بسام شكري
الجيل الرقمي بين جهل الاسرة وتخلف الاساليب
بعد ان تطور العالم وحلت التكنلوجيا الجاهزة محل التفكير والابداع فقد تحولت العاب الأطفال الى مجموعة رقمية بدون روح اصابت الأطفال بحالة مشابهة للتوحد تجمع بين الغباء وقلة القدرة على التفكير الحر الا من خلال الأنظمة الرقمية التي بدأوا حياتهم باستعمالها كألعاب، فاذا اعتبرنا ان المرحلة الحالية هي مرحلة انتقالية بين الطريقة التقليدية في التفكير وبين الطريقة الرقمية لذا فنحن على اعتاب مرحلة جديدة لا نعرف ملامحها لغاية الان ولم يمكننا الحكم عليها هل ستستمر ام تتطور باتجاهات أخرى غير معلومة لدينا؟ لكن خبراء التربية في أوروبا ما يزالون مصرين على استعمال الألعاب التقليدية للأطفال الى جانب الألعاب الالكترونية في حين نلاحظ ان الطفل العربي قد انتقل الى الألعاب الالكترونية ولم يتعرف على الألعاب التقليدية التي كان يمارسها والديه من قبل والتي خلقت لديهم القدرة الإبداعية والجرأة والثقة بالنفس واستعمال التفكير في مواجهة الحياة والتفاعل مع الاخرين , وهذا ما جعله خائف من المجهول وخائف من تجربة أي شيء لا يمكنه التحكم به كما هو متعود على الضغط على الازرار للتحكم بالألعاب , في أوروبا مثلا المجمعات السكنية تحتوي على حدائق ومساحات لعب للأطفال وفيها مساحة للعب بالرمل وحديقة فيها العاب كالمزالق والمراجيح الهوائية والاحصنة الحديدية المثبتة على لولب متحرك وطاولات تنس المنضدة وغيرها , حيث يقوم الأطفال باللعب بالرمل وعمل مجسمات او بناء بيوت من ذلك التراب ويصرّ الاهل على اخذ أطفالهم ابتداء من سنتين الى تلك المناطق بشكل منتظم حتى لو كانت درجات الحرارة منخفضة لتعويد الأطفال على استعمال الايدي والانطلاق في الأفكار والاندماج مع الطبيعة, وفي البيت هناك أنواع مختلفة من الألعاب الميكانيكية لتركيب البيوت والسيارات على نظام الميكانو والطين الصناعي والطفل الأوروبي لا يستعمل الألعاب الالكتروني الا في السن الذي يتمكن من القراءة والكتابة بشكل جيد أي تقريبا في الصف الخامس الابتدائي والطفل الأوروبي يعيش مع الحيوانات المنزلية بشكل عام لذلك ينمو لديه الشعور بالرحمة والرأفة والحب للحيوانات والطبيعة وفي أوقات الاجازات يحرص الاهل على اخذ أطفالهم للعب بالرمال على الشواطئ او زيارة أماكن المفتوحة لإيواء الحيوانات , في حين الطفل العربي وخصوصا في دول الخليج العربي قد تحول الطفل الى لعبة الكترونية او جزء من اللعبة الالكترونية وترك الاهل الأطفال والمراهقين على حد سواء يستعملون الانترنيت بشكل غير منضبط والوصول الى معلومات مختلفة عن المخدرات والجنس والتدخين وافلام الرعب والجرائم واطلاعهم على تلك المعلومات بدون خبرة ومعرفة سابقة وبدون التعرف على ما قد تسببه لهم من اذى , واما من الناحية الغذائية فان الطفل العربي يعاني من سوء التغذية لعدة أسباب أهمها جهل الاسرة العربية بمحتويات المنتجات الغذائية التي تباع في الأسواق وخصوصا المصنعة منها ففي الاسر الغنية والمتوسطة وبسبب وجود عمال منزليين فان الطفل قد تأثر بطريقة اكل الخادم الاسيويين مثلا وفي بعض الاحيان يأكل نفس ما تأكله الخادمة الأسيوية ويتصرف مع الاخرين مثلما تتصرف هي وحتى في بعض الأحيان يتكلم لغتها , قبل فترة زرت عائلة خليجية وكان احد الأطفال الذي لم يتجاوز عمرة الثلاث سنوات يعاني من ضعف في مفاصل الأطراف الأربعة ولا يتمكن من التحكم بها فقد تنقلب رجله او يده للجهة المعاكسة بدون ارادته وقد كان حاد المزاج وعدواني ويضرب اخوته بشكل عنيف ولا يحب ان يتكل باللغة العربية وعندما سالت الام ما هي الوجبات الغذائية التي يتناولها قالت لي انه لا يحب أي شيء من الفواكه والالبان واللحوم وهو يحب الرز والمكرونة والبطاطا المقلية ويحب ان يأكل كل شيء مع الفلفل الحار او الكتجب ولا يحب الإفطار وفي بعض الأحيان يتناول العشاء معنا في الثانية عشر ليلا وفي كثير من الأحيان لا يتناول العشاء , مشكلة هذا الطفل سببها الام طبعا لأنها تركت الخادمة الفلبينية تربي الطفل وتطعمه بنفس طعامها فهي تحب الرز والمكرونة والفلفل الحار وتتكلم بالإنكليزية معه وقد اخبرت الوالدة بذلك وطلبت منها ان لا تكرر جملة ان الطفل لا يحب هذه الاكلة ويحب تلك الاكلة لأنه طفل ويجب علينا ان نعوده على تناول كافة الأطعمة والفواكه مثلما قامت الخادمة بتعويده وان نعمل جدول يوضع في المطبخ نكتب فيه ما يجب على الخادمة طبخه خلال الأسبوع من اسماك ولحوم ودجاج ويجب ان يتناول الطفل الوجبات الثلاثة الإفطار والغداء والعشاء المبكر , فكيف لطفل ان تنمو أعضائه وهو لا يتناول البيض والحليب يوميا ؟
الطفل العربي مظلوم بسبب عدم توفر برامج تربوية وغذائية له ويكبر بالسن وينمو جسمه بطريقة "على البركة" بدون تخطيط من قبل الأنظمة الحكومية الواجب عليها وضع ضوابط وأنظمة لرعاية الأطفال، فنشر الوعي الغذائي بين الأمهات ضروري لضمان نمو سليم لأجسامهم ولأجسام اسرهم ووضع قوانين لحماية الطفل من العنف الاسري والإهمال الاسري يضمن حماية للطفل ويردع أي جريمة بحقهم واما الأنظمة التربوية التعليمية العربية فحدث بلا حرج ومع الأسف لغاية الان الأنظمة التربوية في الدول العربية مازالت كما هي بعد وضعها من عشرات السنين ولم يتم مراجعتها بما يتناسب مع التطورات وحركة سير الاحداث فالتعليم اليوم في العالم قد اصبح علماً قائماً بذاته لكننا مازلنا نعتقد ان التعليم هو عبارة عن مناهج مكتوبة نوزعها سنويا على الطلبة يقوم المعلم بتلقينها للطلبة , في دول الاتحاد الأوروبي مثلا هناك قوانين تجبر الدول على مراجعة سنوية للأنظمة التعليمية من اجل حذف المنهاج الغير ملائم واضافة المنهاج الملائم ففي المانيا مثلا منذ الثلاثينات هناك مادة السباحة في المدارس الابتدائية حيث لا يحصل الطالب على شهادة الدراسة الابتدائية اذا لم ينجح في مادة السباحة وقد تم الغائها قبل عشرة سنوات وخلال المراجعة السنوية للحوادث لاحظت الدولة زيادة حالات الوفيات بسبب الغرق بين الشباب فتم إعادة مادة السباحة الى منهاج الدراسة الابتدائية حيث أن أجهزة الرقابة والتطوير تلاحظ كل المتغيرات للمواطن الألماني وتطّلع على كافة الإحصاءات الخاصة به من اجل الحفاظ عليه وتتخذ الإجراءات اللازمة , وعلى ذكر النظام التعليمي في المانيا فان عدد خريجي الجامعات في المانيا يعتبر اقل عدد خريجين في العالم نسبة الى عدد السكان لان الطالب الألماني ما ان ينهي الدراسة الابتدائية يحق له ان يأخذ تدريب ثلاث سنوات يبدأ بعدها بالعمل ويدخل سوق العمل ويتمكن عندما يصل الى الصف التاسع ان يأخذ تدريب سنتين ويبدأ حياته العملية ومنهم من يصل الى البكلوريا التي يطلق عليها المدرسة العليا يأخذ تدريب عملي سنتين ويبدأ حياته العملية والأقلية من الطلبة يذهبون للجامعة واما طريقة انتقال الطلبة من مرحلة دراسية الى أخرى فتخضع لاحتمالين معا وهما رغبة الطالب في الانتقال للحياة العملية او ان مستواه الدراسي يؤهله او لا يؤهله للاستمرار في الدراسة للمرحلة المتقدمة وهذا النظام معمول به من الدراسة الابتدائية الى الجامعة فاذا كانت درجات الطالب في الابتدائية لا تؤهله للانتقال الى الصف السابع لا يحق له الانتقال لان هناك مستوى درجات لكل مرحلة دراسية وهناك تقارير يكتبها المعلم حول كل طالب ويتم تغيير ذلك وفق معايير مستوى التدريب المصاحب ومستوى التكنلوجيا المتوفرة ومتطلبات سوق العمل التي تحددها إدارة العمل وفق طلبات الشركات والمصانع , فمثلا اذا صارت هناك حاجة الى مهندس الكترونيات كهرباء سيارات في مصانع السيارات يتم التعميم من قبل المصانع على الجامعات عن طريق وزارتي العمل والتعليم وترغيب الطلبة للالتحاق بذلك القسم في الجامعة وفي المانيا لا توجد مدارس خاصة وكل المدارس حكومية ونظام التعليم مجاني وموحد في كافة الولايات.
في غالبية الدول العربية ليس هناك أنظمة وقوانين تنظم حياة الاسرة والطفل ويترك الامر للأسرة لتربية أبنائها في ظل المتغيرات والتطورات العالمية التي تجهلها الاسرة العربية نفسها سواء من النواحي الطبية او الغذائية او استعمال التكنلوجيا وغيرها , والجيل الرقمي الجديد في المجتمع العربي قد يصبح جيلا لا يمت للواقع بصله ويتحول الشاب الى مدمن على الاسلوب الرقمي في التعامل مع الحياة ويستسهل كل شيء ولا يتمكن من مواجهة الازمات الدولية القادمة مثل وباء كورونا او الغزو الروسي لأوكرانيا وما تسببه في نقص الغذاء والوقود وغيرها من الازمات المتولدة عن تلك الازمات ونتيجة لابتعاد الشباب عن الواقع وتمسكهم بالواقع الافتراضي قد تصيبهم امراض وعاهات جسدية ونفسية نتيجة لانعزالهم عن الواقع فبدلا من لعب كرة القدم مثلا او الذهاب الى الملعب لمشاهدة المباراة فان الشاب يجلس في بيته ويلعب في الألعاب الالكترونية وبما انه تعود على الجلوس في البيت فانه سيصبح غير مهتم بالذهاب الى ملعب كرة القدم والتفاعل مع اقرانه الشباب.
ومؤتمرات رعاية الشباب وحماية الطفل نادرة الحدوث وإذا حدثت فان تلك المؤتمرات عبارة عن حفلات غداء وعشاء وتوزيع هدايا واستعراض فساتين لا يستفاد منها الجيل الجديد ولا حتى يشارك فيها فالدول مشغولة في أمور تعتقد انها ضرورية وقد تجاهلت اهم عنصر لبناء المجتمع وهو الانسان
الباحث
بسام شكري
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
1643 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع