أحمد العبدالله
صدّام حسين؛ العراق وفلسطين حالة واحدة!!
العراق؛ ليس أكبر دولة عربية في المساحة؛ بل هو عاشرها, وليس أكثر دولة عربية في السكان؛ بل هو رابعها, ولا هو أغناها, بل يأتي في المرتبة العاشرة, وكذلك هو لا يملك حدوداً مباشرة مع إسرائيل, كما إن نسيجه الإجتماعي غير متماسك ولا مترابط بسبب تنوعه الشديد؛ دينيا وعرقيّاً وطائفيا, ومكوناته لا تتفق على أمر جامع أو هدف مشترك, إلاّ ما ندر. وقبل كل ذلك؛ فإنه يواجه تحديّاً خطيرا, فلديه حدوداً مترامية بطول(1458) كم, مع جار فارسي مجوسي عدواني حقود, وطامع وخبيث, لم يفتر الصراع الوجودي الطويل والدامي والعنيف معه, منذ خمسة آلاف سنة متواصلة تقريبا.
وفق هكذا معطيات؛ تُحتّم على العراق الاهتمام بداخله وشؤون شعبه أولاً, لبناء مجتمعه وتعزيز وحدة مكوناته والسعي لبناء هوية وطنية عراقية جامعة, وترصين حدوده من خلال انشاء تحالفات وثيقة مع الدول الكبرى والمؤثرة في العالم وفي الإقليم, على أساس المصالح المشتركة. فالخطر الذي يتهدده عبر تاريخه المديد, كان من الشرق أكثر منه من الغرب. ولكن خلافا لكل ذلك, وعكس كل منطق, نرى العراق, خلال عهوده السياسية المختلفة, منغمسا بشدة في قضايا قومية؛ كقضية فلسطين, أكثر بكثير من أهلها أنفسهم, ووصلت لحد التطرف والمبالغة, وعلى حساب مصالحه الوطنية الحيوية في الغالب. دون أن يُفهم من كلامي هذا إني أدعو لانكفاء العراق على نفسه, وعدم لعب دور مؤثر ضمن النطاق العربي والإسلامي, ولكن أن يكون ذلك في حدوده وضمن إمكانياته, وليس على حساب شعبه. أم كُتب علينا أن نكون مثل؛(حمّال الأسيّة)*!!.
في العهد الملكي, والمتهم ظلما من قبل القوميين بـ(العمالة للغرب)!!, كان مفتي فلسطين الشيخ أمين الحسيني يصول ويجول في بغداد, ويحرّض على الحكومة العراقية ويتهمها بـ(موالاة الانكليز)!!, وهو في ضيافتها مُعزّزاً مكرّما. وهو الذي يقف وراء المغامرة التي قام بها العقداء الأربعة ومعهم رشيد عالي الكيلاني, والتي عُرفت بحركة مايس عام 1941, والتي أطاحت بكل المنجزات التي تحققت بالعمل الدؤوب لقادته المخلصين لتأسيس كيان دولة العراق, وأرجعت البلاد عشرين عاما إلى الوراء, لتبدأ رحلة كفاح مضنية أخرى من الصفر تقريبا. وما أن تمكن العراق من الوقوف على قدميه من جديد, حتى جاء الانقلاب العسكري الدموي في 14 تموز 1958, ليقضي على كل شيء هذه المرة, ثم لتتبعه سلسلة أخرى من الانقلابات والمغامرات والحروب حتى وصلنا للاحتلال الغاشم في 2003, كحصاد مرّ للسياسات الخاطئة السابقة, وعهود توالت على حكم العراق, كل منها يزايد على الذي قبله ويتهمه بخيانة (الگضية المركزية)!!, وإن هدفه تحرير فلسطين(من النهر إلى البحر)!!. وفي النتيجة ذهبت فلسطين؛ ببحرها ونهرها وما بينهما, ومعها أيضا؛ سيناء والجولان وبعض من لبنان.
خلال المعارك بين الفدائيين الفلسطينيين والجيش الأردني عام 1970, والتي عرفت بـ(أيلول الأسود), حاولت حركة فتح استدراج الجيش العراقي المتواجد على الجبهة الأردنية تجاه إسرائيل وزجّه في حربها العبثية مع الملك حسين, ولاقى هذا الطرح تأييدا من قبل جناح في القيادة العراقية يقوده عبد الخالق السامرائي, وحصل نقاش حاد داخل مجلس قيادة الثورة, انتصر فيه في النهاية التيار العقلاني الذي مثّله البكر وصدام حسين وآخرين, وكان يرتكز على حجج منطقية ومقنعة, مؤداها؛ إن أيَّ تدخل عسكري عراقي ستكون عواقبه وخيمة على العراق, وسيجعله بمواجهة أمريكا وإسرائيل بشكل مباشر**.
كان الرئيس صدام حسين يكرّر كثيرا في خطاباته وأحاديثه عبارته الشهيرة؛( العراق وفلسطين حالة واحدة)!!. وفي أشدِّ سنوات الحصار المفروض على البلاد في أواخر التسعينات, كانت الحكومة العراقية تقدّم عشرة آلاف دولار لكل شهيد فلسطيني وألف دولار لكل جريح خلال (انتفاضة الأقصى). في وقت كان راتب الموظف العراقي لا يزيد على بضعة دولارات في الشهر!!. وفي المحصلة؛ صار العراقيون(يحسدون) الفلسطينيين, لأن حالنا أمسى أسوأ بكثير منهم. على الأقل إن قضيتهم تتمتع بحضور إعلامي وتعاطف عربي. فإن قتلت إسرائيل فلسطينيا واحدا أو هدمّت منزلا واحدا (بعد حكم قضائي), يتصدّر نبأهما الفضائيات!!. بينما نحن هُجّرنا بالملايين ودُمّرت مدننا, ولا أحد يذكرنا بكلمة مواساة واحدة, لأن حديثهم كله عن إنها (حرب على الأرهاب)!!, ونحن من ندفع الثمن.
وفي الوقت الراهن, فإن مكونات الشعب العراقي تختلف في كل شيء, ولكن يوحّدهم موضوع؛(مقاومة التطبيع مع إسرائيل)!!. وكأن مشاكل العراق قد انتهت ولم يتبقَ سوى هذا الموضوع. ففي القرار الذي صوّت عليه البرلمان العراقي مؤخراً حول (تجريم) التطبيع مع إسرائيل, كان التصويت بالإجماع !!, وهي حالة غير مألوفة وتحصل للمرة الأولى منذ الاحتلال, في (بلد الشقاق والنفاق).
وهذا علي حاتم السليمان, يعود من منفاه بعد أن شرّدته الميليشيات الإيرانية منذ ثماني سنين, واستباحت ديار قومه ودنّست حتى منزله الخاص في الفلوجة, لـ(يغرّد) فور وصوله بغداد؛ بأنه قادم لـ(مقاومة التطبيع ومقاتلة المطبّعين في الأنبار)!!. أما مشعان الجبوري فقد أطلق تصريحا تحريضيا بعد إسقاط عضويته من البرلمان مؤخرا, يغازل فيه إيران وحثالاتها ليصفحوا عنه ويعيدوا له (الكرسي المسلوب), قال فيه؛(إن نزع سلاح محمد الحلبوسي أهم من نزع سلاح الميليشيات الشيعية)!!!.
إن فلسطين قضية عربية - إسلامية, وليست خاصة بالعراقيين لوحدهم, ولا يجب أن نتحمل أكثر مما ينبغي, فقد دفعنا كشعب خلال أكثر من سبعين سنة فوق طاقتنا بكثير بسبب ذلك, وانتهى بنا الحال من دولة رائدة في المنطقة إلى مكبّ نفايات وبقرة حلوب للفرس المجوس, وصارت حتى الصومال أفضل مناّ بكثير!!. والموضوع ذو شجون ويحزّ في النفس, لأننا لا نرى عدونا الحقيقي والذي نكتوي بناره كل يوم, ونذهب لمحاربة اسرائيل التي طبّع أهلها معها, يوم(طَبَعَ) محمود عباس قبلتين حميمتين على وجنتي وزيرة خارجيتها اللّعوب؛(تسيبي ليفني)!!.
.............................
* في كتابه؛(حصاد ثورة),يقول الوزير عبد الكريم فرحان؛ إنه وبناءاً على اقتراح منه, قرر العراق خصم ربع رواتب الموظفين والعمال والمستخدمين دعما لـ(المجهود الحربي)!!, بعد هزيمة 5 حزيران 1967. وهو إجراء لم تقدم عليه الدول صاحبة الشأن نفسها. وكان جزاؤنا كـ(جزاء سنمار), فقد قاتل الجيشان؛السوري والمصري جنبا إلى جنب مع الجيش الأمريكي في العدوان الثلاثيني على العراق سنة 1991. وقبل ذلك وقف المجرم حافظ أسد مع الفرس المجوس في عدوانهم على بلادنا وزودهم بالسلاح والعتاد, وباعنا(حسني الخفيف) دبابات (خردة) تعطلت بمجرد مغادرتها للميناء!!.
** لو حصل مثل ذلك التدخل, لكان مغامرة مماثلة أو قريبة لما حصل بعد ذلك التاريخ بعشرين سنة, في موضوع غزو واحتلال الكويت, والتي جلبت لنا الويلات والكوارث.
1980 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع