أدوارالاستخبارت الاستراتيجية

                                                      


                        الدكتور مهند العزاوي*


أدوار الاستخبارت الاستراتيجية

اعتمدت الامبراطوريات والدول عبر التاريخ على تقييم الفواعل السياسية ضمن البيئة الاستراتيجية ، واستخدمت منتج الاستخبارات في تحديد أهدافها، وتقييم مخاطرها، وتوجيه عمل قواتها المسلحة، وكشف نوايا العدو وافعاله الممكنة، ولم يقتصر العمل الاستخباري على جمع المعلومات ، وامن الاستخبارات المتعلق بالأفراد والمنشئات، والاختراق المضاد ، والتسريب فحسب ، بل اتخذ عمل الاستخبارات مناحي عديدة ذات طابع استراتيجي ، وتعتمد القيادات السياسية عالميا على دعم الاستخبارات السياسةَ ، وتعمل على تفعيل وتطوير وسائلها ، وتوسيع أدوارها ، ومجالات عملها ومنها استخبارات البيئة الاستراتيجية.

وشهدنا تداخل الفعاليات في العمل الاستخباري ، ودخول عناصر جديدة كالشركات الأمنية والعسكرية ، والمعلوماتية ، والتقنية ، وهذه العوامل قد غيرت من مبادئ عمل الاستخبارات ، وأثرت على مبادئ الحرب كمبدأ الامن، وامن المعلومات ، وسرية التداول واسبقية الوصول ، كما واثرت عوامل التكنلوجيا ، والفضاء ، والحرب السيبرانية ، والرقابة الالكترونية على الأداء الاستخباري البشري ، لاسيما المتعلق باليقظة والمعرفة المبكرة ، والتحسب، والوقاية ، حيث انيطت تلك العمليات والتحليل الى تطبيقات الذكاء المصنع ، والمعالجة الالكترونية.

وتعرف الاستخبارات بانها "العملية التي يتم من خلالها جمع المعلومات، وتحليلها، ورفعها إلى صانع القرار "دورة الاستخبارات" وتعنى المنتج عن جمع، وتنقيح ودمج، وتقييم وتحليل ، وتفسير البيانات المتوفرة عن نوايا ، ودوافع الدول ، والقوى أو العناصر المعادية، وكذلك مناطق العمليات الفعلية أو المحتملة.

مستويات الاستخبارت

يعتقد البعض ان عمل الاستخبارات مختص في الشأن العسكري، ومسرح العمليات والفعاليات الميدانية للعدو فقط، بينما يشمل مجتمع الاستخبارات أجهزة استخبارية متعددة ، قد تصل الى سبعة عشر جهازا امنيا واستخباريا، مما يوسع أدوار الاستخبارات ضمن سياق تنسيقي تنفيذي، وبأهداف أوسع من البيئة الاستراتيجية العسكرية ، ولابد ان يكون عمل الاستخبارت أوسع من النهج الاكاديمي التقليدي المتعلق بدورة الاستخبارات، لأنها من المخرجات الأساسية التي تعتمد في صنع واتخاذ القرار السياسي والعسكري، وتعمل الاستخبارات على مستويين استراتيجي واخر تكتيكي، لكي يواكب سيولة الأفعال والتطورات والمطالب .

المستوى الاستراتيجي

الاستخبارات الاستراتيجية هي تلك المعلومات اللازمة التي تقدمها دوائر الاستخبارات، لصياغة السياسات الحكومية ، واعداد الخطط العسكرية على مستوى السياسة الدولية والوطنية، وتتعلق بتقدير وتقييم التهديد ، وفحص الاهداف الحالية والمحتملة وفق متطلبات الاستخبارات، وسياق التاثير الحاصل، والمحتمل ومدى الاختراق الحاصل، والاختراق المضاد، والنوايا والدوافع ، والخطط المرتبطة بها. وتسمى "العناصر الأساسية للمعلومات" وتُعرف على أنها عناصر المعلومات الاستخبارية حول ما ذكرناه أعلاه، وتعد حيوية للغاية لأنها من مدخلات اتخاذ القرار الدقيق وفي الوقت المناسب.

المستوى التكتيكي

تسمى بالغالب الاستخبارات الميدانية المتعلقة بمسرح العمليات، وتهدف إلى الاستجابة، لاحتياجات القادة العسكريين الميدانيين، لتمكين القادة من معرفة نوايا وتحركات العدو وخططه، والتخطيط للعمليات القتالية ، والتنفيذ وتعمل الاستخبارات العسكرية في المستوى التكتيكي على الاستجابة أو تلبية احتياجات قائد العمليات؛ الشخص الذي يتعين عليه التصرف أو الرد على مجموعة معينة من الظروف في مسرح العمليات، وتبدأ العملية بتحديد القائد للمعلومات المطلوبة للتصرف بمسؤولية، وغالبًا ما تسمى بـ متطلبات المعلومات (عناصر المعلومات المتعلقة بالعدو وبيئته التي يجب جمعها ومعالجتها من أجل تلبية الاحتياجات الاستخباراتية للقائد العسكري) وتقدم على شكل تقدير موقف استخبارات او تقرير استخبارات وكذلك تحليل البيئة.

أدوار الاستخبارات

تتركز أدوار الاستخبارات في مختلف دول العالم على حماية الأمن القومي، وتعزيز مصالح الدول الخارجية في حالتي السلم والحرب، عبر مجالين رئيسيين:

الأول: توفير قاعدة البيانات والمعلومات الموثوقة، كمنتج استخبارات استراتيجي لصنع السياسات واتخاذ القرارات الرشيدة.

الثاني: يتعلق بمتابعة وتحليل توجهات الدول الأخرى، واليات التأثير والتأثير المضاد، ومكافحة التجسس المضاد على الدولة.

ويتحدد مدى فعالية أجهزة الاستخبارات من عدمه في حال كان دورها يمثل عاملاً إيجابيا أو سلبيا لجهد الدولة الاستراتيجي، ويبرز ذلك في مواقف عديدة وحروب خاضتها الدول معتمدة على استخبارات ومعلومات منقوصة وغير دقيقة ادت الى كوارث وازمات استراتيجية للدولة ، وفشل عسكري، لاسيما ان أخطاء الاستخبارات هي أخطاء حقيقية ناتجة من سوء التحليل والتقدير ، انطلاقا من بيانات قليلة أو مفقودة، تقود الى فشل منتج الاستخبارات، واكيد انه ناتج عن طرح فرضيات غير صحيحة، أو مفقودة، ، أو غير كافية، وربما بتعنت شخصي من المدير، لان تحليل الاستخبارات منظومة فكرية تعتمد على تطبيق طرق معرفية فردية او جماعية ، لفحص وتقييم وتصنيف المعلومات والبيانات ثم اعتمادها ، وبعد ذلك طرح الفرضيات الواقعية ،ويتم اختبارها ضمن سياق مقرون بوسائل الاثبات، ونستعرض بعض أدوار الاستخبارات الاستراتيجية :

أ‌. المعرفة المبكرة وتجنب المفاجآت ومباغتة العدو.

ب‌. مكافحة التدخّل في شؤون القوات المسلحة

ت‌. امن القوات المسلحة وأمن العمليات

ث‌. مكافحة التدخّل والتجسس الاقتصادي

ج‌. مكافحة الاختراق السيبراني

ح‌. متابعة وتحليل البيئة الاستراتيجية

خ‌. استشراف الأفعال الممكنة ضمن قائمة التهديد الاستراتيجي

د‌. إعطاء الوقت التقريبي للحرب - القوات - الزمان والمكان.

ذ‌. تحديد قوات العدو وأسلحته ومواقع انفتاحه وانتشاره وقواطع عملياته.

ر‌. توفير قاعدة بيانات متكاملة عن العدو في المستوى التكتيكي والإستراتيجي.

ز‌. توفير وسائل الدلالة لإسناد منتج الاستخبارات أمام أصحاب القرار.

س‌. إدارة الاستخبارات والتفاعل ضمن مجتمع الاستخبارات

ش‌. المساهمة في دورة صنع القرار

دورة الاستخبارات

دورة الاستخبارات هي سلسلة من الأنشطة المتوازية، وتعمل دورة الاستخبارات التقليدية على جمع المعلومات ومعالجتها وتحليلها بشكل منفصل، ونلاحظ الفصل بالمهام وربما له سلبيات تتعلق بتجنب المسؤولية عن جودة منتج الاستخبارت النهائي ، لأن هذا العملية المجزأة تؤدي إلى قطع التسلسل العملياتي للمعلومة ، والالمام المشترك والمسؤوليات ، وربما تزيد من بيئة الغموض ، فضلا عن فقدان عامل المرونة والتفكير الجمعي ، واصبح من الضروري ان تكون مراحل عمل دورة الاستخبارات في ظل تيسر الوسائل الحديثة مختلفة عن العمليات التقليدية ، ويمكن حرق وتداخل المراحل ، لاسيما مراحل الجمع والمعالجة والتحليل، ويتطلب ذلك مشاركة المسؤوليات ، وتتكون دورة الاستخبارات من خمس مراحل:

1. التخطيط والتوجيه

2. جمع المعلومات

3. المعالجة

4. التحليل والإنتاج

5. النشر

ومع ازدياد مسؤوليات الاستخبارات وتعدد ميادينها ، أصبح عمل الاستخبارات متعدد الأهداف والتوجهات ، ولم يعد العمل الاستخباري مقترن بالمعلومات الواردة من المصادر البشرية المعتمدة ، او التقارير الرسمية فحسب ، بل تطورت اساليب تحرير منتج الاستخبارات بشكل كبير ، ولعل من الأخطاء الشائعة حاليا، اعتماد البعض على الاخبار والنشرات والتقارير الإخبارية عبر وسائل الاعلام كمادة استخبارات اساسية، وهذا خطأ تكتيكي كبير، لأن هذه الاخبار صناعة خبرية ليست معلومات خام ، وتمثل استراتيجية الوسيلة الإعلامية ، وسياق تأثيرها في الأخرين، وتحتوي على 20% من المعلومات ، وقد تكون تلك المعلومات مضللة ، او مضافا لها عوامل الدعاية والخداع ، وصرف الأنظار والمؤثرات والعواطف ، مما تحرف تفكير المحلل وقراره ، اما على مستوى استخبارات الدولة فقد اتسعت المسؤوليات والادوار ولم تقتصر على المهام التقليدية ، بل اتجهت الى تقدير وتقييم العوامل الحاكمة في صنع واتخاذ القرار ، فضلا عن العمل المشترك في مجتمع الاستخبارات لتحقيق التكامل الاستخباري .

تشير القاعدة الفقهية في عمل الاستخبارات (المعرفة المبكرة تجنبك المفاجأة) وربما لا تقتصر هذه الجملة على العمل العسكري والاستخباري فحسب، بل تتصل وبشكل مباشر بكافة مراحل صنع واتخاذ القرارات السياسية والاقتصادية والاجتماعية ، وإدارة الازمات والكوارث ، وأيضا إدارة التهديد ، لأنها تمنح متخذ القرار التصور الواقعي للبيئة الاستراتيجية ، والعوامل الحاكمة للقرار ، وكذلك نوايا الأطراف المعادية والخصوم والمنافسين ، وموازنة المخاطر ، والقدرات لكافة الأطراف ، مما يمنح القائد الخيارات الصحيحة في المعالجة والبدائل الاستراتيجية، اذن أصبحت أدوار الاستخبارات اكثر اتساعا وذات طابع استشرافي توضح ماذا سيحدث ، وليس فقط العمل باستراتيجية عين الصقر التي توضح ما يحدث .

*خبير استراتيجي عراقي

‏الأربعاء‏، 20‏ تموز‏، 2022

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

1058 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع