الدكتور محمود الحاج قاسم محمد
طبيب أطفال – الموصل / العراق
حــقائـق مجهـولـة عـن تاريخ التدخين في مخطوطات عربية
عندما يحاول أي كاتب سرد تاريخ التبـغ وتثبيت دخول عادة التدخين إلى البلاد العربية لا يجد في المصادر المعروفة حقائق أكيدة وتواريخ دقيقة . وقد عثرت في مخطوطات لعلماء عرب كتبوها قبل أكثر من أربعة قرون على حقائق وتواريخ مجهولة بالنسبة لنا جميعاً وهذه المخطوطات هي :
مـخـطـوطـات دار صــدام :
1. رسـالة فــي تــحريم الــتدخين :
رقم المخطوطة 1312 – 5 مصورة بالفوتوستات عن نسخة كتبت سنة 1305 هـ / 1887م المؤلف : عبد الملك بن جمال الدين بن صدر الدين بن عصام الدين العصامي الإسفرائيني ( المتوفى سنة 1037 هـ / 1628 م ) .
2. هـديـة الإخـوان في شجرة الدخان :
رقم المخطوطة 1321 – 6 مصورة بالفوتوستات عن نسخة كتبها عيسى بن أحمد سنة 1295 هـ / 1878 م .
تاريخ تأليفها : 1196 هـ ، تاريخ نسخها 1295 هـ .
المؤلف : محمد مرتضى الحسيني الحنفي الواسطي الزبيدي ( المتوفى 1205 هـ /1791م)
مــخــطوطــات مكتـبـة أوقاف الموصل :
1. نصيحـة الإخـوان باجتناب الدخان :
رقم المخطوطة : 104 / 22 مجموع / خزانة مدرجة الحجيات .
المؤلف : إبراهيم بن إبراهيم بن الحسن اللقاني ( المتوفى سنة 1041 هـ / 1631 م ) . وهو فاضل متصوف مصري مالكي نسبته إلى ( لقانة ) من البحيرة بمصر .
2. رسالة في تحريم التناكر بالظن ظناً وكراهة قطعاً في شرب الدخان :
رقم المخطوطة : 19 / 24 مجموع / خزانة الأحمدية .
المؤلف : شيخ الإسلام أبو سهل محمد بن ملاّ علي الواعظ المفتي الحنفي . لم أعثر على ترجمة حياته .
3. كتاب الصلح بين الإخوان في حكم إباحة الدخان :
رقم المخطوطة 26: / 16 مجموع / خزانة مدرسة الخياط .
المؤلف: الإمام العلامة الشيخ عبد الغني النابلسي . هو عبد الغني بن إسماعيل عبد الغني النابلسي ( 1050 – 1147هـ / 1641 – 1731 م ) شاعر ، عالم بالدين والأدب . ولد ونشأ في دمشق وتوفي بها ، له مصنفات كثيرة .
والحقائق الجديدة التي استنتجتها من دراسة هذه المخطوطات يمكن حصرها بما يلي :
أولاً – أسمــاء الــتــبــغ
يقول محمد مرتضى الحسيني الزبيدي :
(( زعم كثير من أهل العصر … أن هذه الشجرة مجهولة الوصف … وأنه لم يعرفها العرب في قديم الزمان … ولعمري هذا الزعم فاسد كيف وقد ذكرها غير واحد ممن الأئمة الأعيان ، كابن دريد في الجمهرة والأزهري في التهذيب وابن سيده في الحكم والجوهري في الصحاح والمجد في القاموس … وسبقهم إمام العارفين أبو حنيفة الدينوري في كتاب النبات . قال الطُباق بضم الطاء وتشديد الموحدة ، أخبرني بعض أزد السراة قال هو شجر نحو القامة ينبت متجاوراً لا نكاد نرى واحداً منه منفرداً وله أوراق طوال دقاق خضر تتلزج إذا غمزت … وله نور أصفر مجتمع ولا تأكله الإبل .. ومنابته الصخر مع العرعر .. ))
(( وحرفوا في أسمائها حسبما ساعدهم النطق بـه فقالوا تنباك بضم المتناة الفوقية وسكون النون وبعد الألف كاف وهو أقرب إلى اسمه الأصلي … ومنهم من ينطق به بالطاء بدل التاء ومنهم من سماها طابة وأما الآن اشتهرت بالدخان )) .
ويقول الـلّـقاني :
(( قد حدث في أواخر القرن العاشر والحادي عشر شيء يسمى الدخان وللعامة فيه عبارات فمنهم من يسميه التنباك ومنهم من يسميه التتن ومنهم من يسميه الدخان )) .
وعند التحدث عن ظهور التبغ في البلاد العربية يقول : (( وفي السنة الخامسة بعد الألف ظهر أوراق شجرة في بلد تنبكتو حرسها الله تسمى طبقا ابتلى الله سبحانه وتعالى المسلمين بتدخينها …. )) .
ويقول النابلسي في الفصل الثاني من كتابه الصلح بين الإخوان :
(( وأما أسماؤه فيسمى التتن وهو أشهر أسمائه ومعنى هذا اللفظ في اللغة التركية والفارسية مطلق الدخان وقد صار الآن علماً على هذا النبات بالغلبة الحقيقية ويسمى الدخان أيضاً … ويسمى التبغ … ويسمى التنباك وهما اسمان أعجميان ويسمى الطُبّاق بضم الطاء وتشديد الباء وهو اسم عربي )) .
ويقول النابلسي في الفصل الرابع من كتابه :
(( هذا النبات المخصوص المسمى التتن …. من جملة أسمائه الطبّاق … وهذا الاسم له اسم عربي … )) . ثم يقول :
(( وقال الشيخ داؤد في تذكرته : الطُبّاق : يسمى شجرة البراغيث يطول نحو قامة بزغب يدبق اليد وله زهر إلى الصفرة … إذا افترش أو رش طرد الهوام خصوصاً البراغيث ….
وقال في كتاب ما لا يسع الطبيب جهله ،الطُبّاق : اسم عربي لنوع من النبات … وأهل الأندلس يستعملونه مكان الغافت ومنه صغار وكبار … والكبير هو المسمى باليونانية توشير لكن الكبير له رائحة ثقيلة يسمى الطُبّاق التتن وهي شجرة البراغيث .
أقول ويسمى الآن هذا النوع منه التتن الإنكليزي يجلب من بلاد الفرنج ….
ثم قال وهما أي النوعان الطُبّاق الكبير الإفرنجي والطُبّاق الصغير ، وقد يطول ساقه أكثر من شبر نحو ذراع وأكثر وهو الذي يزرع في بلاد جبلة واللاذقية بقرب حلب )) .
إن النصوص السابقة تثير بعض التساؤلات حول تسمية التبغ
السؤال الأول : المعروف أن اسم نبات التبغ هو Nicotina Tobacuw وكلمة توباكو Tobacco مشتقة من كلمة أطلقها بعض قبائل القارة الأمريكية على القصبة المجوفة التي كانوا يستخدمونها لاستنشاق أبخرة التبغ ، وفي رواية أخرى يقال أنها نسبة لمقاطعة توباجوس في المكسيك .
ونحن نقول استناداً على الأقوال السابقة بما أن هذا النبات كان معروفاً عند العرب سواء في المشرق أو في الأندلس فإن أصل كلمة ( توباكو ) ربما هو عربي وأنها تحوير لكلمة ( الطُبّاق ) العربية التي أطلقها العرب على هذا النبات ،أبقاها الأوربيون في لغاتهم بعد تحويرها كما حدث مع الكثير من الكلمات العربية الأخرى التي دخلت لغاتهم وعندما تعرف العرب على الدخان عربوا كلمة ( توباكو ) إلى كلمة ( التبغ ) .
السؤال الثاني : بالنسبة لكلمة ( التنباك أو التباك ) ترى ألا يحق لنا أن نتساءل عن مصدرها هل أنها هي الأخرى مشتقة من كلمة الطُبّاق العربية ؟
وإذا سلمنا بأنها أعجمية هل أنها استعملت نسبة إلى مدينة ( تنبكتو ) الإفريقية التي قيل بأنها من أوائل المدن التي ظهرت بها عادة التدخين . أسئلة ليس لدينا دليل قاطع لنفيها أو إثباتها .
ثـانـيـاً – آلات التـدخيـن
يقـول النابلسي :
(( وأما آلات استعماله فالقصبة وهي القضيب المستطيل المثقوب ومنهم من يجعلها من قطعة واحدة ومنهم من يجعلها قطعاً متعددة تدخل في بعضها فتصير قطعة واحدة وقصده بذلك سهولة نقلها عليه ، وقد يجعل ذلك من عود الورد أو غيره من الأعواد .
والغليون وهو غير عربي اسم شيء مثل القمع من الفخار والمشوي وتارة يُجعل صغيراً وفي بعض البلاد الهندية وجهات العجم يخلطون التتن بالدبس ثم يضعونه في الغليون والنار عليه وتحته إناء فيه ماء ليخالط جفاف الدخان وحرارته رطوبة الماء وبرودته فيكون الاعتدال في طعمه في الفم .
وقد يحتاج شارب التتن إلى حمل الزناد معه والحجر من الصوان وإلى منكاش من الحديد ليزيل به ما لصق في الغليون من آثار التتن اليابس فيه ، ويحتاج إلى ملقط صغير من الحديد يكون معه إلى القضيب شريط من الحديد أو النحاس ليزيل ما تكاثف في ثقب القصبة من آثار الدخان إذا طال المدا في شربه بتلك القصبة وإلى خرقة تكون معه يمسح بها ذلك القضيب الشريط من الوسخ . ويحتاج أيضاً إلى كيس من خزاد القطن أو كتان أو نحو ذلك يكون فيه التتن المقطوع صغاراً صغاراً وإلى حفرة من جلدة ونحوه يجمع التتن فيها وهذه الآلات كلها إنما يحتاج إليها بعض من يشرب التتن وبعضهم يكتفي بوجودها مع غيره وبعضهم يكتفي بعود من الأرض بدل المنكاش وقضيب الشريط وللناس في ذلك عادات وحالات لا تحصى . واعلم أنه يجوز أن يقال شرب التتن ويقال استعمال مص التتن والاستعمال أعـم )) .
ثـالـثـاً – بدايـة دخـول عـادة التدخين المنطقـة العـربية
يقول الزبيدي :(( وأول ما ظهر خبرها في بلاد الإفرنج في أواخر القرن العاشر فولعوا بها ونبهوا على منافعها واتصل ذلك إلى ما جاورها من جزائر المغرب وأطراف بلاد الهند مما يلي البحر المالح ثم برز شعاعها إلى بلاد العرب وكان قد تنوسي أمرها وغفلوا عنها ولم يكونوا يعرفونها … )) .(( ثم استزرعوها في بلاد الترك والعجم واشتهر أمرها )) .
يقـول اللقـاني : (( قد حدث في أواخر القرن العاشر والحادي عشر شيء يسمى الدخان ….))
ويقول : (( وأول من جلبه إلى البر الرومي الجيل المسمى بالإنكليز من النصارى . وأول من أحدثه بأرض المغرب رجل يهودي … )) .(( وأول من أخرجه من بلاد السودان المجوسي ثم جلب إلى مصر والحجاز والهند وغالب أقطار الإسلام وعمت به البلوى .
ففي أوائل إظهاره بمصر دخل به رجل من تافيلاد ممن بلاد المغرب يقال له أحمد بن عبد الله الخارجي المشهور بسفك الدماء بغير حق … )) .
(( وفي السنة الخامسة بعد الألف ظهرت أوراق شجرة في بلد تنبكتو حرسها الله تسمى طبقاً ابتلى الله سبحانه وتعالى المسلمين بتدخينها وشرب دخانها في كل وقت وزعموا أن ذلك دواء لكل مرض وأنهم وجدوا في شرب دخانها شفاءً للأمراض حتى استعملها الخاص والعام … حتى صارت غالية الثمن فما رأيكم فيها فإنها من غش الشيطان … حتى يتولد من تكاثف دخانها في أجوافهم الأدواء والأمراض في عاقبة الأمر .
وقد قال جالينوس اجتنبوا ثلاثة وعليكم بأربع ولا حاجة إلى طبيب ، الغبار والدخان والتتن وعليكم بالدسم والطيب والحلوى والحمام ، وفي كتاب البركة في باب الطيب …. إلى أن يقول انتهى كلام جالينوس )) .
ويقول النابلسي :(( وظهوره في بلاد الشام كان سنة خمس عشرة بعد الألف كذا ذكره النجم الغزي الشافعي رحمه الله )) .
والحقائق التي يمكن استنتاجها من هذه النصوص :
1. تاريخ دخول عادة وباء التدخين المنطقة العربية هو أواخر القرن العاشر الهجري / أواخر القرن السادس عشر الميلادي ، كان ظهوره في تنبكتو الإفريقية ( في مالي ) في سنة 1005 هـ / 1596 م .وأول ظهوره في بلاد الشام كان سنة 1015 هـ / 1606 م .
2. إن القول الذي نقله اللقاني عن جالينوس لو كان صحيحاً فهو يعني معرفة جاليونس ( المتوفى سنة 200 م ) للتتن ( التبغ ) وهو ما لا يتفق مع قول المؤرخين بأن أول دخول التبغ إلى أوربا كان سنة 1497 م بواسطة أحد ملاحي كريستوفر كولومبس الذي أحضره إلى البرتغال ودخنه هناك .وكذلك لا نجد أية إشارة لذلك عن الأطباء العرب والمسلمين الذين نقلوا كتب وآراء جالينوس .
رابـعـاً – مـكـافحـة الـتـدخيـن
سلك علماء الدين ورجال الفكر والسياسة منذ بدايات دخول هذا الوباء البلاد العربية الإسلامية طرقاً مختلفة في مكافحته وأهم هذه الطرق كانت :
1- الـحـكـم الشرعـي في تحريمـه أو كراهيـته :
لقد انقسم علماء الدين وأصحاب الرأي في إصدار الحكم الشرعي حول التدخين فمنهم حرمه تحريماً مطلقاً واعتبر تعاطي التدخين كتعاطي الخمر والزنا ومنهم من اعتبره مكروهاً ومنهم من أباحه .
نورد فيما يلي نماذج لمن قـال فـي تحريمه :
يقول عبد الملك العصامي الإسفرائيني :
(( فنقول لا يجوز شربه شرعاً وتصوفاً وطباً وعقلاً . أما عدم جوازه شرعاً فلوجود ما يدل على حرمته من الآيات القرآنية منها قوله تعالى في شأن النبي الأكرم r يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث ، فالآية ناطقة بحل الطيبات وحرمة الخبائث …. فيدخل الدخان تحت الحرمة المصرحة دخولاً أولياً لكونه خبيثاً بيناً لا يدانيه خبيث آخر في الخبث يدل عليه ويشهد له ما يحصل في مجرى المشربة من تلويثه وهو شيء أقبح من الرجيع كراهة وأشنع منه منبتاً وفساداً )) .
يقول اللـقـانـي :
(( وتكرار الدخان يسود ما قبله فيتولد منه حرارة فيكون داء وذلك خطر والعاقل لا يخاطر بنفسه فإن من خاطر بنفسه يخشى عليه أن يدخل في عموم النهي لمن قتل نفسه )) .
ويقول : (( ثم شاهدت في رسالة لبعض الأولياء … قال فيها بحرمته استعمال الدخان … قال في أولها قد كانت الصحابة ينكرون أشد الإنكار على من أحدث أو اتبع رسماً لم يعدوه في عهد النبوة قلّ ذلك الأمر أو أكثر )) .
ويقول : (( ولا يخلو من العبث واللهو ومذهب الحنفية أنه حرام وممن صرح بحرمة العبث أيضاً في غير الصلاة صاحب نصاب الاحتساب … مستمسكاً بقول الله : (( أفحسبتم إنما خلقناكم عبثاً )) وصاحب الكافي مستمسكاً بقوله عليه الصلاة والسلام كل لهوٍ يلهو به المؤمن حرام الاّ لهوه بفرس وسهم وكلب ومن جملة قبايح الدخان شغله عن الصلاة والخيرات والعبادات مع نتن ريحه وأذيته لشامّيه الذين لا يستعملونه )) .
ويقول : (( ولا ينبغي لأحد أن يتشبه بأهل العذاب ولا أن يستعمل ما يكون من نوع ما هو عذاب … )) .ثم يقول في نهاية كتابه :
(( ولما أتممت هذه الرسالة ورد عليّ بعض العلماء من أتباع العارف باله تعالى … سيدي الغيث القشاش … وأخبرني أنه ورد عليه نظام لبعض علماء الغرب وأن سيدي أبا الغيث كتب تحته ، جميع الطلبة والفقهاء والرعايا يعملون بمقتضاه فإني أقول بالتحريم …. وذلك عند قدوم الطالب الأول من الحج في أوايل سنة خمسة وعشرين بعد الألف من الهجرة )) .
وممن قال بكراهيته قطعاً وحرمته ضمناً شيخ الإسلام أبو سهل محمد بن مـلا علي الواعظ المفتي الحنفي حيث قال :
(( في شرب الدخان الذي عمت بـه البلوى في هذا الزمان …. الذي تقويه الأدلة بثبوت كراهته قطعاً وحرمته ضمناً .
فأما كراهته : فهو ورد في كراهة أكل منتن الريح كالبصل والكراث والفجل الحاصل بأكله دفع الهلاك جوعاً الاّ ورد في مثل هذا الدخان الخبيث بل أولى . وأيضاً ما في تعاطيه من تشويه صورة الوجه المطلوب صيانته … فيمنع شارب الدخان بلا تردد عن دخول المسجد وحضور المجامع )) .
وأما ضنية حرمته فلأمور :الأول : أنه من الخبائث … والخبائث محرمة بالنص .الثاني : أنه عبث ، إذ العبث ما لا يترتب عليه غـر صحيح وقد صرح علمائنا كصاحب الهداية والكافي بحرمة العبث .الثالث : ما يترتب عليه من الضرر في البدن والعقل والمال . فقد شوهد موت كثيرين بسببه .الرابع : إن حقيقة الدخان أجزاء نارية ممتزجة بأجزاء أرضية ولا قائل بإباحة أهل النار والتراب .والحاصل أن القول بحرمته ثبت عن كثيرين من أكابر العصر المعتمدين في الحجاز واليمن ومصر والروم )) .
نستنتج من النصوص السابقة أن علماء الدين وقفوا بشدة ضد التدخين وحاولوا مكافحة انتشار هذا الوباء منذ بدايات دخوله المنطقة العربية .
2 – التـشـريعـات الـقانـونيـة فـي منـعـه :
يقول اللقاني :
(( وقد تصدر محمد باشا الوزير الأعظم إبان ولايته بمصر بالنهي عنه ومنع الناس من شربه وقتل عليه بعض الناس وحرق شيء منه ثم تلا محمد باشا …….. صاحب المسمى يوسف ومع ذلك كان مانعاً منه . ثم تلاهما حضرة مولانا الوزير أحمد المولي مصر الآن ولكن رأينا منه ليناً بعد إشهاره النداء بمنعه حال قدومه ونسأل الله أن ينبهه للتشديد في المنع والذب عنه زيادة على ما هو معهود الآن …… ثم ورد أمر السلطان أحمد نصره الله بالمنع عنه أشهر الوزير المذكور النداء بذلك وأمر المنادي أن ينادي من تعاطاه يقتل وأبرم الأمر …. )) .
3 – تبيان الأضرار الاقتصادية لـوبـاء التدخين :
يقول أبـو سهل الواعظ المفتي الحنفي :
(( وأما إتلافه للمال الكثير الذي منّ الله بـه على الآدمي وخلفه له وسيلة إلى قضاء حوائجه الأصلية بقاؤه بها والزائدة المرتب كماله عليها فأمر أظهر من أن يحتاج إلى تبيان )) .
ويقول اللقاني :
(( كيف وهو من إفساد المال ما ليس معها حتى أن يشتري الرطل بدينار …. ولو نظرنا إلى ما يترتب على إضاعة الأموال من الباعث على تجريدها من الفقراء والمساكين مع حرمانهم من الصدقة عليهم بشيء مما أفسده الدخان على المترفين وسماحة أنفس أهله يدفعها للكفار والمحاربين من أعداء الدين ….. لكان باعثاً على القول بالتحريم )) .
4 – سـرد أحـداث تـكره النـاس بالـتدخيـن :
يقول الإسفرائيني :
(( وأما عدم جوازه فهو أن العاقل لا يتناول شيئاً الاّ للذة تميل إليها النفوس أو لكيفية تنبسط منها القلوب وتنشرح لها الصدور أو لغذاية يندفع بها ألم الجوع أو لرطوبة وبرودة تنطفئ بها حرارة العطش أو لدواية يندفع بها الداء ولا ريب في أنه لا يوجد فيه شيء من الأربعة الأول ….. وقد أفاد كما نقلنا حذاق الأطباء أن فيه دائية ولا دوائية فيه )) .
يقول اللقاني :
(( فقد أخبرنا الثقات من التجار والفقهاء والعلماء والصوفية الذين جالوا الأقطار ….. أن ما جلب من بلاد النصارى منه ما هو مطبق ومسقي بالخمرة ومعجون بها بل ذكر أخ صدوق أن كبيراً من كبار الإنكليز حضر له …. وقال له هذا أحسن أنواع الدخان وأكمله وذلك أنه مرشوش بشحم الخنزير بعد طبخه بأنواع من العقاقير .
والذي يجلب من بلاد السودان المجوس فكالذي يجلب من بلاد النصارى )) .
ويقول : (( أنه تواترت الأخبار أن المتجرين فيه معرضون للخسران فقد أخبرني جمع من التجار أن من أموالهم ما سرق ومنها ما حرق وغرق ومما جربه أهله أن شاربه لا ينفك عن الكدر والحزن وسوء الخلق ، ويأخذ الهم بنفسه ما دام أثره معه ، قالوا ولا شك في أنه يورث الجبن والخور والنسيان )) .
ويقول أيضاً : (( وقد رأيت أن أجمع شيء من الحكايات التي سمعتها ممن يتعاطى شرب الدخان لتكون عظة واعتبار للإخوان فمن ذلك ، أن رجلاً ممن في بعض قرى المنصورية بمصر …. وهو مشهور بالكرم …. فصار الناس يكلفونه بشراء الدخان ويقول لا تعد كريماً الاّ إذا قدمته للقادمين فانفق فيه جمعاً من الدراهم … فلما لم يبق بيده شيء صار يأخذ ورق اللبان الذي ثمره الخردل ويأمر أعوانه أن يبول عليه ثم يجففه لهم فيشربوه ويقولون إنه دخان أصيل .
ومن ذلك أيضاً أن أحدهم كان على سفر ، ما به لا تسمح بمفارقته وكان يتكلف كثرة المشاركين له ثمناً كثيراً فصار يأخذ ورق البرسيم ويأمر غلامه أن يقدمه له فقالوا لأي شيء تزن في هذا دراهم وهو دخان غير جيد وعابوا نظره في الشراء …. فقال لغلامه ضم الورق البرسيم شيئاً من زبل الفرس ففعل وقدمه ، فقالوا هذا خير مما كنت تشتريه أيام قدومك بلدنا أيضاً وألذ وأنشط )) .
نستنتج مما سبق من النصوص مـا يلي :
أن ذكر كون التبغ يحضر بتعامله مع الخمر وشحم الخنزير أموراً لأقرار بكون التدخين حرام .
كما وأن مزجه بالبول وروث الحيوانات من الأمور التي تقزز وتنفر الناس من التدخين .
5 – تبيـان أضــرار التدخين الصحية :
يقول اللقاني :(( وقد أخبرني بعض المخالطين لنصارى الإنكليز أنهم ما جلبوه لبلاد الإسلام الاّ بعد أن أجمع أطباؤهم على منعهم من الملازمة عليه وأن لا يستعملوا منه الاّ القدر اليسير لا ضرر فيه . وإنهم أخذوا رجلاً منهم مات باحتراق الكبد بعد موته وهو ملازم عليه وشرحوه فوجدوه سارياً في عروقه وعصبه حتى أن مخ عظامه قد اسود ووجد قلبه مثل السفنجة اليابسة وفيه أثقاب متنوعة منها الصغير والكبير ، ووجدوا كبده كأنه مشوي على النار فمن ذلك الوقت منعنا من المداومة عليه وأُمروا بيعه للمسلمين )) .
ويقول : (( ورأينا من استعمله للهضم وإزالة الثقل عن المعدة فأخذه الاستسقاء ، ورأينا من استعمله للسهر فأخذه الدوار في دماغه حتى صار إذا مشى يتمايل كأنه جمل )) .
ويقول أيضاً : (( ومن جملة قبايح الدخان نتن ريحه وأذيته لشامّيه الذين لا يستعملونه )) .
ويقول أبو سهل المفتي الحنفي :(( ما يترتب عليه من الضرر في البدن والعقل والمال فقد شوهد موت كثيرين بسببه وحصول الغشي لآخرين وحدوث أمراض عسرة الزوال كالسعال المزمن المؤدي إلى مرض السل .فقد ذكر الأطباء في كتبهم أنه يحدث من الدخان ضرر كصفرة الوجه وهذا مشاهد لا شك فيه وتواتر الأخبار بحصول الضرر . نعم فقد يدعى خصوص ذلك ببعض الأزمنة فلزم العاقل الحذر من مظنات الضرر )) .
ويقول الإسفرائيني :(( وأما عدم جوازه فمسموع من حذاق الأطباء المجربين وذلك أنهم قالوا شرب الدخان مضر للبدن جداً وعللوا ذلك بأنه لطيفة ظلمانية لها حرارة نارية وفيه رائحة كريهة فيسري إلى أعماق البدن بلطافة ويؤثر في باطن الجسد بقوة حرارته النارية فيورث غلظة سودانية في الدم ويحرق الصفراء حرقة تقلبها إلى السوداء ويزيد البلغم المالح المضر للبدن …. )) .ثـم يقول:
(( فإذا وصل وبان ضرره لا يمكن دفعه ولو اجتمع حذاق الأطباء وسعوا في خلاصه قدر ما يطيقونه فيؤدي إلى الهلاك قطعاً )) (( ويشهد بصدق هذا ما شهدناه في بعض المكثرين له المنهمكين على شربه أنه تغير مزاجهم وكان تغيرهم بالترقي بإصرارهم وإكثارهم حتى صاروا أصحاب فراش إلى أن ماتوا ولم تنفعهم المداوات وهم قد بالغوا فيها )) .
نجد في النصوص السابقة إشارات صريحة وصحيحة حول أضرار التدخين على صحة المدخن وهي لا شك كانت أسبق بكثير من الدراسات العلمية التي أثبتت ضرره لأول مرة في عشرينيات وثلاثينيات هذا القرن .
كما نجد أيضاً أول إشارة لتأثير استنشاق دخان الآخرين وهو ما نسميه اليوم بـ ( التدخين اللاإرادي أو الإجباري = التدخين السلبي ) .
- قـدم في الندوة العربية الثانية والخليجية السادسة لمكافحة التدخين – بغداد 9 – 11 / كانون أول / 1989 ونشر في مجلة تاريخ العرب والعالم – العدد 143 ، السنة الثالثة عشر ، أيار – حزيران 1993 .
- الزركلي ، خير الدين : الأعـلام – الطبعة الثانية ج 1 ص 21 .
- المصدر نفسه ج 4 ص 158 .
- الزبيدي : المخطوطة ص 42 .
- اللقاني : المخطوطة ورقة 136 .
- النابلسي : المخطوطة – الفصل الثاني .
- الشيخ داؤد الأنطاكي من أطباء القرن العاشر الهجري ، أشهر مؤلفاته التذكرة في الطب – مطبوع .
- ما لا يسع الطبيب جهله : هو من تأليف جمال الدين يوسف بن إسماعيل المعروف بابن الكتبي ألفه سنة 711 هـ / 1311 م .
- النابلسي : المخطوطة – الفصل الرابع .
- النابلسي : المخطوطة – الفصل الثاني .
- الزبيدي : المخطوطة ص 43 ,
- جالينوس ( 121 م – 200 م ) طبيب يوناني يجيء اسمه بعد أبقراط علماً وشهرة ألف كتباً كثيرة .
- اللقاني : المخطوطة – ورقة 39 .
- النابلسي : المخطوطة – الفصل الثاني .
- العصامي الإسفرائيني : المخطوطة ص 24 .
- اللقاني : المخطوطة ورقة 136 ، 138 .
- اللقاني : المخطوطة ورقة 142 .
- المفتي : المخطوطة .
- السلطان أحمد : هو السلطان العثماني أحمد الأول الذي حكم بين 1603 – 1717 الذي أصدر أمراً بتحريم التدخين .
- اللقاني : المخطوطة ورقة 141 .
- المفتي الحنفي : المخطوطة .
- اللقاني : المخطوطة ورقة 140 .
- الإسفرائيني : المخطوطة ص 40 .
- اللقاني : المخطوطة ورقة 137 .
- المصدر نفسه ورقة 140
- المصدر نفسه ورقة 141 .
- المصدر نفسه ورقة 139 .
- المصدر نفسه ورقة 142 .
- المصدر نفسه ورقة 138 .
- المفتي الحنفي : المخطوطة .
950 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع