أحمد العبدالله
بلد (المليون مزار)!!
تفتخر الدول التي لديها احترام لنفسها وتاريخها, وتسعى للارتقاء بشعوبها, بتميّزها بأكبر عدد من العلماء أو الأطباء, أو أكبر عدد من الجامعات والمشافي والمدارس, أو بأكبر عدد من المصانع أو بوفرة في الانتاج الزراعي أو الفائض المالي والتجاري, أو أكبرعدد من المثقفين. فلقب موريتانيا مثلا, هو بلد(المليون شاعر), ودول تفخر بالتضحيات التي قدمتها للتحرر من الاستعمار, كالجزائر التي تشتهر بتسمية؛(بلد المليون شهيد), وهكذا. ولكننا في عراق ما بعد 2003, صارت البلاد مضرب المثل في الفساد والجهل والفقر والسرقات والفضائح, وكل الموبقات. وصارت الحثالات الحاكمة (تفتخر) بأن عدد(حجّاج) !! كربلاء قد وصل هذا العام إلى عشرين مليون زائر!!!.
ويروي الدكتور نبيل الجنابي, الإعلامي السابق في قناة(المستقلة) والذي يقيم في بريطانيا, إنه عند حضوره لمؤتمر لندن لما يسمى بـ(المعارضة), والذي مهّد لغزو العراق واحتلاله, صعد إلى المنصة أحد المعممين الدجالين, وابتدأ حديثه قائلا بأنه قادم لتوّه من إيران, وإنه يحمل لهم(بشرى سارّة)!!, فاشرأبّت الأعناق لسماع تلك (البشرى), فإذا به يقول؛ يحتشد الآن عند الحدود الإيرانية مع العراق عشرة آلاف معمّم, وهم جاهزون لدخول العراق فور(تحريره)!!, لأن صدام حسين قد(حرَم) الشعب العراقي(المظلوم) من(رجال الدين)!!!.
إن المزارات والمقامات غدت بعد 2003(على قفا من يشيل)!!, وهي مشروع(استثماري)ناجح لكل نصّاب ومحتال ودعي, لاكتناز الأموال دون أن يمسّه لُغوب, ولا يتطلب منه سوى قطعة أرض صغيرة في بقعة نائية, ويُفضّل أن تكون على مقربة من طريق عام مع لافتة تشير إليها, تقام عليها غرفة من البلوك المسقوف بـالصفيح من (أسلاب) معسكرات الجيش العراقي السابق, وبداخلها قبر موهوم مع كمية من الخرق الخضراء, ويتم طلائها باللون الأخضر أيضا, ويرفرف فوقها عدد من الرايات السود. ويتم إشاعة أخبار بين الناس إن أحد الأئمة قد جاء لصاحب المشروع الاحتيالي في المنام وطلب منه (إظهاره) ودعوة(المومنين)إليه. وخلال فترة قصيرة سيزحف المغفّلون على وجوههم؛ زرافات ووحدانا لنيل (مرادهم), ويبدأ الدجال صاحب المزار بحصد(ثمرة نصبه)!!.
وفي شهر آب الماضي, انهار مزار(قطارة الإمام علي) في كربلاء على زواره, مما أدى لمقتل ثمانية منهم على الأقل قضوا تحت الأنقاض. وقد تنصّل ديوان الوقف الشيعي في بيان رسمي من تبعية المزار المذكور له, وأشار إلى؛إن المقام لا يُدار من قبله وإن قطعة الأرض المشيد عليها غير مسجلة باسم الديوان. ومن جهته قال محافظ كربلاء نصيف الخطابي إن الموقع (ليس تابعاً لجهة معروفة، بل لأشخاص). أي إن المزارات نوعان؛ حكومي و(قطاع خاص)!!.
ومهزلة المهازل إن حكومة البصرة المحلية تعتزم بناء مزار(مقدس)*! في منطقة صفوان, في المكان الذي توقف فيه الدجال خميني عندما طردته الحكومة العراقية من النجف أواخر عام 1978, ورفضت الحكومة الكويتية دخوله أراضيها, فبقي لساعات متسكعاً عند نقطة الحدود, ولغرض (تخليد) هذه الحادثة, فقد تقرر جمع التبرعات من أبناء المحافظات الجنوبية لبناء المزار المذكور في المحل الذي (تغوّط فيه الإمام)!!, يقصده(المومنون) لكي (يضمنوا دخول الجنة بدون حساب)!!. تطبيقا لما(أفتى) به آية الله الآخوند ملا زين العابدين الكلبايكاني في كتابه أنوار الولاية؛(ليس في بول الأئمة وغائطهم استخباث ولا نتن ولا قذارة بل هما كالمسك الأذفر، بل من شرب بولهم وغائطهم ودمهم يحرم الله عليه النار واستوجب دخول الجنة)!!!.
وصار للـ(علوية خضراوات بنت الحسن) مزاراً يسعى له الجهلة سعيا, ويقصدونه من كلِّ فجٍّ عميق. ولكن مزار(السيدة خضراوات) كان لعنة على العراقيين, فقد فقدوا الخضراوات وشرعوا باستيرادها من(الأرجنتين)!!, وحتى الثوم والبصل والكرفس صارت ضمن ما يُستورد. وهكذا غدا العراق تحت حكم الحثالات أرضاً يباباً وهجرته حتى الطيور والحيوانات قبل البشر, وبعد أن كان يُسمى فيما مضى؛(أرض السواد) بسبب زراعته الكثيفة, حقَّ عليه القول؛(بلد المليون مزار)!!.
ولله الأمر من قبل ومن بعد.
..............................................
* في الوقت الذي يحرق المحتجون الإيرانيون في ثورتهم الحالية المستمرة بيت خميني الدجال في مسقط رأسه(خمين), وتتعرض صوره وأصنامه هو وخامنئي والهالك قاسم سليماني للحرق والتدمير والتشويه. ولكن في العراق المحتل يحصل العكس, حيث تنتشر صور هؤلاء الدجالين المجرمين في معظم أنحاء العراق, وتسمى شوارع ومدارس بأسمائهم, وتلك مفارقة كبرى وفضيحة مخزية.
2989 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع