قانون الطبيعة

                                                  

                      د يسر الغريسي حجازي
                       22.12.2022


قانون الطبيعة

"يجب علينا أن نتقبل الحقيقة وأن نعترف بها، لأنها السبيل الوحيد للاستمرار في الحياة. ان الكذب يملق غرور الانسان، ويمنحه أملً خيالي لينتهي به الأمر إلى تدمير نفسه والبيئة المحيطة به. الا ان الحياة أقصر من ان يتم تكريسها للأكاذيب، والتعاسة، والمعاناة. كما ان البشر بحاجة إلى ان يقول ويسمع الحقيقة. وبدون الحقيقة لا يمكن للإنسان ان يجد الراحة، ولا حتى ان ينعم بخيرات الكون. يمكن للإنسان ان يجد الرأفة والسعادة، إذا اراد الخير للأخرين. ويصون الله أبنائنا، عندما نشهد بحقيقة ما سمعناه وشاهدناه. وعكس ذلك صحيح، يسبب ان الكذب يسبب الألم للأخرين، ويضر بالاستقرار الاجتماعي واستمرارية الحياة. فهو بمثابة وباء، ينتشر بسرعة هائلة ويضر بصحة الإنسان وبيئته ".

هل الكذب مشكلة أخلاقية وهل يسمح لنا بالكذب؟ هل يمكن للكذب أن يحل مشكلة؟ لماذا يجب على الانسان ان يفضل الحق على الكذب؟ ويأتي في ميثاق حقوق الإنسان ان القانون يعاقب على عدم قول الحقيقة، وأنه من واجب الانسان أن يكون عادلاً في أقواله. وقول الحقيقة هو واجب انساني غير قابل للجدل تجاه كل القضايا والمجتمع البشري باسره".

بالنسبة للفيلسوف الألماني إيمانويل كانط، يعتبر الكذب أمرًا ذاتيًا بسبب أنه يقوم على الخداع والخطأ. ويقود الشخص المخدوع إلى جهل الحقائق والحقيقية. والكذب أمرًا يمكن ان يعاقب عليه الانسان، بسبب تضليل الآخرين وذلك أمر مرفوض. في نصوص كانط (1797) يقول ان: " الحق المزعوم في الكذب، هو خارج الإنسانية". ويرفض كانط أي حق في الكذب تجاه الذات والآخرين، ويؤكد أن قول الحقيقة جزء من الواجب الأخلاقي والمدني لكل مواطن. ان الكذب هو إغفال أخلاقيً وهجوم خطير على استقامة الانسان وكرامته وبيئته. انما تشجيع

الناس او تحريضهم على الكذب، هو عمل ضار بالجميع.
ويقترح الفيلسوف الألماني كانط فكرة تعزيز حسن النية، وهي التصرف المثالي الذي يأتي بدافع الاحترام.
بالنظر الي القانون الأخلاقي، فهو ينطبق على كل مواطن في بلده وهو في صالح الجميع. أي ان الكذب عمل مشين ومسيء، ويخرق جميع المعايير الإنسانية والأخلاقية العامة. وذلك، بسبب ان التعديل المتعمد في الاقوال يغير حقيقة الاحداث، ويلحق الضرر بالأبرياء بشكل ظالم وقاسي. ويمكن ان يسبب في نشر الفتنة، او حبس وقتل الأبرياء.
في الأسرة على سبيل المثال، عندما يكذب الآباء على أبنائهم، يقومون بتعزيز الطاقات السلبية، والعصبية، والشك وفقدان الثقة. ويعلم الابناء الكذب والخداع والخيانة تجاه الاخرين. ويمكن ان يسبب لهم عقد نفسية، تمنعهم ان يتقدموا في الحياة وفي المجتمع بشكل سليم. كما ان المديح غير المبرر أو النقد الرادع، يمكنهما ان يسببا عقبات في الدراسة، او المسيرة المهنية، او في الزواج. وفي تربية الأبناء، خير الأمور هي اوسطها.
لماذا نعتقد ان الحقيقة موضع ضعف، وأنها تقوم بالتقليل من قيمة الانسان في نظر الآخرين؟ بينما تساعد الحقيقة على تبني الاخلاق الحميدة، ومنع الخيانة، وسوء الفهم، والإنكار. علاوة على ذلك، قد يقول البعض أن الكذب يستخدم لتجنب الفوضى، أو العار، او عدم ايجاد أنفسنا في مواقف محرجة. ويتطور الامر الي تبرئة أنفسنا من الأفعال السيئة التي ارتكبناها، والرجوع الي الحياة الاعتيادية وكأن شيئا لم يحدث. اما مع الأصدقاء، تكون عواقب هذه السلوكيات ضارة بالفرد نفسه، وبنزاهته وسيجد صعوبة في تحديد علاقاته مع الناس وأن يكون قريبًا منهم. كما تساهم الأكاذيب في جر الانسان في حلقة مفرغة، لأن الكذب يمكن أن يصبح عادة، تؤدي إلى فقدان الثقة والقساوة تجاه الآخرين.
وفي العمل، تكون العواقب أيضا وخيمة ومضرة بسوق العمل، والإنتاج، والأداء. ويمكن بسهولة اكتشاف المحتالين، واتهامهم بالكذب والخداع وطردهم من الوظيفة. كما يمكن أن يسبب الكذب اضرار جسيمة بالشركة.
أحيانًا يكذب الانسان في الاعتقاد بأنه يفعل الصواب. علي سبيل المثال٫ عندما يمر البيت الزوجي بأوقات عصيبة بسبب كذب أحد الزوجين، يؤثر ذلك بشكل سلبي على الأبناء والاسرة بأكملها. وتتشتت الاسرة في الأفكار، وينكسر رابط الثقة لتبدأ الصراعات.
ومن الناحية السيكولوجية، البدء في الكذب هو أن يطلب الانسان من عقله اتخاذ الترتيبات اللازمة، في سبيل عدم قول الحقيقة بشأن المواقف التي يخجل منها. ويتم التعود على ذلك. ولأسباب غير مفهومة، يلجئ الانسان الي الكذب يوميا وفي ابسط الأمور. علي سبيل المثال، لما نكون في انتظار زيارة صديق وهو يتأخر. وبعد مكالمة هاتفية للتأكد انه بالفعل يأتي الينا، ويخبرنا الصديق أنه أصبح قريب جدا منا وانه يحتاج فقط خمسة دقائق (مسافة الطريق) للوصول الينا. ويمكن أن يستغرق الأمر ساعات قبل ان يصل الي بيت صديقه. وهذا الامر شائع في الوطن العربي. إذا كنا نرغب في الحفاظ على الاسرة والأبناء، والأصدقاء والعمل، فمن الضروري أن نقول الأشياء بشكل صحيح ودون إغفال.
إن الكذب لديه عواقب خطيرة على الانسان والمجتمع، وهو مثل سرقة الأشياء التي لا تخصنا. في البداية نسرق أشياء بسيطة مثل قطعة حلوى، وينتهي الأمر بسرقة سيارة. هذا مجرد مثال واحد، لإثبات أنه من السهل جدًا أن يصبح الانسان كاذبًا حقيرا وبدون رحمة.
ويقع اللوم أيضا على الكذبة السياسية، لأن كل كلمة يدلي بها السياسي هي حبل يلتف حول رقبته. والسبب ان هذه الخطابات تشير إلى القضايا الوطنية العليا ومصير الشعوب، وحقوقهم الأساسية. إذا كانت هذه الخطابات خادعة ومجرد وعود كاذبة، فهي تنتهي دائمًا بأعمال درامية. والسبب، ان عند ظهور الحقيقة تثور الشعوب على جلادها. كما يتميز الحديث السياسي بين الكلمة والأفعال. وهناك صلة أساسية بين الكلام والسياسة. علي سبيل المثال، الانتفاضات الشعبية في الوطن العربي تؤكد ان خيانة القادة لشعوبهم يمكن أن تؤدي إلى الاحتجاجات و الغضب والعنف في الشوارع. ومن المفترض ان تكون الأنظمة السياسية تغذي ثقافة النزاهة والثقة بين الشعوب. كما يمكن أن يكون الكذب شنيع، وقاتلاً لمن يفقد ثقة شعب بأكمله. كل شيء يبدأ من الدولة، ثم ينتقل الي الأسرة، وينتشر في المجتمع مثل الوباء. هناك أيضًا الكذبة العاطفية التي تمنع الانسان من التعبير عن مشاعره، والكذبة الدبلوماسية التي تحيد وتنزع المشاعر، وكذبة الوقائع التي يتم فيها اخفاء المعلومات. ومن ناحية اخري، يتحدث الدكتور ستيفن بورجيس، في عمله البارز حول نظرية العصب المبهم
Polyvagal) ( وعن كيفية عمل البشر بالشكل الأمثل عندما يشعر بالأمان والارتباط بالعالم من حوله. وعكس ذلك، عندما يتم تحفيز العصب المبهم بالتوتر والعصبية اللاإرادية. وحتى لا يتوتر الانسان، يجب عليه ان يبعد من صراعات الكذب، ويحافظ على التواصل مع الآخرين بصراحة، وان يتبادل معهم الأفكار، والاستفسارات، وان يعزل نفسه عن التوتر حتى لا يقع في الامراض السيكوسوماتية. والحقيقة تمثل قانون الطبيعية و يجب علي البشر ان يتبعه، حتي يعيش بالهدوء والحكمة وحتي لا تنقلب عليه طبيعة الكون.

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

1024 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع