بقلم: أ.د. ابتسام مرهون الصفار
مع رواية (س ع) للدكتور اياد طه
من عادات القراءة عندي أنني إذا كان في نيتي أن أكتب عن الكتاب الذي بين يدي؛ التعريف به أو نقده أمسك بقلم الرصاص كي أعلم بعض العلامات؛ هي عبارة عن تعليقات بسيطة تذكرني بفحوى ما أقرأه، حتى إذا انتهيت من القراءة عدت إلى الملاحظات الجانبية والخطوط التي وضعتها تحت بعض الألفاظ والعبارات.
وهكذا بدأت عند قراءتي لرواية س ع، للدكتور إياد طه حتى إذا انتهيت من قراءتها فوجئت بكثرة الملاحظات والخطوط المعلَمة التي ملأت صفحات الرواية. ولا أدري أن كانت هذه الخطوط تمثل موقفا إيجابيا أو سلبيا أو بينهما، فلأعد الى القراءة الثانية .
وأول ما يستهوي القاريء ويثير انتباهه هو عنوان الرواية غير المألوف فما معنى س ع أهو رمز واختصار لاسم المؤلف؟ أم رمز وإشارة لبطل القصة والرواية، أو من تعلق
به. تساؤلات استدعت التفكير والتأويل.
وهنا أعود إلى مسألة نقدية كتب فيها المحدثون من النقاد الأوربيين والعرب، ووقف عندها بعض القدماء وهي ما عرف في المصطلح النقدي الحديث ب(عتبات النص) وهي مداخل لدراسة النص الأدبي ، وتشمل العنوان ومحتويات الغلاف ، والإهداء والاستهلال، والعناوين الفرعية
وسمّاها المقرقزي المتوفى (845هـ) باسم آخر مقارب لها وهي الرؤوس الثمانية، وتشمل الغرض والعنوان والمنفعة والمرتبة وصحة الكتاب، ومن أي صنف هو ، وكم فيه من الأجزاء، وأي أنحاء التعاليم فيه.
عتبات النص في رواية س ع تمهّد لدراسة نقدية جادة تكشف عن فحوى الرواية ومقاصدها.
حين قرأت العنوان تبادر إلى ذهني أكثر من تعليل: س ع رمز لاسم بطل الرواية أم رمز لاسم البطلة، أم هو رمز آخر؟
فكان أول ورود لهذا الرمز في الصفحة العاشرة حيث يسأل مسؤول البطل في جهاز المخابرات البطل في مكالمة له من معي؟ فيجيب: س ع. ويقول الروائي بعد هذا عنه: إن هذا الرمز له حكاية اشتقه من اسمين غاليين على قلبه ليكون كلمة السر في مهمته، والحرف الأول من اسم زوجته والثاني اشتقه من اسم ابنه.
أما غلاف الرواية فهو يسترعي الانتباه أيضا؛ الواجهة غلاف أسود قاتم وعليه العنوان س ع بلون أصفر مائل الى اللون
البرتقالي، أو ما يسمى باللون الناري فتدرك فيما بعد أن هذا الرمز يمثل إنارة لفكر بطل الرواية يستهدي به ويهديه.
وعلى الغلاف الداخلي كتابة بالحروف السريانية وهي غالبا إشارات لشخوص الرواية وأماكن تنقلاتها. وهي أيضا إشارة وعتبة مهمة يوحي بها الروائي بما تحمله الحروف السريانية من تأصيل للعراق وامتداده التاريخي.
والعتبة الثالثة هي عتبة الإهداء كتب فيها الروائي إياد طه:
لأولئك الذين قرروا في كل مجالات أعمالهم كيفما كانت أن يكونوا وطنيين خالصين، لا شائبة تشوبهم فأصبحوا مهمشين كالظلال، ومضوا دون أن يتعثر بهم أحد.
هذا الإهداء يرسم من البداية ظلال الحزن وخيبة الآمال التي صحبت الوطنيين المخلصين الذين حافظوا على اخلاصهم، ولكنهم صاروا مهمشين لا يلتفت إليهم. وهذا الاهداء تجد روحه في ثنايا الرواية، فتزيد همّ القاريء همّا، فكثير من الشجعان المخلصين في بلده الذين دعوا الى الوحدة الوطنية كان مصيرهم الموت.
وتغرز الرواية في نفس القاريء دبابيس الألم والحزن فتقول إن هذه الرواية تبعث على الحزن المرير وخيبة الآمال الكبار. ولكن مهلا أن قراءة الرواية والانتهاء منها ترسم صورة للأمل البنّاء الذي يطغى على الألم ويمحوه بمرارة.
وهناك عتبة الصور، وضع المؤلف رسوما تخطيطية قبل بدء بعض فصول الرواية–وإن لم يسمها فصولا-بلغت عشرة
صور مبسطة لها دلالاتها، وكل رسم هو عتبة تلخص ما سيتحدث عنه فيما بعد.
الرسم الأول:
صورة رجل متعب يحمل على ظهره شيئا ثقيلا وجنبه غراب طائر. هذه الصورة تلخص بداية الحديث بعدها حين جعل عنوانا لحديثه هو "نهاية الغراب وبداية الضياع" ويبدأ بعدها الحديث " تبدأ القصة مع نهاية حكم دكتاتوري متعجرف دام قرابة أربعة قرون، حكم البلاد فيها بالقوة والبطش مستخدما نظاما بوليسيا صارما قلَّ نظيره"
إذن الغراب رمزَ به الروائي إلى الحكم السابق وطيرانه يعنى انتهاءه ، ولكن الرجل المتعب يرمز إلى ما آل إليه العراق من ظروف متعبة بسبب الحكم السياسي الجديد الفاشل.
وهنا تبدأ حكاية بطل الرواية الذي انتمى الى جهاز الأمن القومي، وكل الرواية هي حكاية عن هذا البطل العشريني العمر، المخلص الذي كلف بمتابعة أسلحة خطيرة محرمة دوليا سرقتها جهات إرهابية بعد سقوط النظام لتستخدمها ضد الأبرياء في العراق وفي بلاد أخرى مجاورة للعراق هي غالبا سوريا التي حدثت فيها أحداث كثيرة.
اضطر البطل أن ينضوي تحت لواء فئة إرهابية خطيرة ومثل دور المنتمي المخلص لهم، بهدف إيقاع الجماعة المسلحة التي تمثل طائفة طائفية تكفيرية باعت الأسلحة الخطرة الى دولة جارة.
وتبدا الصورة الثانية:
صورة ثعلب منتصب مبتسم وأمامه مجموعة من الثعابين وسمى المقطع بعدها بعنوان دخول الثعلب جحور الأفاعي .
إن دخول البطل السجن اقتضى منه تضحية كبيرة بأن يفعل أمورا غير شرعية كالبيع بدون أرصدة ليدخل السجن بتوجيه من مسؤوله وليقيم علاقة مع رئيس الجماعة الإرهابية المعتقل هناك. وكانت خطوته الأولى الإدعاء بانه يتم تهديده وعائلته في العاصمة حيث يسكن من قبل ميليشيات طائفية، وأن عليه الانتقال سريعا والسكن في مدينة من نفس طائفته والروائي ذكي وفطن في استخدامه الالفاظ لا بدلالاتها الواضحة وإنما بالإشارة إليها دون تصريح، فهو يكتفي بالقول بأن الطائفة الفلانية التي هي ضد الطائفة الفلانية، أو الانتماء الى طائفة تعدها طائفة أخرى عدوة لها، فلا يدخل في مشاحنات طائفية بذكر الأسماء صراحة .
الصورة الثالثة:
أحدهم جالس أمام تابوت يبكي. وتقابله في الصفحة المقابلة لها عبارة صوت جاء من خارج التابوت.
التابوت يرمز إلى السجن الذي خطّط لإقحام البطل فيه. وقد عانى فيه من مشاعر الشوق لزوجه وابنه ولأهله، ومشاعر الأسف لأنهم سلبوا سمعته بين أهله وأحبائه. وفي السجن يأتيه المحامي بطلب زوجته الطلاق منه، ويصف
ألمه ومشاعره الحزينة، وتدريجيا كسب عطف المسؤول الإرهابي في السجن، والصوت الذي جاءه من خارج التابوت يمثله ما حدث أن أرسل ا ليه ضابط من الجهاز ليزوره في السجن بسرية تامة وينسقا معا خطة المستقبل، ووفر له غرفة بمستلزمات كريمة يأخذه الضابط إليها، وبعد حوارهما وراحته يعاد إلى غرفته في السجن.
الصورة الرابعة:
ناقوس في حالة الشروع بالقرع: وفي الصفحة المقابلة عنوان: ناقوس الجولة الأولى: إلقاء القبض على خالد قريب بطلنا لإشغاله عنه، وليتسنى له تنفيذ مهمته مساندة جهاز المخابرات، وجود خالد في الأرض التي ذكر بطلنا لأمير الجماعة الإرهابية بأن فيها سلاحا، مما جعل أمير الجماعة الإرهابية يثق أكثر ببطلنا، وبدأ بالتقرب إليه .
الصورة الخامسة :
صورة رجل يمشي ويحمل مظلّة وتقابل الصورة (عبارة تذكرة أمل العودة) التذكرة بحد ذاتها كانت لرحلة الذهاب إلى الخارج بمعنى أنها تذكرة ذهاب وليست عودة ولكن الراوي تيمنا برحلته الهادفة سماها تذكرة عودة على طريقة العرب في التفاؤل بتسمية الأعمى بصيرا، واللديغ سليما، فهو يخطط للقضاء على خطط الأمير الإرهابي وينتزع منه الأسلحة المدمرة فعنده امل بإصلاح الأمور، ونهايته نهاية من جاءوا فاحتلوا البلد (ونعود كما كنا، ونعيد بناء وطننا من
جديد، ونحميه)
الصورة السادسة:
يد تمسك غلاف كتاب وفي الصفحة المقابلة يبدأ عنوان ( العثور على غلاف الرواية الضائع) والسرد لا يظهر غلافا ضائعا عثر عليه البطل، لكنه تعبير مجازي في حصوله على عمل ينسجم مع خطته فجمعية رعاية الايتام التي شجعته ندى على الانتماء اليها جددت في نفسه الإصرار على اكمال مهمته في الحصول على الأسلحة المدمرة وابطالها
الصورة السابعة:
شخص يلبس قناعا وعنوان الفقرة التي تقابلها (أقنعة خلفها ريح صفراء) وهذه الأقنعة يشير بها الى الإرهابيين والى الذين يلبسون أقنعة يخدعون بها الناس والجماعات المسلحة التي تدخل البلد بحجة مناصرة النظام، والبطل نفسه ألبس قناعا حقيقيا حين كان مع فرق الإنقاذ يحاولون انتشال الجثث من تحت الأنقاض. ويبدا لقاؤه مع أمير الجماعة الإرهابية الذي أبلغه بأن أهم سلاح وأخطره وصل الى البلد بعد أن نسقوا مع الحدود. يسأل البطل أمير الجماعة الإرهابية عن سبب التفجيرات التي توجّه إلى الأبرياء بالأسلحة التي عبروا بها من الحدود العراقية فيجيبه: الموضوع كبير ومتداخل نحن نفعل هذا لكي نلصق تهمة بحق النظام لتجيش المسلمين وهكذا يحدثه عن جماعات مختلفة كل منها يلبس قناعا لكسب المكاسب
وتحقيق اهداف فئة على حساب أخرى. ويفهم البطل أن هناك تسعة صواريخ مهيأة للقصف العشوائي، وأن هناك عالم سيعلمهم طرق تصنيعها بطريقة سهلة
الصورة الثامنة:
صورة رجال يحملون نعشا والعبارة التي تفتتح السرد الجديد هي (الشياطين وصلاة الجنازة على الملائكة) وهنا يبدأ الحديث بين البطل وأمير الجماعة الإرهابية ليبلغه أن الخليفة وصل البلد، ويصف البطل الخليفة بأنه رأس عفِن لهذا التنظيم المجرم الذي لم يدع شيئا على الأرض إلاّ قتله. وفي حديث البطل مع الضابط مصطفى يبلغه إصراره على تحقيق هدفين مهمين، أفنى حياته لاجل تحقيقهما:
الأول تعطيل الصواريخ المتبقية بيد الأرهابيين الذين يتقصدون إطلاقها على الأبرياء .
الثاني تجفيف رأس الإرهاب وتصنيعه وهو العالم الذي يعلم الإرهابيين صنع السلاح،
الصورة التاسعة:
صورة لشخصين الأول في وضع يتهاوى فيه والثاني خلفه والعبارة التي افتتح بها الحديث: وجاءت سكرة الموت فأين المفر؟
وهذه الصورة والسرد الذي تبعها هي رحلة البطل إلى المغرب وتحقيق هدفه الثاني الذي جازف للوصول إليه، وهو قتل العالم العراقي الذي يعلّم الإرهابيين صناعة السلاح
الفتاك المدمر.
الصورة العاشرة:
وهي تمثل نهاية الرواية وتتمة نجاح البطل في إتمام مهماته، وانتقاله إلى مرحلة جديدة صورة رجل مغط رأسه خلف سور قصير، وحمائم تطير جانب الصورة، والعنوان الموازي لها في الصفحة المقابلة محاربون خلف الأسوار، حيث يتلقى نداء من أحرار اجتمعوا ليقودهم بطلنا في إنشاء دولة الظل في الخارج.
ولنأتي الآن إلى تفصيلات الرواية بعد أن خططنا للوقوف على عتباتها.
في الأوراق الأولى للرواية نجد الراوي يبدأ بانتهاء مهمة البطل التي قضى في تحقيقها تسع سنوات، الروائي يعمد إلى تقنية الاسترجاع في لحظات انتظار المكالمة التي يجريها مع مديره في الأمن القومي، ليطلب منه السماح له بالعودة الى بلده، في تلك اللحظات استرجع البطل الأحداث الماضية في حياته حيث يدخل منزله ويشعر بالدفء والسكينة تستقبله زوجته بإشراقة وجهها ويتذكر مشي ابنه ورجلاه تسابق الأخرى بغية السير، وفي لحظات يستخدم تقنية الاستشراف وهو تخيل المستقبل، ويعود الى استرجاع الصور والأحداث فيتذكر لمّة العائلة الكبرى وأحاديثهم وإعجابهم بأحاديثه في خضم هذه التنقلات السريعة في إهاب الماضي، يعود البطل إلى حاضره لتلقي
جواب مسؤوله في جهاز الأمن القومي، ليخبره أن جهازهم قد ألغي بسبب تهم الفساد المالي والإداري. وهنا يهتز بطلنا ألما فقد عانى في رحلته ما عانى حيث عاش أربع شخصيات في كل بلد وزمن واحدة حتى نجح في مهمته الوطنية والإنسانية. لكن مديره يطمئنهُ بأنهم لن يتخلوا عن وطنهم؛ لأنهم قرروا تشكيل جبهة إنقاذ وطني، وسيستفيدون منه خاصة بعد حصوله على الدكتوراه. العبارة الأخيرة هي خلاصة ما توصل إليه البطل في نهاية الرواية بعد تحقيق مهمته في القضاء على الإرهاب ومصدره.
ومما استرجعه البطل وقد خرج من الشركة في البلد الأخير الذي انتقل إليه، وتمشى في الشارع تحت المطر استرجع أيام كان يتمشى مع (مولاته) يوم عقد قرانهما، وكيف كان يغطيها ببدلته وهو يغني لها (برد ورياح ومطر) وهي أغنية غناها كاظم الساهر قبل عشرين عاما أو ثمانية عشر عاما.
في الرواية جرأة كبيرة في معالجة موضوعاتها، وحذر كبير للخروج من الأحداث التي يتحدث عنها دون أن يثير ضغينة أحد، أو يحمله على التعصب والطائفية، فرسالة المؤلف تتيح للقاريء وهو يقلب صفحات الرواية بمتعة وشغف أضرار التعصب لأي جهة ما، لقد كشفت الرواية ما زرع في بلد البطل من بذور الفتنة، التي حصدت الكثير من أبناء الطوائف. وكان الروائي حريصا على تجنّب الأسماء أو الصفات التي تدل على الطائفة أو المذهب أو الدين لأنه
يريد تشخيص الأوضاع المرتبكة في بلده، ويلفت الانتباه إليها، ليعلم القاريء العربي، أن القطب الأوحد ويقصد بها أمريكا وعملاءها هم من يثيرون الفرقة والطائفية، وأن الساسة لا يملكون شيئا من الوطنية فهم، يسعون وراء مكاسبهم، لأنك ترى هذا مسؤولا محترما في الصباح، وتراه مساء ينضوي تحت سلاح طائفة أو حزب. الإرهابيون لا مبدأ إنساني لهم، قتلة يتظاهرون بالدين ويكفّرون الجميع حكومات وأفرادا وأحزابا، يسحقون الأبرياء ليثيروا الفتنة، والطرف السياسي الآخر-كما يسميه الروائي–يغض الطرف عن أعمالهم أو هو يريدها أساسا ليجعل لوجوده مسوغا قويا.
نجاح البطل في مهمته وتضحيته بكل مكاسيه الشخصية ، وتضحيته بسمعته وأهله تقصّدها الراوي ليقول: إن الوطن أهم شيء في حياته وانه يحتاج إلى عمل متفان من أبنائه ؛ليعيده إلى مساره الصحيح. البطل دخل السجن بتخطيط مرؤوسيه ليتغلغل بين الجماعات الإرهابية خاصة أمير الإرهابيين.
الصواريخ التي أخرجت من العراق كانت ترمى على الأبرياء وتقتل الكثيرين، وتشيع الفوضى ليشغل النظام عن خليفة الجماعة الإرهابية وتحركاته.
أبطال الرواية:
1- البطل الراوي:
2- يكاد البطل الذي سمى في الرواية باسم (بطلنا) يتكرر ذكره أكثر من مرة في كل صفحة فهو المتصرف الفعال في الأحداث وهو الراوي والبطل صاحب إصرار ووطني مخلص وحكمته وصبره يرافقانه في كل تنقلاته.
هدفه الأول والأخير إبطال الصواريخ التي توجه إلى الأبرياء وتحصدهم في الوطن العربي الذي استقر فيه الإرهابون، ثم تجفيف منابع الإرهاب بالقضاء على العالِم العراقي الذي يعلم الإرهابيين صناعة الأسلحة المدمرة. وينجح في تحقيق الهدفين نجاحا بطوليا.
هو مثقف قاريء نهم أثار إعجاب ندى بمعرفته للدكتور على الوردي ومؤلفاته اختار موضوع رسالة الماجستير هيئة الأمم وثغراتها. واختار موضوع الدكتوراه (الآليات القانونية لحماية الشعوب)، وعمل معيداً في الجامعة ليدرس القانون الدولي.
البطل راق وذو خلق سامٍ في تصرفاته؛ لم يخدع الفتيات اللاتي يتقربن منه وفاء لزوجته أو لانصرافه التام للتخطيط لتحقيق أهدافه لخدمة وطنه والقضاءعلى الإرهاب الذي دمر بلده. فندى التي أحبته كان له حديث معها فهمت أنه متألم في أعماقه، لسبب ما، دون أن يحدثها عن التفصيلات، وظل يعترف بفضلها في مساندته ويخبرها عن كل ما استجد من أحداث بعد سفره إلى البلد الذي يقيم فيه العالم المجرم كما يسميه. وزهرة التي قام والدها بمساعدته
للحصول على وظيفة في الجامعة. كان لبطلنا دور كبير في إقناعها بإجراء عملية تعينها على السير بعد أن كانت مقعدة منزوية، وأوكل إليها بعد سفره القيام بإدارة مكتبته وان تجعل أرباحها لمرضى السرطان. وهكذا في كل مفصل من مفاصل الرواية يبدو البطل راقيا إنسانيا ووطنية يضحي بكل شيء في سبيل إنقاذ وطنه.
يكرر دائما ان الوطن غال ولابد من التضحية لأجله.فالرواية إذا تحمل رسالة إلى القراء عن هموم الوطن والسبيل إلى إنقاذه
قام بتعطيل الأسلحة المدمرة وعطل الصواريخ التي تقذف على الأبرياء، وقتل خليفة الإرهابيين بعد أن بلغ قوات التحالف بمكانه ولم يبق إلا العالم الذي يزوّد المجرمين بتقنية صنع الأسلحة المدمرة.
3-البطل الحاضر الغائب في ثنايا الرواية هو شخصية زوجته التي احبها وتعلق بها فكانت النور الذي صاحبه في جوف الليل وسكينته حين يختلي مع نفسه ولم ينسها وهو-في ثنايا أزماته ومخاطراته ، ويسميها في مناجاته باسم مولاتي أو سيدتي
4-وهناك ابطال آخرون بعضهم هامشيون آذوا البطل وكادوا له كيدا كبيرا مثل خالد شقيق زوجته وابن عمه، الذي كان السبب في طلب زوجته الطلاق منه وهجرانه، وقام بدور قذر في تحريض الضباط على تعذيبه حين أدخل
السجن في خطة للتقرب من ،الجماعة الإرهابية المعتقلين.
خالد كل يوم يفتري على البطل وضيف إليه تهمة تدينه ليزيد مدة حبسه، وأبوه يحرّض الناس ضده، ولكن دور الأب هامشي، ويزوره خالد في السجن للشماتة والتهديد.
5-مصطفى.
هو الضابط اللوجستي في المنطقة يلتقي به البطل حين انتقل الى البلد العربي المجاور وفي اول لقاء معه اطلق مصطفى عنان أسئلته ليسأله عن أحوال البلد وحاراته وشعبه، وأسئلة كثيرة تدل على تشوقه لأخبار بلده، وقد هيأ له شقة وأعانه للعمل في مكتبة، وهو الذي هيّأ له الأوراق الرسمية التي تساعده على اكمال دراسته.
قصف الارهابيون العمارة التي يسكن فيها مصطفى وبترت ساقه واحدى يديه تضررت ضررا كبيرا، وفي الحديث بينه وبين البطل يستحلفه بالله ألا يترك المهمة التي جاء لأجلها خاصة وإن تخلى رؤساؤه في البلد عنه وما عادوا يجيبون على مكالماته. ومصطفى هو الذي أوصاه البطل أن يحكي لابنه وزوجته إذا قتل، وأن يعطيهم الخاتم الذي عليه ثلاثة فصول ترمز له ولمولاته وابنه.
6-ندى.
فتاة جامعية كانت تزور المكتبة التي يعمل فيها البطل طالبة في السنة الثالثة في قسم الاجتماع مثقفة واعية
احبت البطل حبا مثاليا ،لكنه صارحها بانه يحبها كاخت لها ولم يبح لها بأحزانه ولكنه أوحى لها بذلك، فظلت صديقة مخلصة شجعته على إكمال درجة الماجستير بجهود معارف أبيها ، وجعلته ينتمي إلى جمعية رعاية الأيتام.
7- عالم عراقي يفهم في تصنيع الصواريخ وهو يتواصل مع الجماعة الارهابية ليعلمهم الطريقة البسيطة لصنعها وهو أستاذ جامعي في المغرب (إن هذا العالم سيعطينا طريقة سهلة وسلسة وبدائية التصنيع... على الأغلب أنت تعرفه، كان مسؤولا كبيرا في النظام السابق الذي حكم بلد، وأسقطته القوات الأجنبية، وهو الآن يدرس في إحدى جامعاته في مجال تخصصه. وكان النظام السابق يستخدم علمه في هيئة التصنيع العسكري ) ويأتمن أمير الإرهابيين بطلنا معلومات الأسلحة وتصنيعها احتياطا بعد أن وثق به ليبلغ المعلومات الى الخليفة إذا قتل أو أمسك به .
8- زهرة، ابنة رجل في المغرب البلد الذي سافر إليه البطل ليقتل العالم الخائن الذي يعلم الإرهابيين. وهذه وإن لم يكن لها دور كبير في الرواية، ولكن بسبب تشجيع البطل لها وافقت على إجراء عملية تمكنها من السير، وأوكل إليها الاهتمام بالمكتبة التي تركها في بلدها.
تداخل الأجناس في الرواية:
نجد في ثنايا الرواية تمثلا لكثير من الأشعار سواء إشارة إليها أو تمثلا بها. وأوضح نص وأكبره يمثل تداخل جنسي
الشعر والنثر فيما كتبه البطل وهو في السجن قصيدة على غرار قصيد نزار قباني في رثاء زوجته بلقيس. يبدأ البطل قصيدته بقوله: مستمدا منها نفسها الحزين وأخيلتها وتعابيرها يقول:
شكرا لكم
فقد مزقتم عمري
وأصبح بوسعكم أن تفرحوا باغتيال أحلامي
قتلتم مليكتي
وهذه تشبه مطلع قصيدة نزار:
شكراً لكم...
شكراً لكم...
فحبيبتي قتلت... وصار بوسعكم
أن تشربوا كأساً على قبر الشهيدة
البطل في الرواية يستغيث ببطلين واحد من الجاهلية والآخر صحابي له قصة في صلح الحديبية وهما المهلهل في الجاهلية وأبو جندل الذي أسلم في مكة وقيده أبوه وحبسه، فهرب الى الرسول عند عقد صلح الحديبية وله قصة في ذلك. الشاعر يستغيث بالأبطال لأنه قتلوا زوجته (والقتل هنا مجازي)، ولعلّه يستنجد بالسموأل الذي عرف بنجدته ووفائه فيقول:
أناجيكم أستغيث بكم يا أبطالي
أحتاجكم يا مهلهل يا غضنفر
أحتاجك أبا جندل
ثم يقسم بعيني حبيبته، ولكن الغريب أنه يقسم بعد هذا باللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى، ويقسم بود ويغوث ويعوق ونسر. ولا نجد مسوغا لهذا القسم إلاّ لأنه يذكر بأنه سيدخل أعداءه إلى عصور الجاهلية:
ونعود إلى قصيدة نزار فنجد فيها قسمه قتلوك يا بلقيس. ونجده يستنجد أيضا بالمهلهل والسموأل.
أية أمةٍ عربيةٍ...
تلك التي
تغتال أصوات البلابل؟
أين السموأل؟
والمهلهل؟
والغطاريف الأوائل
ويصف العصر والذين اغتالوا فيه زوجته انه عصر التخلف والبربرية:
ها نحن ندخل في التوحش...
والتخلف... والبشاعة... والوضاعة...
ندخل مرةً أخرى... عصور البربرية...
ويقول الروائي مكملا قصيدته بتناص غريب مع قول نزار فيقول:
سأدخلهم مرة أخرى لعصور الجاهلية
سأريهم التوحش والتخلف والبشاعة والوضاعة
سادخلهم حروب وعصور البربرية
هذا التشابه أو التقليد بين ما قاله البطل وهو في السجن وبين قصيدة نزار إحساس البطل بتشابه وجعه مع وجع نزار، لكنه فقد زوجته بالكيد له، وفقد نزار زوجته بانفجار السفارة
لغة الرواية سمحة سهلة فصيحة، و لا عامية فيها، وبذا تخدم اللغة العربية بكونها ناطقة ومعبرة عن أصعب الأحداث المعاصرة دون اللجوء إلى العامية.
وتأتي الكتابة الأدبية الجميلة عفوية على لسان البطل حين كان يتحدث مع الضابط منصور عما يعانيه من آلام فقد عائلته يتأثر الضابط لكن بطلنا يقول عبارة جميلة فيها تشبيه حذفت من أداته فيقول: لا عليك يا صديقي فما هدّت رياح الجبال يوما، ولكنها تنفض غبارها فحسب.
المفارقات في الرواية:
المفارقة هي: التباين والاختلاف بين الفاظ تدرج معنى او معاني وأفكارا تبدو متنافرة أو متناقضة.
أول المفارقات عشق البطل لزوجته، وتذكره لها في ثنايا الرواية. بلُّغ بطلبها الطلاق، ولم يصدق ذلك، حاول الاتصال بها، فهو يقنع نفسه بأنها مجبرة أو مهددة، لكنه سمعها يوما تتصل به عن طريق هاتف إحدى صديقاتها لتطلب منه أن يتركها ولا يتصل بها، وأكدت والدته تخليه عنه وحرمانها من رؤية ولده، ولكن المفارقة أن البطل يخدع نفسه بأنها تظهر
غير ما تخفي مجبرة لا مخيرة، ويستمر في إظهار حبه لها.
وهناك كثير من المفارقات حشدت في الرواية نظرا لطبيعة مادتها وموضوعها وكونها قائمة على السرية التامة؛ الجماعة الإرهابية تدّعي المحافظة على الدين وتكفّر جميع المسلمين وهي في الوقت نفسه تقوم بأبشع عمليا ت الاغتيال وأشد التفجيرات، تصحب جرائمها دائما بعبارة الله أكبر.
وحين صدرت له الأوامر بأن يعلن أمام أمير الإرهابيين أن زوجته وابنه قتلا على يد القوات الأجنبية، ليضمنوا تعاطف الإرهابيين معه، ولضمان سلامة زوجته وابنه .هنا تبدو مفارقة كبيرة بين إعلانه استشهاد زوجته إذا كشف أمره وأراد الإرهابيون الانتقام منه. ومع تيقنه من موقف زوجته المتخاذل، فإنه يعين شخصا من الجهاز ليحرسها في الجامعة التي تدرس فيها .
المفارقة التي عرفنا بها البطل أن الإرهابيين قتلة ، وأنهم يكبرون ساعة القتل والتفجير، وأنهم قبل إطلاق الصواريخ المدمرة يقرأون أدعية للنصر لتسديد رميهم، ويهربون من المدينة ابتعادا عن الغازات السامة التي يرمونها على الأبرياء.قال أمير الإرهابيين:
(غدا سيبدأ الأخوة ما تبقى لدينا من صواريخ، وذلك لكثرة المؤيدين للنظام الطاغوت الحاكم، فهم كفرة، وكما دعا سيّدنا نوح سأنفّذ، ولن نبقي منهم ديارا)
ومن مفارقات الإرهابيين أن ما يسمونه بالجيل الثالث هم
من الشباب الذين يلبسون ملابس أنيقة ليخدعوا الناس بمظهرهم، وهذا ما حدث مع البطل حين أمر أن يأخذ معلومات من أحد رجالهم الذي كان متعطرا ولابسا أجمل ما يكون وأغلاه. وتبدو مفارقة مهمة تعتمد على الرمز والعدد، فالتعليمات التي قالها الأمير لبطلنا ليدخل إلى الخليفة في مخبئه داخل عمارة سكنية ويسلمه رسالة العالم الخائن الذي يعلمهم تصنيع السلاح الفتاك. هنا نجد أرقاما لعلها تشير إلى حدث مهم:
عند نزولك السلم ستجد ساحة فارغة تحت الأرض، أكمل ستجد على بعد عشرة أمتار شبه باب، انحن كي تستطيع الدخول، وهناك ممر طويل أكمله، وبعد حوالي 27 متر ستجد ممرين، ادخل اليمين منهما وامش عشرة أمتار، ست2019 هو تاريخ مقتل أبي تجد عد أبواب، ادخل في الباب المكتوب عليه رقم 19، تمشّ قليلا في الداخل ستجد ثلاثة...
فهل تدل هذه الأرقام على تاريخ مهم جدا هو 27-10-2019 تاريخ مقتل أبي بكر البغدادي
وفعلا يتم قصف المكان الذي اختبأ فيه الخليفة وقضي عليه.
المفارقة اللفظية (العيش بسلام) و(الموت في كل كل مكان )
(وكأنه يدفنهما بيديه) (وهما على قيد الحياة)
وحين يصف بعده عن زوجته وابنه يجمع عددا من المفارقات اللفظية المتضادة (وهذا الجزء من حياتك وهو موتك، هو يقظتك ونومك ،هو بدايتك ونهايتك في أفكارك وبين عينيك...
ثم يحشد المفارقة في تضاد الصورة (كيف يقوى هذا الجسد الهزيل بعيدا عنه إذا كان هو رداؤك الذي عرّاك، وتنكر لك في عزّ شتائك وارتجافك. لقد سكن الصقيع أضلعي يا صديقي وبت أشعر وكأن قدميّ تثبت على أبوابه منتظرا ليخبرني أنه مازال يحبني، فيدفئني، ويجعلني قادرا على الحراك مجددا أن يخبرني أنه لا يقوى على الحياة بدوني فاخبره انه كما كان دائي ودوائي)
وتبدو المفارقة الكبيرة التي حقق فيها البطل هدفه الثاني وهو تجفيف مصدر الإرهاب؛ المفارقة شدّة غضبه وحقده على العالم العميل، والجلوس إليه وقبوله فكرة أن يكون مشرفا على رسالته للدكتوراه.
وأخيرا فالرواية وإن كانت موجهة بالدرجة الأولى إلى المواطن العراقي ليلتفت إلى واقعه ويتنبه إلى ما يحاك له من دسائس الفرقة والطائفية، والرسالة عربية؛ لأن الأرهاب يهدد كل البلاد العربية، وهي إنسانية لأن حياة البشر يجب ألا تُعرّض للقتلة والإرهابيين .
الروائي يبعث رسالة إلى القاريء أن لا يأس مع التصميم، ولا خذلان مع التخطيط، وإذا كان البطل هو المتحكم الرئيسي
في الأحداث فإن نهاية الرواية تظهر قيام العمل الأخير بوجود جماعة الوطنيين الذين سيشكلون حكومة الظل في الخارج.
وبعد فمعذرة، فربما استطعت أن أبيّن حيثيّة الرواية ونجاحها الفني والفكري إلا إنني غير متخصصة بنقد الروايات، وإنما هو من باب المتعة والمتابعة.
1180 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع