المُلا عثمان الموصلِيّ والذكرى المئوية لرحيله- الجزء الخامس

                                                           

                الأستاذ الدكتور باسل يونس ذنون الخياط
                  أستاذ متمرس/ جامعة الموصل

                                 

المُلا عثمان الموصلِيّ والذكرى المئوية لرحيله- الجزء الخامس

لقد ترك المُلا عثمان الموصلِيّ إرثا كبيرا ونفيسا في التراث العراقي، ويمكن القول أن تركة الموصلِيّ تمثل العمود الفقري للتراث الموسيقى العراقي.

لقد قام الدكتور عادل البكري (1930-2018) بالتحقيق من أعمال الموصلِيّ الموسيقية ودوّن العديد منها في كتبه الثلاثة التي نشرها عن الموصلِيّ. كما قام الموسيقار سالم حسين الأمير (1923- 2015) بتوثيق بعض الذكريات ذات العلاقة بالموصلِيّ وإبداعاته. وذكر سالم حسين الأمير نماذج من ألحان الموصلِيّ التي انتشرت والتي نعتبرها من التراث القديم ونفاخر بها مثل فوگ الناخل فوگ، وربيتك اصغيرون حسن، ويا خشوف العلى المجرية، وبنت المعبود، ويا ام العيون السود، وغيرها.

لقد مزج الموصلِيّ الموسيقى العربية والتركية بإدخاله المقامات العراقية بالغناء التركي: فكان يقرأ مقام البياتي والعشاق التركي على أسلوب مقام المنصوري الموصلِيّ. وقد لحّن كثيراً من الأغاني وسجلها على اسطوانات. وقد بقيت أربع اسطوانات في حالة جيدة: الأولى من مقام الراست والثانية من مقام المنصوري والثالثة من مقام الشهري والرابعة من مقام السيكاه، ويعقبها بقوله: (يا أهل الحدباء، يا أغاتي يا عيوني، هذا القوان اسمعوه بعد موتي، وأنا المُلا عثمان والسلام عليكم).

إن العديد من الأعمال الموسيقية للموصلِيّ هي في الأصل موشحات دينية (تنزيلات ومفردها تنزيلة)، منها:

- (فوگ النخل فوگ) وهي بالأصل موشح ديني عنوانه (فوگ العرش فوگ)،
- (زوروني كل سنة مرة) وهي بالأصل (زُر قبر الحبيب مرة)،
- (ربيتك زغيرون حسن) وهو في الأصل (يا صفوة الرحمن سكن)،
- (أسمر أبو شامة) وأصلها (أحمد أتانا بحسنو سبانا)،
- (نوحي على العافوچ يا روحي) وأصلها (روحي لأبو إبراهيم تُهداه روحي)،
- (يا صياد السمچ) وأصلها (يا صياد الرجا)،
- (ما أندل دلّوني) وأصلها (بس وصِّلوني) وهي من مقام (الجهار كاه).

لقد قام بعض كبار الفنانين العراقيين ووضعوا النقاط على الحروف وأرخوا أعمالهم المنسوبة للموصلِيّ، منهم ناظم الغزالي ويوسف عمر. يقول الدكتور عادل البكري: "لقد سُئل المرحوم ناظم الغزالي عن لحن (يا أم العيون السود) ممن أخذه؟ قال إنه أخذه من لحن قديم من ألحان عثمان الموصلِيّ".

ويذكر الدكتور البكري أن الموشحات الدينية للمُلا عثمان كانت ولا زالت تُردد ألحانه في التكايا في العراق وسوريا وبلدان عربية وإسلامية أخرى. ويضيف الدكتور البكري أن من الأغنيات والموشحات التي تعود الموصلِيّ وأخبره بها المرحوم (علي الدبو) أحد رواد الفرقة الموسيقية في دار الإذاعة العراقية: موشح (غدا يشفع لي التهامي) والذي أصبح أغنية من مقام السيكاه هي (ليش حارمني منامي). وكذلك موشح (صاحب اسال من ذوي العرفان) صار أغنية شائعة في سوريا هي (آه مشعل) من نغم الحجاز. وأيضا موشح (أحمد اتانا بحسنه سبانا) في مدح الرسول أصبح لحنا لأغنية (أسمر أبو شامة) من نغم البيات. وكذلك موشح (صلاة الله ذو الكرم) الذي أصبح لحنا لأغنية (قدُّك الميّاس يا عمري) الشائعة في سورية. وموشح (يا صفوة الرحمن سكن فيكم غرامي) الذي أصبح أغنية (ربيتك صغيرون حسن) من نغم البيات. هذا إضافة إلى أغاني أخرى شائعة مثل أغنية (فوگ النخل فوك) وغيرها من الأغاني التي تنسب للموصلِيّ.

وذكر الأستاذ الدكتور عمر محمد الطالب (1932-2008) أن تلميذ المُلا عثمان السيـد أحمد عبـد القـادر الموصلِيّ (1877-1941) والملقب (بلبل العراق) غنى بستة (عبودي جاي امن النجف.. شايل مكنزيّه) التي صاغها أستاذه، والمكتزية أو الموزرية Mauser M98 بندقية ألمانية كان يستخدمها الجيش العثماني في ذلك الوقت. كما ذكر الدكتور الطالب أن لديه اسطوانة لشركة (بيضا فون) بصوت السيـد أحمد في وجهها الأول (بستة) "عبودي جا من النجف" وفي وجها الثاني (بستة) (مروا بنا من تمشون).

ومن ألحان الموصلِيّ الذائعة الصيت (يا خشوف العلى المچريه) وهي من نغم السيكاه. وقد أُنشدت في المؤتمر الدولي للموسيقى العربية المنعقد في بغداد عام ١٩٦٤ تكريماً للموصلِيّ.

كما قام عازف العود الشهير جميل بشير (1921-1977) بحفظ الكثير من أعمال الموصلِيّ وذلك بإعادة تسجيلها، ومنها أغنية (يابن الحَمولة). حيث قام بعزفها وتسجيلها بعد ان أعاد توزيعها توزيعاً موسيقياً جديداً ومتطوراً، واصبحت بفضله من الأغاني التراثية الخالدة في العراق.

ومن الأغاني التراثية التي تُنسب أيضا إلى للموصلِيّ أغنية "جواد.. جواد مسيبي" والتي قد قام بإحيائها الموسيقار العراقي الكبير جميل بشير من ضمن مجموعة من الأغاني التراثية المُميزة.

يقول الدكتور (محسن بن سليمان العطيات العطوي): كثيرا من الأشعار الجميلة والتي أصبحت من التراث (الفلكور) نالها شيء من التحريف، الأمر الذي أدى إلى خلل في معنى وسياق المقصود من بيوت هذه الأشعار. ويعتقد العطيات أن التحريف (التشويه) المتعمد سببه غرابة الألفاظ في الأشعار الأساسية. فمثلا موشح على نمط (أبوذية) للمُلا عثمان الموصلِيّ نال التحريف بعض الفاظها فأختل المعنى تماما، من ذلك: (فوق النخل) والتحريف ورد في (فوق النخل) والصواب (فوق إلنا خل).

كما نال التحريف أيضا (أبوذيه) جميلة للموصلِيّ أصبحت من التراث وتردد في العراق وبلاد الشام، وهي (دزني وأفهم مرامي)، علما أن كلمة (دز) هي من بقايا اللغة الآشورية. لقد اشتهرت هذه الأغنية في الماضي وقام بأدائها عدد كبير من المطربين في العراق وفي بلاد الشام. كما أداها الفنان جميل بشير، وآخرون يعيشون في أوربا.

كما غنى أغنية "دزني وأفهم مرامي" الموسيقار جعفر حسن (1944- 2021) في مهرجان (الموسيقار الخالد المُلا عثمان الموصلِيّ) الذي أقيم في مدينة أربيل عاصمة إقليم كوردستان العراق سنة 2007.

ومن الأغاني المميزة للمُلا عثمان أغنية (يا قلب صبرا على ما كنتَ تهوى) التي غناها داخل حسن وياس خضر دون أن ينسباها للموصلِيّ، علما أن هذه الأغنية غناها تلميذ المُلا عثمان السيد أحمد عبد القادر الموصلِيّ (1877-1941) وتلميذه السيد إسماعيل الفحّام (1905-1990).

ومن الأغاني الأخرى التي تُنسب للموصلِيّ: (دشداشة صبغ النيل)، (يا عذولي لا تلمني)، ( آه يا أسمر اللون)، (ليت أمي لم تلدني)، (طالعة من بيت أبوها)، (طولي يا ليلة)، (يا خشوف على المجرية)، (مركب هوانه من البصره جانه).

لقد انتشرت ألحان الموصلِيّ على نطاق العالم العربي وبشِعر وكلمات مختلفة، وتم إنتاج أغان تمثل أغلب التراث الغنائي العراقي في عقد العشرينات من القرن الماضي.

ويدرج الكاتب والناقد العراقي (صباح راهي العبود) عناوين لأغان أخرى تم تلحينها على وفق موشحات وبستات وضعها المُلا عثمان، منها :

يا خشوف العلا المجرية، يامن لعبت بيه شمول (كلمات : البهاء زهير ألحان: المُلا عثمان الموصلِيّ)، يم العيون السود، يا ناس دلوني، عالروزانا، يابن الحمولة عليَّ شبدلك، الغصن إذا رآكَ مقبل سجدا، طالعه من بيت أبوها، ليت أمي لم تلدني، ون يا كلب، أسمر سمارك حلو، أهوى قمراً، آه يا أسمر اللون، يالولد يبني نام، لتظن عيني تنام، حمل الريل إو شال، دشداشة صبغ النيل، بالله يمجره الماي ذبني عليهم، جواد جواد مسيبي، لغة العرب اذكرينا، يا ناس دلوني،... وغيرها.

ويضيف (صباح راهي العبود) قائلا: ولقد غنى المطرب أحمد الموصلِيّ وفرقة الإنشاد وآخرون الكثير من هذه الأغاني وتم تسجيلها على أسطوانات، وتزعم بعض المصادر أن العديد من القدود الحلبية هي في الأصل من ألحان المُلا عثمان الموصلِيّ والتي جرى تدوينها في أثناء إقامته في الشام.

ومن أغاني الموصلِيّ التي كان يرددها الناس في الموصل أواخر أيام الدولة العثمانية أغنية (ميحانة ميحانة)، حيث كانوا يرددون:

ميحانة ميحانة....راح (المجيدي) وجتنا (العانة)

و (المجيدي) هو العملة العثمانية، في حين أن (العانة) فهي عملة عراقية عند تأسيس الدولة العراقية وتعادل أربعة فلوس.

https://www.youtube.com/watch?v=V8nRjHhNdEQ

وللحديث بقية إن شاء الله تعالى.

أطفال الگاردينيا

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

760 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع