سندس احمد النداوي
خصال شعرها الأشقر
حلمت فرح ان تكون فتاة لطيفة محبوبة من الجميع، وهي ذات ابتسامة جميلة، وشفاه عريضة ووجه حنطي يميل للسمرة اللامعة وعينين تهمس بصمت وشعر طبيعي أشقر يجذب انتباه زميلاتها في المدرسة حين ترفع الحجاب عن رأسها، وينزل الشال على كتفها، كان مجرد حلم خجول دار في رأسها ورسم ملامح شكلها وأنار وجهها الخجول بنبضة امل في يوماً جديد.
لم تكن فرح تعلم ان هناك من يترصد احلامها وينتظر ان تقع ليشاهد سقوطها لا لشيء سوى انه كره ابتسامتها، ووجهها الجميل المبتسم، لبست فرح زي المدرسة الأزرق الداكن، وقميصها الأبيض ناصع البياض مثل براءتها، حملت شنطة الكتب على ظهرها وتكاد الكتب من ثقلها تقسم جسدها النحيف مشت نحو المدرسة في اول ساعات الصباح الباكر وتتحدث مع صديقاتها عن جدول الدروس وما حوى.
كل يوم يمر على فرح وشقيقاتها فيه الكثير من العثرات والمشاكل التي لا تنتهي، رؤى اسم اختها الكبرى، وسجى اسم اختها الوسطى، وفرح الصغرى المدللة على أمها، امها التي انفصلت عن ابيها منذ سنين والبنات بين الأب والأم تارة هنا وتارة هناك، ام فرح امرأة جميلة الملامح أمضت سنوات زواجها من خالد صاحب كراج تصليح السيارات في مدينة الكاظمية ويرى ما يرى اشكال وأنواع من الرجال والنساء منهم أصحاب السيارات الفارهة، والمراتب العليا من الدولة، وهي صابرة على تصرفاته البذيئة وسوء معاشرته، كان يضربها ويهينها لأتفه الأسباب، ولم تطلب الطلاق من أجل بناتها وما يلاحقها من سمعة في مجتمعنا العشائري الذي لا يرحم امرأة مطلقة، وفي يوماَ عادت فيه باكرا إلى المنزل فاذا به مع امرأة أخرى في فراشها فطار عقلها وانهارت بالبكاء، فاذا به يطردها ويقول بصوت مرتفع: لم تكوني يوما المرأة التي تصلح ان تكون زوجتي. انهارت بصوت لم يسمعه أحد وانسدلت ستائر نوافذ بيتها من ثقل صمتها، كانت شتائمه رصاص من نار حطم كل ما فيها، وخرجت ونظرت خلفها وتخيلت وجوه بناتها وهم يجرون ثيابها (ماما ماما ماما) لا تخرجي لا تخرجي... كان خيال من أمل كاذب كطعنات تكوي روحها. ذهبت ام البنات إلى بيت أهلها وطالت غيبتها فاذا بمرض يصيب والدتها، وتركتها وحيدة وكم تمنت أن تذهب هي إلى الموت بدلاً عنها أمها ولكن دون جدوى، وبينما هي في بيت أهلها وصلها كتاب المحكمة يومئ بطلاقها، كاد الأمر يطبق على رأسها خوفاُ على مصير بناتها، مع من سيعيشون، وكيف ستصرف عليهم بعد ان كانت تمتلك الوظيفة وتركتها استجابة لمن كان زوجها، أفكار تتصارع، ويداً ترتجف، وهي توقع على انتهاء فصلاً مؤلم من حياتها.
عاش البنات معها، وعملت من اجلهم واشترت منزلا لهم بمال حصتها من منزل أهلها، ودارت الأيام، وكبر البنات وزاد جمالهن جمال، وكثر من يطلب الزواج حولهم، والأم تتمنى فرحهم والأب يرفض الواحد تلو الأخر، أصرت الوسطى على الزواج بزميل لها في الجامعة كان ابوها قد رفضه مرارا، ويعود مرة أخرى، غضب خالد لذلك وشرط على البنات العيش معه بعيدا عن امهم ظنناً منه بسوء تربيتها لهم، ولم تحتمل فرح فراق أمها التي تميزها عن اخواتها فهي المدللة الصغيرة (حبيبة أمها) حاولت الهروب اليها، وحين وصولها ارجعتها، وهي تقول لها: يا ابنتي لا تعصي اباك حتى لا يؤذيك، وعادت بها، وهو دائم اللوم عليها ويقول لها: انت السبب لم تربيها لتحترم اباها وتخشاه، وحينها قام بسجنها في حمام صغير متروك لا ماء فيه ولا شباك واخواتها يبكون خوفا عليها لا طعاماً يستطيعون ايصاله ولا ماء ويقولون لها...ليتك لم تهربي لما حصل لك هذا نرى ونسمع صراخه ولا نستطيع التفوه بكلمة معه حتى لا يكون مصيرنا مثلك.
انتهت مدة حبس فرح بعد نقلها للمشفى وتوسل أمها بأنها لن تهرب مرة أخرى، وعادت فرح للمدرسة بجسدها النحيل ووجها الشاحب، وقد ساء تقدير درجاتها، واستاء منها مدرساتها دون ان يعرفوا ما أصابها ليعفوا عنها، وفي يوم مهرجان مدرسي خلعت فرح حجابها في باحة المدرسة، واخذت تنثر شعرها الطويل امام زميلاتها لم تكن وحدها من رفعت الحجاب، ولكنها كانت الأجمل فلمحت احدى المدرسات ما تفعله فرح وراقبت تصرفاتها فغضبت، وهي التي تعرف قصتها وتعرف مدى قسوة ابيها فهي التي تتردد عليه في الكراج لتصليح سيارتها وخالد الذي كان يحب النساء ويعاشرهن بعقد زواج مؤقت او بدون زواج، وواحدة لا تكفي، وهو الظاهر المتدين، والباطن الخفي، ووجدت تلك المدرسة الوسيلة للحديث معه، وبينما هو يسألها: كيف هي درجات ابنتي فرح وما مستواها الدراسي.
فاذا بها تبتسم وتتغاضى فعاد السؤال عليها وقال لها: ان كانت قد اساءت بشيء أخبريني فأنت تعرفيني وتعرفين أمها، فأشارت بيدها نحو وجهها وقالت: فرح تتباهى بشعرها في المدرسة، ولا تهتم بدروسها وحذرتها أكثر من مرة ولم تستجيب لي وقلت احدثك بشأنها حتى لا يتم فصلها. ارتعد خالد غضباً على ما قالته تلك السيدة، واخذ يتوعد بعقوبتها وتأديبها، وما هي سوى ساعات حتى عاد وهو يحمل سوطاً ودخل غرفتها واقفل عليها الباب وأخذ يضربها وهي تصرخ: ماذا فعلت ابي لماذا تضربني، فقام بجلب ماكينة الشعر الكهربائية واخذ يحلق شعرها وهي تبكي وتصرخ: لا بابا لا ...لم افعل شيء ...لما كل هذا ...حرام عليك ...انا ابنتك... لا بابا لا لا بابا لا. لم يكن يسمعها وقد تملكه الغضب وكأن الشيطان قد اصمه واعمى عينيه واسكت قلبه، حتى أكمل حلق اخر شعرة في رأسها لتصبح فتاة صلعاء لا وجود لشعراً يغطي رأسها، وقد غطت الخصال الصفراء ثيابها وقدمها واحاط بالمكان كله ليشهد يوما على فتنة من مربية أجيال طالت فتاة جميلة انتقم من طفولتها اباها.
1010 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع