المسؤول الخصي كيدين-مردوخ (Kidin-Marduk) من عهد الدولة الكاشية، عثر عليه في طيبة (Thebes) في (اليونان).
صنع الختم الأسطواني من حجر اللازورد الأزرق (Lapis Lazuli) (الأبعاد: الأرتفاع (4.2) سم، قطر الختم (1.5) سم)، وهو أحد الأختام الأسطوانية المشهورة من الشرق الأدنى القديم، ويؤرخ إلى أواخر عصر البرونز، عثر عليه في (غرفة الكنز) (Treasury Room) في القصر الميسيني (Mycenaean) في طيبة (Thebes) في اقليم بويوتيا (Boeotia)، وتقع المدينة في سط اليونان، وقد لعبت دورا مهما في الأساطير اليونانية، كموقع لقصص قدموس (Cadmus)، وأوديب (Cedipus)، وديونيسوس (Dionysus)، وهيراكليس (Heracles) وغيرها، فقد كشفت الحفريات الأثرية في مدينة طيبة اليونانية وما حولها عن مستوطنة ميسينية ضمت ألواح طينية كتبت بالخط (B)، مما يشير إلى أهمية الموقع في عصر البرونز، وقد احترقت المدينة في أواخر العصر الهلادي الثالث حوالي (1550-1050) ق.م، وأحيانا يطلق على هذا العصر اسم (العصر الميسيني).
نحت السطح المنحني للختم الأسطواني بالكامل بمشهد ديني، مع نقش بالخط المسماري، حيث يظهر شكل إله عملاق ملتحي يرتدي قبعة مقرنه، وثوب طويل بدون أكمام مع حزام في الخصر، وهناك زخرفة تزين الثوب من الكتف حتى الحزام، أما الدوائر على قمة الجبلين وفي الأسفل فهي ترمز للاشجار، ويقف الإله بين جبلين يكسوهما أشجار الغابات، ويحمل الإله مزهريتين يتدفق منهما نهري دجلة والفرات وكلاهما يصبان في مزهريتين موضوعتين في الزوايا السفلية من المشهد، وتم تفسير هذا الختم الجميل على أنه الإله آيا (Ea) (بالسومري انكي) الذي عرف عنه بانه إله المياه والأنهار، ولكن بعض الباحثين يرى انه الإله مردوخ (Marduk) حامي مدينة بابل، ويعود طراز الختم إلى العصر الكاشي (Kaššite) نقش عليه كتابة مسمارية سمح من خلالها معرفة مالك الختم بانه كيدين-مردوخ (Kidin-Marduk) وهو المسؤول الخصي في خدمة بورنابورياش الثاني (Burna-Buriaš) (1359-1333) ق.م الملك الكاشي، ابن الملك كدشمان-انليل الأول وتسلسله (19) من ملوك سلالة بابل الثالثة الكاشية، وترجم النقش الأكدي على الختم: (كيدين- مردوخ، ابن شا-إيليما-دامقا (Sha-ilimma-damqa) مسؤول شا ريشي (ša rēši) لدى بورنابورياش، ملك العالم).
ناقش المتخصصون منذ فترة طويلة ما إذا كان شا ريشي (ša rēši) (مفرد)، وشوت ريشي (šut rēši) (جمع) بمعنى (الخصي)، وحرفيا تعني تسمية شا ريش (ša rēši) (هو الرأس) و (lú.sag/ša rēši) بمعنى (خصي القصر)، ويعتقد بعض الباحثين ان (lú sag) مصطلح سومري وشا ريش هم فئة من الرجال الذين يتولون مناصب سياسية، ولهذا شا ريش تعني (هو الرأس)، ومن ثم فهو مصطلح سومري قديم أطلق على (الخادم الشخصي)، وكان الخصيان يعملون كمسؤولين في القصور السومرية والبابلية والاشورية فيما بعد، ويكون ولائهم للملك حصرا فقد شغلوا مناصب عدة منها منصب تورتانُ (turtānu) (جنرال في الجيش) ومنصب حاكم اقليم.
كما ورد في النقش الأكدي لقب (ملك العالم) شار كيشاتي (šar kiššati)، ونحن نعرف بان الملك بورنابورياش الثاني حمل عدة القاب منها (ملك بابل)، و (ملك سومر وأكد)، ومرة واحدة استعمل اللقب شار كيشاتي (šar kiššati) (ملك العالم) كما هو مذكور في الختم، وعلى العموم يملك المسؤول الخصي كيدين-مردوخ (Kidin-Marduk) ختم آخر من نفس الطراز الكاشي، ويبدو انه استخدم كلا الختمين في وقت واحد.
ان جميع الاختام المكتشفة في مدينة طيبة (Thebes) تعود للقرن الرابع عشر ق.م، وكان الملك بورنابورياش الثاني المنقوش اسمه على الختم الأسطواني المكتشف في قصر طيبة في اليونان اعتبر أمر غريب لبعد المسافة بين بابل وطيبة، ولكن تعتقد الباحثة Porada)) أن الأختام الكاشية وعددها (12) ختم اسطواني والتي عثر عليهم في طيبة (Thebes) أرسلها بورنابورياش الثاني إلى ملك طيبة بهدف إقامة نوع من الشراكة السياسية أو التجارية بين الدولتين، وارسال الملك الكاشي الأختام الاسطوانية الكاشية هي بمثابة هدية ملكية، وتشير المصادر بأن بورنابورياش الثاني كان ملكا ذكيا وسياسيا حاذقا فقد اتبع سياسة حكيمة في ابعاد مملكته عن الفتن، وعدم زجها في حروب لا تعود عليه بالفائدة، كما كان من البناة فقد شيد معبد للإله شمش في مدينة لارسا (Larsa) (محافظة ذي قار في جنوب العراق)، وجدد بناء المعبد الملك البابلي نبونائيد بعد مضي (800) عام، ثم عقد مصاهرات مع جيرانه الملوك فقد أرسل إحدى بناته للزواج من اوتاش-نابيريشا (Untash-Napirisha) ملك عيلام (حاليا في إيران)، وابنته الثانية زوجة إلى شوبيلوليوما الأول (Šuppiluliuma) الملك الحثي (1344-1322) ق.م (المملكة الحثية في بلاد الاناضول عاصمتها حاتوشا) وتدعى مالنيكال (Malnigal)، وبعد وفاة الملك الحثي، استمرت الملكة البابلية في العيش خلال عهود ابناء زوجها أرنواندا الثاني Arnuwanda))، ومورشيلي الثاني Muršili))، ولا بد وأن أرسل بورنابورياش الثاني هدية ملكية مع ابنته الأميرة (مالنيكال)، والتي تضمنت بالتأكيد أشياء ثمينة أخرى مع مجوهرات من اللازورد الأزرق، وكان سبب هذه الهدية الخاصة من الأب كملك أولاً، ولأن اللازورد كان نادرا في بلاد الأناضول واعتبره الحثيون ثمينا جدا ثانيا، وتجدر الإشارة إلى أن بلاد الرافدين كانت لها الريادة في توزيع أحجاراللازورد الأزرق (Lapis Lazuli) في المناطق الغربية (بلاد الاناضول، ومصر، وبلاد الشام).
لهذا السبب تضمنت الهدايا الملكية الكاشية المذكورة في مراسلات تل العمارنة احجار اللازورد الأزرق، فقد أرسل بورنابورياش الثاني رسالة واحدة على الأقل إلى امنحتب الثالث (Amenhotep) فرعون مصر (الأسرة الثامنة عشر) وبرفقة الرسالة هدية أحجاراللازورد الأزرق على شكل خام، كما أرسل إلى الفرعون امنحتب الرابع (اخناتون) اللازورد الأزرق الخام، وربما ايضا إلى الفرعون توت-عنخ-آمون (Tutankhamun)، وسبق وان أرسل والده كادشمان- إنليل الأول (Kadašman-Enlil) الملك الكاشي احجار اللازورد الأزرق الخام إلى امنحتب الثالث، والملاحظ دائما يبعث الملوك الكاشيين اللازورد الأزرق بشكل خام، بعكس ملوك مملكة ميتاني (Mitanni) (1550-1260) ق.م (تقع شمال سوريا وجنوب شرق الاناضول عاصمتها واشكاني) يبعثون هداياهم إلى مصر بشكل مجوهرات وحلي، وحاليا الأختام المكتشفة في طيبة من مقتنيات المتحف الأثري في طيبة (Thebes) في اليونان.
3172 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع