ناظم كزار؛ جلّاد قصر النهاية ١-٢)

                                                  

                           أحمد العبدالله

      

               ناظم كزار؛ جلّاد قصر النهاية(1-2)

لا يوجد حدث في تاريخ العراق المعاصر اتّسم بالغموض, مثل محاولة ناظم كزار الانقلابية الفاشلة في 30-6-1973, فالمعلومات عنها متضاربة لدرجة التناقض, والتأويلات عنها كثيرة, ومعظم الشهود رحلوا دون أن يدلوا بما يعرفون. كما يعود جانب من ذلك لشخصية كزار نفسها التي يكتنفها؛(الغموض والباطنية), حسب وصف جهاد كرم في كتابه؛(بعثيون من العراق كما عرفتهم). فهو كتوم وقليل الكلام ولا يفصح عن مكنوناته بسهولة, ولا يعاقر الخمر وليست لديه علاقات نسائية, وهما الوسيلتان اللتان تفكّان عقدة اللسان, كما إن جُلَّ وقته يقضيه في العمل, ونطاق علاقاته مع رفاقه محدود جدا, بسبب طبيعة شخصيته الحذرة والمعقدة والقلقة.

وفي كتاب قرأته مؤخراً عن(ناظم كزار)؛ مدير الأمن العام ما بين 1968-1973, والذي ارتبط اسمه بجرائم(قصر النهاية), سعى فيه مؤلفه لـ(تجميل) الوجه القبيح لهذا الجلاد, و(تبييض) صفحته السوداء, من خلال صفحات الكتاب التي ناهزت الـ800 صفحة!!, ولكنه كان كالذي أراد أن (يكحّل عينه فأعماها) . وهو يلتمس لكزار عذراً إنه؛(لم يقتل بعثيين)!!, وكأن قتل غير البعثيين؛(أمر مستحبّ, أو لا بأس به)!!. ولست هنا بصدد تشريح تفصيلي للكتاب وتبيان مثالبه التي يصعب حصرها أو عدّها*, فمؤلفه الانتهازي والذي غيّر جلده بعد الاحتلال, حاله حال كثيرين, من الذين يخوضون مع الخائضين وينعقون مع الناعقين, كان كـ(حاطب ليل), ذهب ليحتطب, فجلب الأفاعي مع الحطب!!.
هذا الكتاب الذي هو أقرب للـ(التوليف)منه للـ(تأليف), احتوى معلومات خاطئة**, وأخرى لا دليل عليها, وفصولاً كاملة منقولة بحذافيرها من كتب أخرى, وصفحات كثيرة وصور لا صلة لها بموضوع الكتاب أو مكررة, ويبدو إن الغرض منها (زيادة الوزن) طمعاً في زيادة المردود المادي من الجهة (الراعية)!!. وشهادات يوردها على علّاتها بدون تدقيق أو تصحيح أو تعليق, واستخلاصات شاذة ولا يُعتدُّ بها وتبعاً لهواه وأغراضه. وروايات مفبركة يناقض بعضها الآخر, فتجد رواية هنا, وبعد صفحات يعيد الرواية نفسها, ولكنها تختلف في سياقها عن التي قبلها, فيحتار القارئ بأيِّهما يأخذ ؟!. وهو يُكثر من استخدام كلمة؛(يُقال) حتى يعفي نفسه من ذكر المصدر.
وفيه أيضاً تحامل وافتئات على شخصيات طواها الموت محاولاً الصاق جرائم ناظم كزار بها. وشهود مجهولون, والشاهد الرئيسي هو شقيق ناظم كزار نفسه***!!. فهل نتوقع شيئاً من الموضوعية لهكذا شهادة سعى صاحبها بكل الوسائل, لتبرأة شقيقه من الجرائم, ويزعم إن ما اتُهم به؛(كلّه كذب وافتراء)!!. تلك الجرائم التي ذاق ويلاتها كلُّ من قاده حظه العاثر للوقوع في براثن كزار و(قصره), والذي هو(النهاية)فعلا. فـ(الداخل مفقود والخارج مولود).
وهذا الكاتب الذي أصيب قلمه بـ(الاسهال) بعد الاحتلال, وبدأ يدفع لمطابع شارع المتنبي؛(كتاب في كل شهر)!!, شرط أن تكون تلك الكتب تحتوي على أكبر كمية من الأكاذيب والشتائم للـ(النظام البائد)!!. النظام؛ الذي ترعرع في حضنه, وكان يدبّج المقالات في مدحه والتزلّف لقائده, طمعاً بمظاريفه(الدسمة)!!. والمصيبة إنه يسمّي نفسه؛(مؤرخ)!!. في هذا الزمن الرديء صار فيه كل من هبَّ ودبّ, يؤلف الكتب وينشرها ويؤسّس القنوات التي من خلالها يتقيأ ترّهاته, مادام هناك دور نشر وقنوات مشبوهة تدفع لمن(يكذب أكثر), وقرّاء أو متابعون مغفّلون ولا يميّزون الغثّ من السمين. إن كان هناك(سمين) أصلا.
(ناظم كزار لازم جندال)؛ شاب دون سن الثلاثين عندما انتشله صدام حسين من الصفوف الخلفية لحزب البعث, وسلّمه أهم جهاز أمني في الدولة, مع رتبة لواء فخرية وسلطات شبه مطلقة, رغم الاعتراضات والملاحظات السلبية التي أثارتها قيادة الحزب وقاعدته على هذا التعيين, بسبب السمعة السيئة السابقة له بخصوص التعذيب, كما إنه لا يملك خبرة أمنية أو سياسية, ومؤهله الدراسي لم يتجاوز الشهادة الثانوية, وعُرف بالقسوة المفرطة خلال وجوده في (مكتب التحقيق الخاص) مع عمار علوش بعد حركة 8 شباط 1963, أو حتى قبل ذلك التاريخ عندما كان معتقلا في سجن جلولاء سنة 1959. إذ يروي حسن علوي في كتابه؛(عبد الكريم قاسم.. رؤية بعد العشرين), والذي كان زميله في المعتقل, إن (هواية) ناظم, كانت مطاردة القطط والكلاب السائبة في ساحة السجن, وعقد(محاكمات ليلية)!! لها, يشاركه فيها رفيقه (محمد فاضل), وشريكه لاحقا في محاولته الانقلابية الفاشلة, والذي أعدم معه. وكان (قرار الحكم) هو الموت خنقا لتلك الحيوانات المسكينة, حيث يتولى كزار بنفسه عملية التنفيذ. فهذا هو تاريخ الرجل (النضالي), أو(خدمته الجهادية)!!.
ويبدو إن هذه(الهواية), بقيت ملازمة له, فهناك رواية متداولة عن كزار بعد أن صار مديراً للأمن العام, حيث كان في أحد الأيام يقضي القيلولة في بيت شقيقته المتزوجة, ويبدو إن طفلتها الصغيرة قد أزعجته بصراخها, فانتهرها فلم تسكت, فقام بهدوء وخنقها بيديه حتى لفظت أنفاسها!!, وبالطريقة نفسها التي كان يخنق بها القطط والكلاب سابقا, ثم عاد لفراشه ليكمل قيلولته ببرودة أعصاب (يُحسد) عليها !!. والطريف؛ إن مؤلف الكتاب المذكور يسأل شقيق ناظم كزار عن هذه القصة, فـ(ينفيها) هذا, جملة وتفصيلا!!.
الرئيس البكر لا يسمّيه إلاّ؛(وليدي)!!. ويذكر الطبيب الجراح وليد الخيّال في مذكراته, إنه أجرى عملية جراحية؛(فتق) لناظم كزار في مستشفى إبن سينا الرئاسي, وكان الرئيس البكر يقف على مدخل صالة العمليات وهو يوصيه به لأنه كما قال؛ مسؤول كبير في الحزب والدولة ومن أقربهم إليه, ويجب الاهتمام به ورعايته, ولم يغادر المستشفى حتى اطمأنَّ عليه. وكان من (المدلّلين) والمقرّبين جداً للنائب صدام حسين, والذي لا يذكره إلّا بـ( الرفيق أبو حرب), وكان الوحيد تقريبا الذي يقطع فيه صدام حسين أي اجتماع أو عمل ليقابله عندما يأتيه, ويدخل عليه فوراً وبلا استئذان, وبمسدسه.
في المقال القادم, إن شاء الله, سأتطرق إلى؛ كيف أعلن(الرفيق) أبو حرب,(حرباً)!! على الرئيس ونائبه, وكيف جازى جميلهما وما أغدقاه عليه من أفضال, بالغدر والخيانة ونكث العهد؟!!. وكيف توّعد مدينة تكريت بإزالتها من الخريطة, وقتل كل تكريتي وملاحقته حتى آخر الدنيا؟!!!. وما هو الرابط بين ناظم كزار وبين الحشد الشيعي الإجرامي الطائفي, الذي استباح المناطق الغربية بعد أربعين سنة من هلاكه؟!!.
......................................................
* المؤلف يكتب كلمة؛(يعون),هكذا؛(يعوون)!!. ويبدو إنه مغرم بـ(العواء)!!. بخلاف أخطاء في التواريخ والأحداث والتي لا تكاد تخلو صفحة واحدة منها. وهذا عدا الأخطاء الاملائية الكثيرة التي لا يقع بها من لديه أدنى إلمام بقواعد اللغة العربية. بينما يلمز في كتابه آخرين بأنهم (أميّون) أو (أنصاف متعلمين)!!. فهو يرى (القشة) في عين غيره, ولا يرى (القذى) في عينه.
** من أمثلة المعلومات الخاطئة التي يطفح بها الكتاب, هو ذكره في مواضع متعددة منه, إسم مدير الأمن العام في عهد عبد الكريم قاسم؛العميد عبد المجيد جليل, إنه كان أحد معتقلي قصر النهاية في زمن كزار!!. بينما هو قد تم إعدامه بعد 8 شباط 1963 مباشرة. ويبدو إن المؤلف قد (أخرجه من القبر بكفالة) !!. كما إنه يورد اسمه خطأً, فيذكره باسم؛(عبد الجليل مجيد)!!.
*** عند ذكره لشهادة برزان التكريتي عن مؤامرة ناظم كزار والمنشورة في كتابه؛(محاولات اغتيال الرئيس صدام حسين), والذي صدر عام 1983, يقول إنها؛(شهادة مجروحة)!!, لأنها, حسب زعمه؛ (مكتوبة من قبل أخ الرئيس ومن الطبيعي أن ينحاز لأخيه)!!. ولكن هذه الحجّة لا يطبّقها على شهادة شقيق ناظم كزار, والتي اعتمدها على علّاتها واعتبرها حجر الزاوية في كتابه!!. (خوش مؤرخ)!!.

أطفال الگاردينيا

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

681 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع