مباحث في اللغة والأدب/١٢ نوادر شعرية ونثرية

                                                    

                          ضحى عبد الرحمن
                             كاتبة عراقية

    

مباحث في اللغة والأدب/١٢ نوادر شعرية ونثرية

الشعر العربي لا يوجد اجود منه ولا أصعب منه في الوقت نفسه، لإلتزام الشعراء ببحور الشعر والقافية وأصول النحو وتطبيق صور البلاغة بأنواعها من جناس وطباق، انه فعلا إعجاز أدبي، ومهما مرت الدهور فيبقى للشعر القديم لذته التي تتجاوز الزمان والمكان، ومخيلة الشاعر القديم خصبة وتجود بالحكم والأمثال، بل البعض منها يتجاوز الإبداع الى ما هو أرفع منه، انظر مثلا الى عنترة وهو يصف حبيبته عبلة وهو في أتون معركة طاحنة وصفا لا يمكن ان يصدقه العقل:

ولقد ذكرتك والرماح نواهل منّي وبيض الهند تقطر من دمي
فودتت تقبيل السيوف لأنها لمعت كبارق ثغرك المتبسم

من غرائب شعر المتنبي
ـ أغرب أبيات المتنبي، وهو نموذج من ابداعات اللغة العربية ، قيل" أن هذا البيت يمثل أحد مصائب اللغة العربية. ابسطها تصور اجنبي يقرأ كلمة (ملك) يمكن أن تكون: مَلِك أو مَلَك أو مُلْك أو مَلّكَ (وبنفس التهجي والتحريك قد تعني ضجر منك او منحه املاك) أو مُلِك أو مُلِّك ، تخيل المشكلة يوم كانت العربية بدون تنقيط ولا حركات ، فمن اغرب أبيات المتنبي.
أَلَمٌ أَلَمَّ أَلَمْ أُلِمَّ بِدَائِهِ ...... إِنْ أَنَّ آنٌ آنَ آنُ أَوَانِهِ
والتفسير هو
(أَلَمٌ) (أَلَمَّ) (أَلَمْ) (أُلِمْ) (بِدَائِه) ...ا
(إنْ) (أَنَّ) (آنٌ) (آنَ) (آنُ) (أَوَانِهِ) ...
بمعنى: (إذا) (توجع) (صاحب الألم) (حان) (وقت) (شفائه)
ـ قال عبد الرزاق بن أحمد بن عبد الله ابن الزبير الخطيب:
وإذا قرأت هذين البيتين بالهجاء حرفاً فحرفاً، كانا بيتي موالياً وهما
عين لام ميم تاء ألف نون كاف حاء باء يا ... واو قاف لام تاء واو دال كاف طاء باء يا
فاء راء ألف عين صاد دال كاف لام باء يا ... عين سين ألف ياء راء دال كاف راء باء يا
(أعيان العصر3/82).

ـ من بدائع بديع الزمان
من غرائب الشعر العربي الذي يدل على فهم عميق للغة والتفنن في إدارة العبارات بشكل ينم عن ذكاء مفرط واضطلاع كبير في علوم اللغة العربية هو بيت شعر لبديع الزمان وهو يقرأ من أحد عشر وجهاً وهو من أغرب ما جاء في هذا الصدد، ونحن نورده هنا لما فيه من الغرابة والعجب:
(كفى) نا بأنا في زمان مذمم ... يذاد عن الحق المبين ويدفع
(حزناً) أنا نزور معاشراً ... فنهمل فيما بينهم ونضيع
(أني) أقول مقالة ... فيمنعني منها اللئيم ويقمع
(بدار) أرذال ... قلوبهم غيظاً علي تقطع
(مذلة) ... وليس بها حراً من الناس ينفع
(أرى) كل من فيها عن الحق يدفع
(الذل) فيها دائماً ليس يقطع
(من) إرجائها يتنوع
(أ) كنافها يتسرع
(ملاكها) يتفرع
(يتوقع).

قالت وإن
ذكر السيوطي" أخرج عن الحسين بن الفضل البجلي البغدادي، قال: العجلة من الشيطان، إلا في خمسة أشياء، إطعام الضيف، والتوبة من الذنوب، وتزويج البكر، وتجهيز الميت، وقضاء الدّين". (المحاضرات والمحاورات/365).
ـ قالت امرأة من العرب:
قالت سُلَيْمى لَيْتَ ... لي بَعْلاً بِمَنْ
يغسِلُ رأسي ... وينسيني الحَزَنْ
وحاجة ما إن لها ... عندي ثَمَنْ
مستورة قضاؤها ... منه ومِنْ:
قالت بناتُ العم: … يا سلمى وإنْ
كان فقيراً ... معدماً قالت وإنْ
تري: وإن كان فقيراً معدما فزوجينه
ذكر ابن عصفور". (ضرائر الشِّعْر/184).

حروف الجر بأبيات شعر يمكن تعلمها بسرعة وبلا جهد:
قال الشاعر:
حروف الجر من والى وحتى وعن وعلى ومنذ ومذ فصلها
وفي خلا ورب وكذا كاف عد احاشا وعد الباء منها
(الكنز المدفون/14)

طلعت للبدر تنظره
صعد الإمام أبي عبد الله المازري وصاحب له سطحاً لارتقاب الهلال، فإذا امرأة على سطح آخر تلتمس الهلال أيضاً، فقال الإمام أبو عبد الله:
طلعت للبدر تنظره فأرتنا البدر قد طلعا
فقال صاحبه:
أنزلوا عنا فتاتكــــم لم تدع ديناً ولا ورعا
( الروض المعطار/521).

ـ المفاجأة عندما تغير الحروف
قال أحمد بن محمد بن يعقوب:
أيا ذا الفضل و اللام حـــاءُ.... ويا ذا المكارم والميم هاءُ
ويا أنجب الناس والباء سينٌ...ويا ذا الصيانه والصاد خاءُ
ويا أكـتب الناس والتاء ذالٌ...ويا أعـلم الناس والعين ظاءُ
تجود على الكل والـدال راء....فانت السـخي ويتـــلوه فاء
لقد صرت عيباً لداءِ البـغاء...ومن قبل كان يعـاب الـبغاء
عندما تغير الاحرف سيتوضح المعنى .

الله نجاني ونجى البقرة
يحكى إنّ أحمقا سار ببقرة فرأى أرنبا تحت شجرة ففزع منها، وركضت البقرة فأنشد:
الله نجاني ونجى البقرة من جاحظ العينين تحت الشجرة!
(زهر الأكم في الأمثال والحكم3/150)
فعلا كما قيل: الأحمق لا يبالي ما قال، والعاقل يتعاهد المقال

نادرة لغوية
حكى المبرد: قال يزيد على المنبر، وقد ذكر عبد الحميد بن عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب: وهذه الضبعة العرجاء، فتحدث الناس بزلته فيها وغلطته، لأن الأنثى يقال لها ضبع والذكر يقال له الضبعان فإذا جمعا قيل ضبعان". (الهفوات النادرة/90).

طرفة
ذكر ابو بكر الإشبيلي"حدثني محمد بن حاتم المؤدب قال: مرض النضر بن شميل بن خرشة المازني، فدخل الناس يعودونه، فقال له رجل من القوم: مَسَحَ اللهُ ما بك. فقال النضر: لا تقل: "مسح الله"، ولكن قل: "مصح"، ألم تنظر إلى قول الأعشى:
وإذا ما الخمرُ فيها أَزبدتْ … أَفَلَ الإِزبادُ فيها فمصَحْ
فقال الرجل: لا بأس، السين قد تعاقب الصاد فتقوم مقامها. فقال النضر: إن كان هذا هكذا؛ فينبغي أن تقول لمن اسمه سليمان: "صليمان"، وتقول: "رصول الله”، وتقول لمن يكنى أبا صالح: "أبا سالح"! ثم قال النضر: لا يكون هذا في السين إلا مع أربعة أحرف: الطاء، والخاء، والقاف، والغين فيبدلون السين صادًا في هذه إذا وقعت السين قبلها، وربما أبدلوها بزاي، كما قالوا: سراط، وصراط، وزراط". (طبقات النحويين/60).

طرفُّة لغوية
قال الحسن بن بشار البرقي: كان عندنا واحد يتكلم في البلاغة، فسمعته يوما يقول: لو كنت ليس أنا أنا، وأنا ابن من أنا منه، لكنت أنا أنا، وأنا ابن من أنا منه، فكيف وأنا أنا، وأنا ابن من أنا منه". (المجموع اللفيف/423).

من طرف الاشتقاقات
ذكر الخطيب البغدادي" حدثنا على بن العباس النوبختى قال بلغني ان أبا الحسن على بن العباس بن جريج الرومي عليل فمضيت إليه لاعوده أو قال جئت بن الرومي فرأيته عليلا قبل موته بيوم فقلت له أي شئ خبرك فقال أيش خبر من يموت فقلت كلا أرى سحنتك صافيه حسنة فقال هكذا من يموت يكون قبل ذاك حسن الوجه بيوم فقلت يعافى الله فقال خذ حديثي فان لم يقطع على ان اموت في هذه العلة فاصنع ما شئت أحببت ان اسكن في مدينة أبى جعفر فشاورت صديقا لي يكنى أبا الفضل وهو مشتق من الافضال فقال لي إذا عبرت القنطرة فخذ على يدك اليمنى وهو مشتق من اليمن واسال عن سكة النعيمية وهو مشتق من النعيم وعن دار بن المعافي وهو مشتق من العافية فخالفت لشؤمي واقتراب أجلي فشاورت صديقا يقال له جعفر وهو مشتق من الجوع والفرار فقال لي إذا عبرت القنطرة فخذ يسرة وهو مشتق من العسر واسال عن سكة العباس وهو مشتق من العبوس واسكن في دار قليب وهو مشتق من الانقلاب فقد انقلبت بي الدنيا كما ترى واعظم ما على يجتمع في هذه السدرة في داري في كل يوم العصافير يصيحون في وجهي سيق سيق فانا في السياق فعاودته من الغد فإذا هو قد مات". (تأريخ بغداد21/26).

من عجائب الكلم
قال محمد بن شاكر" قال شرف بن أسد المصري اخبرك أيها النحوي أن البشر سابخروى شطبطاب المتفرقل، والمتقبقب من جانب الشرشنكل، والديوك تصل كنهيق زقازيق الصولجانات، والحرفرف الفرياح ببيض القرقنطق والزعربرجر احلبنبوا يا حيز من الطيز بحبح بشمردلو خاط الركبكو شاع الجبربر بجفر الترتاح بن يبسوشاح على لوي بن شمندوخ، على لسان القروان مازلوخ، أنك أكيت أرس برام المستلطخ بالشمردكند مخلوط، والزيبق بحبال الشمس مربوط، علعل بشعلعل، مات الكركندوس أدعوك في الوليمة، يا تيس، تش يا حمار يا بهمية، أعيذك بالزحواح، وأبخرك بحصى لبان المستراح، وارقيك برقوات مرقات قرقرات البطون، لتخلص من داء البرسام والجنون". ( فوات الوفيات2/104).

طرفة: المكان غير المناسب
من طريف ما قيل" زار عبادياً رجلٌ من إخوانه فأجلسه على مصلى نظيف وغدَّاه وسقاه، فسكر الضيف وسَلَح على المصَلَّى، فأخذ العبادي بيده وأدخله الكنيف فنام فيه، فقال: فديتك يا سيدي، أنت تخري حيث ينام الناس، وتنام حيث يخرون" (قطب السرور/95).

ضحى عبد الرحمن
العراق
ايلول 2022

  

إذاعة وتلفزيون‏



أفلام من الذاكرة

الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

589 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع