معركة انتخابية أم حملة لإبادة الأكراد

                                                    

                   المهندس هامبرسوم أغباشيان

معركة انتخابية أم حملة لإبادة الأكراد

نقلت وسائل الاعلام قبل أيام تهديدات تركيا المتكررة للأكراد في شمال سوريا طالبتهم فيها بانسحابهم مسافة 30 كلم عن الحدود التركية لضمان أمنها والا ستقوم باجتياح مدنهم ومناطق تواجدهم في شمال سوريا.

التهديدات ليست الأولى من نوعها فهي تتكرر بين حين واخر وذلك عندما ترى الحكومة التركية ان عليها تسخين الوضع القائم على الحدود مع سوريا وتحاول ملاحقة المسلحين الاكراد حيث انها تخشى من تنامي نفوذ الفصائل الكردية هناك وتعتبر قوات سوريا الديمقراطية (قسد) ووحدات حماية الشعب الكردية في سوريا حليفة او بالأحرى امتداد لحزب العمال الكردستاني الذي يناضل من أجل الحقوق القومية للأكراد في تركيا. علما بأن هناك قوات تركية في سوريا منذ مدة ويعتبر الوجود التركي في سوريا هو الأكبر في دولة عربية منذ انهيار الإمبراطورية العثمانية عام 1918.

                     

أن عدد كبير من اكراد سوريا جاؤوا من تركيا عام 1925 حسب المعطيات التاريخية عقب ثورة الشيخ سعيد بيران التي قمعها كمال اتاتورك، وفي عام 1926 أعلنت الحكومة السورية ان مليونا من الاكراد الساكنين في سوريا في حينها ليسوا مواطنين سوريين لعدم توفر بيانات عن اجدادهم وعائلاتهم في سجلات النفوس العائدة للحقبة العثمانية قبل عام 1920 ، وظل الحال بما هو عليه لغاية عام 1962 حيث جرى أحصاء في محافظة الحسكة في عهد رئيس الجمهورية ناظم القدسي ورئيس حكومته بشير العظمة سمي "إحصاء الحسكة 1962" ونجم عنه تصنيف الأكراد في سورية إلى:
- أكراد متمتعين بالجنسية السورية، وهم الذين ثبت اقامتهم في سوريا حسب السجلات العثمانية القديمة.
- أكراد مجردين من الجنسية ومسجلين في القيود الرسمية على أنهم أجانب.
- أكراد مجّردين من الجنسية وغير مقيدين في سجلات الأحوال المدنية الرسمية.
ويحاول الاكراد منذ ذلك الحين الحصول على الجنسية السورية والاعتراف بهم كمواطنين سوريين، ولقد أصدر الرئيس بشار الأسد في 7 ابريل 2011 المرسوم الرئاسي رقم 49 لعام 2011 القاضي بمنح الجنسية السورية للأكراد المسجلين كأجانب في سجلات الحسكة، أي الفئة الثانية.
يتمتع الأكراد حاليا في سوريا بدعم عسكري أمريكي وقد تصدوا لمقاتلي تنظيم الدولة الإسلامية وسيطروا على أجزاء من شمال سوريا وهم يسيطرون الان على مئات الكيلومترات من الأراضي الموصولة بمحاذاة الحدود مع تركيا من نهر الفرات إلى الحدود مع العراق. كما يسيطر الأكراد السوريون على منطقة منفصلة من الحدود الشمالية الغربية في عفرين وتفصل بين هاتين المنطقتين منطقة شاسعة من الأراضي معظمها لا يزال في قبضة داعش.
مهما يكن وضع الاكراد في سوريا فانهم يمثلون مصدر قلق بالدرجة الأولى للحكومة السورية وذلك لمطالبتهم بمنحهم الجنسية السورية لمن لم يتمتع بها لحد الان ولا تعتبر الحكومة السورية هذه الفئة من مواطنيها على اعتبار ان موطنهم الاصلي تركيا وليست سوريا، وكذلك عصيانهم المسلح ضد الدولة السورية بالتزامن مع الاحداث السياسية في العقد الأخير وحملهم السلاح في وجه الدولة، ولكونهم أصحاب نزعة انفصالية حسب تصريحات الحكومة السورية.
أما الحكومة التركية فأنها تعتبرهم مصدر قلق أكبر حيث انهم في حسابات الاتراك امتداد لحزب العمال الكردستاني الذي يناضل من اجل حقوق الاكراد في تركيا، لذلك تقوم تركيا بتهديدهم بين حين واخر باجتياح مناطقهم وملاحقة المسلحين الذين تصفهم بالإرهابيين وقامت بالفعل باجتياح المناطق الكردية في سوريا عدة مرات واستولت على مناطق تابعة للأكراد وبسطت نفوذها وقوانينها على المناطق التي سيطرت عليها. وبالرغم من كل ذلك بقي الاكراد صامدين يدافعون عن كيانهم ويحاولون صد هجمات الإبادة التركية من جهة ويقومون بمحاربة داعش من جهة أخرى بمساعدة أمريكية.
ان التهديد الجديد بالاجتياح جاء في وقت تقترب فيه الانتخابات الرئاسية التركية التي اعلن فيها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ترشيحه لفترة رئاسية جديدة وهو يحتاج الى دعم شعبي كبير للفوز في الانتخابات، وبالإضافة الى أبناء الريف الذين استطاع أردوغان كسب تأييدهم عن طريق الدين فانه يحتاج الى تأييد ابناء المدن لضمان فوزه وهو يعلم جيدا ان ليس له رصيد كبير في المدن والدليل على ذلك خسارة مرشحي حزبه امام مرشحي المعارضة في الانتخابات البلدية الأخيرة في إسطنبول وانقره، وعليه فان محاربة الاكراد والظهور كرئيس قوي يضمن سلامة ووحدة البلاد سيؤدي الى وقوف الناخبين وراءه وضمان فوزه ، ومن هنا ضرورة اثارة موضوع الاجتياح في هذه الفترة وهو يعلم جيدا ان الاجتياح الكامل للمناطق الكردية يحتاج الى الضوء الأخضر من عدة جهات وحتى في حالة الاجتياح سوف لن يستطيع إبادة الاكراد او حتى ايقافهم عند حدهم ولكنه يحتاج الان لتسخين الموقف والظهور بمظهر البطل القومي ومنقذ تركيا من الإرهاب والتهديدات الداخلية والخارجية وما يفعله هو بالتأكيد جزء من حملته الانتخابية والخوف من ضياع فرصة التجديد.
نشر بوراك بيكدل (Burak Bekdil) وهو أحد الصحفيين الاتراك البارزين في تشرين الثاني 2022 نتائج استطلاعات الرأي التي
قام بها مركز (Yöneylem Sosyal Araştırmalar Merkezi) المستقل لاستطلاعات الرأي في تركيا، نشرها في موقع
(GATESTONE INSTITUTE International Policy Council) جاء فيها ان 63% من المشاركين يعتقدون بإن تركيا
"تخضع لحكم سيء"، واجاب 58.7% منهم بأنهم سوف لن يصوتوا لأردوغان. حيث يعتقد 76.6% من الأتراك أن
مشاكلهم الرئيسية هي التضخم والبطالة حيث وصل سعر صرف الدولار الامريكي مقابل الليرة الى 18.5 ليرة. في المقابل اجاب 33.3% من الذين تم استطلاع آرائهم بإنهم سيصوتون لأردوغان بينما قال 55.6% منهم بإنهم سيصوتون لمرشح المعارضة.
ان الحزب الرئيسي في البلاد هو حزب العدالة والتنمية وهو حزب الرئيس التركي أردوغان ويسانده في الحكم حزب الحركة القومية التركية بزعامة دولت بهجلي وهو حزب قومي يميني متطرف ورئيسه ضد كل ما هو ليس تركيا.
اما أحزاب المعارضة وعددها ستة واكبرها حزب الشعب الجمهوري بزعامة كمال كلتشدار أوغلو ويعتبر أقدم حزب سياسي في تاريخ تركيا أسسها كمال اتاتورك ثم حزب ( الخير ( وهو حزب ليبرالي أسسته ميرال أكشينار سنة 2017 ثم حزب المستقبل الذي اسسه رئيس الوزراء السابق احمد داود اوغلوا عام 2019 وحزب الديمقراطية والنهضة التي أسسها نائب رئيس الوزراء وزير الاقتصاد التركي السابق علي باباجان عام 2020 وحزب السعادة بقيادة تمل قره موللا أوغلو والحزب الديمقراطي بقيادة غولتكين أويصال، ولقد اتفقت أحزاب المعارضة على مرشح توافقي للمشاركة في الانتخابات الرئاسية عام 2023.
في هذه الصورة المعقدة من المشهد السياسي التركي يبرز الاكراد الذين يمثلون حوالي 13% من الذين يحق لهم التصويت ويبدوا انهم سيكونون الثقل الذي سيرجح كفة ميزان الانتخابات. ولكن لصالح من؟ أن للأكراد سجل طويل من الخلافات والتصادمات مع الرئيس الحالي أردوغان الذي يستغل كل الفرص لقمعهم، وها هو عبد الله اوجلان يقبع في السجن منذ سنين وكذلك العديد من قياديي حزب الشعوب الديمقراطي وتتهم أنقرة حزب الشعوب الديمقراطي بأن له صلات بحزب العمال الكردستاني الذي يقود حركة مسلحة منذ عقود ضد الدولة التركية.
وحسب الاحصائيات المنشورة فان الانتخابات لو أجريت الان سيحصل حزب العدالة والتنمية على 29.5% من الأصوات وسيحصل حليفه الحزب القومي 6.4% من الأصوات أي بمجموع 35.9% من الأصوات في حين سيحصل منافسه حزب الشعب الجمهوري على 29.7% من الأصوات وحزب ميرال أكشينارعلى 13.5% من الأصوات وستكون للمعارضة على الأقل 43.2% ، وهنا تظهر أهمية أصوات الاكراد التي سوف لن تكون في احسن الاحوال لصالح أردوغان حيث سيبحث الاكراد عن مصالحهم عند أحزاب المعارضة، ومن هنا ضرورة تدمير الاكراد وكسر شوكتهم والظهور بمظهر الزعيم الوطني القوي الذي يستطيع المحافظة على وحدة تركيا.
فهل سيفوز أردوغان بمدة رئاسية جديدة؟ قد يتحقق له ذلك بطريقة او أخرى ولكنه بالتأكيد سيفشل في إبادة الاكراد وتصفيتهم لان عام 2023 ليس عام 1915.
لوس انجلس -كاليفورنيا
21 كانون الأول 2022

أطفال الگاردينيا

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

1007 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع