ا.د. ابراهيم خليل العلاف
استاذ التاريخ الحديث المتمرس - جامعة الموصل
صياغ الموصل
وللصياغ في الموصل قصة لابد أن تُروى بكل صدق . وسوق الصياغ واحد من معالم مدينة الموصل التي لها تاريخها . وصياغ الموصل من أسر كريمة معروفة ولازلنا نذكر ونتداول المثل الذي نردده عندما نريد ان نقول شيئا عن الدقة : " قابل عندك ميزين ابن خروفة " وميزين أو ميزان ابن خروفة الشيخ سليمان ال خروفة شيخ صنف الصياغ معروف بدقته . ولازلت اتذكر وانا طفل في الابتدائية خلال الخمسينات من القرن العشرين السرادقات واقواس النصر التي يقيمها الصياغ في المناسبات الدينية والاجتماعية والوطنية والتي ترون صورة احدها موضوعا في شارع نينوى عند تقاطع شارع نينوى بشارعي النبي جرجيس والنجفي . قوس النصر هذا أقامه صنف الصياغ (الصاغة ) في شارع نينوى بعد نجاح ثورة 14 تموز 1958 وزيارة العقيد الركن عبد السلام محمد عارف وزير الداخلية ونائب رئيس الوزراء .لاحظ الشعارات : "الله اكبر " و"واعتصموا بحبل الله جميعا " و"عاش الاخاء العربي الكردي " و"عاشت الوحدة العربية " و "ان لم نعش تحت السماء أعزّة ***فدم العروبة في العروق مزور " و"صنف الصياغ يرحب بقادة الثورة الاحرار " و"وحدة حرية عدالة اجتماعية " و"العمل ضمان مستقبلنا " .
وعندما أشرفت على اطروحة الدكتوراه التي قدمها تلميذي وأخي الدكتور نمير طه ياسين الصائغ عن ( الاصناف والتنظيمات المهنية في الموصل ) الى كلية الآداب بجامعة الموصل سنة 1992 ، طلبت منه ان يقف عند صنف الصياغ لسببين : اولهما ان اهله من الصياغ المعروفين . وثانيهما ان صنف الصياغ له علاقة وثيقة بالأسر الموصلية فما من اسرة موصلية الا وقد اتت سوق الصياغ لتبتاع حاجة ذهبية .
وكما قال الاستاذ عماد غانم الربيعي في كتابه عن ( محلة باب السراي ) الذي نشره سنة 2007 ، فإن الصياغة نشاط تجاري لبيع المخشلات الذهبية ، والفضية ، والاحجار الكريمة .. وُيعد سوق الصياغ من الاسواق القديمة. وقد عرفت الموصل صياغة الذهب منذ عصور قديمة .. وكان سوق الصياغ محط أنظار الرحالة الذين وفدوا على الموصل .
ويمتد سوق الصياغ او الصاغة من جهته الشمالية في شارع النجفي الى شارع غازي - الثورة فيما يعد في ممرين تنتشر دكاكين الصاغة على جنباته .وكان الذهب يصل الى الصاغة عن طريق تجار معروفين يتعاملون مع البنك المركزي العراقي . ومن اشهر هؤلاء التجار محمد علي الكسو وجاسم عبد جاسم ومحمد عبد الرحمن وكان الذهب يباع في الستينات من القرن الماضي للصاغة بسعر 420 دينارا للكيلوغرام الواحد من الذهب الخالص وكان الكيلو الواحد يساوي 208 مثقالا و8 حبة اي بسعر 2100 ( ديناران ومائة فلسا) للمثقال الواحد ، ويساوي 24 حبة خالصة .
وعندما دمر سوق الصياغ خلال سيطرة عناصر داعش على الموصل بين 2014- 2017 حزن الموصليون ولم يرتاحوا حتى بدأت حركة اعمار هذا السوق المرتبط بذاكرتهم التاريخية والاجتماعية .
كان الصياغ في الموصل كصنف من الاصناف المهنية ينتظمون في جمعية تسمى ( جمعية الصياغ ) وتاريخ تأسيس هذه الجمعية يعود الى 26 نيسان سنة 1930 عندما تقدم سليمان بن محمد ال خروفة ومجموعة من زملاءه الصياغ بعريضة الى متصرفية لواء الموصل يطلبون فيها الموافقة على تأسيس جمعية للصياغ وقد ارفقوا بالعريضة نسخة من النظام الداخلي للجمعية استنادا الى قانون تأليف الجمعيات لسنة 1922 وقد ارسل المتصرف طلبهم الى وزارة الداخلية ببغداد في 30 نيسان سنة 1930 .
كان ( سليمان بن محمد ال خروفة ) ، شيخا لصنف الصياغ وهو من مواليد سنة 1870 وقد ورث عن أبيه مهنة الصياغة ورئاسة صنف الصياغ . وقد توفي سليمان ال خروفة سنة 1952،ومارس المهنة بعده ولديه يحيى وداؤد .
وكما تذكر الوثائق التي في ارشيفي ، ان الهيئة العامة لجمعية الصياغ التي اجيزت في 26 مايس - ايار سنة 1930 اجتمعت في يوم الجمعة المصادف يوم 20 من حزيران سنة 1930 وذلك لإجراء الانتخابات في مقرها الكائن في شارع النبي جرجيس وفي دار مستأجرة وبعد اجراء الانتخابات اصبح سليمان بن محمد ال خروفة رئيسا لجمعية الصياغ وممن فاز في عضوية الهيئة الادارية احمد سعد الدين زيادة والحاج ايوب بن مصطفى وفتحي بن عبد الله وعبد الله بن احمد الملا رحو وتوفيق الحاج احمد ونعوم الياس وعبود الياس شعو وقاسم بن يحيى وهارون بن حيو .
وعندما اجتمعت الهيئة الادارية انتخبت سليمان بن محمد ال خروفة رئيسا للجمعية ، والمحامي احمد سعد الدين زيادة معتمدا للجمعية وتوفيق الحاج احمد امينا للصندوق .
وعندما اتحدث عن صياغ الموصل لابد لي ان اذكر بسوق الصياغ الشهير وبعدد من الاسر التي امتهنت الصياغة من قبيل ال خروفة ، وآل حمو الصائغ ، وآل بليش .
كان لجمعية الصياغ نشاطات متميزة في مجالات تطوير المهنة وكان الصياغ يستشيرون الشيخ سليمان ال خروفة في قضايا تتعلق بمعيار الذهب وقيمة الوزن ودقته وكان مصرف الرهون كثيرا ما يستعين بالشيخ سليمان ال خروفة كما كان مصرف الرافدين ايضا يفعل الامر نفسه مع الشيخ سليمان خروفة ومن بعد ذلك اولاده داؤد ويحيى لتقدير قيمة الذهب المرهون ومن الصياغ الذين كان لهم دورهم ايضا جاسم حمو الصائغ ونوري ياسين سعيد وهو من مواليد سنة 1927 زاول المهنة في الاربعينات .
ومن الصياغ ايضا يوسف شريف الصائغ ، وكان ابنه بشير رئيسا لنقابة الصياغ منذ سنة 1959 حتى سنة 2002 . وهناك خضر ياسين الصائغ ، واحمد اسماعيل الدكبر ، وفتحي عبد القادر الشعار ، وابراهيم الحاج صالح ، وبدر محمد صفو الصائغ ، ويحيى احمد الطائي ، وقاسم القصار الصائغ ، ويونس رجب الصائغ ، وعزيز اغا الصائغ ، والحاج محمد ابو جاسم الصائغ ، وعزيز اغا الصائغ ، وداؤود ملا حامد الصائغ ، وعبد محمد مصطفى ، ونديم السنجري ، وقيدار ذنون عبد الله العلاف ، وقاسم مصطفى الصائغ ، وفتحي احمد علاوي وحميد رحاوي الصائغ وغانم احمد العمر وقاسم مرتضى الصائغ ويحيى ابليش الصائغ وسيد محمد رجب الصائغ ومحمود الحاج ذنون وعبد الباقي الصائغ وعلي نجيب الصائغ وعادل بشير اخوان ، ومحمد علي الكسو وعبد الرزاق القصيمي وعبد الهادي الصائغ والمعروف ب(هداوي ) وعبد الرزاق السنجري والحاج حسين البصو وزينو الصائغ وسالم حسين الصائغ وشمس الدين خروفة وابراهيم برهاوي وعبدالله الرحو ومجيد الهدو ، والحاج يونس الصائغ واحمد كشمولة ، واجياد صالح واحمد اسماعيل الصائغ ، والحاج عبد ابو الخلاص وكان يبيع ذهب عيار 24 للصاغة .
ومن الصياغ ايضا:
قاسم مرتضى واولاده ليث ، وعبد الكريم ويعرب . ومن الصياغ عبد القادر ملا محمد و خلفه اولاده وعد الله وعمر ، وهناك هاني حسين وخلفه ابنه رضوان ، وهناك محمد يحيى الجوهرجي و خلفه إبنه منيب .
ومن الصياغ :
1. محمد علي الكسو و خلفه إبنه ادريس
2. طه النجمه ابو وعد و خلفه أولاده
3. محمد يوسف واخيه حسن فاشل في الستينات من القرن الماضي وخلفهم صباح وفراس
4. حازم الجبوري
5. نوري ياسين سعو واخيه صديق
6. مؤيد سلطان الكاتب في الستينات من القرن الماضي وخلفه ولداه محمد واحمد
7. موفق ذنون في الستينات من القرن الماضي وخلفه إبنه عمار
8. تحسين سرحان واخيه محسن في الستينات من القرن الماضي وخلفهم اولادهم عمر وعلي
9. جبوري الصائغ في الستينات من القرن الماضي وخلفه اولاده محمود وقيس ومحمد بشار
10. فاضل قدوري في الستينات من القرن الماضي وخلفه اولاده
11. علي حسين ( علاوي) في الخمسينات القرن الماضي وخلفه اولاده
12. طلال صبري ابليش في الستينات من القرن الماضي وإبنه عمر .
13. ابرهيم الغزال في الاربعينات من القرن الماضي .
14. طلعت بركات في الستينات من القرن الماضي .
15. خالد احمد واخيه وجيه في الستينات من القرن الماضي لم يخلفهم احد
16. احمد قاسم في السبعينات من القرن الماضي لحد الان
17. محمد مصطفى في الخمسينات من القرن الماضي وخلفه ابن نبيل
18. عادل العلاف في الستينات من القرن الماضي وخلفه إبنه معن
19. صبحي العباسي في الستينات من القرن الماضي وخلفه اولاده محمد
20. علي الملقب علي الجندي في الستينات من القرن الماضي خلفه اولاده
21. الحاج رسول الصائغ في الخمسينات من القرن الماضي وخلفه إبنه فاضل
22. بلال احمد الزيدان في الستينات من القرن الماضي وقد خلفه اولاده .
23. الحاج ابرهيم خليل في الستينات من القرن الماضي واخوته شكر ومحمود خلفهم اولادهم
24. علي الغزال في الاربعينات في القرن الماضي وخلفه ابنه الحاج وابل
25. محمود المهدي في الستينات في القرن الماضي لم يخلفه احد
26. احسان الصائغ في السبعينات في القرن الماضي خلفه اولاده واخوته
27. سالم محمد واخيه حازم وعادل في الخمسينات من القرن الماضي وخلفهم اولادهم
28. ابراهيم خليل توفيق في الخمسينات من القرن الماضي خلفهم اولادهم .
وقد ورد ذكر أسماء عدد من الصاغة في الدليل الرسمي العراقي لسنة 1936 منهم الصاغة حنتوش سعدون في شارع الملك فيصل (العدالة حاليا ) ، وخليل داؤد في شارع النجفي ، وصالح دنو ، وفتحي عبد الرحمن الصائغ في شارع النجفي ، ومتي شمعون في شارع نينوى ، ويعقوب عكي في شارع النجفي ، ويونس جرجيس في شارع نينوى ومجيد مهوس في شارع حلب ، وكعيد حسيب في شارع القشلة ، ويحيى محمد في شارع النجفي .. وقسم من الصياغ كانوا من اليهود والمسيحيين والصابئة منهم موشي فاغه ، ويونا الصائغ ، ووديع عجينة ، ونزهب عباصة ، واسطيفان فريد النقاش ، ويعقوب بطي ، وكريم ونجم وابنه زكي .
كتب الاخ الاستاذ ازهر العبيدي عن (الصائغ) في كتابه (الموصل ايام زمان ) والذي نشره سنة 1989 ، فقال ان الصائغ ، هو من يعمل في صياغة أو بيع وشراء الحلي الذهبية وكثيرا ما يتوارث الصياغ المهنة أبا عن جد والصياغ على نوعين اولهما من يصوغ الذهب وهو من عيارات مختلفة احسنها عيار (21) حباية .. ومن المصوغات التي ابدع فيها الصياغ الموصليون (الحجل) ، و (الكردانة ) ، و(الزنادي) ، و( المغاود ) أي الاقراط والمفردات أي الاساور والخواتم والحزام الذهبي.
وهناك النوع الثاني وهم صاغة الفضة وهذا النوع لم يكن منتشرا في مدينة الموصل كما هو في بغداد حيث برع الصاغة من اهلنا الصابئة في صياغة الحلي الفضية . لكن مما يجب ان اشير اليه ان الصياغ اليهود هم من برعوا بصياغة وبيع وشراء الحلي الفضية قبل مغادرتهم الموصل في اواخر الاربعينات واوائل الخمسينات من القرن الماضي .
وفيما يتعلق بصياغة الفضة ، يقول الاستاذ محمد توفيق الفخري ، وهو يتحدث عن المهن والحرف المنقرضة والايلة للانقراض في الندوة التي عقدها مركز دراسات الموصل بجامعة الموصل في 9 نيسان سنة 2012 أن الصياغ اليهود في الموصل كانوا متخصصين بصياغة علب السيكاير ، و(علب الجيكليت) وصياغة شوكات الطعام وملاعق الشاي وكؤوس الماء ووما شاكل فضلا عن الاساور والقلادات والاقراط والمحابس . وكان صياغ عقرة بارعين في صياغة أغماد الخناجر .
وكان مع الصائغ خلفة أو خلفتين يتعلمون المهنة ويتدربون عليها قبل ان يستقلوا ويفتحوا لهم دكاكين خاصة بهم . وكانت هناك مهنة لها علاقة بالصائغ وهي (النقاش) الذي يقوم بنقش الحلي . وممن برع في النقش صديق الدكبر .. كان فنانا في كتابة الاسماء وتنزيل الاحجار وخلفه ولده توفيق . كما عرفنا محمود النقاش من ال القهوجي . كما كان هناك من ينفخ بالمنفاخ الذي يصهر الذهب ، وينقيه من الشوائب .ومن المؤكد ان العمل في الصياغة تطور ودخلت المكننة في العمل وكثيرا ما حافظ الصاغة في الموصل على الدقة والتفن في صياغة الحلي وذلك استمرارا للصياغ الموصليين الرواد منذ أيام الامبراطورية الاشورية وما كشف في النمرود من كنز من الحلي الذهبية المتقنة يقف دليلا على براعة الصياغ الموصليين ، وتفننهم ولاتزال المتاحف العالمية تزخر بالكثير من مصوغات الصياغ الموصليين سواء في التاريخ القديم أو حتى في التاريخ الوسيط وخلال القرنين الثاني والثالث عشر الميلاديين وما بعدهما وخاصة ايام العهد الاتابكي .
واخيرا فإن مما ينبغي علينا ذكره ، أن الصياغ كانوا متعاونين مع بعضهم يسند أحدهم الآخر ، واذا ما أُصيب احدهم بالإفلاس ؛ فأنهم يهرعون لمساعدته ، وتشجيعه للعودة الى العمل ثانية . والتكافل الاجتماعي بين صنف الصياغ ، كان ، ولايزال قويا .
2030 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع