الراحل علي الوردي و الانحراف الجنسي (٤)

                                                      

                           عبدالرضا حمد جاسم


الراحل علي الوردي و الانحراف الجنسي (4)

الحجاب و الانحراف الجنسي

يتبع ما قبله لطفاً

تقديم:

1ـ في ص 73/كتاب اسطورة الادب الرفيع/1957 كتب الراحل الوردي التالي: [فاللغة يجب ان تكون دقيقة في التعبير عن مقاصدها لكي تؤدي وظيفتها الاجتماعية تأدية وافية] انتهى

2ـ في ص16 مهزلة العقل البشري/1955 كتب: [لا يكفي ان تكون الفكرة صحيحة بحد ذاتها، الاحرى بها ان تكون عملية ممكنة التطبيق وكثيرا ما تكون الأفكار التي يأتي بها الطوبائيون من أصحاب البرج العاجي رائعة ولكنها في الوقت ذاته عظيمة تضر الناس أكثر مما تنفعهم. ووجدنا أصحاب الفكر القديم لا يميزون بين الممكن وغير الممكن من الأفكار وهم ان يدرسوا الفكرة دراسة منطقية مجردة فإذا وجدوها جميلة ذات محاسن آمنو بها واندفعوا في الدعوة اليها اندفاعاً اعمى] انتهى

في هذا الجزء سأتطرق الى ما تفضل به الدكتور الراحل علي الوردي عن الحجاب وعلاقته بنشوء /انتشار/زيادة الانحراف الجنسي في العراق وازدواج شخصية الفرد العراقي حسب طروحات الوردي... حيث كما لاحظتُ انه أخذ الكثير من وقت الراحل وتوالى ذكره في كتبه واستمر موقفه منه منذ اطلالته الأولى على حياة النشر والتأليف والمحاضرات العامة...اي منذ محاضرته التي القاها عام 1951 والتي أصدرها في كراس تحت عنوان : (شخصية الفرد العراقي/بحث في نفسية الشعب العراقي على ضوء علم الاجتماع)، حتى كتابه :دراسة في طبيعة المجتمع العراق/1965.حيث عَمِلَ على ان يجعل من الحجاب نتيجة "منطقية" لمقدمات كبرى وصغرى تفنن في اختيارها واختلاقها، فضاع مع الاحترام له والتقدير بين المفاهيم ،ليلويها ليجعلها مقدمات لتلك النتيجة وفقاً لارسطوطاليسيتة التي نهى عنها لكنه سار عليها في ما كتب. فقد تاه في مسيرة الانحراف الجنسي بين "انتشار" و"نشوء" و"زيادة" وبين "الطبيعي" و"المكتسب" وتاه بين "الموجب" و" السالب" وبين "الحجاب" و"السفور "و"السفور" و"السفور المحتشم" [الملابسيان "ملابس" ان صح القول] وبين " الحجاب" و "الحُجُبْ".

الحجاب كما لمستُ كان عند الراحل الوردي "مخلوط" أو تعمد خلطه" بين حجاب الملابس "عباءة وبوشية "وبين حَجبْ / فصل/ فواصل/ عزل/ عوازل. عليه لا يجد من يقرأ للوردي او الأصح لم أجد شخصياً شيء واضح بهذا الخصوص "الحجاب والانحراف الجنسي" سوى قصور غريب في تركيزه على الانحراف الجنسي عند الذكور دون أي إشارة للمرأة التي دار الحديث عنها كثير والتي يعنيها ويمسها الحجاب، إلا نادراً.

كتب في ص59 شخصية الفرد العراقي/1951: [وبالإضافة الى ذلك نجد ان هذا الانفصال يؤدي في كثير من الأحيان الى الانحراف الجنسي فقد ثبت علميا بان الانحراف الجنسي في الغالب اكتسابي يسببه انفصال المرأة عن الرجل....] انتهى

انتبهوا لطفا الى "يؤدي في كثير من الأحيان" و" في الغالب اكتسابي يسببه انفصال المرأة عن الرجل".

انا مع الراحل في تأثير الحُجُبْ/ الحَجب التي تواجدت/وضِعَت/ بُنيتْ بين الرجل والمرأة، على نفسية الطرفين وتأثيرها في زيادة /تصاعد/انتشار الانحراف الجنسي المكتسب عند الجنسين. لكن لم تكن المرأة هي من وضعت تلك الحُجُبْ/الفواصل بينها وبين الرجل حتى يكتب الدكتور الوردي عبارته الغريبة وهو عالم الاجتماع "انفصال المرأة عن الرجل" ...اعتقد ان المرأة لم تسعى للانفصال عن الرجل ولم تكن راضية وهي ربما غير قادرة لو أراد الرجل غير ما تُريد... كما أتصور أن الرجل ايضاً لم يرغب بالفصل بينه وبينها فكلٍ منهما زائغة عيناه على/ الى الاخر...إنما "الفصل، العزل" فُرِضَ عليهما...عليه فالأصح هو: " فصل المرأة عن الرجل أو الفصل بين الرجال و النساء".

واكيد لمسَ الراحل الوردي عند تردده على الازقة في حارات بغداد كيف كان تواجد المرأة مع الرجل في الشارع والاسواق وعند عتبات" عُتَبْ" الدور والمنازل وفي بعض الأماكن كانت هي التي تَتَسَيدْ الموقف أحيانا وان البعض يتسمى باسم والدته "ابن فلانه" او "بيت فلانه" او "ابن ام فُلانْ" حتى في مدينة الكاظمية المقدسة دينياً تلك التي ولد وترعرع فيها الراحل الوردي. والعلاقات العائلية وعلاقة الجيران والأقارب تسمح بالاختلاط المحتشم ان صح القول.

ثم يأتي الراحل الوردي بالجزم من ان العراق كان مهد الحجاب لأول انتشاره في الحاضرة الإسلامية. حيثُ كتب في ص60 / كراسة شخصية الفرد العراقي: [لسوء حظنا ان العراق كان مهد الحجاب لأول انتشاره في الحاضرة الإسلامية وكذلك مهبط الوحي على أبو نؤاس] انتهى

وهنا رَبَطَ الراحل الوردي بين الحجاب الأول في العصر العباسي الذي كان مهده الأول العراق والمنحرف الأول "الأشهر" جنسياً في العصر العباسي أبا نؤاس، مالئ الدنيا وشاغل الوردي... هنا الوردي حسم الامر بأن الحجاب مهده العراق و اول شاعر منحرف جنسياً من العراق ايضاً فأوجد قاعدة كبرى ربط فيها شعر الانحراف الجنسي وأول شاعر منحرف ومهد الحجاب و استنتج ان الحجاب يسبب الانحراف الجنسي.

اعتمد الراحل الوردي هنا على ما قيل ان الحجاب بالصيغة التي وصلتنا اُقِرَفي العصر العباسي. لكن كان على الراحل الوردي كما اعتقد الانتباه او البحث جيداً عن ذلك حيث كما اعتقد ان الحجاب موجود قبل "الحاضرة الإسلامية" وتقول المعلومات انه أقدم من ذلك بكثير. ولا اعرف لماذا قَّدَمَ الوردي لقوله هذا ب "لسوء حظنا" وكأنه تأكد من ان الحجاب صحيح قد كان في العراق اول أمره وان الانحراف الجنسي ارتبط بالشاعر ابي نؤاس!!!!

اعتقد ان الحجاب وعلاقته بالانحراف الجنسي وازدواج الشخصية موضوع معقد أشْعر أو شعرت ان الراحل الوردي لم يٌعطه الاهتمام الكافي ولم يديره بدقة وروَّية وعلمية لأنه اكتفى بقال فلان وقيل هنا وهناك ولم يجربه او يمارسه او يُخضعه للدارسة حتى عندما كانت الظروف تسمح بذلك

اليكم بعض ما طرحه الراحل الوردي حول الحجاب و المرأة والانحراف الجنسي والذي فيه من التناقض الكثير:

أولاً:

1ـ في ص237 من كتاب دراسة في طبيعة المجتمع العراقي/1965 كتب الراحل الوردي التالي: [المعروف عن البدو انهم اعتادوا منذ قديم الزمان على قتل المرأة عند الاشتباه بسلوكها] انتهى

2ـ في ص77 من نفس الكتاب وتحت عنوان/صيانة المرأة في البادية كتب التالي: [والظاهر ان ليس هناك امة في العالم تحرص على عفة المرأة مثلهم، إنهم لا يتوانون أن يقتلوا المرأة عند الاشتباه بسيرتها ومن يتوانى منهم عن ذلك أصيب بالعار الذي لا يُمحى، هو وأولاده من بعده]

3ـ في ص51 من كراسة الاخلاق/1958 كتب التالي: [فقد ورث الناس من البادية امر احتقار المرأة وعادة قتلها عند الاشتباه بسلوكها...ولهذا أصبح قتل المرأة في العراق ظاهرة اجتماعية تلفت النظر ولا يكاد يمر يوم دون ان تسمع عن رجل قتل احدى قريباته غسلا للعار ثم سلم الى الشرطة خنجره الملطخ بالدم] انتهى

4 ـ في ص238 من نفس الكتاب كتب: [هنا ينبغي ان نذكر ان من النادر في الصحراء ان تقتل امرأة لسوء سلوكها] انتهى

أقول: أشعر أن هناك بعض التناقض في طروحات الوردي هذه. وقد يقول قائل ان ما يقصده الراحل الوردي هو عدم انتشار الانحراف الجنسي في الجاهلية. اقول ربما! لكن ورود "انهم اعتادوا "و"ورث اهل الريف" و "لا يتوانون" و"ورث الناس" لها معنى وبالذات عند ربطها بالوراثة. أقل ما يمكن ان أقول عما ورد هنا في "اولاً" هو عدم تطابقه مع ما ورده في (1) تقديم أعلاه.

وهنا حضر ما وَرَدَنا عن "وئد النساء"؟ وعن "وئد النساء" كتب الراحل الوردي في ص78 من نفس الكتاب التالي: [ويمكن القول ان من اهم ما يدفع الرجل البدوي الى الاستبسال في القتال هو دافع حماية المرأة وصيانتها من الإهانة والسبي وكان هذا من الأسباب التي جعلت بعض القبائل البدوية في الجاهلية تئد بناتها في التراب بعد ولادتهن مباشرةً] انتهى!!!

لماذا لا يكون الانحراف الجنسي له حضور هنا والراحل الوردي يقول عن سفور المرأة في الجاهلية واختلاطها بالرجل اليس في ذلك/هناك احتمال ولو بسيط؟

ثانياً:

1ـ في كتاب اسطورة الادب الرفيع كتب الراحل الوردي في ص74 التالي: [كان العرب في الجاهلية وصدر الإسلام لا يعرفون من الشذوذ الجنسي الا قليلا فقد كانت المرأة حين ذاك سافرة تختلط بالرجال وتصحبهم في حروبهم ثم بدأت بعدئذ تتحجب شيئا فشيئا وتنفصل عن عالم الرجال حيث أصبح البيت عالما خاصا بها تحيا وتموت فيه] انتهى

2ـ في نفس الكتاب ص125 كتب التالي: [يحكى عن ابي جهل انه كان مأبونا يؤتى من دبره ولكنه كان مع ذلك محترماً بين الناس يحف به الموالي والعبيد وتصب بين يديه الأموال] انتهى

أقول: الراحل الوردي يؤكد هنا على ارسطوطاليسيته حيث اوجد مقدمة كبرى هي السفور في الجاهلية الذي لم يثبته اصلاً ومقدمة صغرى هي عدم انتشار الانحراف الجنسي في الجاهلية وصدر الإسلام ليصل الى نتيجة سطحية تقول ان السفور يقلل الانحراف الجنسي/ حيث في الجاهلية لا يعرفون الشذوذ الجنسي الا قليلاً. وكما قلتُ سابقاً جاء من اتجاه اخر فأوجد مقدمته الكبرى الاخرى وهي انتشار الانحراف الجنسي /مأخوذ من تصرفات أبو نؤاس وبعض قصائده وانتشار الحجاب في العهد العباسي "الابو نؤاسي" ليخلص الى نتيجته القلقة التي هي ان الحجاب هو السبب في انتشار الانحراف الجنسي.

هل يُعقل ان أبو نؤاس عاش الانحراف ووصفه الوردي انه كان منحرف جنسي سالب "مأبون" يؤتى من دبره في صباه ثم تحول "بقدرة الى منحرف إيجابي يأتي الاخرين من ادبارهم بعد ذلك ومنه اخذ الوردي رأيه في انتشار الانحراف الجنسي في العراق "لا تقل عن40% من مجموع سكان المدن في العراق" يمارسون اللواط" ولا يدل انحراف أبا جهل وموقعه ومكانته على انتشار الانحراف الجنسي في قريش و قبول قريش و اهل مكة به؟؟؟ ومن هذا الطرح يمكن لمن يريد ان يقول ان مهرجانات قريش الدينية و التجارية قبل الإسلام كان منها نشاط تحت باب الانحراف الجنسي.

السؤال هنا: مع من كان أبا جهل يمارس الجنس هل مع اشخاص من الفضاء؟

ماذا يحصل في مواسم اكتظاظ أماكن قريش دينياً وادبياً؟

ماذا يحصل في رحلاتهم الطويلة المتكررة والتي يبتعدون فيها عن نسائهم لعدة أشهر؟

وماذا كان يدور بين الموالي والعبيد الذين يحيطون به واسيادهم وسيداتهم؟

لا يمكن لي ان أتصور ان ليالي الانس "القريشية" التي كان المنحرفون جنسياً ايجابياً يأتون أبا جهل المنحرف جنسياً سلبياً كما قال الوردي من دبره قبل الإسلام ومع بداية الاسلام كانت مختلطة حيث يجلب كل من يردها زوجاته وبناته بلباسهن الخليع/ السافر ليحضرن تلك الليلي ويتبادلن الأنخاب مع الحضور بوجود الغلمان.

وعن أبو جهل كتب الوردي في ص117 وعاظ السلاطين: [فالمؤرخون ينسبون الى ابي جهل كل عيب ونقيصة ويجردونه من كل فضيلة]... ثم يقول في ص118 من نفس الكتاب :[ان الفرق بين ابي جهل وغيره من نبلاء قريش في السلوك وتركيب الشخصية لم يكن كبيرا فمعضهم كانوا الطبقة المُرابية التي تستغل الضعفاء وتتعالى على الناس لكنه اختلاف بالدرجة لا بالنوع كما يقول أصحاب المنطق الحديث فمن سوء حظ ابي جهل انه قتل في معركة بدر في صف المشركين فنال بذلك اللعنة الأبدية ولو ان الصدفة ساعدته كما ساعدت غيره فنجى من تلك المعركة ثم بقي الى يوم الفتح لصار من كبار الصحابة او القُواد الذين رفعوا راية الإسلام ونصروا دين الله] انتهى

هنا الراحل الوردي ما جعل الانحراف الجنسي من "الفرق بين أبا جهل و غيره من نبلاء قريش" وهي إشارة الى الانحراف الجنسي ليس معيب وان النبلاء سواسية أي ال"لائط" وال"مليوط به" هم نبلاء لا فرق بينهم وفي هذا دلالة على شيوع وقبول انتشار الانحراف الجنسي في الجاهلية وليس كما يقول الوردي عن عدم انتشاره.

ثالثاً:

الجزء التالي يبدأ من ""ثالثاً"" لطفاً

أطفال الگاردينيا

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

1297 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع