الأستاذ الدكتور صلاح رشيد الصالحي*
فكرة الولادة في لوحة الإلهة الأم
لوحة الإلهة الأم عثر عليها في بابل، ويمثل الشكل على اليمين واليسار وكانه الحرف اليوناني (أوميغا) (Ω) على الرحم، والأطفال على جانبي الإلهة على وشك الولادة، وشخصين في وضع القرفصاء (من مقتنيات المتحف العراقي بغداد)
وصف اللوحة:: عثر على لوحة من الطين تعود إلى العهد البابلي القديم (2006-1595) ق.م عليها نحت بارز، يبلغ ارتفاعها (10) سم، يظهر فيها رجلين في حالة جلوس القرفصاء (محتمل كهنة) وكانهما ينتظران حدث ما، ويظهر فوقهما على اليمين واليسار رحم المرأة(šà-tùr) يرمز له (Ω) (يشبه الحرف اوميغا اليوناني)، فقد تصور القدماء بان رحم المرأة عبارة عن كيس ينتهي في الأسفل بفتحة ضيقة لخروج الطفل، كما نرى في داخل كل منهما كره دائرية محتمل الجنين في الرحم، واقرب للتصور (بيضة تكون الجنين)، وتقف في وسط اللوحة الإلهة الأم وهي ترتدي ثوب سومري طويل يصل إلى اخمص القدم، بهيئة شراشيب (اهداب)، والكتف الايسر مغطى وتمسك بيدها اليسرى ربما سكين ولكن غير واضح تماما، بينما الكتف الأيمن عاري وتمسك بيدها اليمنى ربما خبز وهو قريب من فم الطفل الذي فتح فمه لياكل، فهي تطعم الاطفال بعد ولادتهم، وتضع على رأسها قبعة مقرنة دليل الإلوهية في بلاد الرافدين، ويخرج من رحم الإلهة رأسين لأطفال حديثي الولادة، وبذلك اللوحة تجسد ولادة الأطفال، وحسب المفهوم القديم يتكون الطفل من ماء الرجل (شكل الشخصين الجالسين القرفصاء محتمل كهنة)، ودم الأنثى (شكل الرحم اليمين واليسار)، والروح من الإلهة (تتجسد بشكل الإله الأم)، وفي الاسلام ورد في القرآن الكريم (ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي) (سورة الإسراء) أي هو أمر عظيم وشأن كبير من أمر الله (عز وجل)، على العموم فان الاحتمال الكبير لهذه اللوحة الصغيرة بانها تميمة تحملها القابلة وقت ولادة النساء، وتقدم الكاهنة المساعدة للمرأة الحامل وهي في حالة الوضع، وتقرأ في أثنائها تعويذة ليخرج الطفل سالما من بطن امه: (يا مردوخ الرحيم، اني قلقة الآن ادركنـي فليخـرج ذلك المقفل علـيه، خليقة الآلـهة، دعه يخرج، دعه يرى النور...).
حملت الإلهة الأم في بلاد الرافدين أسماء عديدة، ومن أبرزها الاسم السومري نين-تود (dnin-tud)، ونين-تور(dnin-tur)، اما الأسماء الشائعة الأخرى هي نين-ماخ (dnin-maḫ)، وبيليت-ايلي (Bēlet-ili)، وكانت مسؤولة عن الحمل والولادة، وظهرت ايضا على أنها خالقة الجنس البشري، ونظرا لأن الإلهة الأم تظهر تحت العديد من الأسماء المختلفة، فقد تم توثيقها منذ فترة عصر فجر السلالات الأول وحتى الألفية الأولى ق.م، على الرغم من أنها، كما ذكرنا سابقا، فقدت أهميتها طوال النصف الثاني من الألفية الثانية ق.م.
المهام:: احيانا تجمع بين مصطلحي (الإلهة الأم) و (إلهة الخصوبة)، وهذه تمثل إشكالية نظرا لأن العديد من الآلهة تتبنى هذه الجوانب في بعض الأحيان، وفي الألفية الثالثة والثانية ق.م، كانت (الإلهة الأم) لها مكانة عالية ضمن التسلسل الهرمي للآلهة، على سبيل المثال في رثاء تدمير مدينة أور في عهد الملك سمسو-ايلونا (Samsu-iluna) ملك بابل (1750 - 1712) ق.م، تم ذكرها مع أهم الآلهة السومرية في بلاد الرافدين وهم: الإله آن (An) (بالأكدي آنو (Anu) ((إله السماء)، وإنليل (Enlil) (إله الهواء)، وإنكي (Enki) (إله المياه)، اما في خلال الألفية الثانية ق.م، تغير هذا الوضع وفقدت الإلهة الأم بعض مكانتها العالية لصالح إلهة الشفاء كولا (Gula)، وإلهة الحب والحرب عشتار (Ištar)، وارتبطت إحدى وظائفها الرئيسية بالحمل والولادة، وإنها ترعى الأطفال وهم في رحم امهاتهم وتطعمهم بعد ولادتهم كما نلاحظ في اللوحة وهي تطعم الطفل، وذكرت (الإلهة الأم) أيضا على أنها خالقة الجنس البشري، ففي أسطورة أتراخاسيس بطل(اسطورة الطوفان) السومرية، خلقت الإلهة نين-تور الإنسان عن طريق خلط الطين بدم إله مقتول.
علم الأنساب للإلهة الأم :: بالنسبة لنسب الإلهة الأم فلا شيء معروف، فكثير من اسماء الآلهة الذكور كانوا ازواجا لها، وكان نسلها كثير لدرجة أنه لا يمكن ذكرهم جميعا، اما أماكن عبادتها فاهم مدينة رئيسية عبدت فيها (الإلهة الأم) هي مدينة كيش (Kiš) (ليس كيش تل الاحيمر في محافظة بابل)، وهذه المدينة لم يتم تحديد موقعها تماما، وبعد الاطلاع على المواقع المحتملة والمزيد من النصوص الأدبية، تم اقتراح أن كيش الثانية كانت منطقة مقدسة في مدينة أوروساجريج (Urusagrig)، أو (إيريساجريج) (Irisagrig)، بالقرب من مدينة أداب (Adab)، ويشير نقش نبونائيد أو (باليوناني نابونيدوس) (Nabonidus ) ملك بابل (556-539) ق.م إلى أن مدينة كيش الثانية كانت لا تزال موجودة في الألفية الأولى ق.م، هذا إضافة إلى عبادتها في المدن الرئيسية الأخرى التي شهدت اقامة طقوسها وهي: أداب، وآشور، وبابل، ولـﮔش، ولارسا، وماري، ونيبور، واوما، واور.
رمز الإلهة الأم:: يتم تمثيل الإلهة بعلامة التي تمثل الرحم (Ω)، في بعض الأحيان تكون علامة مصحوبة بسكين، والتي يتم تفسيرها على أنها الأداة المستخدمة لقطع الحبل السري بعد الولادة.
الاسم والتهجئات:: لا يمكن تعداد جميع أسماء (الإلهة الأم)، ومن أهم الأسماء التي ترد بشكل متكرر في السجلات المكتوبة السومرية والتي لها المعاني التالية:
(1) ارورو (Aruru)، ودينجر-ماخ (Dingir-maḫ)، وننخرساك (dninḫursaŋa)، ومع ذلك فإن اسمها الأكثر توثيقا هو نين-تور (dnin-tur) ملكة الكوخ) أو (الولادة)، والتفسير بأن العنصر (tu) هو نفس الفعل السومري (tudr) بمعني (الولادة)، اما الكلمة السومرية (tur) فهي إشارة إلى اسم الرحم (šà-tùr).
(2) نين-ماخ (dnin-maḫ) (الملكة الرائعة): وغالبا ما ترتبط صفة (maḫ) بكلمة(الرائعة)، كما كتب اسم الأسد بالنصوص السومرية اور-ماخ (ur.maḫ) بمعنى (كلب ضخم).
*تخصص: تاريخ قديم
بغداد 2022
1964 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع