د. منار الشوربجي
الآثار الصحية للعنصرية
فيديو قصير انتشر مؤخراً على تويتر يجسد في دقائق قبح العنصرية. فهو يدور في «سيسيم ستريت» بالولايات المتحدة، أي واحد من أكثر ملاهي الأطفال شهرة.
ففيه ألعاب يحبونها وشخصيات يعشقونها ويتمنون لقاءها. والفيديو يلتقط ما جرى لطفلتين سوداوين لا يتعدى عمرهما السبع سنوات. وفي الفيديو، تترجلان من على الدراجة وتهرولان نحو واحدة من تلك الشخصيات في زيها المعروف المزركش بالألوان، تمشي ببطء وتصافح الأطفال وتربت على رؤوسهم.
وما إن وصلت إلى حيث تقف الطفلتان، مدت كل منهما يدها لتصافحها، فإذا بها تتجاهلهما تماماً وتسير في طريقها دون حتى النظر إليهما. وقد راعتني تلك النظرة التي رأيتها في عيون الطفلتين.
فهي نظرة حيرة وخيبة أمل في عيون بريئة لم تدرك بعد حقيقة ما يحدث ولا لماذا يحدث. فالأرجح أن أسرة كل منهما سعت جاهدة لحماية ابنتها قدر استطاعتها من قبح العنصرية ولأطول عدد من السنوات.
ولا غرابة في سلوك هذه الأسر. فهناك قائمة معروفة من الأمور اعتادت الأسر السوداء بأمريكا تلقينها لأبنائها، متى بدأوا يشبون عن الطوق وقبل أن ينفتحوا على مجتمع البيض. فالسود يعيشون خوفاً مستمراً على أبنائهم عند اختلاطهم بالبيض.
فليس سراً أن الولايات المتحدة لا تزال من الناحية الواقعية تعيش فصلاً عنصرياً في المساكن.
صحيح أن هناك استثناءات لتلك القاعدة، إلا أنها تظل محدودة. والفصل العنصري الواقعي له تبعاته، إذ يعني عملياً أن كل جماعة تعيش بمعزل عن الأخرى تكاد لا تتفاعل معها. ومن هنا تأتي القائمة التي تلقنها الأسر لأبنائها.
ويأتي على رأس تلك القائمة تنبيه بتجنب رجال الشرطة البيض وبحتمية الامتثال فوراً إذا ما تم توقيفهم بالطريق. فأي بادرة مقاومة تشكل خطراً على الحياة، إذ قد ينتج عنها عنف شرطي يودي بحياة الابن. وقد صار العالم، بعد واقعة جورج فلويد، يدرك لماذا يتصدر ذلك التنبيه القائمة الأسرية.
غير أن القائمة لا تقتصر على التعامل مع رجال الشرطة، فمجتمع البيض ذاته قد يمثل خطراً محدقاً. وكثيرة هي تلك الحالات التي يستدعي فيها مواطنون بيض عاديون الشرطة لأن أحدهم، حتى لو كان جاراً لهم، «يثير الريبة».
والقائمة لا تتضمن فقط السلوك وإنما تشمل أيضاً المظهر. فما هو معتاد وطبيعي إذا مارسه البيض يصبح مثيراً للشك لو قام به فتى أو فتاة من السود.
فالأم مثلاً تعرف، حسب المدينة التي يعيشون فيها، الألوان التي لا ينبغي أن يرتديها الشاب لئلا توحي بأنه أحد أفراد عصابة بعينها. والتجول أو التريض في حي يقطنه البيض قد يعني أنه أتى لارتكاب جريمة ما.
وهو إذا نفض غبار سيجارته، قد يتعرض للتوقيف بتهمة إلقاء القمامة في الطريق العام، وعلى الشاب عدم الاقتراب مطلقاً من أية امرأة بيضاء.
أما الفتاة فعليها أن تخفض صوتها وتسعى لكظم الغضب إذا ما تعرضت لاستفزاز البيض. ويتحتم على الفتيات والفتيان أن يجتهدوا أضعاف جهد البيض لئلا يتهموا بالكسل.
بعبارة أخرى، وفي أدق تفاصيل الحياة اليومية فإن السود متى تركوا منازلهم، عليهم أن يحسبوا بدقة كل خطوة يخطونها لئلا يتعرض أحدهم للأذى. باختصار لا يحيا السود حياة طبيعية.
والأذى، وكما هو واضح، لا يقف عند حد الضرر البدني وإنما قد يكون لفظياً من خلال التعليقات التي يطلقها البيض بقصد الإهانة، أحياناً، وبدون قصد، في أحيان أخرى. وقد يكون نفسياً ومعنوياً، كما حدث مع الطفلتين.
ولا يعني ذلك أن كل البيض الأمريكيين لديهم نزعة عنصرية. فالمشكلة تنتج، تارة، عن إعادة إنتاج الصور النمطية في اللاوعي، وتارة أخرى عن الجهل ببني الوطن من المختلفين في اللون. فلأن الفصل العنصري لا يزال واقعاً معاشاً، فالكثير من البيض لا يعرفون شيئاً عن حياة السود ولا معاناتهم.
والحياة غير الطبيعية تلك تمثل ضغوطاً نفسية هائلة. فقد أثبتت دراسة صدرت أخيراً أن التعرض المستمر للعنصرية يؤدي لنوبات مستمرة من القلق تجعل صاحبها يشيخ قبل الأوان، ويصبح أكثر عرضة للأمراض المزمنة.
964 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع