د. سعد ناجي جواد
البرلمان العراقي ينتخب رئيسا جديدا للجمهورية ويسمي رئيسا للوزراء.. هل ما جرى يوم امس يمثل حقا بداية جديدة تدعو للتفاؤل؟
واخيرا، وبعد تأخير دام عام كامل، تم في غضون ساعات قليلة انتخاب رئيس جديد للجمهورية وتسمية رئيس للوزراء الذي وعد بتقديم تشكيلته الوزارية خلال ايام. ابتداء لابد ان يتساءل كل مراقب اذا كانت بالامكان الاتفاق بهذه السرعة، فلماذا تأخر الحل لمدة عام عانى خلاله الناس من مواقف لا تسر؟ ولكن هذا السؤال غير مهم لان جوابه واضح. فالأمر تم بعد ان حصل كل طرف على حصته وعلى كل ما يضمن له من مكاسب مادية وسحت حرام. واكبر دليل على ذلك هو ما بدأ كل طرف يتحدث عنه على اساس انها حقوق واستحقاقات لا يمكن ان يتنازل عنها، حتى وان كانت على حساب العراق وشعبه. وهذا امر اعتاد عليه العراقيون ايضا.
المسائل الاهم فيما جرى هي، اولا ما مدى ملائمة الوجوه التي تم تسميتها للمناصب التي تم اختيارهم لها. وثانيا كيف سيكون شكل الوزارة الجديدة؟ وثالثا والاهم كيف سيكون رد التيار الصدري الذي توعد بان لا يسمح للأطراف الخاسرة بالانتخابات بتشكيل حكومة جديدة؟ وها هي الحكومة على طريق التشكيل.
ابتداء ان اختيار الدكتور عبد اللطيف رشيد لمنصب رئيس الجمهورية لم يشكل مفاجأة، المفاجأة كانت في تراجع الحزب الديمقراطي الكردستاني عن المنافسة وسحب مرشحة الامر الذي سهل انتخاب الرئيس الجديد، حيث ان قيادات الديمقراطي الكردستاني كانت تصر الى اخر لحظة بانها لن تتنازل عن هذا المنصب. والسؤال الذي يثار ماهي المكاسب التي حصل عليها الكردستاني لكي يسحب مرشحه، ولماذا صرح رئيس الحزب (لقد انتصر الشعب الكردي)؟ وما هو هذا الانتصار؟
فيما يخص انتخاب الرئيس الجديد، فان السيد عبد اللطيف رشيد ليس بالاسم الجديد على الساحة السياسية العراقية بعد الاحتلال (من طريف ما حصل امس في البرلمان ان الشخص الذي كان يقوم بتثبيت الاصوات على اللوحة بين المتنافسين على المنصب كتب اسم الرئيس الجديد عبد الطيف، لاغيا اللام الاخرى، والأطرف انه لم يعترض احد من البرلمان ولا رئاسته على هذا الخطأ اللغوي لاسم معروف وشائع، الامر الذي يعطي مؤشرا على مستوى اعضاء البرلمان). وهو ايضا كان من وجوه (المعارضة) الخارجية وعاد بعد الاحتلال وشارك في الادارات الجديدة بصفة مستشار للمرحوم جلال الطالباني، وهو بالمناسبة عديله، ويعتبر جزءا من عائلته وحزبه حتى وان ادعى الاستقلالية، ومثله مثل سابقيه يحمل الجنسية البريطانية، وشغل منصب وزير الموارد المائية (الري) لمدة سبع سنوات. ويؤسفني ان اقول انه لم يظهر في ذلك المنصب اي تميز او انجاز كبير يذكر، وهذا الامر وللانصاف لا يسجل عليه فقط وانما على كل من احتل هذا المنصب من بعده، والامر يسري على الغالبية الساحقة من وزراء ما بعد الاحتلال. الملفت للنظر ان الدكتور عبد اللطيف نشر دراسات عديدة قبل فترة شرح فيها سبل مواجهة مسالة شحة المياه والتصحر المتزايد في العراق، واذكر اني عندما تسلمت احدى هذه الدراسات كتبت للصديق الذي بعثها لي، وهو احد اصدقاء السيد عبد اللطيف، قلت فيه (ولماذا لم يطبق السيد عبد اللطيف هذه الامور عندما كان وزيرا؟).
كعادتي في مثل هذه الامور اقول مبروك للرئيس الجديد، واتمنى عليه كما تمنيت على الذين من قبله ان يتصرف كرئيس لكل لعراق وللشعب العراقي بدون تمييز، وان لا يفضل مصلحة جهة او حزب على مصالح العراق. والاهم الاهم هو انه الزم نفسه بأمور حيوية وحساسة بالنسبة للعراق في خطاب الترشيح، ووعد باتخاذ خطوات حازمة في امور كثيرة تهم مصلحة الشعب العراقي، واكد (ان منصب رئيس الجمهورية في العراق هو ليس منصبا شرفيا او ثانويا وانما منصب جوهري)، وما علينا سوى ان ننتظر لنرى مدى التزامه بما وعد به، ام ان هذه الوعود ستكون شبيهة بوعود من سبقه، وكما يقول المثل المصري (كلام الليل زبدة تطلع عليه الشمس يسيح). (وقد احتفظت بكلمته كي تكون وثيقة لمحاسبته اثناء قيامه بمهمته وبعدها)،
بنفس المفهوم فان الحكم على رئيس الوزراء المرشح الجديد السيد محمد السوداني لا يمكن ان يصدر الان. نعم هناك مثلبة اولية تؤشر على طريقة اختياره، لان ذلك جاء من قبل غالبية فشلت في الانتخابات اي لم تنتخب وصعدت (بالزحف) وليس بأصوات الناخبين، ولكن وبعد ان تم هذا الامر ووضع الجميع امام الامر الواقع، سيكون العراقيون في انتظار التشكيلة الوزارية التي سيختارها، والذي وعد بانها ستكون وزارة خدمية وتضم وجوه كفؤة. والمعيار الاخر هو هل سيستمر على اسلوب المحاصصة واختيار الوزراء الذين ترشحهم الاحزاب، وخاصة تلك التي رشحته لهذا المنصب؟ وهل سيكون مراقبا حازما لادائهم؟ والاهم هو هل سيحاسب الفاسدين السابقين والحاليين ويعمل على استرداد الاموال التي سرقوها؟ ام ان الامر سينتهي، كما في السابق، بالتستر على الفاسدين. وهل سيحاسب قتلة المتظاهرين الشباب؟ ام ان من دعمه ويدعمه سيمنعه من فعل ذلك؟ كل هذه امور تحتاج الى صبر ووقت وانتظار، ولكن على السيد السوداني ان يتذكر ان الشعب العراقي قد يئس ومَلَّ من الانتظار بعد عشرين سنة من الفساد والوعود الكاذبة. وانهم لن ينتظروا اربع سنوات اخرى لكي يقرروا ما يفعلون ازاء اي فساد جديد. واعتقد ان افضل واسرع عمل يبدا به هو توضيح ابن ذهب المبلغ المخصص لقانون الامن الغذائي ( 25 مليار دولار) والذي تم التلاعب به بصورة شبه مفضوحة. ان عمل كهذا يوضح حقيقة النية في محاربة الفساد سواء كانت صادقة او انها كانت تستخدم لاغراض انتخابية.
ومع كل ما قيل اعلاه يبقى كل شي في العراق متوقف على رد فعل التيار الصدري. ويمكن القول ان النجاح في انتخاب رئيس للجمهورية ورئيس للوزراء يوم امس هو ليس نهاية المأزق والمشاكل التي استمرت عاما كاملا، وانما هو في حقيقته بداية لازمة جديدية لا يعلم الا الله سبحان وتعالى ماذا ستكون مألاتها ونتائجها. وبوادر هذه الازمة الخطيرة تجلت بوضوح يوم امس ايضا اثناء انعقاد مجلس النواب، عندما سقطت مجموعة من الصواريخ والقذائف على المنطقة الخضراء حيث مجلس النواب والمناطق السكنية المحيطة بها. وهذه اشارة واضحة لما هو آتٍ. واذا ما تذكرنا تصريحات قائد التيار الصدري السيد مقتدى الصدر التي قال فيها بانه لن يسمح للاطراف الخاسرة في الانتخابات بتشكيل الوزارة الجديدة، فان كل هذه الدلائل والاشارات تجعل كل العراقيين ينظرون بحذر لما هو قادم. ولا احد يمكن ان يلومهم او يلوم ترقبهم القلق لما سياتي في قادم الايام، بعد ما خبروه من صراعات واشتباكات دامية خلال الفترة السابقة.
واخيرا وليس اخرا فان ما يحز في القلب اكثر من اي شيء آخر هو الظاهرة المتكررة للوجوه (المحللين والمعلقين والصحفيين) التي بدأت مرة اخرى وكعادتها في السابق، التطبيل والتزمير للوجوه الجديدة وتعداد مميزات وكفاءات خارقة لهم غير موجودة فيهم واعتبارهم، وقبل ان تقوم باي شيء، المنقذين للعراق. هذا الكلام الذي اعتادوا ترديده بدون خجل بعد اي انتخابات وبعد اي اختيار لرئيس جديد سواء للجمهورية او للوزراء. وان يعمدوا هذه المرة الى احترام عقول وذكاء ومشاعر العراقيين الذين عانوا وما زالوا من الاحزاب الجديدة لمدة عقدين من الزمن.
حفظ الله العراق وشعبه. اللهم من اراد بهم سوءا فاجعل دائرة السوء تدور عليه.
3177 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع