الـدكـتور مـحمود الحاج قاسم محمد
باحث في تاريخ الطب العربي الإسلامي
طـبيـب أطـفال – الموصل / العراق
دور التنجيم في الطب عند الأطباء العرب والمسلمين
قبل كل شئ لابد من الإشارة إلى أن علم النجوم هو غير علم التنجيم ، فعلم النجوم ( أو علم الهيئة ) هو العلم الموثق الذي يبحث في طبيعة الكواكب وأفلاكها وحركاتها ويعتمد في ذلك على رصدها بحسابات علمية صحيحة دقيقة . أما التنجيم ( آو علم النجامة = صناعة أحكام النجوم )
فهو العلم الذي يبحث في تأثير النجوم على الكائنات الأرضية بما فيها الإنسان ، وهو علم مبني على تجارب شخصية غير دقيقة وحدس وتخمين غير علمي ، يمارس متعاطوه الأخبار بالمستقبل من خير أو شر أو مرض ، ويدعون بأنهم يستنتجون معرفة الغيب من التطلع إلى النجوم أو من حسبان حركتها وأوقاتها .
سيكون تناولنا للموضوع ضمن أربعة محاور :
المحور الأول – دور التنجيم في الطب في بلاد ما بين النهرين :
يعتقد الكثيرون بأن(( شعوب ما بين النهرين ، ومنهم البابليون بصفة خاصة ، أول من تدارس ظواهر النجوم وعلاقتها بما على الأرض من الكائنات النباتية والحيوانية وما يصيبها من الأمراض والهلاك . وكانت العقائد الدينية والسحر والطب بين تلك الشعوب معارف مترابطة بوشائج متينة ويتعاون من يمارس أياً منها ، كل بميدان اختصاصه ،لتشخيص الأمراض ومعالجتها . وكان الأطباء أحياناً من فئة المنجمين ، أو انهم يمارسون التنجيم إضافة إلى التطبيب ، وهم والمريض معهم ، يعتقدون بوجود رابطة بين الإنسان وأمراضه من جانب وما يحدث في الفضاء الكوني من اضطرابات أرضية أو سمائية من جانب آخر . والجانبان في نظر تلك الشعوب عالمان متلازمان هما عالم الكون وما فيه من نجوم وأفلاك ، وعالم الإنسان وما ينطوي عليه من روح وجسد وعافية ومرض )) .
المحور الثاني – دور التنجيم في الطب عند اليونانيين والرومانيين :
اعتبر اليونانيون القمر عاملاً مهماً في دورة الطمث ، وحسبوا أن إطالة النظر إليه يساعد على شفاء بعض الأمراض ، كما نسبوا لترابيعه ( أسابيعه ) نفوذاً خاصاً في خلق الإنسان وحياته ، فكان اليوم السابع ( 7 ) أو مضاعفاته ( ترابيعه )مما لا يصح أن يمارس فيه الأطباء صناعتهم وهذا ما كان يفعله البابليون قبلهم . كما ربطوا بين الرقم (7)الذي يمثل وحدة الأسبوع ( تربيع الشهر القمري ) وبين ظاهرة الطمث التي تحدث كل ( 4 × 7 ) يوماً، وسن بلوغ الفتيات بعمر
( 2× 7 ) سنة ، وعدة الحمل التي تطول إلى ( 40 × 7 ) يوماً.
((كما كان في اعتقاد اليونانيين أن أصل الأعشاب التي اكتشفوا منافعها الطبية قد إغتاذت من دموع الآلهة أو انحدرت من رضابها)) .
(( وأنها من حيث خصوصياتها في الطب تختلف باختلاف الآلهة المسؤولة عن نباتها وإدامة نموها …وكان الذين يقتلعون جذور الأعشاب أو يقطفون أوراقها أو يجنون ثمارها يفعلون ذلك
بأصول وبأجواء وظروف خاصة يأنس لها الإله النجم الذي يبعث في تلك الأعشاب خاصية الشفاء ، فيلتقطون بعضها تحت جنح الظلام ، وبعضها الآخر في ضوء القمر أو على ترانيم المصلين )). (( وكذلك افترض اليونانيون تناوب النجوم على تدبير حياة الأجنة في الأرحام )) .
وأيد كبار فلاسفة وأطباء اليونانيين تلك المعتقدات ، وكان أفلاطون معتدلاً في إيمانه بأحكام النجوم على قدر علاقتها بالطب ، على أنه كثيراً ما يلمح إلى التشابه والترابط الضمني بين الأداء المنظم الذي تنجزه أجهزة الجسم بهدوء ، والظواهر الكونية التي تجهر بها الطبيعة .
ولم يغفل أبقراط ( ت 375 ق. ب.) هذا الموضوع فقال (( إن علم النجوم ليس بجزء صغير من علم الطب )) بل أكد أن للتنجيم ميداناً واسعاً في ممارسة علاج المريض فقال (( إن طلوع الكواكب وغروبها هي علة تغير الأزمان وتغير الأزمان هي تغير الأبدان )) .
وأخيراً إن جالينوس اعتقد بأن لترابيع الشهر القمري تحكم في بحارين الأمراض ( البحارين تعني في مفهوم الطب في ذلك الزمان التغيرات التي تحدث فجأة بالمرض نحو الأحسن أو الأسوأ ) جاء في الحاوي للرازي (( قال جالينوس هذا شئ قد بلوته بعناية شديدة فوجدته صحيحاً ، وهو أن القمر إذا كان موضع السعود في أيام المرض ، كانت أياماً صالحة وبالضد . وقال : وإذا كانت النحوس في أصل المولد في مواضع فمتى صار القمر في تلك المواضع أو تربيعها ومقابلتها كان حال ذلك المولود ردياً ، وكذلك الحال في السعود ، فإنها إذا كانت في مواضع فمتى كان القمر في تلك أو تربيعها أو مقابلتها حسن حاله وأمراضه السليمة هذه وغير السليمة تلك على نحو ما يقع له . وإن اختلطت السعود والنحوس تكون سلامة الأمراض ورداءتها ، فأي مرض عرض له والقمر في مواضع السعود أو تربيعها أو مقابلتها كان أسلم ، وإذا ابتدأت أمراضه والقمر في مواضع النحوس في الأصل أو تربيعها أو مقابلتها فهو أردى )) .
و هنا لابد من الإشارة إلى أن علم النجوم والتنجيم عند اليونانيين له جذور متصلة بنظيرهما عند معاصريهم الكلدانيين ( القرن السادس للميلاد ) ، يقول سارتون (( لكن التنجيم الذي انتقل إلينا بواسطة الرومان كان اختراعا من زمن متأخر ، كما يشير إلى ذلك اسمه المعروف به ، أي ( التنجيم الكلداني ))) .
المحور الثالث : دور التنجيم في الطب العربي الإسلامي :
(( بعد أن راجت سوق المنجمين ( باتخاذ بعض الخلفاء العباسيين منجمين لهم ، وكثرت ما ترجم من كتب التنجيم اليونانية أو الهندية أو ما ألف ) . وفي غمرة العجب من فتاوى المنجمين الصائبة ، ومع ازدياد إيمان كثير من الناس بهم أكثر من الأطباء وأدويتهم سيما وأن في الطب يومئذ نظريات وافتراضات لم يقتنع بها المتعلمون في هذه المهنة ، فضلاً عن جهل الناس بها .
في ظل هذه الأجواء شغف بعض الفلاسفة والأطباء العرب والمسلمون بالتنجيم )) .
ويمكن تلمس ذلك الاهتمام من خلال الفقرات التالية :
أ – الإشارات الدالة على تبني بعض الأطباء لتلك المعتقدات التنجيمية :
عندما نقل الأطباء العرب والمسلمون أفكار الأطباء اليونانيين ( خاصة أبقراط وجالينوس ) في معالجة الأمراض نقلوا معها اعتقادات أولئك الأطباء بالتنجيم وتمسكهم بأحكام النجوم كوسيلة مساعدة في معالجة المرضى ، وتأثير النجوم على نشوء الأمراض ومستقبل أيامها من تطور إلى الأحسن والأردأ وقد سبق ذكر أقوال أبقراط وجالينوس في ذلك . وهنا لابد من الإشارة إلى أن موقف الأطباء العرب والمسلمين حول أحكام النجوم كان متنوعا كتنوع علاقتهم بالسحر ، فكانوا فريقين يؤيد بعضهم ذلك ويفند آخرون ، نذكر فيما يلي بعضاً من آراء المؤيدين حسب تسلسلهم التاريخي :
1- كان علي ابن ربن الطبري أول من أشار من الكتاب المسلمين إلى تقارب الصناعتين ، الطبية والتنجيم ( أحكام النجوم ) ، وأغلب ما ذكره هو نقل عن أبقراط ذكره في كتابه فردوس الحكمة في الطب في ( الباب الثالث والعشرين : في البحرانات )
2- وأدلى أبو يعقوب الكندي ( 185 – 252 هـ / 801 – 874 م ) دلوه في أحكام النجوم وعلاقة الطب بها فقال بثقة : إن منفعة الطب لا تتم إلا إذا كانت صناعة النجوم مقرونة بدلائلها وليس أكثر من هذه الفتوى ما يفيد بضرورة تعلم الطبيب صناعة أحكام النجوم ، وإلا كان الطب عنده ناقصاً لا يستفيد منه المرضى .
وللكندي نفسه رسالة أخرى في الأبراج الفلكية وارتباطها بالطب ، ومعرفة برج المريض
( كما سنذكر فيما بعد ) هو المدخل إلى عملية تشخيص علته وطريقة علاجها ))
3 – وذكر حنين ابن إسحاق ( 194 – 260 / 809 -873 م ) في كتابه المد والجزر ، حول دلائل القمر على الحيوان والنبات والمعادن في زيادة ضوئه ونقصانه نقتطف بعضاً من أقواله : (( فأما المرضى فإنك تعرف كثيراً من حالاتهم من زيادة القمر ونقصانه منه ، لأن الذين يمرضون في أول الشهر ، فإن أبدانهم تكون على العلل أضعف ، ولاختلاف حالات الأبدان في وقت زيادة القمر في ضوئه ونقصانه منه تختلف العلل أيضاً )) .
4 – وليوحنا بن بختيشوع ( ت 278 هـ/ 891 م ) طبيب الموفق أخي الخليفة المعتمد رسالة فيما يحتاج إليه الطبيب من علم النجوم يقول فيها :أن الكواكب في بعض مواقعها تنبئ عن بعض الأمراض مستقبلاً ، وما يمكن أن يفعله الطبيب لدفعها أو علاجها بسلام ، وهذا ما يفيد بشكل خاص زمان إجراء الحقن والفصد والحجامة . فإن هدر الدم من الرقبة بالفصد مثلاً غير ملائم لسلامة المريض إذا كان القمر في برج الثور والنزف من الظهر غير ملائم أيضاً إذا كان القمر في برج الأسد ، أما الحقن فهي غير صالحة إذا كان القمر مقترناً بزحل ، وأنها تكون أصلح واسلم حين يكون القمر مع المشتري .
5 - كما تبنى أبو بكر الرازي ( ت 320 هـ/ 932 م ) مقالة جالينوس عن حالة المرضى في البحرانات وأيامها ، من أن القمر إذا كان في موضع السعود في أيام المرض كانت أيامه صالحة وبالضد . كما خصص الرازي في كتابه الحاوي فصلاً أخذه عن جالينوس يستعان به من علم النجوم في مدارات المرضى وعلاجهم ونفوذ الرقمين 7 ، 14 ( 2 × 7 ) في دورة الأمراض ، حيث قال إن الترابيع من الشهر القمري ( 7 ، 14 ،21 ،28 ) التي تقع فيها الأمراض تكون عظيمة جداً . وواضح أن هذه الأفكار قد أخذها جالينوس عن التنجيم الكلداني .
6 - وجاء في رسائل إخوان الصفا ( 334 -447 هـ/946 -1055 م) (( أن فعل النجوم هي الأصل والعمدة في جميع الشؤون الأرضية والحياتية . فإذا عرفت العلة وشخص السبب وحان تطبيق العلاج ، فيجب حينئذ أن ينظر في مولد المريض ، فإذا عدم ذلك نظر في الطالع الذي دخل فيه ، وبموجبه يعرف ما في الغيب من موت أو شفاء )) .
7 - وكمثال نموذجي نذكر كتاب ( الرسالة في ما يحتاج الطبيب من علم الفلك ) لمؤلفها أبي نصر عدنان العين زربي ( ت 548 هـ/ 1153 م ) وقد كان الطبيب الشخصي للخليفة الفاطمي الظافر بأمر الله في القاهرة . فبعد أن أشار إلى أقوال أبقراط التي ذكرناها آنفاً على صورة مقدمة بين أن عدداً من الكواكب السيارة حول الشمس في بعض مواقعها يمكن أن تنبئ عن مستقبل بعض الأمراض . فعلى الطبيب أن يستخدم معرفة هذه الأشياء بهدف تشخيص الأمراض والتعرف إلى عواقبها ومآلها .
ولذلك تجب مراقبة منازل النجوم خاصة في حالات النزف ، وعلى سبيل المثال نقرأ ما يلي (( النزف – يقصد الحجامة – من الرقبة غير ملائم إذا كان القمر في برج الثور ، كما أن نزف الظهر غير ملائم أيضاً عندما يكون القمر في برج ذلك العضو الذي سيحجم .
8 - وذكر القزويني ( ت 682 هـ/1283 م) في كتاب عجائب المخلوقات ((أن الأطباء ذهبوا إلى أن أحوال البحرانات وتقارب أيامها مبنية على زيادة ضوء القمر ونقصانه وكتب الطب ناطقة بذلك ، وزعموا أن الذين يمرضون في أول الشهر أبدانهم وقواهم على دفع المرض أقوى ، والذين يمرضون في آخر الشهر بالضد )) .(( ومنها أن الإنسان إذا أكثر القعود أو النوم في ضوء القمر تولد في بدنه الكسل والاسترخاء ويهيج عليه الزكام والصداع )).
وفي موضع آخر يقول في فوائد القطب الجنوبي (( وزعموا أن لهذا القطب فوائد منها أن كل حيوان أنثى إذا تعسرت ولادتها تنظر إلى القطب وإلى سهيل تضع في الحال . ومنها أن من انقطعت عنه شهوة ألباه من غير شرب دواء يداوم النظر إلى القطب الجنوبي في ليال متوالية ترجع إليه شهوته .
ومنها أن صاحب الثآليل إذا أخذ بعدد كل ثؤلول ورقة من شجر الغرب ويومئ إلى القطب ويقول هذا لقلع الثآليل حتى يقول اثنين وأربعين مرة ، إما في ليلة واحدة أو في ليال ثم يدق الورق في هاون إسفيدوز ويجعله على الثآليل فإنها تجف وتنفرك )) .
وفي جميع الكتب التي أسلفنا ذكرها ، وفي كثير غيرها أيضاً ، لا ينسى مؤلفوها من إسداء النصيحة ، ضمناً أو صراحة للأطباء الممارسين ، على استشارة المنجمين دفعاً للمسؤولية وضماناً لإبراء المرضى . وفي مواقف الأطباء والمنجمين يحدث أحياناً وخصوصاً عند اختلافهم في توقيت العلاج بالمسهلات أو الحقن ، أن ينتهي الأمر بإهمال رأي الطبيب والأخذ برأي المنجم ، والمنجمون في هذه الحالة لا يخسرون شيئاً في حكمهم إذا هلك المريض ، لأن قاعدتهم الواسعة بين أكثرية الناس تغطي أخطاءهم بأنواعها ودرجة خطورتها )) .
ب – الأبراج وتأثيرها على الصحة والمرض :
لقد اهتم المنجمون والأطباء العرب والمسلمون الذين أبدو ميلاً لآرائهم بمسألة الأبراج ، فحددوا الأمراض التي يمكن أن تصيب الأشخاص كلاً حسب برجه ووضعوا في ذلك جداول وتقسيمات استنتجوها كما يدعون من رصد تلك النجوم .والتقسيمات التي وردت للأبراج في كتب الطب العربية تكاد تكون متشابهة نذكر فيما يلي ما نقله المرحوم الدكتور كمال السامرائي عن البيروني :
1- من يكون برجه الحمل فهو عرضة ، للصلع والشقيقة والسلع والجرب والربو والجمرة الخبيثة في الوجه.
2- ومن يكون برجه الثور فيتعرض للكلف ونتن الأنف والتهاب الحنجرة .
3- ومن يكون برجه الجوزاء يكون مزاجه متقلباً، ويتعرض للكلف والنقرس والنزلات الصدرية .
4- ومن يكون برجه السرطان تكثر فيه العلل بما فيها أمراض الرئة والمعدة وتمدد الأوعية الدموية ، كالدوالي والبواسير وأمراض الجلد كالقوباء والنقرس والسرطان .
5- أما من يكون برجه الأسد فهو كثير الشكوى من بدنه ، ومن أمراض الأوعية الدموية والقلب وأوجاع العضلات ونتن الفم وأوجاع المعدة ، واللسع تحت الجلد .
6- ومن يكون برجه الدلو فيتعرض بكثرة لأوجاع النقرس كما يتعرض لغلبة المرة السوداء والمالينخوليا .
7- ومن يكون برجه السنبلة يكون نحيف البدن ، أصلع الرأس .
8- أما من يكون برجه الميزان فيتعرض بكثرة لأمراض الكلى وأمراض الصدر .
9- ومن يكون في برج العقرب يصاب بالبرص والقوباء وعسر البول ونتن الأنف ومرض السرطان .
10- ومن يكون برجه القوس يتعرض للنقرس والنزلات الصدرية والعور والعمى والصلع .
11- ومن يكون برجه الجدي فقد يولد كمياً العينين ، ويتعرض للنزف الدموي والخنازير والآكلة وداء الفيل
12- ومن يكون برجه الحوت يكون كثيف الشعر إلا أنه يتعرض للقوباء والبرص والنقرس وغلبة المرة السوداء .
ج – علاقة النجوم بالحمل والولادة والجنين :
لقد كان للمنجمين فيما يتعلق بالحمل وتطور نمو الجنين وولادته أقوال وآراء وتحديدات ، ذكرها الأطباء في كتبهم بشكل عرضي من دون أن يفندوها أو يؤيدوها . نذكر فيما يلي ما جاء في كتاب خلق الجنين وتدبير الحبالى والمولودين لعريب بن سعد الكاتب القرطبي حيث يقول :
((فأما المعتقدون برأي النجم والقول بتدبير الكواكب فإنهم يزعمون أن الجنين في الشهر الأول إذا كان نطفة لا صورة لها فإنها في تدبير زحل وهو كوكب طبعه البرد واليبس والإفساد ولذلك تكون النطفة جامدة لا حس لها ولا حركة .
ويكون الجنين في الشهر الثاني في تدبير المشتري وهو كوكب طبعه الحر والرطوبة فيبدأ فيه النمو والزيادة ويصير بضعة لحم فإن كان ذكراً فلونه أبيض وصورته إلى الاستدارة وإن كانت أنثى فلونها أحمر وصورتها شبيهة بالموزة .
ويكون الجنين في الشهر الثالث في تدبير المريخ وهو في طبعه حار يابس فتصير النطفة كاللحم المشرح بعصب ويظهر فيها الدم .
ويكون الجنين في الشهر الرابع في تدبير الشمس الحارة اليابسة الدالة على تكون الأشياء فيبتدئ بالحركة ويستبين خلقه إستبانة تامة .
ويكون في الشهر الخامس في تدبير الزهرة وهي باردة فيتكون دماغه وعظامه وجلده .
ويكون في الشهر السادس في تدبير عطارد المعتدل في الحر واليبس فيتكون لسانه وسمعه .
ويكون في الشهر السابع في تدبير القمر الذي له الحركات السريعة فيتم الجنين ويتحرك للخروج فإن ولد في هذا الشهر عاش وإنما لأنه قد تم في تدبير الكواكب السبعة .
وإن بقي في الرحم عاد في الشهر الثامن إلى تدبير زحل البارد اليابس المفسد فسكنه وأمرضه فإن ولد فيه لم يعش .
ثم يصير في الشهر التاسع في تدبير المشتري أيضاً وهو حار رطب حال الحياة والنمو فإن ولد فيه الجنين عاش وكذلك في الشهر العاشر .
وذكر أهل التنجيم أيضاً أن كل جنين يجاوز في الرحم مائتي يوم ويومين ونصفاً لا يعيش حتى يبلغ مائتين وسبعة وخمسين يوماً سمي ذلك المكث الأوسط .
فإذا بلغ مائتين وثمانية وثمانين سمي المكث الأكبر وهو حد لا يمكن أن يبلغ الجنين أكثر منه في بطن أمه فيولد كاملاً خصيب البدن تام القوة . ومدة ذلك في الشهور القمرية تسعة أشهر وثلاثة أسابيع فهذه أكثر الغايات عند أهل التنجيم في مكث الأجنة في البطون )) .
ويذكر عريب بأن المنجمين يتابعون نمو وتطور الطفل حتى يكبر إلى أن يصبح رجلاً ويشيخ ويموت ، ويدعون أنه في كل فصل من فصول حياته يكون تحت تأثير أحد النجوم السبعة المذكورة آنفاً ولضيق المجال سوف لن نذكرها ولمن يود الإطلاع يمكنه مراجعة المصدر .
المحور الرابع – رأي الدين الإسلامي في التنجيم :
قبل أن ننهي الموضوع لا بد من وقفة قصيرة ، حول موقف الدين الإسلامي من العلم بالغيب والتنجيم وقراءة الطوالع :
1 – ما جاء حول ذلك في القرآن الكريم : حيث وردت كلمة الغيب في أكثر من عشرين آية ، تبين جميعها وبشكل لا لبس فيه أنه لا يعلم الغيب إلا الله وحده جل جلاله . ولضيق المجال نكتفي هنا بذكر آيتين فقط ، يقول تعالى : (( قل لا يعلم من في السماوات والأرض الغيب إلا الله)) سورة النمل آية65. ويقول جل جلاله أيضا : (( عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحداً )) سورة الجن آية 26 .
2 – ما جاء حول ذلك في أحاديث الرسول ( ص ) : تصديق الكاهن والمنجم عده الفقهاء من الكبائر ، وقد جاء ذلك في أحاديث كثيرة عن رسول الله ( ص ) نورد بعضاً منها ، يقول
( ص ) : (( من أتى عرافاً أو كاهناً فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد )) رواه أبو داؤد والترمذي وابن ماجة من حديث أبي هريرة . وقال ( ص ) أيضا (( من أتى عرافاً فصدقه بما يقول لم تقبل له صلاة أربعين يوماً )) رواه مسلم .
موجز البحث :
دور التنجيم في الطب عند الأطباء العرب والمسلمين
الدكتور محمود الحاج قاسم محمد
التنجيم ( أو علم النجامة = صناعة أحكام النجوم ) علم مبني على تجارب شخصية غير دقيقة وحدس وتخمين ، يمارس متعاطوه الإخبار بالمستقبل من خير أو شر أو مرض . ضم البحث:
المحور الأول : دور التنجيم في الطب في بلاد ما بين النهرين : يعتقد الكثيرون بأن شعوب ما بين النهرين أول من تدارس ظواهر النجوم وعلاقتها بما على الأرض من الكائنات وما يصيبها من الأمراض والهلاك .
المحور الثاني : دور التنجيم في الطب عن اليونانيين والرومانيين : افترض اليونانيون تناوب النجوم على تدبير حياة الأجنة في الأرحام . وكان أفلاطون معتدلاً في إيمانه بأحكام النجوم على قدر علاقتها بالطب . وأكد أبقراط أن للتنجيم ميداناً واسعاً في ممارسة علاج المريض . واعتقد جالينوس بأن لترابيع الشهر القمري تحكم في مستقبل الأمراض نحو الأحسن أو الأسوأ.
المحور الثالث : دور التنجيم في الطب العربي الإسلامي : شغف بعض الفلاسفة والأطباء العرب والمسلمين بالتنجيم ويمكن تلمس ذلك من خلال ما يلي:
أ – الإشارات الدالة على تبني بعض الأطباء لتلك المعتقدات التنجيمية : نقل الأطباء العرب والمسلمون مع جملة ما نقلوه عن الأطباء اليونانيين اعتقاداتهم بأحكام النجوم كوسيلة مساعدة في معالجة الأمراض ، واحتوى البحث نصوصاً من أقوال المؤيدين .
ب – الأبراج وتأثيرها على الصحة والمرض : حدد الأطباء (الذين اعتقدوا بتأثير الأبراج) الأمراض التي يمكن أن تصيب الأشخاص كل حسب برجه ووضعوا في ذلك جداول استنتجوها كما يدعون من رصد النجوم ، وأدرجنا هنا الجدول الذي ذكره البيروني .
ج – علاقة النجوم بالحمل والولادة والجنين : كان للمنجمين في ذلك آراء وتحديدات ذكرها الأطباء في كتبهم ، وقد استشهد ابحث بما جاء في كتاب خلق الجنين لعريب بن سعد القرطبي .
المحور الرابع : رأي الدين الإسلامي في التنجيم : إن موقف الدين الإسلامي من العلم بالغيب ولتنجيم وقراءة الطالع هو الرفض الكامل ، جاء في البحث بعض الآيات التي تدلل بأنه لا يعلم أحد غير الله . كما جاء البحث أيضا ذكر للأحاديث النبوية التي تحرم تصديق الكهان والعرافين والمنجمين .
-----------
رائي : الدكتور كمال – ( مقال ) صناعة أحكام النجوم ومادخل منها في الطب العربي ، مجلة آفاق عربية – العدد5 ، السنة 1987 ، ص 62 .
- شرف : الدكتور عبد العزيز –كتاب النباتات الطبية ، المؤسسة العامة للتأليف والنشر ، القاهرة 1968
ص 5 – 6 .
- السامرائي – المقال – ص63 .
- رسائل إخوان الصفا _ بيروت 1957 ، ج2 ص 463.
- الطبري : أبي الحسن علي ابن سهل ابن ربن – فردوس الحكمة في الطب ، طبعة برلين سنة 1928
ص541 .
- الرازي : أبو بكر محمد بن زكريا – الحاوي في الطب ، مطبعة المعارف العثمانية – حيدر آباد – الدكن ،
الطبعة الأولى ، 1965 ، ج18 ، ص 39 – 40 .
- سارتون : جورج – تاريخ العلم ، ترجمة نخبة من العلماء ، دار المعارف المصرية – 1963 ، الجزء الأول – ص201.
- قراءة الأبراج والطوالع والحظوظ بين الحلال والحرام والحقيقة والوهم –إعداد مكتبة دار ابن النديم ، مطابع دار الثورة للصحافة والنشر ، 1988 ، ص 19 .
- الطبري : أبي الحسن علي ابن سهل – فردوس الحكمة في الطب ، طبعة برلين سنة 1928 ، ص 310 .
- السامرائي : المقال ص 68.
- بن البهلول : الحسن – كتاب الدلالات ، تحقيق الدكتور يوسف حبي ، منشورات معهد المخطوطات
العربية ، الطبعة الأولى – الكويت 1987 ، ص 82 .
- السامرائي : المقال ص 69 .
- الرازي : أبو بكر محمد بن زكريا – الحاوي في الطب ، الطبعة الأولى ، مطبعة دائرة المعارف العثمانية – حيدر آباد الدكن، ، 1965 .الجزء 18 ، ص 44 – 124 .
-رسائل إخوان الصفا – بيروت 1957 ، ج4 ، ص 388- 390 .
- أولمان : مانفرد – الطب الإسلامي ، ترجمة الدكتور يوسف الكيلاني ، الكويت 1981 ، ص 186 .
- القزويني : زكريا بن محمد – عجائب المخلوقات والحيوانات وغرائب الموجودات ، هامش كتاب حياة الحيوان الكبرى لكمال الدين الدميري ، المكتبة الإسلامية بدون تاريخ ، ج1 ، ص 32 ، 70-71 .
- السامرائي : المقال ص 68.
- المصدر نفسه ص 69 .
- القرطبي : عريب بن سعد الكاتب – خلق الجنين وتدبير الحبالى والمولودين ، اعتنى بتصحيحه نور الدين عبد القادر والحكيم هنري جاهيه ، مكتبة فراريس – الجزائر ، 1956 ، ص 36 - 37 .
- المصدر نفسه ص 83 – 8
1154 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع