د. وائل القيسي
منظومة الفساد
الفساد هو لفظ يطلق على كل السلوكيات المنحرفة والخصال السيئة من غش وخداع وظلم ورشوة وكذب وأكل حقوق الغير ، وهو يتنافى مع مفهوم النزاهة والعدل والبراء، بل هو نقيض الضمير والفطرة السليمة ويخالف القوانين السماوية والوضعية.
والفساد يهدف إلى تحقيق مصلحة فرد أو جماعة على حساب المجتمع، وليس المقصود منه فسادا ماديا وأخلاقيا فقط، فأي مصلحة بها نوع من التمييز العنصري أو الديني أو العرقي هي فساد، وتؤدي بالنتيجة إلى أن يتحول إلى فساد مادي وأخلاقي شامل.
إذن الفساد هو ذلك السلوك المخادع أو الاحتيالي من قبل أولئك الموجودين في السلطة، أو هو السلوك غير الأمين، أو غير القانوني، خاصة من جانب ذوي النفوذ.
إن الفساد في جوهره، يشير إلى نوع من (التحلل) المؤدي إلى (الإهلاك ) ، وكان هذا المعنى واضحا بدرجة كافية في الحلقات التأريخية الكبرى المتعلقة بالفساد، مثل ادعاءات الإصلاح البروتستانتي بشأن الكنيسة الكاثوليكية، لا سيما قيامها ببيع (صكوك الغفران) لتخفيف العقوبة عن الخطيئة، وخداع الخميني للناس الذين كان يزجّهم في أتون الحرب مع العراق إبان ثمانينيات القرن الماضي، من خلال توزيع (مفاتيح الجنة) عليهم لدخول الجنة عند قتلهم في الحرب كما اوهمهم .
والفساد يتفاوت في مظاهره، ما بين الرشوة (الراشي والمرتشي) والاحتيال إلى التحولات الاجتماعية والسياسية لأقصى درجة.
وبعيدا عن الانهيار، يمكن أن يؤدي الفساد إلى نمط متسلط من السلوكيات غير الأخلاقية، يستمر ويتكرر على مدار سنوات عديدة، وقد يأخذ أشكالا وأوجهاً مختلفة لخداع الناس، كما هو حاصل في العراق الآن.
أما اتفاق الآراء والقبول العالمي لاتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد اعتبارا من يونيو 2019 التي أنظم إليها 186 دولة من الدول الأعضاء، فهي تقترح مراجعات التقدم المتحقق في تنفيذ الاتفاقية للتجريم شبه العالمي لبعض ممارسات الفساد المحددة في الاتفاقية، لكنها للأسف تطبق بشكل انتقائي طبقا لحسابات ومصالح الدول القوية على حساب الدول والشعوب الأقل قوة أو الفقيرة، كما هو الحال مع دول القارة الأفريقية ودول الشرق الأوسط، وخصوصا تلك الدول التي تتحكم فيها أميركا وقوى الغرب أو التي تسلطت عليها إيران سواء أكان هذا التسلط مباشرا أو عبر أدواتها وأذرعها وميليشياتها كما هو حاصل في العراق ولبنان واليمن وغيرها.
ومن أجل تسليط الضوء على الأساليب التي يتبعها ويتخفى خلفها الفاسدون، وحتى يعرف البسطاء من الناس حقيقة الفساد والفاسدين، لا بد من كشف هذه الأساليب، ونوجز أهمها، كالتالي:
_الفساد هو عمل جماعي، يتطلب مشاركة الفاسدين وتوثيق الصلة فيما بينهم.
_الفساد يمارسه أناس يُقال عنهم إنهم فوق القانون، لهذا يلجأ الفاسد المبتدئ للتقرب منهم ومشاركتهم بأغلى الأثمان لأنهم يعلمونه مهارات لا يمتلكها غيرهم ويختصرون عليه الزمن في صعود سلم الفساد المخيف.
_تكون حصص الفساد غير متساوية، فالكعكة يتم اقتسامها حسب مراتبهم، فكعكة الفاسدين أبدا لا تكون بالتساوي.
_الفاسد الكبير يرمي اَلْفُتَاة وبكرم مبالغ فيه أحيانا، للفاسدين الصغار ليشجعهم على اتباعه وطاعته طمعا بالحصول على المزيد من اَلْفُتَاة لاحقا.
_الفاسد المحترف يكون فوق القانون فهو من خلال علاقاته العنكبوتية الفاسدة يلوي عنق المواد القانونية ويحمي نفسه ويصفق له الناس ومكانه في مقدمة المجالس في أغلب الأحيان .
_ يعمل الفاسد دوما على إخفاء أدلة فسادهم، وعند الاضطرار يُضحي بأحد صغار اتباعه ويحمله المسؤولية ويكون هو في مأمن من الحساب.
_الفاسد لا يخجل ولا يستحي، ولديه قدرة عجيبة على التلوّن والخداع.
_غالبا ما يقيم الفاسدون حفلات صاخبة وسهرا ومجونا وخمورا ونساء وهدايا لأنها بيئة جيدة لنمو عفن الفساد.
_لديهم مفردات ومصطلحات خاصة بالفساد فهم يحذرون من كلمة (رشوة) ويستنكرونها بشدة إنما يسمونها (هدية) أو (عمولة)...
عيييييب!!! أنا لا أرتشي!!! سميها هدية...
وهم جميعا يحفظون الحديث (تهادوا تحابوا)!.
_الفاسدون لا ينكرون الفساد، بل يتحدثون، أنه كبير إلى درجة من الصعب وربما من المستحيل القضاء عليه، ويلجأون لاتهام أطرافا أخرى دون تحديدها بكلام عام وعائم.
_ وهم أكثر من يتبجح بأحاديث الشرف والنزاهة والشعارات الرنانة، لكنهم لا يتوقفون عن لعبة الفساد ومصاحبة الفاسدين.
_يلجئون دوما إلى اسلوب التوريط والاحتفاظ بكل ما يمكن استخدامه كوسيلة ضغط وتخويف وترهيب، سواء فيما بينهم أو مع الآخرين، وكلما تعرضوا إلى انتقاد أو هجوم من طرف ما، يهددونه بملفات لديهم تدينه وتسكته، وفي أغلب الأحيان يُسكتون خصومهم ومنافسيهم إلى الأبد بالقتل او الاختطاف او الاغتيال.
_يعملون على تلميع صورتهم ويقدمون خدمات جليلة لمن يحارب الفساد ويلتقطون صورا وأفلاما معه.
_يميلون إلى تجنيد أبواق إعلامية تساعد على تحسين صورتهم، فالانتهازيون من الإعلاميين يختصرون الجهد والوقت على الفاسد.
_يحاولون الظهور أحيانا مع بعض رجال الدين أو أماكن العبادة والتبرع لهم أو للفقراء لإيهام البسطاء وكسبهم.
_يبتعدون عن المثقفين والشعراء وأصحاب الأفكار والنظريات ولا يردّون على انتقاداتهم.
_يبحثون بجنون على قاضٍ فاسد، ويعتبرونه كنزا لا يقدر بثمن، ويُغدقون عليه من الأموال والهدايا الثمينة، لان لا أحد يستطيع أن يشكك به أو يسأله من أين لك هذا...
_يحذرون بشدة من الشفافية ويحاربونها بلا هوادة، فهي بداية النهاية لهم.
_أخيرا وليس آخرا فإن عدوهم الأخطر هو الضمير ويستقتلون على جعله نائما في سبات دائم، فضمير الشعوب إن صحى فسيهزمهم جميعا.
1171 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع