محي الدين محمد يونس
مفارقات من الحياة ــ شر البلية ما يضحك
اخترت من ضمن هذه المفارقات حكاية حصلت مع صديقي (دلاور قادر) في بداية عام 1975 عندما تم اعتقاله من قبل مديرية الاستخبارات العسكرية العامة في بغداد بتهمة العلاقة مع تنظيمات الحزب الديمقراطي الكردستاني ويذكر بأنه كان رهن التحقيق في الفترة التي قضاها في المديرية المذكورة لمدة ثلاثة أشهر وتعرض خلالها لأنواع الإكراه البدني والمعنوي من اجل اجباره على الاعتراف بهذه العلاقة والأشخاص الذين معه ونشاطهم في العاصمة بغداد والذي يهمنا من سرد هذه الحكاية عندما حضر الى غرفة من غرف التحقيق في أحد الأيام وكان يقوم معه بالتحقيق ضابط برتبة نقيب وحاول أول الأمر إقناعه بالاعتراف كالعادة دون اجباره للجوء إلى استعمال وسائل أخرى ستجعله مجبراً على الاعتراف. أصر صاحبي على الأنكار مدعياً بعدم وجود أية علاقة له مع الحزب الديمقراطي الكردستاني أو أي تنظيم آخر مؤكداً عدم تدخله في العمل السياسي، عندها اوعز ضابط التحقيق لأعوانه: (تعالوا شدو فلقة) وفعلاً تم ذلك وبدأ الضابط باستعمال الإكراه بعد ان قام من كان معه برفع ساقي صاحبي وشدها بعصى بالحبال وبدأت مراسم التعذيب عندما انهال ضرباً بالعصا التي معه على باطن قدميه بكل قسوة وقوة وهو أي صديقي يشعر بألم فضيع لا يحتمل عند كل ضربة عصا ويرجو معذبه الكف عن تعذيبه ومستنجداً بالخالق العظيم ورسوله الكريم وكافة الأنبياء والأولياء والأئمة من كل كافة المذاهب، ويعاود الإصرار على براءته من التهمة الملفقة ضده، إلا ان توسلات صاحبي تذهب ادراج الرياح كما يقال وتزيد من حماس واندفاع الضابط في الاستمرار بهذا النهج ومن انه لن يتوقف إلا بعد ان يعترف ويتجاوب مع ما مطلوب منه، ولنترك صديقي (دلاور) يستكمل بقية الحكاية حيث يقول:
"اثناء ماكنت اتعرض للضرب والتعذيب والإهانة دخل أحد معاوني الضابط قائلاً: سيدي (شيخ عون) جاي يريد يشوفك ... ورد عليه الضابط خلي يتفضل. صاحبي دلاور يقول: فرحت جداً من هذا الكلام وقلت مع نفسي لا شك أن (شيخ عون) عندما يشاهدني وأنا في هذا الوضع المزرى والمأساوي سيرق قلبه وتتحرك عواطفه الإنسانية وسيحاول مساعدتي والتخفيف من آلامي وتخليصي من الوضع الذي أنا فيه والذي لا يطاق. وكانت المفاجئة عندما دخل (الشيخ عون) إلى الغرفة ومشاهدته لهذا المشهد فما كان منه إلا أن يقول للضابط وهو يستدير من أجل الخروج من الغرفة مسرعاً :(عيني أبو هدى غير وقت اجيك شوف شغلك). وبعد انصراف (الشيخ أبو عون) استدار (أبو هدى) نحوي وشاهدني مبتسماً فما كان منه إلا أن يوبخني: (ولك شبيك تضحك وعليش هذا الضحك)، أجبته شلون ما أضحك والشيخ عون ردته عون طلع فرعون فما كان من الضابط إلا أن يرمي العصا من يده وهو يضحك ويأمر مساعديه بإعادتي إلى الردهة والتي وصلتها بشق الأنفس وبصعوبة بالغة جراء الآلام المبرحة في أسفل اقدامي وتورمهما من أثر الضرب المتواصل وعدم استطاعة قدماي ملامسة سطح الأرض... على كل حال قضيت في دائرة الاستخبارات موقوفاً لمدة ثلاثة أشهر حيث تم الأفراج عني لعدم كفاية الأدلة في ما نسب أليه ومع انتهاء سرد حكاية صديقي (دلاور) التي يمتزج فيها الظرف والحزن من ما تعرض له من أذى بدني ونفسي وأفرحنا في نفس الوقت بحكاية (الشيخ عون) وموقفه غير الإنساني عند ما طلب من الضابط أن يشوف شغله أو بالأحرى ان يكمل مشوار التعذيب معه دون توقف.
ومع نهاية الحكاية أرفع يدي بالدعاء من الباري عز وجل أن يمنح الصحة والسلامة لصيق العمر (دلاور) الرجل المشهود له بالظرافة والصراحة في ظروف اليسر والعسر وأترككم في عون الله تعالى وأمانه جلت قدرته وليس في عون (الشيخ عون) وأمثاله.
كاتب المقال يتوسط صديقيه على يمينه هاشم نوري النعيمي وعلى يساره دلاور قادر وصداقة امتدت لأكثر من أربعين عاماً.
798 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع